لبنان ومحيطه

لبنانيو الكويت.. من العمارة إلى الصدارة​
إعداد: بقلم: جورج علم

بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي الست، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، ومملكة البحرين، وسلطنة عمان، وقطر، علاقات أخوة وتعاون عميقة وجدت ترجمتها خلال عقود من الزمن في أوجه عديدة ومتنوّعة.
وجود الجالية اللبنانية في السعودية وما لها من إسهامات على صعيد دعم الاقتصاد اللبناني هو أحد هذه الأوجه، وكذلك الأمر في الكويت وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. «الجيش» التي زارت الكويت مؤخرًا، التقت العديد من رجال الأعمال اللبنانيين، واطلعت على مختلف أوجه نشاطاتهم في المصارف، والشركات، والمقاولات، والاستشفاء، والتعليم، والصحافة، وسائر المهن الحرّة، عادت بانطباعات تعكس المكانة التي يحتلّونها في بناء النهضة العمرانية – الاقتصادية في الدول الست، والتي كان لها دور في تعميق علاقات الأخوة بين لبنان وهذه الدول.

 

لقد سبق اللبنانيّون المكيّفات إلى الخليج، واتكلوا على سواعدهم، وعرق جبينهم، وثقافتهم، وخبرتهم، وانخرطوا في مجالات العمل المتاحة، واعتمدوا على إرادتهم الفذّة، وأفكارهم المشرقطة، وطوّروا مجالات الاستثمار في المشاريع الإنمائية، والبنى التحتية الحديثة، والهندسة المعمارية، وبرعوا في عالم المقاولات، واستحداث المطارات، وشق الطرقات، وانصرفوا إلى تأسيس الشركات الخاصة، فنجحوا في توثيق عرى الصداقة والتعاون مع شعوب الدول المضيفة، ومدّ شبكات أمان في شرايين النهضة الحديثة التي يشهدها الخليج في الحقول والمجالات شتى.
لا توجد أرقام مدقّقة يمكن التعويل عليها، في ما خص وجود اللبنانيين في دول الخليج، ويعود السبب إلى الإشكالية الناتجة عن وجود مقيمين ثابتين في هذه الدولة، أو تلك، ووجود آخرين من رجال الأعمال المتنقلين بين الدول الست يتابعون أعمالهم، ويشرفون على نشاطات شركاتهم، فضلًا عن الذين يستثمرون في الخليج، ويعيشون في لبنان، ويقومون بزيارات تفقدية لمشاريعهم لا تتجاوز أسابيع قليلة. لكن المتداول وفق تقديرات وزارة الخارجية والمغتربين يفيد بأنّ ما يقارب الـ500 ألف لبناني ينتشرون في دول مجلس التعاون من رجال أعمال، وأرباب عمل، وعمّال يغطّون حاجات سوق العمل، ويتبوّؤون مناصب إدارية في الشركات الخليجية بينهم نحو 250 إلى 300 ألف في السعودية، وحوالى 150 ألف لبناني في دولة الإمارات، و40 إلى 50 ألفًا في الكويت، والعدد نفسه في قطر، وتقدّر تحويلاتهم إلى المصارف اللبنانية بنحو 25 بالمئة من إجمالي تحويلات اللبنانيين حول العالم، والمقدّرة بـ6.7 مليار دولار.
 

عمّر يا معلّم العمار...
ويبدأ المشوار الطويل من دولة الكويت، التي وصلها اللبناني منيب محمود مصطفى الشلبي في العام 1915 إبّان الحرب العالمية، فامتهن تصليح الساعات، ومكث هناك حتى وفاته في العام 1968. و«المعمرجي» قسطا يونس، الذي قصد الكويت مطلع خمسينيات القرن الماضي، وراح يبني المنازل، ويبرع في الهندسات والتصاميم التي تحاكي الذوق الكويتي، وتنسجم مع الحضارة الخليجية، فذاع صيته، وأكمل المهمة أولاده من بعده، وكانوا من الناجحين في عالم «البزنس».

 

لقاءات وتجمّعات...
بلغ عدد اللبنانيين في الكويت، منتصف الخمسينيات نحو 1000 شخص. وكان بإمكان اللبناني أن يدخل ويخرج من دون تأشيرة. وفي الثمانينيات ارتفع العدد إلى 45 ألفًا، ووصل في الـ2017 إلى 50 ألفًا، وفق سجلات وزارة الخارجية والمغتربين. شكّل هؤلاء منعطفًا مهمًا في الدورة الاقتصادية الكويتية، وتكاتفوا وتضامنوا على تنظيم شؤونهم، بداية عن طريق لقاءات وتجمّعات، فكان لقاء يجمع الصحافيين اللبنانيين العاملين في الكويت، وتجمّع اللبنانيين العاملين في القطاع المصرفي الكويتي، ولقاء يجمع القطاع الطبي في الكويت، وتجمّع رجال الأعمال اللبنانيين، وهكذا دواليك...

 

المجلس الاقتصادي اللبناني - الكويتي
في العام 2018 تنادى كبار رجال الأعمال لتأسيس «المجلس الاقتصادي الكويتي – اللبناني لرجال الأعمال» تلبية لدعوة الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصبّاح، وذلك في إطار جعل الكويت «مركزًا ماليًّا في المنطقة» تنفيذًا «للرؤية الاقتصادية» التي كانت قد أطلقتها الحكومة الكويتية وتمتد لسنوات خمس. واستضاف هذا المجلس شخصيات مصرفية – مالية – اقتصادية لبنانية ناجحة في قطاعاتها، وكانت ندوات، ومحاضرات وتأسيس فروع مصارف، وتحريك عجلة الاستثمارات بنجاح مطّرد انعكس رفاهًا اجتماعيًا ومعيشيًا.

 

مجلس الأعمال اللبناني
بادر القائم بأعمال السفارة اللبنانية السفير جان معكرون، بالتنسيق والتعاون مع وجهاء الجالية، إلى تأسيس «مجلس الأعمال اللبناني في الكويت» الذي ضمّ نخبًا من كبار المستثمرين ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين وأصحاب الشركات والقطاعات المنتجة. وحدّد النظام التأسيسي للمجلس أهدافه: «تطوير وتعزيز شبكات التواصل بين مجتمع الأعمال اللبناني في الكويت، ومجتمع الأعمال الكويتي، والهيئات الحكومية. وتنمية العلاقات التجارية بين البلدين. والترويج للمنتجات والخدمات والشركات اللبنانية. والترويج السياحي للبنان، وتشجيع مختلف أوجه السياحة فيه من ترفيهية، وطبية، وتعليمية، وبيئية وتعزيزها، وتنظيم أعمال، إضافة إلى جذب فرص الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية اللبنانية، ودعم الفعاليات الثقافية التي تسهم في إبراز التراث اللبناني، ومساعدة الجالية اللبنانية في الكويت بكل الوسائل الممكنة».

 

علاقة الكويتيّين بلبنان
لم يبخل الكويتيّون بعاطفتهم تجاه لبنان واللبنانيّين، هناك وشائج قربى، ومصاهرات، ومسار تاريخي حافل بالخصائص المشتركة ما بين البلدين، والشعبين، وتوق إلى الحرية، والانفتاح، والسعي إلى مستقبل أفضل، وانحياز إلى الثقافة والمعرفة والعلم، وشغف في اعتناق الديموقراطية البنّاءة التي تحفظ حرية الفرد والمجتمع، وتمنع الانزلاق نحو التهوّر والعصبية الحادة. وكان للصحافة الحرّة، المتقنة، المبدعة دورها البنّاء في تنوير المجتمع، وصقل ميوله المعرفية، وثقافته الإنسانية، وكان للّبنانيين دور ريادي في بناء الصروح الإعلامية الكويتية المقروءة، والسمعية، والبصرية، وقد تركوا بصمات لا تمحى على العديد من المؤسسات والإصدارات.
وقصد الكويتيون لبنان، منذ عشرينيات القرن الماضي، وترسّخت المعرفة بالتحاق عدد من الطلبة الكويتيّين بالجامعات، والمعاهد، والمدارس. ومطلع الأربعينيات أخذت أعداد كبيرة من الكويتيّين تتوجه إلى لبنان للاستجمام والاستشفاء. وفي منتصف الخمسينيات، بدأت رحلات طيران منتظمة، شبه يومية كدليل على مدى تشابك المصالح المشتركة، والحياة المجتمعية المتآلفة.

 

العلاقات الرسمية
أسهمت العلاقات الدبلوماسية في صقل هذه الأواصر وتنظيمها وانتظامها، وسجّل السادس من حزيران 1962، أول تبادل للتمثيل الدبلوماسي بين البلدين. ففي ذلك اليوم وصل إلى بيروت مهلهل المضيف لتسلّم مهمات منصبه كقائم بالأعمال. وكان لبنان الدولة العربية الأولى التي أبرقت مهنئة باستقلال الكويت عن المملكة المتحدة في 19 حزيران 1961، وقد بادرت الحكومة اللبنانية إلى إصدار مرسوم يقضي بإنشاء سفارة، في الكويت انتدب لها قائمًا بالأعمال حسيب العبدالله الذي تسلّم مهماته يوم 17 كانون الأول 1962. وفي العام 1963 وصل إلى بيروت السفير محمد أحمد الغانم، وقدّم أوراق اعتماده إلى الرئيس اللبناني الأسبق الأمير اللواء فؤاد شهاب، ليكون أول سفير لدولة الكويت في لبنان.
إستنادًا إلى هذه الأسس المجتمعية والإنسانية والاقتصادية والدبلوماسية الصلبة، ارتفع صرح العلاقات وترسّخ. لم تبخل دولة الكويت يومًا على لبنان، ووقفت دائمًا إلى جانبه في كلّ المحطات والملمات. كما لم يبخل لبنان يومًا في ساحات المروءة والعرفان بالجميل. فقد وقف دائمًا، وبثبات إلى جانب الحق الكويتي، وكان أول من أدان الغزو العراقي لدولة الكويت في العام 1990، وهو الأمر الذي ثمّنته القيادة الكويتية عاليًا. ولم يكتفِ بذلك بل وقف إلى جانب الكويت في المحافل الدبلوماسية نصرة لسيادتها على أراضيها، حصل ذلك في الجامعة العربية على مستوى قمّة الملوك والرؤساء والأمراء العرب، وأيضًا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستصدار قرار يطالب بانسحاب القوّة الغازية من أراضي الكويت الشقيق.
في زمن طفرات الإرهاب، والعصبيات المتفلتة، والعنف العاصف في زوايا الكثير من الأوطان، والبلدان العربية والإقليمية، تبقى العلاقات اللبنانية – الكويتية مثالًا يحتذى للأخوّة الحقّة، والاحترام المتبادل، ويبقى اللبنانيون في الكويت خير ممثل لوطنهم وخير داعم له.