قضايا اقليمية

لقاء بوش -­ شارون ومــــــــستقبل التسوية
إعداد: احسان مرتضى

 "هذه تعهدات لم يسبق لنا أن تلقيناها من أميركا، إن تعهدات بوش هي جزء لا يتجزأ من خطة فك الإرتباط، هذه التعهدات تقرر المستقبل السياسي لدولة إسرائيل، وطالما تصر الحكومة عليها فإنها ستصمد". بهذه الكلمات أوجز رئيس الحكومة الإسرائيلية آرييل شارون نتائج رحلته الأخيرة الى الولايات المتحدة وذلك على أسماع كل من الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف ورئيس الكنيست رؤفين ريفلين وزعيمي المعارضة شمعون بيريس (العمل) وإيلي يشاي (شاس).

 والتعهدات التي قصدها شارون تناولت موضوع الإجماع الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي على إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من بلدان المنفى الى ديارهم بصورة نهائية، وتشريع الإستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفي الضفة الغربية بنوع خاص، علماً أن الإدارات الأميركية السابقة بأكملها كانت تعتبر هذا الإستيطان في أقل الأوصاف أنه غير قانوني أو أنه يشكل عقبة في طريق السلام، مع ما يعني ذلك من استهتار وإلغاء لمبادئ الشرعية الدولية من طريق إسقاط خط الهدنة عام 1949 أو ما يسمى بالخط الأخضر. وبالإضافة الى ما تقدم فإن الرئيس بوش وعد شارون بمراعاة التغييرات الديموغرافية التي طرأت على المناطق المحتلة لصالح المستوطنين اليهود، كما وعده أيضاً بتغطية "حق إسرائيل" في المطاردة الساخنة للمقاومين الفلسطينيين حتى داخل الأراضي التي قد يتم إخلاؤها.

 أما الثمن السياسي الذي قبضه الرئيس بوش من شارون وفقاً لمبدأ التبادلية الإضطرارية بينهما في الظروف الحرجة التي يواجهانها كل على حدة، سواء بسبب قساوة المعركة الإنتخابية التي يخوضها الأول وبسبب قساوة الظروف القانونية والسياسية التي يواجهها الثاني على خلفية إتهامه بالفساد المالي وتقاضي الرشوة، فهو أولاً أن الرئيس بوش سيكون أول رئيس أميركي تقتنع إسرائيل في عهده تلقائياً وبرضى منها بإخلاء مستوطنات، الأمر الذي يصب في صالح سياسته الخارجية، والثاني هو إلزام السلطة الفلسطينية بضرورة قبول التخلي النهائي عن أراضي ومستوطنات قائمة مما يرضي توجهات اللوبي الصهيوني ذات التأثير في الإنتخابات الأميركية.

 وقد تباهى شارون بهذه الإنجازات الشخصية، ووجه كلامه الى العرب والفلسطينيين قائلاً: "إنهم يفهمون جيداً معنى رسالة الرئيس أكثر من كثير من الإسرائيليين... أنا قلت إننا سنوجه إليهم ضربة قاضية، وقد تلقوا ضربة قاضية".

 إلا أن المحلل العسكري الإسرائيلي زئيف شيف اعتبر أن من يحاول عرض أقوال الرئيس بوش ووعوده بأنها كوعد بلفور لجهة أهميتها بالنسبة لإسرائيل، إنما يبالغ كثيراً. فالإنجاز الحقيقي في رأيه هو "في التشديد على أن حل مشكلة اللاجئين سيكون خارج حدود إسرائيل كما طالبت منذ زمن". وذلك لتبقى بحدودها الموسعة يهودية أولاً وأخيراً. ولفت شيف الى أن الرئيس بوش وعد من ناحية أخرى بقيام دولة فلسطينية "قابلة للوجود" مع مراعاة القرار 242 وليس وفقاً لمسار جدار الفصل العنصري الذي يجتهد شارون لطمس هويته الجيوسياسية وإبراز هويته الأمنية فقط.

 الخطير في الأمر أن هذه الوعود التي قطعها الرئيس بوش ستكون من الان فصاعداً بمثابة المرجع الأساسي لاي دور سياسي مستقبلي في المثلث الإسرائيلي -­ الأميركي -­ الفلسطيني. وهي ستنبني على إعفاء إسرائيل من الإنسحاب الى الخط الأخضر في الضفة الغربية وفقاً للشرعية الدولية ومنطوق القرارين 242 و338 اللذين يطالب العرب والفلسطينيون بتنفيذهما كمرجعية دولية ­ نوعية، كما ستنبني على إسقاط حلم حق العودة الذي كان الفلسطينيون يمنون أنفسهم بالوصول فيه الى حلول وسط أثناء مفاوضات الحل النهائي المفترض إجراؤها لاحقاً. وللمرة الأولى أيضاً يرد في رسالة بوش تعهد أميركي بأمن إسرائيل القائم على المبدأ الغامض الذي يترك لها حرية الحركة والمناورة مستقبلاً، وهو حقها في "حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها". وهذا يعني تكريس احتلال إسرائيل للمواقع الإستراتيجية في كل من غور الأردن وجبال الضفة الغربية مع ما ينطوي عليه ذلك من استيطان وجدران مانعة وحق المطاردة الساخنة.

 أثناء اللقاء بين الرجلين وجّه شارون دعوة شفهية للرئيس بوش لزيارة إسرائيل فأجاب: "في المرة السابقة (عام 1998)

أجريت لي جولة مذهلة في الضفة الغربية" فقال له شارون: "هيا إذن أجري لك جولة كهذه مرة أخرى". وقد استغل شارون من دون شك أوضاع الرئيس بوش الحرجة على خلفية المشاكل الضخمة التي يتعرض لها جيشه في العراق وعلى خلفية التحقيقات الجارية بشأن الاخفاقات في منع عمليات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ومنحه بادرة حسن نية برفضه العلني للقاء خصمه المرشح الديموقراطي جون كيري، فدفع له الرئيس بوش الثمن من جيب الفلسطينيين الذين بذلوا المزيد من الجهد لمكافحة ما يسمى "الإرهاب" أي الدخول في حرب أهلية تؤدي الى القضاء المبرم على الانتفاضة والإحتواء النهائي لأراضي الدولة الفلسطينية المنشودة.

 في المقابل وافق الرئيس بوش مع إسرائيل بألا يكون إنسحابها من قطاع غزة كاملاً لأنه أكد على بقاء بعض المرافق العسكرية على الحدود الفلسطينية -­ المصرية، كما وافق على استمرار محاصرة المناطق الفلسطينية وإبقاء المعابر الحدودية بأيدي الإسرائيليين وعدم فتح ميناء أو مطار غزة، هذا ناهيك عن اعترافه بالإستيطان اليهودي الإستنسابي المكثف في العديد من المناطق المهمة، وخصوصاً في محيط مدينة القدس، الأمر الذي يتناقض مع "خريطة الطريق" ومع مبادرات الرئيس السابق بيل كلينتون.

 الجدير بالذكر بعد كل هذه المتغيرات الدراماتيكية لصالح إسرائيل الكبرى، أنه ما يزال يوجد في اليمين المتطرف من يتهم شارون بالتفريط والخيانة، تماماً كما اتهم بيغن بخيانة مبادئ الليكود لانسحابه من سيناء ومستعمرة ياميت، واتهم شامير بالتهم نفسها لذهابه الى مدريد، ونتنياهو بسبب إقراره اتفاقي الخليل وواي بلانتيشن. والأنكى من كل هذا أنه حتى لو تم اسقاط شارون فإنه لا يوجد أي أمل لمعسكر اليسار بالعودة الى السلطة، بل الذي سيكسب هو نتنياهو الذي سيكون أسيراً في أيدي المتطرفين من أعضاء حزبه.

 باختـصار يمـكن القـول إن شـارون لا يريد أكثر من مجموعة من الحلول الجزئية، لأنه لا يؤمن بما يسـمى الحلول النهائية، وهو بذلك يفتح المجال أمام إنهيار عملية التفاوض التي أنهكت العرب والفلسطينيين من دون أي جدوى، ولكن من دون التسبب أيضاً بحصول إنفجار عسكري كبير في المنطقة. وبتعبير آخر فإنه يعمل من أجل وضع الصراع والتسوية معاً في حالة من التحلل سواء بتفكيك هيكليات العمل السياسي الفلسطيني بالإغتيالات أو بالحجز الإلزامي، كما يحصل مع الرئيس عرفات وقيادات فتح وحماس والجهاد، أو بتحطيم المرجعيات المتفق عليها، كإلغاء أوسلو وما نجم عنه من استحقاقات لم ترَ النور قط إلا بصورة مجتزأة ومشوّهة.