قضايا عسكرية

لماذا يطوّر الأميركيون والروس قاذفاتهم التكتيكية أكثر من قاذفاتهم الاستراتيجية؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

يعتبر تطوير القدرات العسكرية لدى الدول القادرة هدفًا دائمًا، يدخل ضمن مسار متواصل وشامل. فهو متواصل انطلاقًا من الحاجة إلى خدمة مناورة الحرب الباردة وسباق التسلّح فضلًا عن مقتضيات تجارة الأسلحة والربح المادي. وهو شامل لأنّ التطوير يجب أن يشمل القدرات والوسائط العسكرية جميعها، وبشكل متوازٍ. فحاجات المعركة ومتطلّبات تحقيق التفوّق والانتصار فيها تقتضي هذه الشمولية. فكيف يمكن التسليم بمعادلة أنّ الأميركيين والروس يتابعون تطوير القاذفات التكتيكية أكثر من متابعة تطوير القاذفات الاستراتيجية؟
لا بد أوّلًا من تعريف مختصر للقاذفات الاستراتيجية وللقاذفات التكتيكية، وعرض سريع لبعض النماذج الأميركية والروسية، قبل الانتقال إلى المعطيات والأبعاد العسكرية والاستراتيجية التي تدفع كلًا من الروس والأميركيين إلى اعتماد سياسة تفعيل تطوير القاذفات التكتيكية أكثر من تفعيل تطوير القاذفات الاستراتيجية.


قاذفة القنابل الاستراتيجية
هي طائرة كبيرة مصممة لإسقاط كميات كبيرة من القنابل على هدف بعيد بغرض إضعاف قدرة العدو على شن الحرب. تدمّر هذه القاذفة أهدافًا استراتيجية خلف خطوط العدو، مثل القواعد العسكرية الرئيسة والمصانع والمدن، وبالإضافة إلى القصف الاستراتيجي، يمكن استعمالها في مهمّات تكتيكية تقليدية لخدمة معركة واسعة، أو غير تقليدية، عبر استخدام أسلحة دمار شامل.

 

• «بي-52 ستراتوفورتريس B-52 Stratofortress»:
هي قاذفة قنابل استراتيجية بعيدة المدى ذات ثماني محركات، يستخدمها سلاح الجو الأميركي منذ العام 1954، تم تصنيعها في فترة الحرب الباردة حين كان الردع النووي مطلوبًا، ولكنّ غالبية مهماتها كانت قصف قنابل تقليدية، كما حصل في حرب فيتنام والخليج وصربيا وأخيرًا في سوريا ضد «داعش». لدى هذه القاذفة القدرة على حمل وإلقاء 32 طنًا من القنابل الذكية والصواريخ الموجّهة.
أسهم الأداء العالي لهذه الطائرات في السرعات تحت الصوتية، واعتدال تكلفة صيانتها في بقائها في الخدمة حاليّا، وهي تعتبر اليوم قاذفة استراتيجية أساسية من ضمن القدرات العسكرية التي تتمركز في القواعد الأميركية في المحيط الهادئ وشرق آسيا بين اليابان وجزيرة غوام وشبه الجزيرة الكورية.

 

• «توبوليف تي يو- 160»:
قاذفة قنابل استراتيجية أسرع من الصوت، صممت في الاتحاد السوفياتي في العام 1967، تعدّ الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة وحاملات القنابل الاستراتيجية. كما أنها أكبر طائرة ذات سرعة أعلى من الصوت. تستمرّ المصانع الروسية في إنتاج هذه الطائرة ولو بنسبة محدودة، ويوجد منها في الخدمة لدى القوات الجوية الروسية 34 قطعة. وقد استعملت في حربي أفغانستان والشيشان، وأخيرًا في الحرب السورية ضد «داعش».
صمّمت هذه القاذفة لتكون ذات قدرات دفاعية جيدة وتمويه عالٍ عن طريق تقليل الانبعاثات الرادارية والحرارية، وهي مزودة رادارًا هجوميًا خاصًا بها مجهزًا بعازل رادوم مختلف عن باقي الرادارات. كما أنّها مزودة رادار سبوكا الذي يمنح الطائرة القدرة على التحليق أوتوماتيكيًا على ارتفاع منخفض، وتتبع السطوح. وقد تمّ تجهيزها أيضًا بموجه قنابل إلكتروني وبصري، إضافة إلى وحدة حرب إلكترونية متكاملة دفاعية وهجومية في الوقت نفسه.
يتم تخزين قنابلها وصواريخها في مخزنيين داخليين يحوي كل منهما 20 طنًا، وتحمل 12 صاروخ جو- جو و 6 صواريخ «كروز»

 

قاذفات القنابل التكتيكية
تـُستخدم في ميدان القتال لمهاجمة القوات والمعدات العسكرية، تكون صغيرة الحجم مقارنة مع القاذفة الاستراتيجية وهي مصممة لتنفيذ قصف تكتيكي تقوم فيه بغارات على مدى قريب. تُسقط قنابلها وصواريخها الموجهة والذكية على أهداف في أرض المعركة، ويمكن أن تكون قاذفة قتال جو- جو لمواجهة قاذفة عدوّة مباشرة.
تتميّز هذه القاذفات التي تندرج ضمن الجيل الخامس من الطائرات (بدأ إنتاجه في العام 1990)، بتقنية التخفي وتطبيقاتها التي لا يمكن إضافتها إلى الطائرات القديمة، لأنّها تتطلّب تصيميم بدن الطائرة بشكل خاص وتصنيعها بمواد خاصة عالية الامتصاص والمتانة. كما أنّها تتميز بصغر الرادار وبقدرات إلكتروطيرانية عالية مقارنة بمثيلاتها، وبمجسات حساسة للاستشعار عن بعد.
هي أسرع من الصوت مع تسارع مرتفع (تزايد السرعة بوقت قليل جدًا) حتى وإن تمّ تجهيزها بترسانتها الصاروخية كاملة، كما أنّها قادرة على المناورة الواسعة والهجوم بصواريخ جو- جو وصواريخ جو- أرض.

 

• المقاتلة الأميركية «إف-22 رابتور»:
تتمتّع هذه الطائرة المقاتلة بقدرة عالية على المناورة الجوية متفوقة على مثيلاتها من الجيل الخامس، وهي تستخدم تكنولوجيا التخفّي. صمّمت في البداية كمقاتلة تفوّق جوي، ولكنّها تمتّعت بقدرات إضافية تتضمّن الهجوم البري، والقدرة على المناورة وخفة الحركة وسرعتها، والحرب الإلكترونية.
تحمل 6 صواريخ متوسطة المدى موجهة بالرادار «إيه أي إم-120»، أو صاروخين من النوع الأخير وصاروخين الـ«بي جي بي يو 32» للهجوم الأرضي، بالإضافة إلى صاروخين موجّهين حراريًا قصيري المدى «ايه أي إم ج -9».
يمكن للرابتور أن تطير على ارتفاعات عالية وبعيدة وسريعة جدًا مع احتمال قليل بأن يتمّ كشفها أو اعتراضها، وهي تضرب بحصانة تامة ضد الأهداف المحمولة جوًا والأهداف الأرضية على حد سواء، وتعتبر هذه الطائرة خاصة بالجيش الأميركي فقط.

 

• «سوخوي 57»:
مقاتلة روسية من الجيل الخامس، تم تصميمها لمنافسة المقاتلة الأميركية «أف 22 رابتور»، و «أف 35 لايتنيغ»، لها قدرة على اكتشاف الأهداف المطلوبة والتعامل معها من مسافة تزيد عن 400 كلم، مع إمكان تتبع 60 هدفًا معًا، واستهداف 16 منها دفعة واحدة.
تحمل الصواريخ الآتي ذكرها:
جو- جو متوسط المدى «كا- 77 –1».
جو- جو بعيد المدى «كا-37 إم».
جو/سطح الموجهة قريبة المدى «إكس-38 إم أ».
جو/سطح المضاد للرادار، «إكس-58» أو «شي كا أ».
القنبلة الموجهة «كا - أ - بي 500».
الصاروخ التكتيكي المضاد للسفن «إكس 35 أ».
تستطيع «سوخوي 57» حمل قنابل «دريل» (المثقاب) الجوية الحديثة، والتي يمكن أن تستخدمها القاذفات الاستراتيجية والتكتيكية على أنواعها لدعم القوات البرية. وزنها 500 كلغ وتحتوي مجموعة من الرؤوس القتالية الموجهة ذاتيًا والقادرة لوحدها على تدمير بطارية مدفعية أو رتل من الدبابات.

 

... والنتيجة
انطلاقًا مما تقدم، يتبين أنّ مهمات القاذفات الاستراتيجية كانت تُحدّد دائمًا بقصف وتدمير أهداف استراتيجية كبيرة، ذات الطابع مدني أو اقتصادي أو عسكري مهم. وبما أنّ الأميركيين والروس قد استعملوها - باستثناء الحرب الباردة وسباق التسلح بينهما - في غالبية المهمات لاستهداف أطراف ضعيفة نسبيًا مقارنة مع قدرات كل منهما، كحرب العراق وأفغانستان والشيشان وصربيا وسوريا، لم تبرز الحاجة إلى إدخال أي تعديلات جوهرية عليها. بل كانت سياسة كل من الدولتين، الاستفادة من القدرات الحالية لهذه القاذفات الاستراتيجية من دون تبديل النماذج المصنعة سابقًا، كما جرى مع القاذفات التكتيكية. لذلك، اكتفت الصناعات الحربية في الدولتين بإدخال التعديل والتطوير اللازم فقط على الصواريخ والقنابل الموجهة التي تنقلها تلك القاذفات الاستراتيجية، مع بعض الاستثناءات التي لها علاقة بالحرب الإلكترونية وبالتشويش، وذلك مواكبة للتطور الذي طاول القدرات العسكرية الأخرى.
من ناحية أخرى، إنّ طبيعة الاشتباك الحساس بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية اليوم، والذي يمكن وضعه في إطار الحرب الباردة وسباق التسلح المحموم، لا دور فيه للقاذفات الاستراتيجية لناحية نقل صواريخ وقنابل إلى خلف خطوط كل من الدولتين وقصف منشآت وأهداف استراتيجية واسعة. بل إنّ الدور الأساسي في هذا السباق وفي الحرب الباردة يعود للقاذفات التكتيكية الحاملة للقدرات التقليدية وغير التقليدية، والتي تقوم مناورتها على التخفّي والسرعة والحرب الإلكترونية والمنافسة ما وراء البحار وفي الأجواء الخارجية. وهذه الميادين بالإضافة إلى طبيعة الاشتباك غير التقليدية، تفترض المتابعة الدائمة لتطوير القدرات التي تتميّز بها القاذفات التكتيكية ومنها مثلًا، «سوخوي 57 الروسية» و «أف -22 رابتور» الأميركية.

 

 المراجع:

- https://ar.wikipedia.org/wiki
- https://arabic.sputniknews.com/russia
- https://ar.wikipedia.org/wiki
القاذفات الاستراتيجية