أمن واستقرار

لبنان يوازن بين الأمن وحقوق الإنسان
إعداد: الرائد باسم شعبان

يُعتبر لبنان من أصغر دول الشرق الأوسط والعالم العربي مساحةً، كذلك الأمر بالنسبة الى عدد السكان. لكن وعلى الرغم من ذلك، فالمجتمع اللبناني يمتاز بفرادة لا مثيل لها في المنطقة لتكوّنه من 19 طائفة.
ومنذ فجر الاستقلال، استقبل لبنان على أراضيه لاجئين من جنسيات مختلفة (أرمن، أكراد، فلسطينيون، الخ...). ومع بداية القرن الحادي والعشرين توافد إليه لاجئون من العراق، وذلك قبل بداية النزوح السوري في العام 2011.
انعكست حالة عدم الاستقرار التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط على الوضع في لبنان، ومع الوقت بات هذا الوضع يزداد حرجًا. بالتزامن، بدأت دائرة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط تتسع ليطال تأثيرها دولاً أخرى في المنطقة.

 

اعتبارًا من آذار 2011 اندلع صراع دموي في سوريا، مسبّبًا حالة نزوح كثيفة من المناطق الساخنة إلى الدول المجاورة. من ناحيتها، اتخذت الحكومة اللبنانية قرارًا رسميًا بعدم التدخل في مجرى الأحداث الدائرة في سوريا، واعتمدت سياسة النأي بالنفس. كما اتخذت إجراءات، ووضعت معايير للسماح بدخول المدنيين حصرًا، أما حاملو السلاح فعليهم ترك أسلحتهم ونبذ كل الأنشطة العسكرية ليُسمح لهم بالدخول.
تعاملت السلطات اللبنانية مع النازحين السوريين على أُسُس إنسانية، فأمدَّتهم باحتياجاتهم الأساسية، كالغذاء والخدمات الطبية والتعليمية. والأهم من ذلك أمَّنت الحكومة اللبنانية للنازحين السوريين الأمان والطمأنينة. غير أن الصراع الدائر في سوريا امتدّ لفترة زمنية فاقت كل التوقعات، متسببًا بانتشار مئات الآلاف من النازحين السوريين في مختلف الأراضي اللبنانية، والعديد منهم بدأ يتأقلم مع الواقع الجديد، وصولًا إلى دخول سوق العمل.
شهد عدد النازحين السوريين إلى لبنان ازديادًا مطّردًا مع مرور الوقت، بحيث ارتفع إلى مليون و200 ألف (الرسم البياني).
هذه الأرقام التي أعلنتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تتضمن الذين عبروا الحدود بطرق غير شرعية. في أيلول 2015 وصل عدد غير اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية (لاجئون ونازحون) إلى نسب مرتفعة جدًا.
ومن المعلوم أن استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين والنازحين تخلق تحديات، إن لم نقل مخاطر على المجتمع المضيف، وهذا ما يعانيه لبنان. في الواقع إن متطلبات استيعاب هذا العدد الضخم تفوق قدرة السلطات اللبنانية. وعلى الرغم من الدور المساعد الذي أداه المجتمع الدولي عبر تقديم دعم ومساعدات، إلا أن الفجوة بين الحاجة وما تمّ تقديمه لا تزال واسعة.
والجدير بالذكر أن التحدي الأساسي للبنان كان كيفية الحفاظ على الأمن والاستقرار بالتوازي مع احترام حقوق الإنسان. فلبنان بدأ يشهد أحداثًا ذات طابع أمني، وارتفاعًا ملحوظًا بمعدلات الجرائم (سيارات مفخخة، جرائم قتل، سرقات... الخ)، لكن الوضع بقي تحت السيطرة.
في الثاني من آب 2014 تبدَّل المشهد بشكل دراماتيكي، وذلك عندما أقدم إرهابيو جبهة النصرة وتنظيم داعش على مهاجمة مراكز الجيش وخطف عناصر من قوى الأمن الداخلي وعسكريين من الجيش. بعض المهاجمين عبر الحدود اللبنانية- السورية، إلا أن العديد منهم خرج من مخيمات النازحين في المنطقة.
ردَّ الجيش اللبناني بهجوم معاكس سريع تمكّن على أثره من طرد الإرهابيين خارج البلدة، لكن الثمن كان باهظاً مع سقوط 19 شهيدًا إضافة إلى المخطوفين. وعلى الرغم من هذا الثمن الكبير، لم يُسجَّل حدوث أي عملية انتقام، بل تابعت وحدات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي عملها المعتاد، بهدف تأمين الأمن والاستقرار لجميع السكان، والنازحون السوريون ضمنهم.
في هذا السياق ضاعف الجيش جهوده لإبقاء الإرهابيين خارج تجمعات النازحين السوريين، وذلك عبر عدة إجراءات أبرزها:
- إقفال جميع المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا.
- إجراء عمليات تفتيش دائمة لتجمعات النازحين السوريين.
- إبقاء العين ساهرة على أي عمل مشبوه.
من ناحية أخرى، أخذ الجيش اللبناني بعين الاعتبار الحاجات الأساسية للنازحين السوريين، وعمل على مساعدتهم من خلال مديرية التعاون العسكري - المدني (CIMIC) التي بذلت جهودًا كبيرة لبناء علاقة طيبة معهم، بخاصة المقيمين في تجمعات النازحين في محيط عرسال.
قدَّمت المديرية المذكورة للنازحين حصصًا غذائية، ملابس للشتاء، وكتبًا وقرطاسية للتلامذة. كما زوَّدت وزارة الشؤون الإجتماعية معدات طبية لمصلحة النازحين، وساهمت في إيصال المساعدات خلال الظروف المناخية الصعبة (خلال العاصفة ألكسا 2013 على سبيل المثال لا الحصر). ساعدت هذه العلاقة في ضبط تجمعات النازحين من دون أي استخدام للقوة.
بغية ضبط عمليات النزوح السوري إلى لبنان، وللتمييز بين النازح الحقيقي ومنتحلي صفة النزوح، اتخذت الحكومة اللبنانية في حزيران 2014 قرارًا قضى برفع صفة النازح عن السوري الذي يعود إلى سوريا. وبناءً عليه لا يستطيع السوري أن يدخل لبنان مجددًا بصفته نازحًا، بل كزائر عادي ويتوجب عليه حينها التصريح عن سبب الزيارة وإبراز جميع المستندات القانونية المطلوبة.
على الرغم من صغر مساحته وقلة عدد سكانه ومحدودية موارده، سيبقى لبنان مدافعًا عن الحرية وحقوق الإنسان بالتوازي مع حماية الاستقرار الداخلي، وهذا ما يبرهن صحة المقولة الشهيرة للبابا يوحنا بولس الثاني: «لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة».

 

مقال منشور باللغة الإنكليزية
في مجلة Per Concordiam
الصادرة عن مركز جورج مارشال