رحلة في الانسان

للرجال أيضًا سن يأسهم...
إعداد: غريس فرح

ولكن لا تكرهوا شرًا فلعلّه خيرٌ

نقرأ الكثير من المعلومات المتعلّقة بسن اليأس عند النساء، أي المرحلة التي يتوقف خلالها الطمث، وتظهر فيها عوارض انتقالية مفاجئة. وهي عوارض أبرزها الشعور بالتعب والكآبة، واضطراب الشهيّة وزيادة الوزن، هذا بالإضافة إلى العصبيّة، وتناوب الإحساس بالسخونة والبرودة.
في هذا السياق، تطرح تساؤلات عن عوارض مشابهة تتعرّض لها نسبة لا بأس بها من الرجال في نهاية مرحلة الخمسينيات.

 

الرجال والنساء: متشابهان مختلفان
في تقرير وضعه كل من الدكتور دانيال فيديروان وزميله الدكتور جيوفري في جامعة هارفرد الأميركية، إشارة إلى أن الرجال كالنساء يعانون عوارض هبوط الهرمون الجنسي (التيستوستيرون للرجال والأستروجين للنساء) وذلك لدى تقدّمهم في السن, إلاّ أن أوضاعهم تختلف بشكل جذري.
فالنساء، كما هو معروف، يحتفظن بالمستوى نفسه من هرمون الأستروجين في أجسامهن طوال مرحلة البلوغ، وصولًا إلى حدود مرحلة انقطاع الطمث. وهذا يعني أن هرمون الأستروجين يهبط عند هذا الحدّ دفعة واحدة، الأمر الذي يتسبّب بالتغّيرات البيولوجية والنفسية المشار إليها بشكل مفاجئ، وهو أكثر ما يتسبّب بمعاناتهن. واللافت أن النساء لا يخجلن من البوح بمشاعرهن خلال هذه الفترة، بينما يرفض الرجال الإقرار بحصول أي تغيّرات لأسباب أهمها، المكابرة وعدم الاعتراف بالضعف. على كل، يكمن الفارق الأساسي بين الرجال والنساء، في معدّل السرعة التي يهبط فيها الهرمون الجنسي لدى كل منهما. ففي الوقت الذي يتدنّى فيه بدون سابق إنذار في أجسام النساء، يهبط تدريجًا في أجسام الرجال بمعدل 1 إلى 2 بالمئة اعتبارًا من بداية سن الثلاثين. وهذا يعني أن التغيّرات الوظيفية تحدث تدريجًا عند الذكور، الأمر الذي يجعل ملاحظتها أمرًا متعذرًا قبل بلوغ الخمسين من العمر.
في هذا السياق، أشارت الإحصاءات الأميركية إلى أن عشرة بالمئة من الأميركيين يعانون عوارض هبوط مستوى التيستوستيرون لدى بلوغهم الخمسين من العمر، كما ثبت أن نصف الذين بلغوا السبعين أو معظمهم باتوا يعانون عوارض نقصه.
وتختلف الآراء بشأن تحديد سن اليأس عند الرجال والعوامل المتداخلة مع انخفاض الهرمون الذكوري، والأهم ما أشارت إليه بعض الإحصاءات والتي أكّدت وجود حوالى 13 بالمئة من الرجال الذين يعانون انخفاض هذا الهرمون في وقت لم يتخطوا فيه سن الأربعين. إلى ذلك، فقد أفادت دراسات أجريت أخيرًا في إحدى الجامعات السويدية، أن ثلث الرجال يعانون أعراض سن اليأس خلال مراحل معينة من العمر.

 

تداخلات وعوارض ملتبسة
كما سبق وأشرنا، فإن هبوط الهرمون الذكوري يتسبب بعوارض مشابهة لعوارض سن اليأس عند النساء، مع ذلك يتم التشديد على أن هذه العوارض قد تظهر لأسباب مرضية، أي أنها قد لا تكون ناجمة عن نقص الهرمون المذكور. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الذين يحتاجون إلى العلاج بالهرمون البديل، وخصوصًا المتقدّمين بالسن، هم الذين يعانون هشاشة العظام وزيادة الوزن. ولوحظ أن بعضهم يعاني التعرّق واحمرار الجلد، إضافة إلى العصبية والاكتئاب.
بالعودة إلى بعض الحالات المرضية التي تتسبب بعوارض مشابهة لعوارض النقص الهرموني، يشير الاختصاصيون على سبيل المثال، إلى الخلل في إفراز الغدّة الدرقية، وأمراض القلب والكلى، هذا بالإضافة إلى الأمراض النفسية البيولوجية المنشأ، والإفراط في التدخين وفي احتساء الكحول.
والمعروف كما تؤكد الأبحاث، أن بإمكان الأمراض المشار إليها أن تتفاعل مع النقص الهرموني لتزيد من حدة العوارض، هذا إن لم تكن مسؤولة بحدّ ذاتها عن ظهورها.

 

سن اليأس أو أيأس الرجال؟
من ناحية ثانية، اشار الطبيب الأميركي ايزلاند غودك، رئيس قسم المسالك البولية في مستشفى Dawnstate Island إلى أن سن اليأس لا يطاول بحسب المعلومات السابق ذكرها، الرجال كافة، وهذا يعني أن نسبة كبيرة منهم لا تصاب به على الإطلاق. لذا فهو يفضل عدم استخدام تعبير سن اليأس عند الرجال كونه لا يشمل الجميع. وعلى هذا الأساس يقترح تسمية أيأس الرجال للدلالة على ما يمر به البعض. إشارة هنا إلى أن الرجال الذين يدهمهم سن اليأس يضطرون أحيانًا إلى طلب مساعدة أطباء نفسيين لشعورهم بالقلق والاكتئاب.


العلاج بالهرمون البديل:فوائد أو لزوم ما لا يلزم؟
كما سبق وأشرنا فإن هبوط هرمون التيستوستيرون يطاول رجالًا من مختلف الأعمار، بمن فيهم الشبان، كما يخضع لتقلبات تختلف من رجل إلى آخر. وعلى الرغم من التعقيدات والملابسات المتعلّقة بمستوى هذا الهرمون في الدّم، فإن عوارض نقصه تظهر عمومًا لدى الذين تخطّوا عمر الخمسين. وهنا ينصح بعدم إغفال هذه العوارض واستشارة طبيب إختصاصي، وخصوصًا في حال طاول تأثيرها العلاقات الحميمة والثقة بالنفس.
بالنسبة الى العلاج بالهرمون البديل، فهو على الرغم من فوائده على صعيد إعادة التوازن النفسي والجسدي، يحمل مخاطر تتمثل بعوارض جانبية أهمها انقطاع التنفّس المؤقت في أثناء النوم، واحتمال زيادة عدد خلايا الدّم، الأمر الذي قد يتسبب بتخّثرات دموية مع ما تحملــه من مضاعفــات. ومن هنا ضرورة الخضــوع لهــذا العــلاج تحــت إشــراف طبيــب مختــص، علــى أن يترافــق مع فحوصــات مخبريــة دقيقــة.
على كلٍ فحسب ما نشرته مجلة العلوم الأميركية في هذا المجال، فإن الدراسات المتعلّقة بسن اليأس عند الرجال ما زالت محدودة مقارنة بمثيلاتها التي شملت ملايين النساء. والأهم ما أجمعت عليه الدراسات بخصوص انعكاسات نقص الهرمون الذكوري على علاقة الرجل بالمرأة. فالنساء كما ثبت، يظهرن إعجابهن بالرجال الأكبر سنًا. والسبب هو تراجع عنفوانهم، وغلبة الجانب العاطفي على تعاملهم مع الجنس الآخر. لذا، فلا داعي لخشية الرجال من التقدّم بالسن، فلكل مرحلة من العمر طعمها وحلاوتها.