رحلة في الانسان

لقاءات الانترنت ما هي نسبة صدقيتها؟
إعداد: غريس فرح

ملايين الشبان والشابات حول العالم يستخدمون اليوم صفحات التعارف عبر شبكة الإنترنت، لتبادل المعلومات والآراء الشخصية لأهداف مختلفة في مقدمها التعرّف الى شريك بقصد الزواج، أو لمجرّد تمضية الوقت.
في هذا السياق أثيرت تساؤلات من قبل باحثين في علم النفس والاجتماع حول مدى صدقية لقاءات الإنترنت بالمقارنة مع اللقاءات التقليدية، وحول نسبة نجاحها على مستوى تحقيق الغاية المرجوة من ورائها. وعُرف أن الأبحاث التي جرت على أكثر من صعيد في هذا المجال تكشّفت عن معطيات بالغة الأهمية تمّ وضعها بمتناول الباحثين عن الحب والعاطفة عبر هذا العالم المستحدث.
فماذا في جعبة الباحثين في هذا الحقل، وما هي الحقائق التي يكشفونها أمام هواة التعارف عبر الشبكة؟

 

الخداع سيد الموقف
من خلال اعترافات أدلى بها بعض الذين أخضعوا لدراسات حول صدقية لقاءات الإنترنت، ثبت أن معظمهم قد كذب بشأن عمره وأحواله الشخصية والعائلية وكذلك بالنسبة الى مهنته ومدخوله الشهري. وللمزيد من الإثبات، اعتمد بعض الباحثين وسائل أكثر موضوعية لتقييم الوضع المشار اليه، ومنها اعتماد الكشوفات الطبية للتعرف على معلومات تتعلق ببعض هواة التعارف، كالوزن وطول القامة والملامح وسواها من السمات الشخصية، بعدها عمدوا الى مقارنتها بالمعلومات المسجّلة عنهم على صفحات الشبكة. وجاءت النتيجة لتؤكد أن معظم المعطيات التي أفرزتها الكشوفات الطبية كانت مغايرة أو غير مطابقة لتلك المصرّح عنها عبر الإنترنت.
من ناحية ثانية، عُرف أن الذكور يكذبون بشأن مستواهم العلمي، ومدخولهم الشهري وأحوالهم الشخصية والعائلية أكثر من الإناث. كما ثبت أن 13 في المئة من الذكور الذين يلاحقون الإناث عبر الشبكة بقصد الزواج هم من المتزوجين. أما بالنسبة الى الإناث فتبين أنهن يكذبن بشأن أعمارهن ومظهرهن الخارجي، علماً أن نتائج الأبحاث أكّدت على إعطاء كل من الجنسين أهمية بالغة للمظهر الخارجي.

 

ما هو سبب اللجوء الى الخداع؟
بحسب النظرية التي أطلقها باحثون في جامعة «ميلون» الأميركية ما بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فإن التواصل غير المرئي عبر الشبكة، يتيح للمتحاورين حرية التعبير بالطرق التي تتناسب وميولهم، وخصوصاً في غياب تعابير الوجوه والتفاعل الكيميائي التي تحدد عموماً نجاح اللقاء أو فشله. وهذا يعني أن اللقاء عبر الإنترنت يتيح إزالة الحواجز الإجتماعية ويطلق العنان لتحقيق «الذات المثالية»، أو بتعبير آخر، الظهور بالشكل الذي نريد أن يرانا به الغير. والجدير بالإشارة هنا أن البعض يعتقد أن الكذب هو أفضل الحلول لجذب الشخص المتحاور معه في بداية الطريق، لأن قول الحقيقة قد يضع حداً للعلاقة.

 

مشكلة التصريح عن العمر الحقيقي
يبقى العمر الهاجس الأهم بالنسبة الى الباحثين عن الحب والزواج. إنه العامل الذي يحدّد مدى انجذاب الآخر، لأنه يعطي إنطباعاً الى حدٍ ما، عن النضارة والشباب والمقدرة على الانجاب. مع ذلك فقد ثبت بالدراسات أن الخجل من البوح بالعمر الحقيقي بالنسبة الى الذكور والإناث، يتجلى عبر ثلاث مراحل عمرية أساسية:
فعمر التاسعة والعشرين مثلاً هو الأكثر حساسية لدى الجنسين، لأن ثقافتنا الاجتماعية الراسخة في العقول تجعل من هذه السن مرحلة الفصل بين العشرينيات والثلاثينيات، وبداية التدهور البنيوي. أما المراحل العمرية الانتقالية التي حددها الباحثون كمحطات حساسة، فهي عموماً الرابعة والثلاثين والرابعة والأربعين وبعدهما الخمسين. ولأن التقدم بالعمر يعني بالنسبة الى النظريات الاجتماعية الراسخة، التدهور على الصعد كافة، وفي مقدمه المقدرة على الانجاب والإنتاج، إضافة الى ذبول المظهر الخارجي، لذا فقد يشعر المنتقل بين مراحل العمر بالخوف من فقدان قيمته كعنصر فاعل في بيئته الاجتماعية، ويميل الى الكذب لإرضاء ذاته.

 

ماذا بشأن اختبار الشخصية على الإنترنت؟
يدّعي معظم الشركات التي تقدم خدمات التعارف عبر الشبكة أنها تقدّم لزبائنها إختباراً لتقييم شخصياتهم وتوجهاتهم من أجل تأمين مجال التنسيق بين المتعارفين على أساس انسجام الميول وخطوط الشخصية.
في هذا المجال تؤكد نتائج الدراسات أن تطابق الميول وخطوط الشخصية لا يؤمن دائماً نجاح العلاقة العاطفية أو الزوجية، بل بالعكس، فقد يكون النجاح حليف الشركاء الأضداد الذين يكمّل بعضهم البعض الآخر. كذلك، فإن الاختبارات التي تضعها عموماً شركات التعارف لا تتعدى كما ثبت، الأمور السطحية، ما يعني أنها لا تلامس عمق المشاعر، ولا تتمكن من التنبؤ بمستقبل العلاقة بعد لقاء المتعارفين فعلياً على أرض الواقع، حيث يلعب التفاعل الكيميائي الدور الأكبر بغض النظر عن المظهر الخارجي. وعرف أن اختصاصيي النفس والاجتماع الذين واكبوا اللقاءات الناجمة عن التنسيق المصطنع عبر الإنترنت، قد أكدوا فشل معظمها.

 

تطوير البرامج
من هنا بدأ بعض شركات التعارف تطوير برامجه، وخصوصاً تلك الهادفة الى الارتباط بالزواج، عن طريق تقديم معطيات أكثر موضوعية تتصل بمحيط العمل والعائلة، وكذلك وضع أسس عملية للقاءات آمنة على أرض الواقع. أما بالنسبة الى الباحثين في الحقل النفسي - الاجتماعي ممن يواكبون هذه الظاهرة، فقد أسدوا الى الراغبين بالتعارف عبر شبكة الإنترنت النصائح الآتية:
• إن الاحتفاظ ببعض الغموض في بداية العلاقة يحفّز دوافع المتحاورين الخفية على اكتشاف بعضهما البعض الآخر بطرقهما الخاصة. لذا يوصى بعدم الكشف عن الأوراق الشخصية دفعة واحدة لأن من شأن ذلك القضاء على عنصر التشويق.
• ينصح باعتماد عنصر الحماسة لأنه يعطي انطباعاً جيداً عن صاحبه ويسرّع توطيد العلاقة.
• الأفضل الإسراع الى التعرف شخصياً بالشخص الذي يجذبنا عبر الإنترنت، ومن الأفضل أيضاً اتخاذ إحتياطات أمنية تتمثل بتحديد لقاءات في أماكن آمنة، والاستفادة من الحدس الشخصي وتعابير الوجه لاكتشاف الآخر، والأفضل التحرّي عنه بالطرق العملية.
• على الرغم من أن عنصر الخداع أو التهرّب من الحقيقة يدخل على الدوام في بداية معظم العلاقات، وخصوصاً عبر الإنترنت، إلاّ أن الاستمرار بالاختباء وراء الأكاذيب من شأنه أن يدمّر العلاقة، لذا ينصح بالصدق وبالصراحة والوضوح.
• الأفضل إستشارة الأهل والأصدقاء قبل توطيد العلاقة مع الشريك عبر الإنترنت. وكذلك السماح لهم بالمشاركة في تقييم شخصيته قبل تحديد موعد اللقاء، أي قبل الوقوع في الفخ.
• من المعروف أن لقاءات الإنترنت تتصف بالبطء الشديد، وكذلك فرص إنتقاء الشريك. لذا ينصح بالصبر والرويّة واعتماد العقل والمنطق والحدس الشخصي بدلاً من الاعتماد على الاختبارات السطحية التي تقدّمها شركات التعارف.