إعرف جيشك

لأن سلامة الغذاء العسكري أساس الجهوزية العملانية
إعداد: ندين البلعة

فعل المراقبة يتكرّر في كل الأوقات والمراحل

 

نسمع كثيرًا هذه الأيام عن أنواع لا تُحصى من الأمراض والجراثيم. ومع ازدياد التلوث ازدادت مسببات الأمراض، وباتت السلامة الغذائية من أولى الاحتياطات وأهمّها لتجنّب الإصابات والفيروسات. من جهتها تولي قيادة الجيش غذاء العسكريين أهمية قصوى لما له من تأثير على صحتهم وجهوزيتهم العملانية. وبهدف المتابعة الدقيقة لكيفية تحضير المأكولات في النوادي والثكنات العسكرية، تمّ التعاقد مع أطباء صحّة واختصاصيّي تغذية وأطباء بيطريين بما يوفّر التوافق مع المعايير ودفاتر الشروط والتعليمات الخاصة بالتغذية.
الدكتور فضل الله منيّر (طبيب بيطري، أستاذ محاضر في كلية الطب البيطري - الجامعة اللبنانية، ورئيس سابق لمصلحة التصدير والاستيراد والحجر الصحي البيطري في وزارة الزراعة...) هو أحد المسؤولين عن السلامة والأمن الغذائي في الجيش اللبناني. ومن خلال خبرته في هذا المجال، يشرح أهمية الأمن الغذائي عمومًا والأمن الغذائي العسكري خصوصًا، مشدّدًا على أسس الغذاء السليم ومعاييره.

 

السلسلة الغذائية
يوضح الدكتور منيّر العوامل التي تؤثر على السلسلة الغذائية، بدءًا من نوعية المنتجات التي يجب أن تكون من الصنف الممتاز للحصول على نتيجة أفضل، بالإضافة إلى طريقة توضيب المواد ونقلها وتصنيعها... وفق الشروط الصحية في أماكن العمل، والمحافظة على نظافة المحيط الجغرافي للثكنات والنوادي، حيث يجب أن تكون البيئة خالية من الجراثيم والتلوُّث والقوارض والحشرات والنفايات...
ويؤكّد الدكتور منيّر الأهمية التي كانت المؤسسة العسكرية وما تزال توليها للسلامة والأمن الغذائيين، مشيرًا إلى تطور الإجراءات في هذا المجال بشكل ملحوظ من جهة النظافة: طريقة التسلّم (سيارات مجهّزة ومبرّدة)، طريقة تعامل الطبّاخين مع المأكولات (تحضيرها وطهيها والسهر على سلامتها وتقديمها ضمن الشروط المرعية الإجراء)، مع العلم أنه نادرًا ما سُجِّلَت حالة تسمّم في المطاعم والمطابخ التابعة للنوادي والثكنات، حيث يُحضَّر ومنذ عشرات السنين، ما لا يقلّ عن ثلاثين إلى أربعين ألف وجبة يوميًا.

 

من يراقب هذه السلسلة الغذائية؟
يقول الدكتور منيّر: يتولَّى الأطباء والاختصاصيون الذين عيّنتهم القيادة التدقيق والكشف ومراقبة نوعية الغذاء... وأكثر تحديدًا في المجال الذي أعمل شخصيًا فيه، يقوم الطبيب البيطري بمراقبة المراحل المتسلسلة التي تمرّ بها المواد الغذائية بدءًا من المزرعة مرورًا بالمسلخ وحتى وصولها إلى الصحن. وتتم مراقبة اللحوم والدجاج الطازج والأسماك المجلّدة، والبيض... بالإضافة إلى المعلّبات التي تحوي المنتوجات الحيوانية كاللحوم والطنّ والمرتديلاّ. فتُقبَل إذا كانت صالحة وتستجيب لمعايير محدّدة، أمّا إذا كانت غير صالحة للاستهلاك البشري، فإنها تُرفَض من دون مراجعة. فالطعام الفاسد إذا ما تناوله العسكريون، هو أشدّ فتكًا وخطورة من الرصاصة...» .

 

ماذا عن التجهيزات؟
إنّ تجهيز المطابخ بشكل كامل هو أحد سبل تأمين سلامة الغذاء... وقد قامت مؤسسة الجيش بتطوير غالبية المطابخ وفق ما يتماشى مع هاجس تحسين النوعية والأداء، ومواكبة التقدّم للوصول إلى أفضل النتائج التي توفّر الأمن والسلامة في الغذاء. حتى إنّ بعض المطابخ الموجودة في الثكنات والنوادي حاز شهادة «الأيزو» (ISO) العالمية من حيث تحسين النوعية وإبعاد المخاطر.
تُجهَّز المطابخ بأفران حديثة وآلات وطاولات من مادة ستنلس ستيل Stainless steel التي يسهل تنظيفها وهي غير قابلة للصدأ ولا تجذب الحشرات... كما أنّ الأواني والحلل والسكاكين وآلات العصير وفرم اللحوم مع البرَّادات الصغيرة وغرف البرادات للتجليد، هي تحت المراقبة اليومية... وقد حدّدت الجهات المعنيَّة في هذه المطابخ آلية العمل للوصول إلى النتائج المتوخاة، ونظمت جداول تفتيش دورية على مستويات مختلفة.

 

تحديد النظافة
النظافة هي الطريقة الوحيدة التي تبعد خطر الجراثيم بنسبة 95%. لذا يجب أن تطبّق على كل مرافق المطبخ الشروط الضرورية للحفاظ على النظافة والسلامة الغذائية كما يؤكّد الدكتور منيّر الذي يضيف: لقد لاحظت خلال عملي كمراقب صحي بأن النظافة ملفتة في النوادي التي يعمل فيها العنصر النسائي، فالمرأة بطبيعتها تحرص على التنظيف والترتيب بشكل أفضل وأدقّ.
النظافة يجب أن تشمل كل مرافق المطبخ:

 

• الطهاة: كل عنصر من عناصر المطبخ يجب أن يكون سليم البنية والصحة، غير مصاب بأي من الأمراض الرئوية أو الجلدية، وأن يحرص على نظافة جسمه وثيابه، وتقليم أظافره ونظافة يديه باستمرار، وقصّ شعره وشاربَيه، ويُحظَّر استعمال المساحيق وزيت الزينة والعطور. وعند تحضير الطعام، ينبغي أن يرتدي العامل في المطبخ مريولاً أبيض وقفازات تحافظ على نظافة المأكولات، وأن يضع قبّعة على رأسه.

 

• صالة تحضير المأكولات: ينبغي الحرص على تنظيف كل الأماكن التي تستخدم للعمل بالطعام وتحضيره، بالإضافة إلى التنبّه إلى ضرورة عدم حضور أي من الطبّاخين في حال كان مريضًا.

 

• البرَّادات: يجب أن تكون محكمة الإغلاق للحفاظ على درجات الحرارة المطلوبة واللازمة، ويُفتَح لهذه الغاية سجلّ خاص لتدوين درجات الحرارة بصورة دورية. أما نظافة البراد الداخلية فيجب أن تكون تامة مع تعقيم كلابات (شناكل) تعليق اللحوم وكل زاوية من زواياه، وإزالة الترسُّبات التي تنتج عن المأكولات وغيرها.

 

• الحمَّامات: يجب تعقيم كل جزء منها (الكراسي ومسكات طارد المياه «السيفون» والحنفيات...)، وعلى الطبَّاخين أو العاملين في المطبخ أن يتأكّدوا من تعقيم أيديهم وكل ما يلمسون كي لا تبقى عليها آثار للجراثيم. فعدم الالتزام يمكن أن يؤدّي إلى حالات تسمّم تصيب المتغذّين.

 

• النفايات: يجب وضعها في أكياس محكمة الإغلاق ونقلها إلى مسافة بعيدة عن المطابخ، مع إبعاد الحيوانات عن مكان رميها حتى لا يتلوَّث المحيط.

 

معاينة المأكولات
يجب معاينة اللحوم والدجاج والأسماك المجلّدة والبيض بدقة تامة وبطريقة متخصّصة:

 

• المعاينة في الثكنات: قبل تسلُّم اللحوم في الثكنات تكون قد فُحِصَت عند نحرها في المسلخ المختصّ من قبل أطباء بيطريين، حيث يقومون بكشف عام وفحص دقيق لكل الأعضاء. ولدى قبولها تُرسَل ببرادات إلى الثكنات حيث يقوم طبيب بيطري آخر بفحصها مجددًا ليقرّر مدى صلاحيتها.

 

• المعاينة في النوادي: أحيانًا يتمّ شراء اللحوم والأسماك والدجاج والبيض مباشرةً من الأسواق، فيتمّ الكشف عليها دوريًا من قبل الطبيب البيطري حيث تُقبل اللحوم ذات اللون الأحمر الوردي أو الزهري الخالية من الأورام والنتوءات والإنتفاخ، وعروقها خالية من الدم. وترفض ذات اللون الأحمر الغامق المائل إلى البنّي.
يُقبل الدجاج ذات الجلد المتساوي واللون الأبيض المائل إلى العاجي ويُرفض كل فروج فيه كسور أو جروح من جراء النتف، أو مترهّل الجلد، أو عليه بقع حمراء أو رمادية. أما البيض فيقبل الطازج منه الخالي من الروائح، والمتجانس اللون، وتتم معاينته بطريقة متخصّصة (يُغطَّس في الماء ولا يجب أن يعوم).
أمّا الأسماك المجلّدة فتنقل بشاحنات مبرّدة ويتمّ التعرّف على الفاسد منها من جراء تغيّر اللون والتشوّه في جسمها.

 

كيف تصنّف المطاعم التابعة للنوادي العسكرية؟
تُعتبَر المطاعم التابعة للنوادي والثكنات العسكرية من بين أفضل المطاعم في لبنان، إن من جهة النظافة المتوافرة في جميع مرافق المطبخ، أو من جهة السهر على تحضير الطعام وطهيه بالطرق السليمة...
ويشدّد رؤساء هذه النوادي والمسؤولون عن المطابخ على تطبيق القوانين في هذا الإطار وفق مبدأ الثواب والعقاب.
والجدير بالذكر أن الطعام الذي يفيض عن الموائد يُتلَف فورًا على عكس ما يقوم به بعض المطاعم، ما يفسّر حالات التسمّم وعوارضه... ومثل هذه الحوادث لم يحصل يومًا في مطاعم النوادي العسكرية.
ويختم الدكتور فضل الله منيّر مشيدًا بالتطوُّر الملحوظ الذي شهده الطعام في النوادي، إن من حيث النظافة وطريقة التقديم والتنويع بالمأكولات (Buffet, cheese and wine…).
وتبقى المراقبة مستمرّة من قبل المختصّين ورؤساء النوادي من خلال الحضور الدائم في المطابخ أو وضع كاميرات مراقبة للتنبّه إلى كيفية تحضير الطعام وتقديمه.