قضايا إقليمية

لماذا يزداد بنيامين نتنياهو تعجرفًا وعنصرية؟
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، دائمًا بصورة الزعيم الذي لا يرى غير نفسه، ولا يسمع كلام آخرين من خصومه في الساحة السياسية، فضلًا عن تصرّفه المتعجرف والإستعلائي إزاء الفلسطينيين والعرب عمومًا.


فلسفة التعجرف
يقول نتنياهو: إن شيئًا كبيرًا يحصل. يوجد كثيرون في العالم العربي تعلموا التعامل باحترام وتقدير مع دولة إسرائيل. لماذا يحدث هذا؟ هل لأننا تراجعنا؟ هل لأننا انسحبنا إلى خطوط 1967؟ هل لأننا قسمنا القدس؟ لم يحدث هذا لهذه الأسباب. يحدث هذا لأننا أقوياء والعالم العربي يخوض صراعًا تاريخيًا من أجل مستقبله واستمرار توجهه. ويتابع قائلًا: «لدي قناعة عميقة بأنه في الشرق الأوسط العاصف وغير المستقر، في هذا الكون، وفي هذا الواقع، ثمة سياسة واحدة فقط تضمن المستقبل والسلام والأمل، وهي إسرائيل قوية... لا بقاء للضعيف في منطقتنا، والبقاء للقوي فقط. مع القوي يصنعون التحالفات، ومع القوي يصنعون السلام، وإن استغرق ذلك وقتًا.» وفلسفة نتنياهو في هذا المجال هي أن العالم العربي بات يحترم إسرائيل ويقدرها لأنها ما زالت دولة قهر واحتلال، تتحدى العالم وتقيم المستوطنات وترفض التسويات السلمية وتعتدي على المقدسات وخصوصًا المسجد الأقصى.
في مطلع التسعينيات كشف وزير الخارجية الاميركية الأسبق هنري كيسنجر بعض ما جرى خلال لقاءات له برئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك إسحاق رابين، فقال: كنّا نطالبه بالليونة في التفاوض مع الفلسطينيين من أجل السلام، فيجيب: إن اسرائيل ضعيفة وهي بحاجة إلى السلاح حتى تغامر من أجل السلام. وعندما كنّا نعطيه السلاح يقول: إن اسرائيل قوية وهي ليست بحاجة للسلام. هذه القصة أو هذه السياسة، تتكرر أيضًا الآن مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو في تعامله مع الإدارة الاميركية التي تقف عاجزة أمام تعنته وتطرفه واستمراره بإدارة سياسة صهيونية فجة، لا تراعي سوى مصالح اسرائيل الخاصة في التوسع والاستيطان وانتهاك القوانين والأعراف الدولية.
في تموز العام 1996 التقى الرئيس الأميركي آنذاك، بيل كلينتون نتنياهو الذي طرح وجهة نظره بشأن العملية السياسية مع الفلسطينيين، قائلًا: «إن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، لكن مع ذلك سألتزم اتفاقية أوسلو (1993)، لأن حكومة إسرائيلية المنتخبة ديموقراطيًا (حكومة رابين) وقعت عليها». وبعد انتهاء اللقاء التعارفي بين الرجلين وفريق عملهما، عبّر كلينتون عن انطباعه عن نتنياهو قائلًا: «يظن نفسه القوة العظمى ونحن هنا طوع بنانه».
في ذلك الوقت، سعت الإدارة الأميركية للارتقاء باتفاقية أوسلو من مجرد «إعلان مبادئ»، إلى اتفاق تسوية شامل ودائم مع الفلسطينيين أولًا، ثم باقي الدول العربية ثانيًا، وسعت إلى إقناع حكومة نتنياهو بمشروعها السلمي، معتبرة أن إحلال السلام سينعكس إيجابًا على الكيان الإسرائيلي. فالمحيط العربي، سينفتح وسيتقبل وجود إسرائيل، والولايات المتحدة ستقنع العرب بذلك من خلال تقديم محفّزات ومشاريع اقتصادية. لكن على الرغم من الضغوط والإغراءات الأميركية تمكن نتنياهو الرافض لأوسلو من التنصّل، وقابل الضغوط بمزيد من التشدد والعناد والتملّص. وبعد مرور أكثر من 20 عامًا على تلك الوقائع نجد الرجل نفسه أمامنا اليوم. لم يتغيّر، ولم تكسبه الأيام مرونة، بل زادته وحكومته تطرفًا وعنصرية. لماذا؟

 

عوامل أساسية
نرى أن هذه الوقائع تعود في الحقيقة إلى مجموعة من العوامل الأساسية أهمها:
1- استمرار انحياز المجتمع الإسرائيلي في العقدين الأخيرين بقيمه ومفاهيمه ومواقفه السياسية نحو اليمين واليمين المتطرف، بشقّيه العلماني والديني؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام الصادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية متخصصة، أنّ نسبة كبيرة من هذا المجتمع تتبنى نظرةً سلبيةً تجاه اليسار عمومًا والعرب خصوصًا، وقد طوّرت مواقف معادية ازاءهما، تنسجم في منطلقاتها مع اليمين وقيمه ومواقفه القومية المتطرفة.
2- تقبّل القسم الأكبر من المجتمع الإسرائيلي لرؤية نتنياهو الأمنية – العسكرية سواء بشأن الملف النووي الإيراني أو الصراع مع الفلسطينيين، وفشل زعيم المعارضة هيرتسوغ في بلورة رؤية متماسكة وواضحة خاصة به في هذا الشأن، أو في تقديم رؤية بديلة لما يطرحه نتنياهو.
3- كان واضحًا طوال الحملة الانتخابية الماضية أنّ معسكر الأحزاب اليمينية والدينية يتفوّق على معسكر الوسط ويسار الوسط. وعلى الرغم من ذلك، كان نتنياهو قلقًا من أن يؤدي تفوّق المعسكر الصهيوني بزعامة هيرتسوغ على الليكود بزعامته، بحسب استطلاعات الرأي في حينه، إلى تكليف رئيس الدولة لهيرتسوغ بتشكيل الحكومة، ولا سيما في ضوء عدم إفصاح موشيه كحلون زعيم حزب كولانو (كلنا) عن موقفه في هذا الخصوص. وقد استغلّ نتنياهو الأمر إلى أبعد الحدود فتبنّى في حملته الإعلامية المكثّفة في تلك المرحلة الحاسمة من الحملة الانتخابية مواقف متطرفة لاجتذاب الناخب اليميني والتصويت لمصلحة الليكود. وقد رفع خلال هذه الحملة شعارات عنصرية ضد العرب مهوّلًا بما يمكن أن تؤدي إليه مشاركتهم في الانتخابات من نتائج، بما في ذلك عودة «اليسار» إلى الحكم. وبالفعل أقنعت تلك الحملة الإعلامية المسعورة قطاعات واسعة من معسكر اليمين بالتصويت لحزب الليكود، ولا سيما من أنصار حزبي «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا».
4- لم يؤثّر توتّر علاقات نتنياهو بالبيت الأبيض ولا خلافاته مع الاتحاد الأوروبي في نمط تصويت الناخب الإسرائيلي كما كان يأمل خصوم نتنياهو؛ لأنّ هذه الخلافات لم تتحوّل إلى إجراءات فعلية ضد إسرائيل، ولم تؤد إلى دفع أثمان سياسية أو اقتصادية يمكن أن يشعر بها الناخب الإسرائيلي وتؤثر من ثمّ في قراراته.
5- فشل تحالف «المعسكر الصهيوني» (هيرتسوغ- ليفني) في تشكيل بديل سياسي – أيديولوجي من حزب الليكود. فهذا المعسكر لم يقدّم رؤيةً أو خطةً سياسيةً حقيقيةً لحلّ المعضلة الفلسطينية، وتمسّك باستمرار الاستيطان في ما يطلق عليه «الكتل الاستيطانية» في الضفة الغربية المحتلة، واكتفى بتكرار «معزوفة» استعداده لمواصلة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية من دون شروط. في هذا الوقت، كان على رأس المعسكر الصهيوني شخصٌ باهتٌ لا يتمتع بالحدّ الأدنى من الصفات القيادية التي تؤهله لمنصب رئيس حكومة أو الوقوف بوجه نتنياهو. وفي المقابل، تمتّع هذا الأخير بخبرة وصفات قيادية في حملةٍ انتخابيةٍ تحتل فيها كاريزما الشخص المرشح لرئاسة الحكومة أهميةً كبرى. وفضلًا عن ذلك، فشل المعسكر الصهيوني بزعامة هيرتسوغ في الانفتاح على قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، ولم يتمكّن من إيجاد موطىء قدمٍ له بين صفوف اليهود الشرقيين واليهود الروس واليهود التقليديين دينيًا، وظل بعيدًا من بلدات الأطراف في إسرائيل، وانحسرت قاعدته الأساسية في مدن المركز وفي صفوف الشرائح الوسطى والعليا من الطبقة الوسطى الإشكنازية.

 

مدرسة جديدة
تلخيصًا للمشهد السياسي الداخلي الاسرائيلي، نقول إنه منذ بداية التسعينيات، كان هناك صراع بين مدرستين في إسرائيل: الأولى تقول إن على حكومة الاحتلال الانسحاب من أراضي السلطة الفلسطينية لينفتح العالم على إسرائيل، والثانية تقول إنه يجب التمسك بالأراضي وبناء المستوطنات للحفاظ على يهودية الدولة. اليوم نعيش في زمن مدرسة ثالثة بزعامة نتنياهو لا تريد الانسحاب من الأراضي، وتصرّ على «يهودية الدولة»، ودول العالم منفتحة عليها. وبالتالي يمكن القول إن الكيان الصهيوني في ظل زعامة نتنياهو اليمينية الحالية يعيش أفضل أيامه التي لم يكن ليحلم بها، حيث تحوّل الاحتلال إلى «احتلال ديلوكس» لأول مرة في التاريخ، على حدّ تعبير الجنرال ديسكين، مدير الشين- بيت (الأمن العام) السابق، وتحوّلت الضفة الغربية إلى سوق للمنتوجات والبضائع الإسرائيلية، رغم أن الاستيطان مستمر، وجرائم التطهير العرقي مستمرة، وتهويد القدس مستمر، وحملات تدنيس المسجد الأقصى لا تنقطع على مدار الساعة..!! أما الأقطار العربية، فتعاني حروبًا مفجعة وفقدان الأمن والاستقرار، وربما الأمل، وتشهد أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، فيما الشعب الفلسطيني يعاني انقسامًا مدمرًا، أوصل الناس إلى ما يقارب الاحباط واليأس، وبالتالي بات التصدي للاسرائيلي يتمّ باللحم الحي، بينما العدو نفسه المنتشي بعذابات العرب غير مصدق لما يحصل من حولـه...