أسرار النوم

لأنّ النوم ليس مجرد فترة راحة، مواعيده يجب أن تكون مقدسة
إعداد: روجينا خليل الشختورة

في سكون الليل ينشط الدماغ لـ «يصنع» توازن الإنسان... ومزاجه

 

في أواخر التسعينيات، أولى الطب الحديث اهتمامًا خاصًا بالنوم ونوعيته، وتم إنشاء مراكز متخصصة لدراسة مراحل النوم والتغيرات التي تطرأ على الجسم خلاله، وتنتشر هذه المراكز بكثرة في أميركا الشمالية وأوروبا وأيضًا في لبنان. في الواقع، كشفت الدراسات الحديثة الكثير من أسرار النوم ومدى تأثير نوعيته على أداء جسم الإنسان لوظائفه المختلفة.

 

مشكلة النوم
تشير بعض الإحصاءات الموجودة في الدراسات العالمية، أنّ إصابة السائق بنوبة نعاس خلال قيادة السيارة هي السبب في 15% من حوادث السير وفي سقوط 30% من القتلى في هذه الحوادث. ويقرّ 25% من الناس أنهم يتكلمون وهم نائمون، كما أنّ نسبة مماثلة من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 30 و60 عامًا يعانون الاختناق الليلي (ضيق تنفّس وتوقّفه لثوانٍ معدودة خلال فترة النوم). وثمة 33% يصابون بالهلوسة قبل النوم، و10% يستهلكون بصورة دائمة العقاقير المنومة...
ولو كانت مشكلة النوم لا تقضّ مضجع كثيرين من الناس، لما رأينا هذا الكم الهائل من الأدوية المنومة والتي تباع في الصيدليات كحل أخير لهؤلاء الذين يصبح ليلهم جحيمًا. وقد بينت الإحصاءات أيضًا أنّ الاضطرابات النفسية والعقلية والجسدية غالبًا ما يكون جزءٌ منها مرتبط بنوم سيئ.

 

اضطرابات النوم
يوضح الدكتور الياس الباشا، وهو عضو في «الجمعية البريطانية لجراحي الدماغ والجهاز العصبي»، و«الأكاديمية الأميركية لطب النوم الشافي» واختصاصي في معالجة مشاكل النوم واضطراباته، أنّ كثيرًا من الناس يعانون مشاكل مختلفة عندما يأوون إلى فراشهم، ولعلّ أهمها: الصعوبة في النوم، الاستيقاظ عدة مرات في الليل وعدم القدرة على العودة إلى النوم بسرعة، الشعور بأنّ فترة النوم لم تكن كافية والرغبة في العودة إلى الفراش بعد الاستيقاظ، وهما يترافقان أحيانًا مع شعور بالإرهاق والمزاج السيئ... كذلك، يشعر بعض الناس بالنعاس الطارئ الذي لا يمكن مقاومته لأنه يشل الحركة، هؤلاء قد ينامون في أثناء القيادة أو في المكتب، كما يعاني عدد من الأشخاص الكوابيس والسير اللاواعي والهلوسة خلال نومهم.
عندما نقوم بتصنيف اضطرابات النوم، يضيف الدكتور الباشا، نقسمها حسب المراحل والأعمار والأعضاء... فهناك اضطرابات النوم النفسية، الدماغية، والغذائية... والأهمّ هي تلك التي تؤثر على جهاز العضلات. وهناك 6 إضطرابات خاصة بالعضلات هي:
1- الـ«Bruxisme»، أي اضطراب عضلات الفك والحنك، وينتج عنها غالبًا «كزكزة الأسنان» التي تؤدي إلى الشعور بالتعب وبثقل في الرأس.
2-  اضطراب عضلات الظهر صباحًا حيث تظهر عوارض أوجاع الظهر والرقبة.
3-  انتفاض الأرجل لدى النساء ليلًا وهو ما يسمى «Restless Leg Syndrome».
4-  أوجاع الأرجل ليلًا مترافقة مع تشنجات «Periodic Leg Movement».
5-  ما يسمّى بالـ «Nocturnal Regurgitation» حيث يستيقظ الإنسان فجأةً بسبب شعوره بالاختناق بسبب ارتخاء عضلة مسؤولة عن حبس الحموضة داخل المعدة والحؤول دون خروجها. ترتخي هذه العضلة بسبب عدم تلقيها الأوامر بالانقباض، فتسمح للحموضة بالمرور لتصل إلى رأس المعدة ومن ثمّ إلى الحلق ما يسبب الاختناق.
6- يضاف إلى ما ذكر ما يسمى بالـ «Nocturnal Urinary Incontinance» وهو التبوّل الليلي لدى الأولاد بسبب ارتخاء العضلة الموجودة على آخر المثانة، هذا الارتخاء يمكن أن يتطور مع نمو الطفل ليرافقه في كبره.

 

ما هي أسباب التشنجات التي تصيب الأطراف خصوصًا الرجلين؟
يجيب الدكتور الباشا عن هذا السؤال بالقول: إنّه اضطراب يستهدف الرجلين لأسباب دماغية وغذائية، فيبدأ ليلًا وينتقل بعد فترة ليظهر في النهار، فيشعر المريض بأحاسيس متنوعة ومتغيرة لا يمكن شرحها أو تصنيفها وكأنّ كهرباء تمر في عضلات الرجلين أو اليدين وأحيانًا الوجه. وقد يشعر الشخص بخدر خفيف في هذه الأعضاء (تنميل). المهمّ هو أنّه متى بدأت هذه الأحاسيس، لا يمكن التخلص منها إلا بتحريك الرجلين والمشي للشعور بالراحة، وإلا ازدادت بسبب تهيج العضلات.
ويضيف: غالبًا ما تشخّص هذه الاضطرابات على أنها «فاريس» أو «روماتيزم» أو مرض عضال ليس له أي علاقة بالنوم، ما يستدعي تناول الأدوية التي وفي معظم الأحيان لا تعطي نتيجة إيجابية بل تزيد من حدة الاضطرابات.
اليوم بات في الإمكان التخلص من هذه المشاكل في عيادات معالجة مشاكل النوم، وذلك عبر إجراء تخطيط للنوم يبيّن مساره ونوعيته، بالإضافة إلى إجراء الفحوص المخبرية اللازمة، ففي بعض الأحيان ترتبط مشاكل النوم بأمراض أخرى.
وينصح الدكتور الباشا بالقيام ببعض الخطوات التي تتيح النوم بشكل سليم، مثل: إطفاء النور، على ألا تكون الغرفة شديدة التدفئة، التوقف عن مشاهدة التلفزيون أو العمل على الكومبيوتر قبل ساعة من الخلود الى النوم، سماع الموسيقى الهادئة، الصلاة، التخطيط للعمل في اليوم التالي، شرب كوب من الحليب الساخن الغني بمادة «التريبتوفان» والتي تتحول إلى «ميلاتونين» تلقائيًا وهو هورمون النوم بامتياز.

 

عمل الدماغ ليلًا
يوضح الدكتور الباشا أنّ الدماغ يعمل في الليل بزيادة ثمانية أضعاف عن عمله في النهار، لذلك يتكوّن توازن الإنسان خلال الليل. ويفرز الدماغ ثلاثة أنواع من الهورمونات هي: السيريتونين «Seretonine» المسؤول عن المزاج الجيد والمرِح، الميلاتونين «Melatonine» وهو هورمون النوم، والدوبامين «Dopamine» الذي يؤمّن التوازن والقدرة على التركيز والاستيعاب وتغذية الذاكرة. والجسم يتجدّد بهذه الهورمونات بالإضافة إلى غيرها، فإذا نقصت كمية منها برزت المشاكل المتعلقة بها.

 

مراحل النوم
يمر النوم بعدة مراحل، وفق ما يشير الدكتور الباشا، هذه المراحل تشكل دورة النوم التي يجب أن تكتمل، ليؤدي النوم وظائفه المختلفة. ويمكن ملاحظة التغيرات في تخطيط النوم على النحو الآتي:
- المرحلة الأولى: النعاس (Drawziness) الذي يتمظهر في حركة بطيئة تنتج عن انخفاض درجة حرارة الجسم. (يجب تناول الطعام، القيام بالتمارين الرياضية، والاستحمام قبل موعد النوم بأربع ساعات، فهذه النشاطات ترفع درجة حرارة الجسم وبالتالي تؤخر مرحلة النعاس).
- المرحلة الثانية: هي أعمق وتستمر من 5 إلى 15 دقيقة.
- المرحلة الثالثة: تبرز تموجات بطيئة أكثر وبعيدة بعض الشيء، وتتميز هذه المرحلة بالنوم العميق ويشكل 10% من مجموع ساعات النوم.
- المرحلة الرابعة: يكون النوم أكثر عمقًا خلالها، مع بروز موجات بطيئة أكثر وتمثل نسبة 20% من فترة النوم.
تتوقف حركة الجسم والعينين في المرحلتين الأخيرتين لفترة، ثم تنشط حركة العينين تحت الجفنين وتسمى «Rapid eye movement»، حيث يلاحظ أنّ الدماغ يعمل بمعدل ثمانية أضعاف زيادة عن عمله خلال الفترات الأخرى، وهنا تبرز حركة العينين من دون حركة الجسم، وفي هذه المرحلة تبدأ الأحلام. وتتكرر هذه المراحل القصوى من النوم كل 90 إلى 100 دقيقة.

 

الصحة والنوم
• قررت منظمة الصحة العالمية في أواخر التسعينيات، إطلاق برنامج عالمي لدراسة النتائج السلبية الناجمة عن مشاكل الأرق في العالم، وسمي المشروع «الصحة والنوم»، وكانت النتيجة مذهلة: يعاني واحد من أصل خمسة أشخاص في العالم الأرق، وهو يؤثر سلبًا على القدرة الاستيعابية والتعليمية لدى الأطفال، الأمر الذي تطال تداعياته الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
من نتائج هذه الدراسة، تطوير الأدوية المعالجة للأرق. بالإضافة إلى ذلك، عمل الباحثون على تطوير السلوك الملازم للنوم وتحسينه مثل: احترام ساعات النوم، ومساعدة الأشخاص على معرفة ساعتهم البيولوجية والتي حين يدق جرسها يجب الإيواء إلى الفراش بأي ثمن، لأن النعاس كنز لا يعرف قيمته إلا من يمضي الليل من دون أن يغمض له جفن.
• عشرون بالمئة من الحوادث التي تقود إلى الموت أو إلى إعاقات مزمنة سببها مشاكل في النوم.
• كلّ شخص يشكو من اضطراب في النوم لأكثر من سنة واحدة يصبح عرضة للكآبة والاضطرابات النفسية بمعدل ثلاث مرات أكثر من شخص يتمتع بنوم عميق.
• إنّ الأشخاص الذين يشكون من الانهيار العصبي أو القلق والذين عولجوا بنجاح بواسطة النوم العميق، يعودون إلى حالتهم المرضية في حال عادت اضطرابات النوم لديهم لفترة تتعدى الستة أسابيع.