من التاريخ

لبنان في أواخرالعهد العثماني التقسيمات الإدارية وشؤون الجند والدرك
إعداد: د. شادية علاء الدين

سيطر العثمانيون، مطلع القرن السادس عشر (العام 1516)، على جميع الأراضي الواقعة ضمن الجمهورية اللبنانية اليوم، وذلك لمدة اربعمائة سنة، سنّوا خلالها الأنظمة العسكرية والأمنية والإدارية والاجتماعية لتحسين البلاد وتنظيمها.
وبعد إنشاء المتصرفية اللبنانية، استعملت عبارة «لبنان» استعمالًا رسميًا، غير أن اللبنانيين عانوا كثيرًا من الحكم العثماني في الربع الأول من القرن التاسع عشر، خصوصًا قبيل انتهاء الحرب وجلاء العثمانيين أواخر العام 1918.

 

التقسيمات الإدارية
منحت الدولة العثمانية جبل لبنان، من دون بيروت والبقاع ومنطقتي طرابلس وصيدا، استقلالًا إداريًا بموجب «النظام الأساسي» الصادر العام 1861 بموافقة الدول الأجنبية، والذي تمّ تعديله العام 1864. وضم جبل لبنان بموجب هذا النظام سبعة أقضية هي الكورة والبترون وكسروان والمتن والشوف وجزين وزحلة ومديريتي دير القمر والهرمل. وقد أدى هذا التقسيم إلى حرمان اللبنانيين من السهول الخصبة التي تؤمن لهم مورد عيشهم، واقتصر جبلهم على الصخور العاتية، لكنّهم تغلّبوا على الصعاب وحوّلوا جبلهم إلى منطقة رائعة صالحة للسكن والزراعة والاصطياف.
وكانت متصرفيتا بيروت وطرابلس آنذاك قد الحقتا بولاية سورية (1861). وضمّ العثمانيون منطقة البقاع إلى ولاية دمشق وألغوا ولايتي صيدا وطرابلس(1864)، وجعلوا من بيروت (1888) مركز ولاية وألحقوها بالولايات العثمانية، كما ضمت ألوية طرابلس واللاذقية وعكا ونابلس حتى العام 1918، علمًا أن متصرفية جبل لبنان بقيت مستقلة عن ولاية بيروت حتى العام 1915.

 

الجند اللبناني
ضم الجند اللبناني ألف جندي من أهل البلاد ومهمتهم الحفاظ على الأمن. وقد ارتفع عددهم إلى 1200 جندي العام 1912، وتشكلوا من الفرق الآتي ذكرها:
- مير آلاي أو قائد الجند اللبناني الأعلى (عميد، كولونيل) وهو ماروني المذهب.
- بكباشي (مقدم، قومندان) وعددهم اربعة، إثنان من الموارنة وواحد درزي وواحد ارثوذكسي.
- قول أغاسي (رائد) وعددهم إثنان، فضلًا عن العديد من الضباط برتبة يوزباشي (قائد مئة، نقيب، أو رئيس) فما دون، وهم من مختلف الطوائف اللبنانية، يتولى تعيينهم حاكم لبنان، أما قائد الجيش والمقدمون فيتم تعيينهم بصدور أمر سلطاني مبني على اقتراح من حاكم لبنان يوافق عليه ناظر (وزير) الحربية.
ووضعت الدولة العثمانية تحت إمرة الحاكم مفرزة من الجنود، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم الخمسين، وهم بقيادة ضابط (برتبة نقيب)، ويتميزون بالانضباط وحسن التدريب. واستقرت هذة المفرزة في الثكنة العسكرية في بيت الدين حيث المقر الصيفي لحكومة جبل لبنان.
وكان الجند اللبناني يقدم استعراضًا خلال الأعياد الرسمية كعيد مولد السلطان العثماني وعيد تولّيه العرش، وكانت المفرزة المشار إليها أعلاه تظهر في طليعة هولاء الجند.
وكانت المفرزة تتبدل بغيرها من طرازها من وقت إلى آخر، وقد شهد معظم اللبنانيين لرجالها بحسن السيرة والتدريب والانضباط في مختلف عهود الحكام.

 

الضابطية أو رجال الدرك
هي القوى الأمنية التي انشئت في عهد المتصرفية بموجب البروتوكول الذي أقرته الدول الكبرى للبنان (9 حزيران 1861) ومهمتها تأمين الخدمات في الأقضية.
وقد بلغ عدد رجال الدرك 350 رجلًا خلال الأعوام الممتدة بين 1862 و1872، وكانوا يتميزون بفرقتهم الموسيقية التي تدرب عناصرها على أيدي اساتذة إيطاليين، والتي جعلها الأتراك في المرتبة الثانية في الدولة العثمانية بعد جوقة سالونيك الشهيرة، وكانت الرتب كما يلي:

 

- نفر ضابطي.
- أونباشي (رئيس عشرة جنود).
- جاويش (رقيب).
- باشجاويش (رئيس فرقة).
- ملازم ثانٍ.
- ملازم أول.
- يوزباشي (قائد المئة عسكر).
- قول آغاسي (رئيس قسم من الطابور).
- بيكباشي (رئيس الطابور).

 

أتى إنشاء قطعة الدرك وفق نظام الجندرمة الفرنسية تنظيمًا وعملًا وإدارة، حيث استقدم ضابط من الدرك الفرنسي تولى التنظيم والتدريب. وخصص ضابط الدرك بلباس مماثل للباس الضباط الأتراك، أما الجنود فكانوا على غرار الجنود المغاربة. وكان تعيين الضباط القادة يتم بصدور الأمر السلطاني المبني على اقتراح المتصرف.
وقضى نظام التطوع بحق الرجال الأميّين في الانتساب إلى سلك الدرك شرط أن يتمتعوا بصحة جيدة. وكانوا يقسمون يمين الطاعة للرؤساء بالصمود أمام العدو وعدم الفرار.
العام 1913 نفّذ ضباط الدرك عصيانًا مسلّحًا بسبب ازدياد الحالة الاقتصادية سوءًا، مما دفع بالمتصرف وإدارته إلى زيادة رواتب رجال الدرك الذين بلغ عددهم 800 رجل حتى العام 1914.
خلال العام 1915 سيطر العثمانيون على الجبل اللبناني وأحدثوا تغييرات في هذه المؤسسة العسكرية، فأقالوا بعض الضباط والجنود وعيّنوا مكانهم ضباطًا من الدرك التركي فسميّت الضابطية بـ «الجندرمة».
وانشأت الدولة العثمانية مدرسة كبرى للدرك، في بعبدا، لتعليمهم وفق الأنظمة العثمانية، وقد تخرج منها 400 جندي من جميع الرتب، واستمرت المدرسة حتى جلاء العثمانيين عن لبنان في ايلول من العام 1918.

 

الحصار التجويعي للبنان
عانى لبنان كثيرًا، قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى وجلاء الاتراك عنه العام 1918. فقد خضع (1915) إلى حصار تجويعي قاسٍ فضلًا عن انتشار المجاعة فيه بسبب الجراد. فتوفي الكثيرون من الجوع في بيروت وجبل لبنان، كما لجأ متوسطو الحال إلى بيع ممتلكاتهم بأبخس الأثمان لسد حاجاتهم.
وفي نهاية العام 1917، سمح القائد الأعلى في الجيش العثماني جمال باشا بإرسال القمح إلى جبل لبنان.
والعام 1918 انتهت الحرب العالمية الأولى وسيطرت الجيوش الفرنسية والبريطانية على لبنان.

 

المراجع:
- يوسف الحكيم: بيروت ولبنان في عهد آل عثمان، دار النهار للنشر، بيروت 1991.
- كمال الصليبي: تاريخ لبنان الحديث، دار النهار للنشر، بيروت 1991.
- محمد ياسر الأيوبي، محمد قبيسي، اميل رزق: كلمات وصور من تاريخنا، بيروت 2007.
- شادية علاء الدين: الإدارة العثمانية في مدينة طرابلس الشام، 1840 - 1914، دار مكتبة الايمان، طرابلس - لبنان 2011.
- قاموس اللغة العثمانية «الدراسات اللامعات في منتخبات اللغات»، جمعه ورتبه محمد علي الانسى باشكاتب محكمة بداية بيروت، طبع في مطبعة جريدة بيروت، 1381هـ (1960م).
* ألوية جمع لواء، واللواء أصغر من الولاية التي كانت تضم عدة ألوية.