تحت الضوء

لماذا استهدفت نيران اسرائيل والنصرة الأندوف في الجولان؟
إعداد: د. أحمد سيف الدين
ضابط متقاعد


في العام 1974 انتشرت قوات الأندوف في الجولان المحتل، بموجب اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا واسرائيل؛ هذه القوات تعرّضت لاعتداءات متكرّرة مزدوجة من قبل العدو الإسرائيلي وجماعات النصرة الإرهابية، ما أدّى إلى انسحابها من معظم مراكزها. فما الذي يدعو النصرة واسرائيل معًا إلى استهداف هذه القوات الدولية التي تعمل تحت غطاء دولي تنفيذًا لقرار مجلس الأمن؟


الاستهداف المزدوج
شهدت بقعة عمليات قوات فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة (المعروفة اختصارًا بقوات الاندوف) العاملة في الجولان السوري المحتل، تطورات خطيرة خلال العامين الماضيين أدت إلى انسحاب قسم من هذه القوى من المنطقة نهائيًا، فيما أجبر قسم آخر على إخلاء معظم مراكزه من الجانب السوري في بقعة الفصل، والانتقال، إلى الجانب الإسرائيلي(1). وقد أدّت الانتهاكات اليومية والتجاوزات المتكررة إلى تغيير جذري في الواقع القانوني والقواعد الدولية، علمًا أنّها بلغت ذروتها خلال شهر حزيران من العام 2013 باختطاف عدد من الجنود الدوليين. هذه التغييرات الميدانية التي حصلت، جاءت بعد تعرّض قوة المراقبين لاعتداءات خطيرة ومباشرة ومزدوجة من قبل إسرائيل والجماعات التكفيرية المسلّحة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، والتي تعرف بـ «جبهة النصرة»(2).
استهدف العدو الإسرائيلي مراكز الأندوف وقصفها بالطيران وبالمدفعية الثقيلة وغيرها من الأسلحة في  أثناء الرمي على مراكز الجيش السوري القريب منها، وتزامنت هذه الاعتداءات مع الهجمات التي قامت بها الجماعات المسلّحة والتي شملت إطلاق النار وخطف الجنود الدوليين واحتجازهم، وسلب آلياتهم، أو تخريبها وتعطيلها وعرقلة عملها، ومنعها من تنفيذ المهمات المكلّفة بها، بما في ذلك مراقبة الخروقات البرية والجوية المتكررة وشبه اليومية التي ترتكبها قوات العدو والجماعات المسلّحة في بقعة فض الاشتباك(3).
هذه الممارسات الخطيرة دفعت بعض الدول المساهمة بقوة الاندوف إلى سحب جنودها العاملين في هذه القوة نهائيًا من المنطقة (النمسا وكرواتيا مثلاً).


الحصانة الدولية للأندوف
إن الصفة التي تحملها هذه القوة (الأندوف) بوصفها قوة سلام دولية، والحصانة التي تتمتع بها كقوة تابعة للأمم المتحدة، لم تمنع إسرائيل والجماعات المسلّحة من التعرّض لها والاعتداء عليها. كذلك لم تشفع لها مهمة السلام التي تقوم بها بغطاء دولي تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن، وبإشراف الأمم المتحدة وأمانتها العامة، والقاضية بالفصل بين الجيش السوري وقوات العدو ومراقبة فض الاشتباك(4).
وقوة الأندوف هذه كانت قد أنشئت في أعقاب حرب تشرين في العام 1973 (حرب يوم الغفران) بين الجيش السوري وقوات الاحتلال، وبعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 338 (22 تشرين الأول 1973) والذي نصّ على وقف إطلاق النار الفوري بين الجانبين.
وقد انتشرت قوات الأندوف في الجولان في بقعة الفصل بين طرفي النزاع بعد توقيع اتفاقية الفصل بين سوريا وإسرائيل (في 31 آيار 1974) والتي وقّع عليها أيضًا مندوبون عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي في حينه والولايات المتحدة الأميركية.

 

إتفاقية فض الاشتباك
تضمنت اتفاقية فض الاشتباك عدة بنود أهمها على الإطلاق، وقف إطلاق نار تام وشامل ودائم بين سوريا وإسرائيل، والامتناع عن القيام بأية أعمال عسكرية من قبل الدولتين. وأرفقت الاتفاقية بملاحق وخرائط مفصّلة، تضمّنت إنشاء بقعة فصل عازلة بين الطرفين، وتحديد نوع القوى والأسلحة على جانبي البقعة العازلة، وعديدها وأسلحتها، إلى تفاصيل تتعلق بالسلطة والمدنيين وغيرها(5).

 

التنسيق بين إسرائيل والجماعات التكفيرية
كان لافتًا للانتباه توقيت الاعتداءات على الجنود الدوليين وتزامنها مع اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوري والجماعات المسلّحة على الجانب السوري. وقد عمدت الجماعات التكفيرية فور تمكّنها من إيجاد موطئ قدم لها في الجهة السورية من بقعة الفصل، إلى الاعتداء على القوات الدولية. وتدرّجت الاعتداءات من إطلاق نار إلى قصف بالأسلحة الثقيلة إلى عمليات احتجاز وخطف وسلب وتعديات مختلفة واستهدافات متعددة(6).
جميع هذه الاعتداءات جرت بتنسيق تام ما بين الجماعات المسلّحة وقوات الاحتلال، وقد تعاونت الأخيرة مع المسلّحين وأمنت لهم الحماية والدعم العملاني واللوجستي والإخلاء الصحي وغيره، وهو ما جاهر به قادة العدو، وما أكّدته تصريحاتهم العلنية، ووثّقته التقارير الفصلية التي ترفعها قوة الفصل، وغيرها من الوثائق الدولية، كما تحدّث عنه موظفو الأمم المتحدة، وتناولته بإسهاب وسائل الإعلام بما فيها الإسرائيلية.
وتتضمن التقارير الموثّقة التي يرفعها الأمين العام إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن وتوزّع على الأعضاء الخمسة عشر فيه، حول مهمة الأندوف في الجولان ما يكفي لتوجيه الاتهام لقوات العدو وللمسلّحين بالانتهاك السافر لاتفاقية فصل القوات(7). وقد بذلت الأمم المتحدة جهودًا مضنية لتأمين سلامة القوة الدولية وحمايتها وتوفير القدرة لها على العمل، من دون أن تنجح في ذلك.
كذلك تقدّمت سوريا بشكاوى ورسائل كثيرة إلى الأمم المتحدة، ركّزت فيها على أن الجولان السوري المحتل جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية العربية السورية، وحذّرت من الخطر الناجم عن وجود المجموعات الإرهابية قرب منطقة الفصل، والذي يهدد سلامة هذه القوات.

 

أسباب استهداف الأندوف
ثمة أسباب مختلفة لاستهداف إسرائيل والجماعات التكفيرية قوة الأندوف، فالجماعات التكفيرية التي سعت إلى إيجاد قاعدة لها تنطلق منها لمحاربة الجيش السوري، لا تخفي حقدها على قوات الأمم المتحدة لتنسيقها الدائم مع سوريا بوصفها الدولة صاحبة السيادة. من جهة أخرى فإن هذه الجماعات لا تخفي تحالفها مع العدو، وهي أعلنت أن مساندته لها في تحقيق مشروعها القاضي بإسقاط الدولة السورية، سيقابله تنازلها عن الجولان المحتل لمصلحة هذا العدو الذي سبق أن أصدر قانون ضم الجولان إلى دولة إسرائيل.
وأما من جهة إسرائيل، فيمكن إيجاز الأسباب على الشكل الآتي:
1- إفراغ المنطقة من الوجود الدولي، وبالتالي التخلص من المراقبة الدولية لتصرّفاتها العدوانية، وما يرتّبه ذلك من كشف نواياها ومخططاتها.
2- السعي الدائم إلى إيجاد حزام أمني، تحت سيطرة قوات موالية لها، تشكّل درعًا بشرية تقيها شرّ القتال والمواجهة.
3- إبعاد الجنود الأوروبيين عن بقعة الفصل، وبالتالي إغماض العين الأوروبية، التي تنقل صورة اعتداءات إسرائيل إلى المجتمع الأوروبي، فإسرائيل تخشى من انقلاب الرأي العام الأوروبي ضدها، خصوصًا بعد أن برزت حركات تدعو لمقاطعتها في عدة بلدان أوروبية.
4- رغبة إسرائيل بالتدخل في الشؤون السورية الداخلية لتحجز مقعدًا في أي مؤتمر دولي لحل الأزمة السورية، مما يتيح لها جني بعض المكاسب ويجنّبها مرارة كأس التسوية مع سوريا لاحقًا، والانسحاب إلى ما وراء خط وقف إطلاق النار ما قبل 6/6/1967.
5- المراهنة على تقسيم سوريا إلى دويلات، وهذا المشروع يتيح لإسرائيل العيش بأمان بحيث تصبح الدولة المحورية في المنطقة.
6- سعي إسرائيل إلى إحراز مكاسب اقتصادية ومساعدات لوجستية من أي مشروع مساعدة تقرّه الدول لمصلحة تسليح الجماعات التكفيرية وتدريبها.

 

الهوامش:
• كلمة أندوف: هي اختصار وتعريف للعبارة الإنكليزية United Nations Disengagement observe force وتعني قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.
1- قناة العربية، تقرير زياد الحلبي حول الوضع في الجولان بتاريخ 12 حزيران 2013.
2- ورد بتقرير الأمين العام المؤرخ في 2/6/2014 تفاصيل العدوان الذي قامت به إسرائيل واستهدافها مقر قيادة قوات الأمم المتحدة في معسكر نبع الفوار (فقرة 13 من التقرير).
3- راجع المادة 105 فقرة 2 من ميثاق الأمم المتحدة (حول حق تمتّع موظفي الأمم المتحدة بالحماية).
4- راجع تفاصيل اتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا على موقع الأندوف undof.unmissions.org.
5- راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الفترة ما بين 12 أيلول و3 كانون الأول 2013 في الوثيقة 716/2013/S.
6- تضمن تقرير الأمين العام في الوثيقة 859/2014/S إسقاط إسرائيل طائرة سورية داخل الأراضي السورية علمًا أنها لم تتجاوز خط الفصل.
7- صحيفة هآرتس الصادرة في فلسطين المحتلة، العدد الصادر بتاريخ 7/9/2014، مقال للكاتب باراك رافيو بعنوان «تعاون ما بين إسرائيل والنصرة».