من الملاعب

لاعبو منتخب لبـنان لكرة القدم من ملاعب الفقر والشغف إلى سماء الحلم الجميل
إعداد: روجينا خليل الشختورة

من ملاعب تجاور فيها الفقر والشغف، أتوا إلى عالم كرة القدم. سحرتهم الكرة صغارًا، راودهم الحلم الصعب فأخذهم إلى طريق ملؤه العقبات والصعاب، اجتازوه بإصرار. وبين يوم وليلة بدلوا الصورة التي طالما وضعت منتخب لبنان لكرة القدم في أسفل اللائحة. شباب منتخبنا حققوا قفزة نوعية ووقفوا في مواجهة الحلم الصعب نجومًا يحسب لهم حساب في عالم اللعبة الأكثر شعبيةً وسحرًا.
فجأة سلطت الأضواء على هؤلاء القادمين من ساحات رملية، حيث تعلّم غالبيتهم كرة القدم على أرضياتها، واظبوا وتحملوا ظروفًا معيشية صعبة، كانوا يمنّون النفس ببلوغ مستوى النجوم الذين يتابعونهم على شاشات التلفزة. فجأة خرجوا الى الواجهة، وباتوا حديث الناس، بعدما وضعوا هذا البلد الصغير بمساحته، في مصاف الكبار آسيويًا، وباتوا غير هيابين من مواجهة الكبار.


من أين أتوا؟
يتحدر لاعبونا من بيئة الأحياء الشعبية، حيث كرة القدم متنفس الرجولة. منهم من أتيح له الاحتراف في الخارج، وبقي وفيًا للأرزة على صدره، وفي طليعة هؤلاء الكابتن رضا عنتر.
في استاد الصداقة والسلام بنادي كاظمة، «كسر» لاعبونا كبرياء لاعبي الأزرق الكويتي، بالفوز عليهم 1/صفر. وبعد أيام قليلة، ألحقوا الهزيمة بالمارد الكوري الجنوبي، وبذلك، لم نعد جسر عبور، بل رقمًا صعبًا، ومنافسًا شرسًا.
«لم يقتنع لاعبونا بالتعادل مع كوريا الجنوبية عشية المواجهة، بل شددوا على الفوز، فشعرت بعزيمتهم» يقول رئيس الإتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر، الذي قابلناه في مكتبه بعيد الإنجاز الكبير الذي أحرزه المنتخب اللبناني للمرة الأولى في تاريخ كرة القدم اللبنانية.

 

ما الذي غيّر قواعد اللعبة؟
في طليعة العوامل التي قادت المنتخب إلى التألق في تصفيات كأس العالم 2014، وجود عدد من المحترفين كرضا عنتر ويوسف محمد بين اللاعبين، ما أعطاهم جرعة من الثقة والدفع المعنوي، وفق ما يرى حيدر، يضاف إلى ذلك وجود مدرب محنك وخبير على رأس الجهاز الفني وهو الألماني ثيو بوكير الذي نجح في قراءة شخصية كل لاعب ليعرف كيف يتعامل معه، ويوظف قدرات الجميع التي ترجمت إنسجامًا وإنضباطًا تكتيكيًا في الملعب، فكانت النتيجة الرائعة التي حققها الفريق.
يضاف الى ذلك حضور رئيس الجمهورية، العماد ميشال سليمان، الذي رفع المعنويات وساهم في الحفاظ على الروح القتالية.
العامل الثالث والأهم والذي كان علامة فارقة، هو الجمهور الذي زحف إلى المدينة الرياضية بأعداد كبيرة، فبعد حرمانه من دخول الملاعب مدة 5 سنوات متتالية، عاد هذا الجمهور التواق لمشاهدة كرة القدم المحلية والفرق اللبنانية إلى الملاعب، ولكنه عاد متشوقًا لمشاهدة المنتخب وهذا هو الأهم لأنه بات يؤمن أن منتخبه أصبح رقماً صعبًا ويحقق له أمانيه ويروي غليله في المناسبات الكبيرة.

 

اعتماد سياسة تطويرية طويلة الأمد
في ما خص التحضيرات للمرحلة الأخيرة لتصفيات الدور الثالث (التي ستستضيف فيها دولة الإمارات العربية لبنان على ملاعبها في 29 شباط 2012)، قال حيدر إنّ المنتخب سيتدرب مرة أو مرتين أسبوعيًا وبشكل تصاعدي وسيجتمع الجهاز الفني لوضع الخطة الكاملة وجدول المباريات الودية التي سيخوضها المنتخب قبل دخوله مباراة الإمارات الحاسمة. (المنتخب اللبناني لم يضمن بعد تأهله فعلياً إلى تصفيات الدور الرابع، فعالم كرة القدم مليء بالمفاجآت، والتنافس سيكون حاميًا بين كوريا الجنوبية ولبنان والكويت على بطاقتين).
النتائج اللافتة التي حققها منتخب لبنان جعلت القيمين على اللعبة يسعون إلى تأمين الدعم عبر عدة جهات، كما أحيت همة الدولة التي خصصت مكافآت مالية للفريق، إلا أنّ هذا لا يحجب معاناة اللاعبين بشكل عام، فمعظمهم مضطر إلى مزاولة عمل ما ليؤمن سبل العيش بدلًا من التفرغ لتدريباته ومبارياته. ولاشك أنّ الإنجاز الرائع الذي حققه الفريق قد يتعرض للضياع إذا لم يتم اعتماد سياسة تطويرية واضحة وطويلة الأمد.

 

هؤلاء هم لاعبونا
• رضا عنتر، كابتن المنتخب اللبناني، من مواليد 12 تشرين الثاني 1980 في فري تاون - سيراليون، بدأ مسيرته الكروية مع نادي التضامن صور العام 1998، والعام 2001 انتقل إلى ألمانيا حيث لعب مع عدد من نواديها: هامبورغ (23 مباراة سجل خلالها هدفين)، فرايبورغ (98 مباراة و26 هدفًا)، وكولن الذي يلعب معه اعتبارًا من العام 2007.
• يوسف محمد، عمره 31 سنة، بدأ مشواره مع الصفاء اللبناني ومن ثم انتقل الى اولمبيك بيروت، قبل ان يخوض تجربته الاحترافية الاولى مع فرايبورغ الالماني ثم انتقل الى كولن منذ العام 2007.
• عباس عطوي، كابتن فريق «النجمة» ولاعب الوسط في المنتخب اللبناني الملقب بـ«أونيكا»، من مواليد 1979، بدأ ممارسة اللعبة مع شباب نادي «النجمة»، إلى أن تدرج ليصبح ضمن تشكيلة الصف الأول للنادي، وكذلك في المنتخب الوطني.
• زياد الصمد، من مواليد 1978، حارس المرمى الذي تم إختياره للدفاع عن ألوان المنتخب، لأنه حاليًا الوحيد في لبنان الذي يملك أكبر رصيد من المباريات الدولية وبالتالي هو صاحب الخبرة بين أقرانه.
• بلال نجارين: يلعب في فريق النجمة منذ 9 سنوات، عمره 30 سنة، متأهل وله بنت ويأمل في الحصول على وظيفة في أقرب فرصة.
• علي السعدي، يلعب في فريق الصفاء. عمره 25 سنة، يعمل في شركة غاز، متأهل وله بنت.
• محمد حيدر، يلعب مع الصفاء. عمره 21 سنة، عازب، لا يعمل ويأمل في تأمين وظيفة لا تتعارض مع مزاولة كرة القدم.
• محمد حمود، حارس مرمى العهد منذ 10 سنوات، عمره 30 سنة، عازب ولا يعمل.
• ربيع الكاخي، حارس مرمى الإخاء الأهلي منذ 11 سنة، عمره 27 سنة، عازب، يعمل في شركة.
• محمود العلي، يلعب مع العهد منذ 6 سنوات، يملك محلاً لبيع الألبسة، متأهل وله 4 أولاد.
• هيثم فاعور، يلعب مع العهد وهو طالب جامعي، عازب.
• أحمد زريق، يلعب مع العهد منذ سنتين، يعتاش من راتبه الذي يحصل عليه من الفريق ويبحث عن عمل مناسب.
• أكرم مغربي، يلعب مع النجمة منذ 5 سنوات، لا يعمل، يعتمد على راتبه الشهري من النادي.
• عباس كنعـان، يلعب مع العهد منذ 10 سنوات وهو قائد الفريق، يعمل في جهاز قوى الأمن الداخلي، ويستعد للزواج. يخدم لساعات طويلة تتعارض ومزاولته كرة القدم.

 

ماذا عن التفرغ
يتقاضى اللاعبون اللبنانيون من نواديهم رواتب تراوح بين مليون ومئتي ألف ومليوني ليرة، والذين يزاولون عملاً يؤمن لهم دخلًا إضافيًا هم فقط أربعة، أما الباقون فيبحثون عن عمل. أما التفرغ الذي يقتضيه الاحتراف، فما يزال حلمًا صعب التحقيق، فهل تظل الإنجازات الوطنية رهن جهود الأفراد؟