تحقيق عسكري

لا حدود للإبتكار حين يحرّكه حب العطاء
إعداد: ندين البلعة - ليال صقر

فوجا «ملك المعارك» في الجيش اللبناني: المدفعية الأول والثاني والعزم ثالثهما

 

شهد مطلع العام 1992 إنشاء فوج المدفعيّة الأوّل في الجيش اللبناني، وبعد بضعة أشهر أنشئ فوج المدفعيّة الثاني.
سلاح المدفعية «ملك المعارك» والمنضوون في صفوفه يدركون ما له من اهميـّة ويعملــون على هذا الأساس، ســواء كـان العمل متعلّقًا بالشقّ التدريبي أو العملاني، أو حتى على مستوى الصيانة التي تتجاوز حدودها أحيانًا كثيرة وترتقي إلى مستويات الابتكار سدًّا لحاجة أو حلاًّ لمشكلة...

 

من الأوّل...
قائد فوج المدفعيّة الأوّل العميد  الركن سمير العسيلي يعرّفنا إلى قطعته المتمركزة في منطقة الكرنتينا - بيروت، ويبدأ من تاريخ تأسيسها:
أنشئ فوج المدفعية الأول العام 1992، وارتبط آنذاك بكتيبة مقر عام منطقة بيروت، واعتبارًا من العام 1993 استقلّ الفوج كقطعة إدارية من الفئة الأولى وأصبح مرتبطًا بقيادة الجيش بشكل مباشر.
العام 2005، عدّل جدول العديد والتجهيز في الفوج وأضيفت سرية رمي مدفعية سابعة إلى سراياه الستّ.
يتألف فوج المدفعية الأول من قيادة الفوج التي تضم الفروع 1، 2، 3، 4 و5 بالإضافة إلى فرع التأليل وسرية القيادة والخدمة، أمّا سرايا الرمي فعددها سبع ولكل منها إمرة وفصيلة خدمة رمي وفصيلة رمي مدفعية.
ينتشر فوج المدفعية الأول في قطاع المرفأ ويؤمّن الدعم الناري العام لألوية الجيش وأفواجه، ولمدفعيّة الالوية المقاتلة والافواج الخاصّة المنتشرة في القطاع الممتدّ من منطقة الجنوب حتى منطقة جبيل. كما يضطلع بمهمات أمنيّة في قطاع انتشاره، ويؤمّن الحراسة للبوارج العسكرية التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان في أثناء انتقال قوافلها من المرفأ وإليه.
بالإضافة إلى مهماته العملانية، ينفّذ فوج المدفعية الأول مهمات تدريبية إذ تستفيد من مهاراته وقدراته التدريبيّة الكلية الحربية ومدرسة الرتباء ومكاتب الاختصاص في الجيش.
في ما خصّ التدريب على مستوى عسكريي الفوج، ثمّة تشديد على الجهوزيّة العالية، وانطلاقًا من هذا الأساس تنفّذ التمارين المختلفة والمخيّمات التدريبيّة بالإضافة إلى الدورات داخل لبنان وخارجه لصقل قدرات العسكريين وتطويرها باستمرار.
في موازاة الإعداد البدني الجيّد الذي يعزّزه  وجود الملاعب في الفوج وممارســة العسكريــين عــدّة أنواعٍ من الرياضة، ثمة تشديد على تعــزيز خبــرات عسكرييــه الفنيــة والتقــنيّة مما يتيــح له نوعًــا من الاكتفـاء الذاتي على صعيد التعهّد والصيانة وتصليـح الأعطال التي تطرأ على المدافع.

 

الجهوزيّة أكثر من 97 في المئة
في الآونة الأخيرة زوّد الفوج مدافع من عيار155ملم م198، ومعدات لمصلحة المشاغل ممّا رفع إلى أكثر من 97 في المئة جهوزيّة الآليّات التي بدت في حلّةٍ مشرقةٍ بعد أن خضعت لإعادة تأهيل شملت «الحدادة والبويا».
أمّا الأهم فهو ابتكار العناصر طريقةً حديثة فـي ترويـض المدافـع والتأكّـد من حسن اشتغالهـا من حيـث حركـة السبطانـة (التراجع في أثناء الرمي ومن ثمّ العودة) وذلـك مـن دون تنفيـذ رمايـة، هـذا الأمـر ساهـم فـي تحقيـق جهوزيّـة عاليـة علـى مستوى سلاح الفوج.
إلــى ذلــك، استحدثت فــي موقــع الفــوج قاعــــة تدريــب تستوعــب مكاتــب الدراســة وتستقبــل تلامــذة الكليــة الحربيــة ومدرســة الرتبــاء، كمــا ربطــت السرايــا بقيادتــه من خلال شبكة تأليل استحدثت أيضًا فــي الموقــع. أمّا ماكينة الخياطــة التي استقدمت حديثًا، فقد أتاحت للعسكريين تصنيع ما يحتاجون إليه من الشوادر على اختلاف أنواعها.


في أوقات سابقة
شارك عسكريّو فوج المدفعية الأول وفي أوقات سابقة في مهمات حفظ الامن من خلال وضع مجموعة تحت القيادة العملانية لجهاز أمن المطار. كما سبق أن وضع الفوج سريّة بتصرّف الشرطة العسكرية وأخرى لمصلحة المجموعة الأمنية في منطقة الجنوب. ووُضع الفوج للغاية نفسها بتصرف أركان الجيش للعمليات في مناطق أخرى. كذلك، حفظ أمن مدينة طرابلس وضواحيها خلال أحداث الضنية العام 2000، والعام 2007 شارك في معارك نهر البارد عبرالسريتين الثانية (مدافع 155 ملم م198) والسابعة (مدافع 122 ملم د30) مقدّمًا الدعم الناري للكتيبة 55؛ في ذلك الحين كان الفوج بتصرّف غرفة العمليّات المتقدّمة في نهر البارد.
من المهمّات الأمنيّة التي اضطلع بها الفوج أيضًا حفظ الأمن خلال القمّة الفرنكوفونية والقمّة العربية الرابعة عشرة في بيروت.

 

...وفي الثاني
خلال العرض العسكري الأخير الذي قدّمه الجيش بمناسبة ذكرى الاستقلال، لفتت الأنظار آلية غربية تحمل مدفعًا شرقيًا. المشهد كان فريدًا من نوعه وقد أثار التساؤلات.
قائد فوج المدفعية الثاني العميد الركن عاطف الصغير، أوضح لنا سرّ التزاوج الحاصل بين النمطين الشرقي والغربي في سلاح واحد، وهو أمر غير معهود. لكنه في البداية قدّم لمحة «بانورامية» عن الفوج المتمركز في ثكنة نهرا الشالوحي (المدينة الكشفية - سمار جبيل) والتي تشهد ورشة كبيرة ونقلة نوعية على عدّة مستويات.
أنشئ فوج المدفعية الثاني بتاريخ 1/9/1992 بهدف زيادة قوة النيران المدفعية للوحدات المقاتلة على الحدود.
تضمّ هيكلية الفوج قيادته وأركانه، وأربع سرايا راجمات وثلاث سرايا مدفعية، بالإضافة إلى سرية القيادة والخدمة. تضطلع هذه السرايا بمهمّتَين أساسيّتَين: المهمّة الموكلة إليها من قبل قيادة الجيش لمصلحة الوحدات المتمركزة على الحدود من خلال سرية في البقاع الغربي وأخرى في الجنوب. والمهمة الثانية تتمثّل بحفظ الأمن من خلال تمركز خمس سرايا في قطاع مسؤولية يشمل قضاء البترون وجزءًا من قضاء الكورة.
يملك فوج المدفعية الثاني أسلحةً متنوّعة أبرزها راجمات 122مم، مدافع 122مم ومدافع 130مم. ويبذل عناصره جهدًا كبيرًا لتنفيذ المهمات المناطة به، ويعملون باندفاعٍ وتفانٍ لإعطاء النتائج المرجوة على الرغم من النقص في العديد.

 

الوحدة الأنموذجية
يركّز العميد الركن الصغير على كفاءة كل عسكري في الفوج، إذ تمّت الإستفادة من كل مهارات العسكريين وعُمِل على تطويرها، وفي هذا السياق يمثّل تأليل الفوج نقلة نوعية على صعيد العمل فيه. فقد جهّزت أقسامه وفروعه بأجهزة كمبيوتر بهدف تأليل العتاد والعديد والعمليات، واستطاع عناصر التأليل في الفوج إنجاز القسم الأكبر من العمل خلال فترة قصيرة. وقد استثمرت المعلومات المؤلّلة لضبط حركة المخازن والعتاد، بينما يجري العمل على تأليل إضبارات العسكريين، بهدف استثمار المعلومات (وليس حفظها فقط) إداريًا من خلال برامج تطبيقية تنفّذها مديرية التأليل.
كما أن الفوج بصدد إقامة شبكة تأليل مع السرايا استكمالاً للشبكة الداخلية التي أقامها وهي تربط الفروع بالخادم الأساسي (server) ما يسمح بتبادل المعلومات بسهولة أكبر.
وبنتيجة هذه العملية المتكاملة، اختارت مديرية التأليل فوج المدفعية الثاني كوحدة أنموذجية في مجال تطبيق البرامج واستثمار المعلومات لتسهيل العمل الإداري، حيث ستُعمَّم هذه التجربة بعد نجاحها، على صعيد المؤسسة العسكرية بجميع قطعها.

 

الإشارة
إلى شبكة التأليل، شهد اختصاص الإشارة في الفوج تغييرًا إيجابيًا أيضًا، فثمة سنترال جديد ذي سعةٍ كبيرة للاتصالات السلكيّة قيد الإنجاز، وستكون له فائدة كبيرة على صعيد تأمين الاتصال بين وحدات الفوج كما يوضح ضابط الإشارة. إلى ذلك، تمّ العمل على تأمين عدد أكبر من الأجهزة اللاسلكية، وتركيز عامود جديد للإرسال وتحسين الهوائيات ومراكز تثبيتها، الأمر الذي يؤمّن الاتصال بين قيادة الفوج والسرايا المنتشرة من جهة، ومع قيادة الجيش من جهة أخرى. كما تمّ أيضًا تجهيز غرفة العمليات ببرنامج لتعقّب المهمات والدوريات خارج الفوج على جهاز كمبيوتر خاص.

 

تأهيل المنشآت
في جولة رافقنا فيها قائد الفوج وآمر سرية القيادة والخدمة، إطّلعنا على بعض المنشآت التي أهِّلت أو استُحدِثت، علمًا أن عسكريي الفوج هم الذين تولوا جميع الأعمال المتعلقة بها.
البداية من المدخل الشرقي للثكنة الذي تمّ تحسينه وإنارته والزراعة على جانبَيه...أماكن خدمة العسكريين من منامة ومنشآت صحية وسواها أيضًا شملها التأهيل. ونال بيت الجندي حصّة من الإهتمام أيضًا حيث تمّ توسيعه وجُهِّز بكل ما يحتاجه العسكري حتى أصبح أشبه بـ«ميني ماركت»، كما أقيمَت أمامه استراحة صيفيّة تطلّ على البحر والجبل.
عُمل أيضًا على تحسين المشاغل ومرأب الآليات مما يسمح بإعادة تأهيل آليات الفوج من «حدادة وبويا» وتصليحات، أما مشغل الأسلحة والآليات الشرقية فتمّ تجهيزه بالعتاد اللازم.
من بين المنشآت التي استُحدِثَت في الفوج، نادي ضباط ميداني (قيد الإستكمال)، وقاعة اجتماعات ملحقة بمكتب قائد الفوج. والعمل مستمرّ لتأهيل الساحات العامة في الثكنة وتنظيفها وزراعة الأشجار لتجميلها، على أن تكون لكل عسكري شجرة تحمل اسمه ويتعهّدها برعايته.

 

التدريب والعمليات
يتدرّب عسكريّو الفوج باستمرار ويشاركون في مناورات مع الأفواج الخاصة، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ومعرفتهم بسلاحهم وكيفية التعامل معه لتنفيذ المهمة الموكلة إليهم، ويؤهلهم بالتالي للتعاون والتنسيق مع باقي القوى على الأرض.
من جهة أخرى، يتابع العسكريون دورات متنوّعة لزيادة كفاءاتهم، وللوصول بالفوج إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي فـي مجـالات عديـدة.

 

أخيرًا...
ودّعنا الثكنة حاملين مشاعر الفخر بما حقّقته زنود العسكريين، مبدين إعجابنا بإصرارهم على العطاء، فبادرنا رتيب الفوج بالقول: فروع هذا الفوج تعمل بتناغم وانسجام والهدف واحد، إعلاء شأن فوجنا وخدمة مؤسستنا ووطننا.

 

مدفع شرقي على آلية غربية
خلال إعادة تأهيل آلياته واجه فوج المدفعية الثاني مشكلة: ثمة راجمات شرقية لديه حالتها جيّدة، لكن الآلات التي تحملها غير صالحة ويتعذّر إصلاحها.
ولأن الحاجة أم الإختراع والابتكار، كان الحلّ الذي قضى بفك الراجمات عن الآليات التي تحملها وتركيبها على أخرى غربية يملكها الفوج وحالتها جيّدة... الأمر اقتضى عملاً فنيًا وتقنيًا دقيقًا، لكنه نجح... وبعد اختبار ايجابية الحلّ وفعاليته يجري العمل لاستكمال نقل راجمات «ايسوزو» الشرقية إلى شاحنات «ريو» غربية وزن 2 طن ونصف، ونقل راجمات «أورال» إلى شاحنات «ريو» أيضًا وإنما بوزن 5 طن. هذا العمل شكّل نقلة نوعية أتاحت الإستفادة من قطع البدل المتوافرة وتأمين الصيانة بسهولة.


الشعار
يحمل فوجا المدفعية الأول والثاني الشعار نفسه (يختلف الرقم فقط)، ويتألف هذا الشعار من مدفعين متقاطعين باللون الأخضر تتوسطهما قذيفة باللون الأحمر وينبعث من خلف المدفعين وميض برتقالي اللون يشير إلى قوة هذا السلاح وفاعليته.

 

شهيدان
يحفظ فوج المدفعية الأول بكثير من الفخر ذكرى شهيده الرائد خالد مرشاد (معارك نهر البارد)، كما ذكرى العريف المجنّد مازن الحسين الذي استشهد خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006.


مبروك
لأنّ الثكنة بالنسبة إلى العسكري أكثر بكثير من مكان للعمل، كان لا بدّ من الاهتمام بما يوفّر راحة العسكريين في حياتهم اليوميّة، وفي هذا الإطار تمّ إنشاء صالون حلاقة حديث الطراز في موقع فوج المدفعية الأول. في هندام العسكري جزء كبير من هيبته  ودليل على انضباطه, فمبروك, ونعيمًا...