قضايا إقليمية

لعبة التعويضات اليهودية القذرة والخطرة
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

«المحرقة» النازية
لقد سبق للمنظمات الصهيونية أن نجحت، قبل إنشاء الكيان وبعده، في استغلال قضية «المحرقة» النازية والإتجار بها، على جميع الاصعدة السياسية والمادية والعاطفية، لكسب تعاطف العالم وإقامة «وطن قومي» لليهود. فـ«المحرقة» النازية وما تعرض له اليهود وغير اليهود، من سوء معاملة في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، أدّيا الى جمع التعويضات المالية الهائلة التي وصلت إلى عشرة مليارات دولار بأسعار تلك الأيام. وقد دفعتها الدول الأوروبية للمتضررين وورثة قتلى اليهود، وللناجين من الحرب العالمية الثانية، كما خصّصت جزءًا منها للنشاطات الخاصة بتخليد ذكرى «المحارق».
العام 1952، وفي عهد حكومة دافيد بن غوريون، توصّلت إسرائيل لأول اتفاق بينها وبين ألمانيا يتعلق بالتعويضات الألمانية لليهود، وقد وقّع هذه الاتفاقية باسم ألمانيا رئيس حكومتها كونراد أديناور، ونيابة عن اليهود وقّعها كل من الدكتور ناحوم غولدمان رئيس الوكالة اليهودية، وموشيه شاريت وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك. لكن هذه الاتفاقية أحدثت انشقاقًا ومعارضةً في إسرائيل إذ عارضها اليمين الإسرائيلي وشرائح أخرى، ووقعت اشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوات الشرطة، بحجة أن دماء اليهود لا تباع بالمال. أما ألمانيا التي دفعت التعويضات لحوالى نصف مليون يهودي، من الناجين من «المحارق» والذين يعيشون في 67 دولة من العالم، فقد فتحت الشهية اليهودية للمزيد من المطالبات المالية، حتى أصبحت أكثر اتساعًا. وهكذا قامت شبكة واسعة من المنظمات الصهيونية المختصة في هذا الشأن، بالإضافة إلى مكاتب المحامين الذين استفادوا من عمولات مجزية، وباتت قصة «المحارق» «بقرة حلوب» بالنسبة إلى اليهود المتعطشين للمال، الأمر الذي أدى الى زيادة الحساسية ضدهم لدى الشعوب الأوروبية.

 

«تهجير» اليهود من البلاد العربية!!
حاليًا يعمل الكيان الصهيوني ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا، لإغراق الدول العربية في مستنقع جديد من الهموم والتعقيدات وحملات الابتزاز القانونية والدبلوماسية والمالية والأخلاقية، وذلك عبر مطالبته بـمبلغ 300 مليار دولار كتعويض عما يسميه «تهجير» اليهود من البلاد العربية!! والدول المعنية هي: مصر والجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس وليبيا والسودان والسعودية والبحرين وسوريا والعراق ولبنان والأردن، هذه الدول مطالبة وبكل وقاحة، بدفع مبالغ مالية ضخمة تعويضًا عما يزعم بأنه «تهجير آلاف اليهود بالقوة من أراضيهم» إثر احتلال فلسطين العام 1948. وتوضح مصادر إعلامية صهيونية أن فريق إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الصهيونية قد أعد مشروع قانون لرفعه للكنيست، يطالب الجزء الأول منه، بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي في معظم الدول العربية، قيمتها 300 مليار دولار أميركي مقسمة بين هذه الدول وفق التعداد السكاني الأخير لليهود العام 1948.
وينص الجزء الثاني على مطالبة السعودية بتعويضات عن اليهود الذين أخرجوا من الحجاز منذ أربعة عشر قرنًا، أي منذ عهد الرسول محمد (ص)، تحت عنوان «ميراث يهود خيبر». والجدير بالذكر في هذا السياق، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أطلقت منذ فترة قصيرة حملة دعائية تطالب بصرف تعويضات لليهود ذوي الأصول العربية الذين هجروا من بلادهم، على حد زعمها. وتستهدف الحملة التي حملت إسم «أنا لاجئ يهودي» الإلتفاف على حقوق اللاجئين الفلسطينيين وطمس معالمها المأسوية والإنسانية والسياسية والإقليمية، وعلى رأسها حق العودة، من خلال الربط والمساواة بين اللاجئين الفلسطينيين، الذين شردتهم الاحتلالات الإسرائيلية من وطنهم التاريخي، ويهود الدول العربية، الذين هاجروا إلى فلسطين طوعًا بل وبتشجيع من الوكالة اليهودية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وبضغط وتخطيط منها أيضًا عبر اجهزتها الأمنية الرسمية.
وقد أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان قد أطلق حملة تدعو اليهود الإسرائيليين الذين جاءوا إلى فلسطين من الدول العربية، إلى نشر شهادات توثيقية على صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع «فيس بوك»، باللغات الثلاث، العربية والانكليزية والعبرية، تحكي «كيف تم سلب أموالهم وممتلكاتهم في بلدانهم الأصلية، ومن ثم طردهم معدمين فقراء، بعد إقامة دولة إسرائيل لمجرد كونهم يهودًا». ولفتت الصحيفة أيضًا إلى أن المبادر إلى هذه الحملة هو نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، الذي يدعي أنه هو نفسه إبن لأب جزائري طُرد من الجزائر، ويريد تصحيح هذا «الظلم التاريخي».
من جهتها نظمت الخارجية الإسرائيلية مؤتمرًا دوليًا فى القدس المحتلة، بدعم أميركي ومشاركة هيئات ومنظمات دولية، لبحث ملف تعويضات اليهود. وخرج المؤتمر بتوصيات من بينها تكليف الخارجية الإسرائيلية بإثارة ملف التعويضات لدى الأمم المتحدة، وتكليف جميع السفارات الاسرائيلية في الخارج بتنظيم فعاليات لدعم «حق اليهود» فى التعويض من الدول التى خرجوا منها.

 

المهاجرون اليهود من الدول العربية
لقد دأبت إسرائيل على الاستغلال السياسي لموضوع المهاجرين اليهود من الدول العربية عبر العقود ولم يكن دورها بعيدًا قطّ عن ترحيلهم بشكل مباشر أو غير مباشر. وتحليل أسباب مغادرة هؤلاء العالم العربي يظهر عوامل مختلفة، ولا يجوز التعميم في الموضوع لأنّ الأسباب والحيثيات تختلف بين دولة وأخرى. فقد تمّ ترحيل الفالاشا من الحبشة، مثلًا، باتفاق سرّي لقاء عمولة بين حكم جعفر النميري في السودان وإسرائيل. ومغادرة الجالية اليهوديّة للبنان كانت طوعيّة، مع تسهيل عمليّة نقل أموالهم وثرواتهم الشرعية وغير الشرعية. وفي مصر كانت قضيّة بنحاس لافون، وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه، تشير إلى تجنيد دولة الكيان الغاصب يهودًا مصريّين بإيعاز من رئيس حكومة العدو بن غوريون، للقيام بأعمال تخريب وإرهاب ضد أهداف أميركيّة وبريطانيّة من أجل التحريض وتوسيع شقة العداء الغربي ضد نظام الرئيس عبد الناصر، القومي العربي. ولم يعلم الإسرائيليّون بحقيقة دور دولتهم الخبيث هذا إلا بعد سنوات. وكذلك «عمليّة بابل» في العراق، التي أسهمت في ترحيل اليهود العراقيّين، فقد تمت عبر نشر الذعر عن قصد في صفوفهم من خلال عمليّات تفجير وبيانات تهديد بالقتل قام بها جهازالموساد الاسرائيلي نفسه.
إن المطلوب حاليًا هو التحضير لملف قضايا التعويضات المطلوبة من إسرائيل، والتي لا تنحصر بالأراضي والأملاك فحسب، بل بالآلام والتشريد والعذابات التي لحقت بالشعوب العربية قاطبة، والتي لا تقل عن عذابات المحارق النازية المضخمة، وإذا طال عذاب يهود أوروبا لفترة زمنية لا تتجاوز سنوات معدودة، فإن عذابات العرب والمسلمين والمسيحيين في هذا الشرق قد تجاوزت مئة عام ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.