من خارج الحدود

لبنان يــشـــــارك بفعالية في تمرين «ARGONAUT 2012»
إعداد: ندين البلعة

ســيناريوهات مختلفة وعمليات بحث وإنقاذ في قبرص

 

العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، حتّم على الدولة القبرصية استقبال 60.000 من الرعايا الأجانب الذين غادروا لبنان فجأةً، وبالتالي كان عليها تأمين جميع مستلزماتهم القانونية والحياتية قبل ترحيلهم إلى بلدانهم. هذه التجربة دفعت قبرص إلى اتخاذ إجراءات تتيح لها التعامل مع الأحداث غير المتوقّعة. وفي هذا الإطار بدأت اعتبارًا من العام 2008 تنفيذ التمرين السنوي ARGONAUT لاختبار قدرة أجهزتها على مواجهة مثل هذه الأحداث.

 

ARGONAUT 2012
التمرين في نسخة 2012 نفّذ ما بين 9 و12 تشرين الأول المنصرم، بين لارنكا وليماسول وبافوس، وشارك فيه بالإضافة إلى قبرص ولبنان عدّة دول (المانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة واليونان) من خلال قطع بحرية وجوية ووحدات خاصة، بالإضافة إلى جميع الوكالات الرسمية وغير الرسمية المعنية كالدفاع المدني والشرطة والجمارك والأمن العام ووحدات طبية. وحضر من لبنان كل من مدير التوجيه العميد الركن حسن أيوب، ومدير التعليم العميد الركن خالد حمادة، والعقيد الركن بسام ياسين (من القوات الجوية)، والنقيب سامر الحاج شحادة (من مديرية التوجيه)، وعددٍ من الضباط والعسكريين، بالإضافة إلى مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار.

 

المشاركة اللبنانية
العميد الركن خالد حماده تحدّث عن أهمية مشاركة لبنان في التمارين التي تنفّذ بالتعاون مع دول صديقة أو مجاورة، استعدادًا لمهمّات مستقبلية مفترضة قد تعترض الجيش اللبناني أو دول الجوار.
فالعام 2006 نجح الجيش اللبناني باستدراك الأزمة عبر استنفار الأجهزة والإضطلاع بمجموعة أدوار (تأمين إجلاء الرعايا بطريقة سريعة ووضع جميع الوسائل الموجودة بتصرّفهم وتأمين الرعاية الصحية، وإجلاء النازحين من المناطق التي استهدفها العدوان الإسرائيلي...). لكنه قام بكل ذلك من دون تخطيط مسبق، ومشاركته في هذا التمرين تأتي في سياق الاستعداد لمواجهة مثل هذه الأزمات سواء كانت حربية أم غير حربية.
اعتاد لبنان، منذ العام 2010 المشاركة في هذا التمرين السنوي بدعوة من الدولة القبرصية من خلال إرسال مراقبين من الجيش وقوى الأمن والدفاع المدني. أمّا هذا العام فقد شارك في أعمال البحث والإنقاذ بواسطة مركبَين بحريَّين (مركب الإنزال صور والقناص طبرجا) وطوافتَي بوما مع طواقمهما ومرافقين (15 ضابطًا و 44 رتيبًا وفردًا)، ورهط طبي ورهط تصوير.

 

تعريف التمرين
التمرين الذي يأتي ضمن برنامج التعاون المدني - العسكري (CIMIC) بمشاركة دول متعددة، قُسم إلى أربع مراحل سبقها إجتماع تمهيدي عقد في وزارة الخارجية القبرصية وأطلق خلاله تنفيذ الخطة «ESTIA» المتعلّقة بتشغيل مركز إدارة الكوارث وتقييم الوضع المستجد وتحديد المعطيات الأساسية والثانوية.
مرحلتا التمرين الأولى والثانية خصّصتا للخطة «ESTIA»، وتضمّنت المرحلة الثالثة عمليات إنقاذ جوية وبحرية، بينما خُصصت المرحلة الرابعة لمعالجة تهديدات غير تقليدية.
يهدف التمرين إلى تطويــر التعــاون بين سلطــات الحكومــة القبرصيــة والــدول المجاورة أو الصديقــة، في إطار التعامل مع حــوادث الإخلاء التي يمكن أن تسبّبــها مختلف أنــواع الأزمات، الحربيــة وغيــر الحربية، في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تطوير عمليات البحث والإنقــاذ والتعامل مع التهديدات غير التقليدية، ورفع مستوى جهوزية السلطات الحكومية القبرصية كمركز أوروبي لإدارة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط.

 

الخطة «ESTIA»
الخطة «ESTIA» أو «الوطن»، هي خطة وطنية وضعتها الدولة القبرصية انطلاقًا من الوضع السياسي المتزعزع في الشرق الأوسط، إذ أنّ احتمال نشوء نزاع إقليمي يؤدّي إلى عمليات إجلاء سكان نحو قبرص (كما حصل في لبنان العام 2006، وفي مصر وليبيا العام 2011)، جعل وضع خطة واسعة النطاق ضروريًا لكي تتمكن الجمهورية القبرصية من إدارة كل التحديات المحتملة في المنطقة.
الخطّـــة تزوّد الدولــة القبرصية ووحداتها التوجيهات الضرورية لتنظيم وتنسيق وتنفيذ النشاطات المتعلّقة بإدارة الأزمات أو الكوارث الطــبيعيــة وغيــر الطبيعيــة في المنطقــة. من هذه النشاطات: استقبال المواطنين الأجانب أو القادمين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، تصنيف المصابين ومعالجتهم، الإهتمــام بطلبات اللجوء السياسي، ومكافحة دخول اللاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين عبر الموانئ والمطارات والسواحل.

 

• المرحلة الأولى: بدء تطبيق الخطة وجولة على أهم المرافئ:
بدأت المرحلة الأولى بإطلاق تنفيذ الخطة ESTIA في وزارة الخارجية القبرصية، وترافق ذلك مع وصول جميع الوحدات المشاركة القبرصية والأجنبية التي عقد قادتها اجتماعًا في مركز إدارة الكوارث.
استهلّ ممثل وزارة الخارجية القبرصية المرحلة الأولى بالترحيب بالمدعوّين إلى هذا التمرين المشترك، وقام مندوب من الوزارة - قسم إدارة الأزمات (Department of Crisis Management - DCM) بتحليل الخطة «ESTIA».
ثم انتقل الجميع إلى وزارة الخارجية في العاصمة نيقوسيا حيث كانت جولة في المركز الوطني لإدارة الأزمات (NCCM - National Center of Crisis Management)، هناك اطّلع المشاركون على كيفية التنسيق مع مركز إدارة العمليات (OCC - Operations Control Center) بين مختلف الجهات المعنية (الأمن الداخلي/ البوليس - غرفة عمليات الحرس الوطني، والمركز الإقليمي لمطار لارنكا، والمركز الإقليمي لمرفأ لارنكا، ومناطق استقبال المدنيين العزل).
بعدها تم تقسيم المراقبين إلى ثلاث مجموعات، اطّلعت على كيفية العمل في المراكز المذكورة آنفًا.

 

• المرحلة الثانية: تمارين وغرف عمليات:
المرحلة الثانية كانت في مرفأ لارنكا حيث ألقيَت محاضرة تناولت غرفة العمليات في المرفأ وخطّتها الخاصة. في موازاة ذلك ووفق الخطة «ESTIA» نفذت عدّة تمارين تضمّنت: عملية إخلاء جوي لمصابين، تفتيش سفينة مهاجرين غير شرعيين، تسجيل المدنيين على متن السفينة، إجراءات سيطرة وتفتيش أشخاص وحقائب، تحقق من الجوازات ووثائق السفر ( Passport Control - Travel Documents)، إجراءات قنصلية (Consular Procedures)، دعم لوجستي ومساعدات إنسانية، نشر محطة إسعافات أولية، خدمات دعم نفسي، وتحضير لعمليات نقل جوي.
كما اطّلع الحضور على غرفة عمليات المركز الوطني لإدارة الأزمات (Ops Room NCCM) وغرفة عمليات باقي الوكالات، وغرف استقبال المدنيين العزل، والطوافة AW-139التي تستخدمها القوات الجوية وكذلك الأمن الداخلي، لإخلاء المصابين أو نقل الأشخاص. كما اطّلعوا على الوسائل المستخدمة في منطقة تفتيش الأشخاص والحقائب من سيارات مجهزة بـماسح ضوئي (SCANNER)، وكلاب بوليسية، وأجهزة كشف، وغرفة الإسعافات الأولية، وغرفة التدقيق بالهويّات وغرف استضافة الأشخاص.

 

• المرحلة الثالثة: سفينة تغرق... وطائرة تختفي:
في المرحلة الثالثة من التمرين، إنتقل الحضور إلى متن باخرة في مرفأ لارنكا حيث رحّب بهم وزير الدفاع القبرصي في حضور قائد الحرس الوطني، وأبحرت الباخرة لمسافة 20 ميلًا في مكان قريب من بقعة التنفيذ.
السيناريو الأول تمحور حول سفينة صغيرة على بعد كيلومتر واحد من الساحل، على متنها الطاقم المؤلف من 20 شخصًا بالإضافة إلى 150 راكبًا، تتعرّض لحادثٍ يعرّضها لخطر الغرق، فتطلق نداء استغاثة وتفيد مركز تنسيق عمليات الإنقاذ المشتركة «Join  Rescue Coordination Center - JRCC».
بعد تلقّي النداء وصلت طائرة من مصلحة الغابات لمراقبة المنطقة والإفادة عن الوضع، لتصل بعدها الطوافة ATLANTIC الفرنسية التي قامت بدور مراقب جوي ووسيط اتصال بين مكتب تنسيق الطيران وطوافات البحث والإنقاذ. وتمّ إنزال فريق مسعفين على متن السفينة الغارقة لتقديم الإسعافات الأولية اللازمة. كما قامت الطوافات (ومن بينها البوما اللبنانية) بانتشال أشخاص من البحر والمركب، ونقلت الركاب إلى قارب نجاة قام بجرّه زورق مطاط تابع لمركب الإنزال اللبناني الذي انتقل إليه الركاب الناجون، ومن ثم عاينهم فريق طبي لبناني قبل نقلهم إلى برّ الأمان. مراكب من مصلحة الصيادين القبرصية ساعدت بدورها في إخلاء باقي الركاب، ليأتي بعدها مركبان مختصان بمكافحة التلوث لتنظيف مكان الحادث.
السيناريو الليلي كان موضوعه طائرة مدنية على متنها 15 راكبًا، تنتقل من منطقة صراع في الشرق الأوسط باتجاه لارنكا، تختفي عن الرادار وينقطع اتصالها مع مركز مراقبة الملاحة الجوية (Air Traffic Control - ATC)، مما أدّى إلى إطلاق نظام البحث والإنقاذ وفق خطة البحث والإنقاذ الوطنية.
نُفذ التمرين على بعد 20 ميلًا جنوبي لارنكا، وقد تمّ تمثيل الركاب الناجين بدمى ألقيَت في منطقة مساحتها 129 ميلًا بحريًا، فكان على الوحدات المشاركة إيجادهم في وقتٍ محدّد وضمن قطاعٍ ونمط بحث محدّدين. شاركت في العملية أربع طوافات (واحدة لبنانية، اثنتان قبرصيّتان وواحدة بريطانية)، بالإضافة إلى سبع سفن، طائرة C-130 يونانية، والطائرة ATLANTIC الفرنسية التي ألقت قنابل مضيئة بالتنسيق مع المراكب. وانتقل المراقبون إلى مركز JRCC حيث اطّلعوا على غرفة العمليات وأقسامها ومحتوياتها كما تم عرض محاضرة شملت: تعريف المركز، نشأته، محتوياته، طريقة عمله، كيفية تفعيله ودوره في عمليات البحث والانقاذ.

 

• المرحلة الرابعة: سيناريوهات متنوّعة:
في المرحلة الرابعة أشاد وزير الدفاع القبرصي بمشاركة الدول الأخرى في التمرين، وقد خُصِّصت هذه المرحلة لمواجهات متوازية ضمن عدّة سيناريوهات، بحضور ممثلين عن السفارات الأجنبية وقادة الوحدات العسكرية القبرصية.
أبرز هذه التمارين: معالجة حادث تلوث بحري، مكافحة إدخال أوعية كيميائية غير شرعية للبلاد ومنع تسربها، تفتيش باخرة، عملية بحث وإنقاذ أشخاص من مبنى تعرض للإنهيار نتيجة لهزة أرضية، عملية بحث وإنقاذ في البحر، تحرير أشخاص اختطفهم إرهابيون على متن حافلة ركاب، مكافحة قرصنة سفينة.
في الختام ألقى قائد الحرس الوطني القبرصي كلمةً أشاد فيها بسرعة تنفيذ التمارين ودقة التوقيت شاكرًا الحضور والدول المشاركة، وقدّم من بعدها دروعًا لممثلي السفارات المشاركة كما قدم درعًا لرئيس الوفد العسكري اللبناني عربون تقدير وامتنان.


المراكب والآليات المشاركة
شارك في تنفيذ «ARGONAUT 2012» الأسلحة والآليات الآتية:
- طائرة ATL-2 من البحرية الفرنسية للإستطلاع والتنسيق الجوي لعمليات الإنقاذ لمختلف الطائرات المشاركة.
- طائرة Air Tractor من مصلحة الغابات القبرصية، للإستطلاع والمراقبة الجوية.
- طوافة Bell-412 HAR2 من القوات الجوية الملكية للمملكة المتحدة.
- طوافة Bell-412 EP من الوحدة الجوية البوليسية القبرصية.
- طوافة Aw-139 من القوات الجوية القبرصية.
- طوافتان SA-330 SM/puma من القوات الجوية اللبنانية.
- مركب الإنزال صور من القوات البحرية اللبنانية.
- القناص طبرجا من القوات البحرية اللبنانية.
- طرادان VITTORIA من القوات البحرية القبرصية.
- زورقان سريعان من القوات الخاصة البحرية القبرصية Navy SEAL Team.
- سفينة حربية FGS MAGDERBURG من القوات البحرية الالمانية .
- باخرتان ضد التلوث من مصلحة الصيادين القبرصية.

 

أداء لبناني متميّز
في سياق هذه الزيارة، التقى وفد مديرية التوجيه قائد الحرس الوطني القبرصي الذي تكلّم عن المشاركة اللبنانية وآفاق التعاون العسكري بين الجيشين. وقد بادر إلى شكر لبنان وجيشه باعتباره الدولة الأجنبية التي لها أكبر مشاركة في التمرين، منوهًا بأداء الوحدات العسكرية اللبنانية. وقد أكّد بالتالي ضرورة استكمال تنفيذ مناورات مشتركة، وأهمية التعاون بين البلدين كونهما يضطلعان بدور محوري في تحمل تبعات عمليات البحث والإنقاذ في شرق المتوسط.
في هذا الإطار، أكّد العميد الركن خالد حماده اهتمام الجانب القبرصي بأي تمرينٍ مشترك قد ينظّمه الجيش اللبناني في المستقبل، ومشاركة لبنان في أي تمارينٍ مستقبليّة مع قبرص تشمل مهمّات البحث والإنقاذ والإخلاء والإسعاف، حيث أنّ أداء الوحدات اللبنانية لا يقلّ أهميةً عن أداء أيٍّ من الجيوش الاجنبيّة المتطوّرة.

 

التسمية
كلمة Argo باليونانية تعني السرعة، وكلمة Naut تعني البحرية، من هنا أتت تسمية التمرين Argonaut 2012 حيث تميّزت الحملة البحرية فيه بسرعة الردّ على التهديدات التي واجهتها.