باختصار

لا تصوّبوا على الجيش
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

كتابان في المؤسسة العسكرية لا ختام لهما. نصوغ كلًا منهما بعناية، نجمع صفحاته، نوزّع نصوصه، نحدد عناوينه، ونمضي به إلى المطبعة، وبعد فترة، قد تطول أو تقصر، نعود إليه بالتعديل والإضافات، لأن ما يطرأ كثير كثير.
الكتابان هما: الأول إنجازات الجيش في الدّفاع عن الوطن وحماية المواطنين، والثّاني سجلّ شهدائه الّذين مضوا إلى دار الخلود، بعد أن رووا تراب بلادهم بالدم والبطولة.
والإنجاز الّذي حقّقه الجيش مؤخرًا في منطقة صيدا لم يكن له أن يحصل من دون تعديل في سجل شهدائه. الإنجاز هو مواجهة الفتنة، لا بل ضربها في المهد، ومنع أصحابها من تحقيق هدفهم وغايتهم في إحداث شرخ في نسيج الوطن. كاد عدد الشّهداء أن يلامس العشرين من خيرة الرّجال وأغلاهم، امتدت يد الغدر إلى طليعتهم الأولى من دون سبب ولا مقدّمة، فيما هم يقومون بواجبهم في حفظ الأمن، وحماية الوحدة الوطنية. هذه الوحدة التي تمثل أولى ثرواتنا في هذه البلاد، ومن دونها تعمّ الفوضى وفي غيابها يسود الصراع والخراب.
في مسيرته الطويلة على مدى التاريخ الحديث للوطن، يتابع الجيش القيام بواجباته وفق القوانين والتعليمات، وهذا ما نذر عسكريوه من أجله النفوس، وتهيأوا له من خلال التدريب وحسن التعامل مع السلاح والعتاد. والجيش لم يقصد مدينته صيدا طلبًا للإنجاز المذكور بحد ذاته، أو سعيًا إلى الانتصار لمجرد الانتصار، أو لإثبات الذات. فهذه الذات راسخة في الضمائر والقلوب، والكل يراها ويستعين بها ويشكو إليها، في المناطق كافة، وفي المناسبات على اختلافها، رياضية كانت أو ثقافية أو إنمائية أو أمنية أو دفاعية، والجيش لم يقصد مدينته هذه، من أجل أن يقوم عن سابق تصوّر وتصميم، بكل ما من شأنه أن يقطع علاقته بها، بل إنه قصدها، وكما يقصد أخواتها العامرات في الوطن بهدف تأكيد تواصله معها، ووقوفه إلى جانبها، والإبقاء عليها مثالًا لعيش كريم بين مكوناتها جميعًا.
لكن، أنّى للمؤسسة العسكرية، وكما قال قائدها العماد جان قهوجي، أن تتهاون في التصدي للخارجين على القانون، والمعتدين على سلامة الوطن، وعلى سلامتها هي أيضًا، وأنّى لها أن ترضى بهذا التراكم السلبي المؤلف من الظهور المسلّح، والمظاهر العنفية، وإطلاق النار، والإشكالات الأمنية، والفصل بين المناطق والأماكن، وقطع الطرقات، ومحاولة تحويل الوطن إلى ساحة للصراعات الخارجية، والتهديد بتغليب مجموعة من الناس على أخرى في صراع المصالح السياسية؟
في سبيل ذلك، خاض الجيش غمار المواجهة الصعبة، ودفع الأثمان الباهظة عبر أداء دقيق ومسؤول برضى قطاعات واسعة وهيئات عديدة في الداخل والخارج، إلا أن البعض رأى بعد أن راجع حساباته واستعرض مكوناته ومقوماته، أن يعيد إلى الشهداء استشهادهم ثانيةً، وأن يحفر في آلام الأمهات أكثر وأكثر، وذلك باستنباط أساليب من التجنّي والاتهام ضد المؤسسة العسكرية عبر ادعاء حرص أين منه الخصومة والعداوة. المؤسسة تردّ على ذلك بتأكيد إيمانها بحرية التعبير شرط الالتزام بأحكام القانون، وتأكيد قناعاتها بأنّ في هذا الوطن تنوّعًا لا بد من رعايته والحفاظ عليه، وأي انحياز إلى فريق من دون الآخر يعني الخطو خارج كيان الوطن خطوات لا يصحّ بعدها العودة إليه.