في كل بيت

لأن الإستسلام أمام المغريات الإلكترونية ممنوع
إعداد: ريما سليم ضوميط

هيا مع أولادنا إلى اللعب المفيد ومهارات الحياة


تختلف ألعاب الأولاد بين الماضي واليوم اختلافًا شديدًا، وتختلف معها النتائج المرجوّة من اللعب. فنشاطات الماضي بما فيها ألعاب الكرة والرسم والأشغال اليدويّة وألعاب الذاكرة، كانت تمدّ الصغار بالصحّة والعافية وتشجّعهم على الخلق والإبداع. أما ألعاب اليوم، والتي تعتمد بمعظمها على الإلكترونيات، فتخلّف العدائية والمشاعر السلبيّة، بالإضافة إلى المشاكل الصحيّة الناجمة عن الجلوس لفترة طويلة أمام الشاشة الإلكترونية. والأسوأ أن أولادنا باتوا يدمنونها ويعتبرونها جزءًا أساسيًّا من حياتهم اليومية. فكيف ننقذ صغارنا من الألعاب الضارّة ونعيدهم إلى حلقة اللعب المفيد؟


عودة إلى الهوايات المفيدة
يشير الخبراء إلى أن جيل اليوم يفتقر إلى الهوايات المفيدة، ولذلك يلهي الأولاد أنفسهم إما بالتلفزيون أو بالألعاب الإلكترونية لملء الفراغ. وهم ينصحون الأهل بتشجيع الهوايات على أنواعها، وحث الصغار والمراهقين على توظيف طاقاتهم ومشاعرهم في نشاطات يختارونها بأنفسهم. ويشير هؤلاء إلى أن الهوايات التقليدية أقل كلفة على الصعيد المادّي من الألعاب الإلكترونية، ولكنّها في المقابل تحتاج إلى جهد شخصي، وهذا ما يمنحها أهميّتها على صعيد تحفيز العقل وتجديد طاقة الجسم، والتشجيع على إطلاق المشاعر والأفكار في أعمال مبدعة.
من بين الهوايات المحبّذ تشجيعها، يذكر ذوو الإختصاص الرياضة بمختلف أنواعها، والمطالعة، والأشغال اليدوية، إضافة إلى الرسم والموسيقى وغيرها من الفنون التي تهذّب النفس وتصقلها.

 

الرياضة لشخصية متوازنة
تعتبر الرياضة عنصرًا فعّالًا في بناء التوازن في شخصيّة الصغار. هذا ما أظهرته الدراسات التي أكّدت أن الألعاب الرياضيّة تحدّ من توتّر الأولاد وشعورهم بالقلق، كما تمنحهم الثقة بالنفس وتحسّن نظرتهم إلى ذواتهم. ويوضح الخبراء أن اللعب ضمن فريق ينمّي القدرة على التواصل الإجتماعي، ويشجّع التعاون وبناء الصداقات، كما يدرّب الأولاد على الإنضباط واحترام القوانين والآخرين، وهي عناصر لها دور أساسي في بناء شخصيّة سليمة. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الرياضة في بناء التفكير النقدي وإيجاد الحلول للمشاكل، كما تطوّر إستجابة الجسم لأوامر العقل، وتدرّب الأخير على إعطاء الأوامر الصحيحة للجسم في إطار الفعل وردود الفعل.

 

كيف نشجّع صغارنا على ممارسة الرياضة؟
ينصح الخبراء الأهل أن يحثّوا أولادهم على ممارسة الرياضة منذ الصغر. ويمكن المباشرة بتعليمهم السباحة منذ سنوات الطفولة المبكرة، ومن ثم دفعهم إلى المشاركة في النشاطات الرياضية داخل المدرسة، وفق هواياتهم الشخصية. ويشجّع الخبراء وجود الأهل على مدرّجات الملاعب في أثناء المباريات الرياضية التي يشارك فيها اولادهم بهدف دعمهم ورفع معنوياتهم. كما ينصحون بعدم توجيه أي نقد أو كلام جارح للولد في حال عدم فوزه.

 

 

حلول عملية
في إطار التشجيع على ممارسة الرياضة، تقول السيّدة سامية أن ابنها وليد (10 سنوات) من هواة كرة القدم، وبغية تشجيعه على ممارسة اللعبة، اتفقت مع عدد من أمهات رفاقه على أن يتقاسمن إيجار أحد الملاعب لمدة ساعتين في كل أسبوع، يلعب خلالهما الأولاد مع بعضهم البعض تحت إشراف الأمهات اللواتي يقضين بدورهن وقتًا ممتعًا بعيدًا من الروتين اليومي.
في السياق نفسه، تروي السيدة روزيت، وهي أم لأربعة أولاد تراوح أعمارهم ما بين السبع سنوات والخمسة عشر عامًا، أن أفراد عائلتها كانوا من المدمنين على الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية، إلى أن حدث ذات يوم مشمس أن فرضت عليهم الإبتعاد عن الإلكترونيات والخروج في نزهة عائلية إلى ملعب مجاني أنشأته إحدى البلديات. حملت العائلة معها الدراجات والكرة ومضارب الـ«تينيس»، فأمضى أفرادها يومًا حافلًا بالنشاط والتنافس المرح، وبات الأولاد يطالبون بتكرار هذه التجربة التي صارت محطة أسبوعية تستريح خلالها العائلة من ضغوطات العمل والدراسة. وتضيف السيدة روزيت أن مبادرتها الصغيرة حققت أكثر من نجاح في الوقت نفسه، فهي أعادت إحياء فكرة الرياضة في ذهن الأولاد، كما أدت إلى جمع العائلة في نشاط مشترك خارج الجدران الأربعة!


المطالعة لتوسيع الآفاق
 المطالعة هواية شيقة ومفيدة في الوقت نفسه. فهي تنقل القارىء إلى عالم مختلف يتعرّف من خلاله إلى عادات وتقاليد وحضارات وطرق تعبير ووسائل عيش تختلف عمّا اختبره في محيطه، كما تنمّي لديه طرق التعبير وتطوّر مخزونه اللغوي.
 يكتسب حب المطالعة منذ الصغر، ولذلك يجب تنمية هذه الهواية بدءًا من مراحل الطفولة الأولى. هذا ما يؤكده الخبراء، الذين ينصحون الأهل بقراءة القصص لأطفالهم بصورة يومية، كما ينصحونهم بتزويدهم الكتب ذات الغلاف القاسي المخصصة للأطفال بغية خلق تآلف بينهم وبين الكتاب. وعند تعلّمه القراءة، يمكن تشجيع الولد على المطالعة عن طريق زيارة المكتبات بشكل دوري، وإفساح المجال ليختار بنفسه الكتاب الذي يرغب بقراءته.
في هذا الإطار، تذكر السيدة مناهل (أم لولدين) أنها تصطحب ولديها في نهاية كل أسبوع إلى إحدى المكتبات العامة (في منطقة سن الفيل) حيث يستعيرون الكتب بدلًا من شرائها. كذلك يتبادل الولدان الكتب الخاصة بهما مع الأصدقاء والجيران بحيث يتاح للجميع الإستفادة من كمية أكبر من دون تكبّد مصاريف إضافية.
في موازاة المطالعة، ينصح الخبراء بتشجيع الكتابة أيضًا، حيث يمكن للأهل أن يحثّوا صغارهم على نصّ رسالة لصديق لدعوته إلى اللعب، أو كتابة وصف للنزهة التي قامت بها العائلة في نهاية الأسبوع، إلخ.. أما الأولاد الأكبر سنًّأ فيمكن تشجيعهم على تدوين مشاعرهم السلبية أو الإيجابية أو اختباراتهم اليومية في مذكرة شخصية، يمكن العودة إليها كلما دعت الحاجة للإستفادة من الخبرات السابقة.

 

الأشغال اليدوية: خلق وإبداع
في القديم، كانت المهارات اليدوية إرثًا عائليًا تتناقله الأجيال، وكانت المدارس تدرج ضمن برنامجها حصصًا مخصّصة للأشغال اليدوية كالتطريز والرسم على الفخّار والحياكة وغيرها، لما لهذه الأعمال من أهمية على صعيد تنمية حس الخلق والإبداع من جهة، وتزويد الأولاد مهارات ضرورية لحياتهم اليومية من جهة أخرى. اليوم، بدأ مجتمعنا يخسر هذه المهارات تدريجًا حيث نلاحظ أن إصلاح زرّ مثلًا يستدعي اللجوء إلى الخيّاط، فكيف نعيد مهارات الماضي؟
يشير الخبراء إلى أن الأشغال اليدوية هي من الأعمال التي تجذب الأولاد لأنها تتيح لهم أن يحققوا إنجازات شخصية يفتخرون بها، كما أنها هواية صالحة لمختلف الأعمار. فالأطفال الذين تراوح اعمارهم ما بين 3 و6 سنوات يمكنهم، بمساعدة قليلة من الأهل، أن ينجزوا إطارًا للصورة من الكرتون المزين برسوم مختلفة. أما الأولاد الأكبر سنًّا فيمكنهم الرسم على الخزفيات، أو إعداد سلطة الفاكهة بالتعاون مع الوالدة. وبالنسبة إلى المراهقين، فمن المفيد تعليمهم مهارات مختلفة كالخياطة والحياكة للفتيات، والدهان والأعمال الخشبية والزراعة للصبيان.
حول هذا الموضوع تؤكد السيدة لارا وهي أم لولدين ( لينا 15 ورامي 17 عامًا) أنها حرصت منذ طفولة ولديها أن تدرّبهما على استخدام يديهما في أعمال مفيدة.
وتضيف: كانت فترة عيدي الميلاد ورأس السنة التوقيت الأفضل لعرض ما أنجزاه من قطع للزينة نعلّقها على شجرة الميلاد، ومن رسومات على الأواني الخزفية التي نقدّم فيها الجوز واللوز لضيوفنا. وكم كان الولدان يفرحان ويشعران بالفخر عندما يثني الأقارب والأصحاب على أعمالهما.
وتشير السيدة لارا الى أن ابنتها لينا ما زالت حتى اليوم تقوم بأشغال يدوية مميّزة، وتنقل إلى الأولاد في الحركة الكشفية التي تنتمي إليها ما تعلّمته في صغرها.

 

الفنون للتعبير عن المشاعر
يتفق الخبراء على فوائد الموسيقى ويقدّمون عدّة أسباب لتشجيع الأولاد على العزف على آلة موسيقية. فالإستماع إلى الموسيقى في عمر مبكر يحسّن القدرات التعليمية ويقوّي الذاكرة من خلال تحفيز الأجزاء الدماغية المسؤولة عن التعلّم والحفظ، والمتعلّقة أيضًا بالنمو العاطفي. كذلك تغذّي الموسيقى الثقة بالنفس وتساعد على النمو الإجتماعي عند العزف ضمن فريق متجانس.
وكما الموسيقى، فكذلك هي باقي الفنون كالرسم والرقص والغناء وغيرها، التي تعتبر وسائل فعّالة للتعبير عن المشاعر الداخلية وإطلاقها في أعمال خلّاقة ومبدعة.
 

 

الطبيعة مدرسة وعلاج
إضافة الى تشجيع الهوايات المختلفة، يشير الخبراء إلى أهمية النشاطات العائلية للأولاد. ويعرضون في هذا الإطار عدة نشاطات يمكن القيام بها كالتسوّق معًا (يمكن استغلال الفرصة لتعليمهم دروسًا في استخدام العملة، او تدريبهم على انتقاء الطعام السليم). كما يمكن أن تتنافس العائلة في لعبة البولينغ المناسبة لمختلف الأعمار، أو يمكن اختيار التنزه في الطبيعة وهو أمر ينصح به الخبراء لما لهذا الأمر من نتائج إيجابية، ومن بينها الشعور بالسلام الداخلي والصفاء الذهني. ويشير هؤلاء إلى أن التنزه في الخارج يتيح للعائلة المشاركة في تذوّق الجمال الطبيعي الذي منحه الله للبشر والخيرات التي زوّدنا إياها، ما يشكّل فرصة للحديث في أمور روحيّة تهذّب نفوس الأولاد والمراهقين وتنير عقولهم. كذلك، يرى المربّون في الطبيعة مدرسة تساعد الولد في اكتشاف محيطه والتعرّف عن كثب إلى بعض أنواع النباتات والأشجار والصخور والتربة، إضافة إلى الطقس والمناخ عبر اختبار التقلبات المناخية بين رحلة وأخرى.
ويشجّع الإختصاصيون الأهل على القيام بنزهات عائلية في الطبيعة كلما سمحت الظروف بذلك، ويوصون بعدم التردد في اصطحاب الأطفال، لأن الطبيعة لديها ما تقدّمه لمختلف الأعمار.
في هذا الإطار تقول السيدة كارلا وهي أم لطفلين (4 و6 سنوات): «عندما اقترح زوجي أن نأخذ طفلينا في نزهة إلى إحدى المحميات الطبيعية، اعتقدت أن الفكرة غير صائبة، حيث أن السير في طريق وعرة ولمسافة طويلة سيرهق الطفلين ويشعرهما بالملل، غير أني كنت مخطئة تمامًا. فالنزهة كانت رائعة حيث تسابق الطفلان في تسلّق الصخور، وركضا بين الأشجار، وانهالا علينا بالأسئلة حول الطيور والحيوانات. وفي طريق العودة، كانا يحملان بفخر واعتزاز قطعًا من الإحفوريات (fossils) التي اكتشفاها خلال رحلتهما العلمية».
السيد فؤاد والد لفتى في السادسة عشرة من عمره يقول: « اعتدت أن اصطحب إبني فادي إلى بستاننا في الضيعة منذ نعومة أظافره. وكان يراقبني باعجاب حين أغرس نبتة أو أقطف ثمرة، ثم بات مع الوقت يشاركني متعة التواصل مع الأرض. أما المتعة الأكبر التي اعتدنا مشاركتها خلال هذه السنوات، فهي التواصل في ما بيننا ومناقشة المسائل العالقة بانفتاح وصراحة.

 

الأهل القدوة والمثال
 لا يمكن أن نشجّع أولادنا على ممارسة نشاط مفيد ما لم نكن مثالًا جيدًا يحتذى. فإذا طلبت الأم من ابنتها الإبتعاد عن شاشة الكمبيوتر والخروج إلى الطبيعة، فيما لا تزال هي نفسها مسترخية أمام شاشة التلفاز، فإن الإبنة لن تقتنع بجدوى الخروج من المنزل.
من هنا، فإن مشاركة الأهل ضرورية لإنجاح أي خطة عمل تتعلق بأولادهم، لذا ينبغي أن نسبق أولادنا الى النشاط الذي نطالبهم بالقيام به. فاجتماع العائلة مساءً لقراءة قصة، أو جمع قطع الـ puzzle، أو لعب المونوبولي، أو تبادل الحديث في مواضيع مختلفة، ومن ثم الصلاة معًا قبل النوم، هي الطريق إلى إكتساب الأولاد العادات الجيّدة، وهي في الوقت نفسه متعة سيطالبون ذويهم بتكرارها مرارًا. كذلك، فإن مساعدة المراهق أبيه في غسل السيارة ومن ثم قيادتها لمسافة قصيرة، ومرافقة المراهقة لوالدتها في التسوّق، أو تسابق أي منهما مع أحد الوالدين في الجري الصباحي أو ركوب الدراجة، هي مغامرات سيودّان تكرارها والتباهي بها.
 

الثبات وعدم التراخي
إن أي سلوك يتكرر مرّة تلو الأخرى، يصبح عادة ترافق المرء في حياته، لذا، على الأهل أن يدفعوا أولادهم إلى تكوين العادات المفيدة من خلال حثّهم على السلوك الجيّد واتخاذ القرارات الصائبة في خياراتهم اليومية. ولا بأس في تكرار التعليمات مرارًا ويوميًّا إذا لزم الأمر، فإن تصميم الأهل وإصرارهم يضعفان رغبة الأولاد في الممانعة، فيما يعزّز التراخي السلوك السلبي، لا سيما عندما يطمئن الأولاد إلى عدم خضوعهم للمحاسبة ، وعندما يلمسون ضعف الأهل عبر تراجعهم المستمرعن قراراتهم.
من هنا ننصح الأهل بالثبات في مواقفهم تجاه المسموح والممنوع في عالم الإلكترونيات والألعاب الإلكترونية، وعدم التراجع في تحقيق نمط عيش صحي جسديًّا وفكريًا وإجتماعيًّا.