كلمات ليست كالكلمات

لبنان قوي... كبير
إعداد: العميد الركن الياس فرحات

 

لبنـان بلد قوي. عبارة ترددت على شفاه وألسنة عديدة, والمناسبة كانت تدشين محطـة ضخ ميـاه الوزاني. هذا الحـدث البالغ الدلالة شكّل محطــة وطنيــة هامة في تاريـخ لبنان, لأنّه يمثل تحرير المياه بعد الأرض والإنسان من الإحتلال الإسرائيلي.
إنها جرأة ما بعدها جرأة. على مرأى ومسمع من قوات الإحتلال من على الجانب الآخر من الشريـط, وعلى مرمى الأسلحة الخفيفة وسمع آذان جنوده, شرع العمال اللبنانيون بالعــمل في إنشــاء وتركيب محطة الضخ, غير آبهــين بالأخطــار المحتملة من جيش العدو الذي تتواصل تهديداته وتصل الى جميع أصقاع الأرض, وتحوي ترسانته على أعقد الأسلحة والتكنـولوجـيات وأسلحة الدمـار الشامل. لـم يخَف عمالنا لأنهم حضروا الى مكان العمل على محاذاة السيـاج بإرادة وطنية وبقرار الدولة والشعب. لم يحسـب أحد حسـاب الأخطـار, واندفعـوا جميعـاً في عمل يجمع بين الإنماء والمقاومة.
تعالت الأصوات المحـذرة من استمرار العمـل, وتوالت التهديدات بشن ّحرب, وكثـرت الأخبار عن قصف المحطة وتدميـرها, وهوّل العدو بكل وسائل الترهـيــب, وكثر خبراء الماء وحضر العديد من الموفدين, فيما أدلى بدلوه آخرون من أمكنـة بعيــدة. اجتهد البعض ودعا الى وضع عدادات للمياه, وكأننا ندفـع فاتورة مياهنا لعدونا. لكن القرار الوطنـي كان الإستمرار بالعمل وفق حقوقنا المشروعة التي نصت عليها القوانين الدولية ذات الصلـة, والإتفاقـات المعقـودة إبان الإنتداب الفرنسي ­ البريطاني.
كل القوانين والأعراف تشير الى أن لبنان ينال حقه, فلماذا التهديد ولماذا الخوف من التهديـدات؟ الى ماذا يستـند هـذا القرار الكبير؟ هل هو مغامرة أم مجازفــة؟ كلا, أبـداً, إنه يستنـد الى وحدة وطنيـة لبنانية وقرار سياسي بنجاح الدولـة اللبنانيـة وعلى رأسها فخامة الرئيس العماد إميل لحــود. إنه يستـنـد الى مقاومـة باسلة أثـارت إحترام وإعجاب العالم والتـفّ جميـع اللبنانيــين حولها. إنه يستنـد الى جيش وطني قوي قدّم التضحيات والشهـداء دفاعاً عن الأرض, وتصدى ببطـولـة لاعتداءات العدو ولم يذعــن لتهديداتـه رغم تفـاوت الوسـائل. على هذا استند قرار تركيب محطة ضخ الوزاني وجر المياه الى ستين قرية مجاورة تعيش حالياً الظمأ.
لبنان القوي أثبت قوته في هذا الإستحقاق وليس وليد مصادفة أو توقيت زمني, بل وليد إرادة هي التي صنعته. وهذه القوة تثبت للقاصي والداني أن لبنان دولة ذات سيادة وتتمتع بالحرية. كيف لا يكون حراً وقد قاوم أبناؤه الإحتلال ووقف شعبه ضد الإعتداءات الإسرائيلية ومحاولات الفتنة؟ كيف لا يكون سيداً وقد تمسك بآخر ذرة من ترابه وما يزال؟
ولأنه حر وسيد, حضرت دول العرب إليه وعقد ملوكها وأمراؤها ورؤساؤها قمة عربية ضمتهــم فيه, وهي قمة تاريخية بقراراتها وبالمصالحات التي جرت بين الأخوة أثناء إنعقادها. كيف لا يكون لبنان حراً أو سيداً وقد تقـاطر الى ربوعه ربع دول العالم في تظاهرة ثقافية سياسية هي قمة الدول الفرنكــوفونية, والتي حضرها رؤساء 55 دولة وممثلون عن المنظمات الدولية والإقليمية, وشهدت حواراً تاريخياً بين فرنسا والجزائر؟
لقد قال قائد الجيش العماد ميشال سليمان “إن الحرية كما السيادة ليست شعاراً أجوف يرفع في المناسبات, إنها ضرورة ملازمة للتماسك الوطني والوحدة الوطنية”, وأضاف أن “البلد الذي لا حرية فيه ولا أمن ولا سيادة ولا مواقف وطنية, لا يستطيع أن يحقق ما حققه لبنان”.
نعم إننا أحرار. نعم إننا أسياد. نعم إن جيشنا هو حامي الحرية والمدافع عن السيادة. جيش يفكر تفكيراً وطنياً عالياً ويضع نصب عينيه مصلحة الوطن لا غيرها. جيش بعيد عن الزواريب والمصالح الضيقة. جيش يعمل وفق القانون ويلتزم نهجاً وطنياً صائباً حقق الأمن والإستقرار والحرية والسيادة, وأسهم بالإنماء والإعمار وبنهوض البلاد وتقدمها.
هذا الجيش الوطني هو الضامن لحرية الشعب وقوة الدولة ومناعة المجتمع, إنه ظهر المقاومة وداعمها. إنه الأمل الدائم بغد أفضل.
لبنان قوي نعم. لبنان كبير نعم.
محطة الوزاني محطة قوة, ومؤتمر القمة الفرنكوفونية وقبله مؤتمر القمة العربية وغيرها من التظاهرات الدولية, محطات كبرى لوطن كبير.