قضايا إقليمية

لبنان لن يخسر الحرب المقبلة
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

منذ أن وضعت حرب تموز 2006 أوزارها، وإسرائيل وكل القوى المؤيدة لها والمتعاونة معها، تعمل على استخلاص العبر من الهزيمة المخزية التي حلّت بالجيش الإسرائيلي، وعلى إزالة العيوب والمعوقات التي انكشفت ابان الحرب.
إن لبنان المحروم دوليًا مقومات صون قواه العسكرية الرسمية (الدفاعية قبل الهجومية) وتنميتها، اعتمد من أجل تعويض هذا الحرمان، على معادلة ذهبية مثلثة الأضلاع تشمل الجيش والمقاومة والشعب. هذه المعادلة تعني حشد كل الطاقات القومية المتوافرة من أجل حماية الوطن من الإعتداءات الإسرائيلية التي لا تنتهي، والتي تستهدف وجوده في وحدته الجغرافية والديموغرافية والجيوسياسية.
لقد طفقت اسرائيل تبحث عن عملائها في الداخل والخارج، ووظفت أموالاً طائلة لصالح من لديه الاستعداد لاختراق صفوف المثلث المشار إليه بحثًا عن ثغرات أو معلومات مهما كانت بسيطة أو بدائية. كما عملت على إعداد مجموعات قتالية ذات تدريب خاص لمواجهة التكتيكات التي يعتمدها الجيش والمقاومة في التصدي للاعتداءات الصهيونية، إلى جانب فتح قنوات تعاون مع بعض أجهزة الأمن الاقليمية بكل أسف، فقط من أجل مسح العار الذي لحق بجيش العدوان الصهيوني على مدى ثلاثة عقود من الزمن. هذا ناهيك عن قيام اسرائيل ايضًا بسلسلة من الإغتيالات الإجرامية التي طاولت بعض قيادات الوطن وقيادات المقاومة من أجل تحريك الفتن وانهاك الجبهة الوطنية الداخلية بحروب لا تنتهي من التشكيك وسوء الظن ببعضنا البعض على الطريقة الاستعمارية التقليدية «فرق تسد». ولكن اسرائيل لم تكن تدرك انها بهذه الروح الاجرامية الخبيثة إنما كانت تحفر قبرها بيدها وتضع نفسها أمام تداعيات خطيرة لا يمكنها التحكم بها لوحدها.
ففي المرة السابقة حقق لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته انتصاراً أسطورياً، وهو الآن وفي المستقبل مرشح لأن يصنع المعجزات من خلال إرغام الكيان العدواني الصهيوني على النزول من على الشجرة العالية التي وضع نفسه فيها، فيهبط إلى المرتبة الثانية عسكريًا ويفقد القدرة على التهديد والوعيد ويتحول من دولة اقليمية عظمى إلى دولة أقل من عادية، لا سيما ازاء امكان تحوّل الحرب، في حال حصولها، من حرب مواقع ثابتة، إلى حرب متحركة تضم عشرات الآلاف من المقاتلين اللبنانيين المدججين بالسلاح والمعرفة والروح المعنوية العالية واليقين بامتلاك حق الدفاع عن الأرض والكرامات.
اليوم يشعر اللبنانيون، بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، بأنهم يملكون الدرع والسيف، وأنهم قادرون على التأثير بقوة وثبات على قرارات العدو سياسيًا وعسكريًا، خصوصًا وأن هذا العدو قد انكشف أمام الملاْ بكل عيوبه وشوائبه ونقاط ضعفه التي منها ما يلي:
• لقد تبيّن أن جنود العدو هم جنود مدللون تخور قواهم بسرعة في المواجهات الحقيقية والمؤثرة، لا سيما أن حرص القيادة السياسية الشديد على أرواحهم، قد أدى بها إلى اتخاذ اجراءات كثيرة ومعقدة من أجل الحفاظ عليهم وعلى رفاهيتهم. هذا الأمر انعكس سلبًا على معنوياتهم وعلى التزامهم معاني الفداء والتضحية، مما وضعهم أمام حساب أولويات بالغ الصعوبة في أثناء وجودهم في خضم المعركة.
• تعاني اسرائيل حاليًا ومنذ أكثر من عقدين من الزمن من حالة متقدمة جدًا من الفساد المادي والأخلاقي الذي ينخر كيانها ومفاصلها، إلى حد أن اثنين من رؤسائها قد أخرجا من مقر الرئاسة بخزي. كما تمّ التحقيق مع العديد من الوزراء ورؤساء الحكومات في تهم وارتكابات أخلاقية واختلاسات مالية واستغلال مواقع السلطة بجني المكاسب الوظيفية والمالية، إلى حد أن بعض الصحافيين وصف اسرائيل بأنها باتت تشبه دول العالم الثالث في مجال الفساد والتدهور الأخلاقي.
• لقد خسرت اسرائيل كبار قادتها وروادها التاريخيين ممن كانوا يسمون بجيل « الصبّار»، اي الجيل المؤسس من أصحاب الأيادي الخشنة والقامات الغليظة أمثال بن غوريون وغولدا مئير وشارون وسواهم.
• لقد فقدت اسرائيل قدرتها على احتكار السلاح وعلى السيطرة المنفردة على البر والبحر والجو. وبات اعداؤها حاليًا يملكون خيارات وبدائل كثيرة لكسر هذا الإحتكار وإعادة التوازن للردع المتبادل.
• لم يعد المجتمع الإسرائيلي مجتمعًا متماسكًا ولا موحدًا امام المخاطر والضغوطات. فمرحلة بناء الدولة قد انتهت، وبدأ الحديث عن مرحلة ما بعد الصهيونية، ومرحلة البحث عن الحياة الفردية المريحة القائمة على السعي الحثيث لتحصيل المتعة والرفاهية والمال باعتبارها أهم القيم الوجودية، الأمر الذي لا يتناسب مع متطلبات الحرب والعدوان.
• لم يعد المجتمع الإسرائيلي قادرًا على تحمل الخسائر الفادحة في الأموال والنفوس بعدما تبين له بأن ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي لم يعد يستطيع تحقيق كل شيء في أي زمان ومكان، وأن ثمة حدوداً ومعوقات سياسية ومادية للقدرات العسكرية مهما كانت متطورة ومتقدمة وفتاكة. وقد كشف نائب وزير الحرب الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط متان فلنائي في دراسة عن المخاطر الاستراتيجية المحدقة باسرائيل (نشرتها مجلة «بمحانيه» العسكرية بتاريخ 24/11 2010)، عن أن 40 % فقط من الجبهة الدخلية تحت الحماية، وأن 60% ما زال مكشوفاً ولا يمكن حمايته في حال اندلاع حرب.
لقد كشفت حرب العام 2006 عن حجم التناقض الكبير بين دعم المجتمع الإسرائيلي للحرب بنسبة مرتفعة للغاية، وبين استعداده المتدني جدًا لتسديد ثمنها وكلفتها من الخسائر المادية والبشرية، الأمر الذي أدى الى ضعضعة الردع الإسرائيلي وإنزاله إلى أدنى درجة منذ عقود، خصوصًا وأن اسرائيل قد فقدت قدرتها على تكرار ما حققته العام 1967 من انتصار عسكري سريع وحاسم وبأقل الخسائر البشرية.
باختصار يمكن القول إنه على ضوء التجارب السابقة منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم مرورًا بعام التحرير العام 2000، وعلى ضوء التطورات الهائلة الحاصلة في المنطقة على مستوى تغيير العديد من الأنظمة العربية، فقد ارتفع الشعور بالثقة بالنفس والاعتزاز الوطني لدى الشعوب العربية، في حين تراجع الشعور بالأمن الشخصي لدى الإسرائيليين، وتراجع معه مبدأ الحدود الجغرافية الأمنية وبرزت صعوبة السيطرة والتحكم بمسرح الوقائع والأحداث نتيجة تداخل الميدانين المدني والعسكري.
يضاف إلى ما تقدم فقدان القدرة على احتكار المبادرة، ازاء ارتفاع التكلفة المادية والبشرية في المواجهة، ومحدودية الاستخدام الواسع للقوة العسكرية وانعدام الأمل في حسم أي مواجهة مقبلة، وتقرير لجنة فينوغراد لم يقصّر في كشف عيوب العدو وعوراته مدنيًا وعسكريًا. فقد تحدث بتقنية عالية عن الاخفاقات والثغرات الخطيرة في عمليات اتخاذ القرار والتنسيق والعمل الجماعي، وعن اخفاق القيادة العسكرية في الاستعداد والجاهزية وانعدام التفكير والتخطيط الاستراتيجي وحماية الجبهة الداخلية. إن هذه الحقائق كلها إنما تزيدنا ثقة بأنفسنا وحقنا المقدس في الدفاع عن وطننا الذي سنحميه بقدراتنا وسننتصر لأجله.