أبعد من الأمن

لن ندعهم يرتاحون!
إعداد: ندين البلعه خيرالله

بكل ما يختزنه من شرف وتضحية ووفاء، ينبري جيشنا لأداء واجبه حاميًا للوطن والمواطنين، وأحد وجوه هذا الواجب الحرب التي يخوضها ضدّ المخدرات وعصاباتها، ومصنّعيها، وتجارها، معاهدًا اللبنانيين عدم التراجع عن تنفيذ هذه المهمة، ومتوعدًا المجرمين بأنّ لا حل أمامهم سوى تسليم أنفسهم، وإلا فعليهم تحمّل تبعات إجرامهم.

 

في هذه الحرب الطويلة والمستمرة ضدّ عصابات المخدرات، خاض الجيش منذ بداية العام ٢٠٢٢ وصولًا إلى نهاية شباط من السنة الجارية، ٧١٠ معارك وسقط له منذ العام ٢٠٠٠ نحو ٤٠ شهيدًا. 

ملاحقة عصابات المخدرات من أصعب العمليات وأخطرها بالنسبة إلى الجيش اللبناني، وهي تُنفّذ بدقة بعد تحضير طويل، ويعلم المشارك فيها أنّه قد لا يعود منها. فهذه العمليات تُنفَّذ داخل الأحياء السكنية، في المدن والقرى والبلدات، التي يتحصّن فيها المطلوبون، ويأخذون السكان وعائلاتهم من نساء وأطفال كدروع بشرية. وهنا مكمن الصعوبة فالجيش يحرص حرصًا شديدًا على حماية المدنيين وعدم أذيتهم، ما يؤدي أحيانًا إلى سقوط إصابات في صفوفه بنيران المجرمين الذين يهدّدون مجتمعنا بكل أطيافه.

شملت حصيلة العمليات التي نُفذت خلال الأشهر الأربعة عشر الأخيرة مضبوطات لكميات كبيرة من الحشيشة، والماريوانا، والسيلفيا، والباز، والهيرويين ومواد مجهولة النوع، إضافةً إلى حبوب الكبتاغون. 

في منطقة البقاع الشمالي خصوصًا، حوّل مجرمو المخدرات معدات صناعة الحلوى وعدّلوها لتصنع الكبتاغون، لاحق الجيش مصانع الكبتاغون ودهم أوكار هؤلاء المجرمين، حتى باتت المنطقة اليوم خالية منهم. حملات الجيش على أوكار مجرمي المخدرات حظيت بدعم المواطنين، والمسؤولين المحليين، والعائلات، والعشائر ورجال الدين يتواصلون مع قيادة الجيش طالبين منها المتابعة بهذه المهمة.

«أكل العصي ليس مثل عدّها»... ومَن لم يشارك في إحدى عمليات مداهمة عصابات المخدرات، لا يمكنه أن يدرك مدى خطورتها. فخلف حواجز وبوابات حديدية وسياج شائك، ووسط حراسة شديدة يوفرها خارجون على القانون، يسكن أرباب مافيات المخدرات في البقاع، وتنشط عصابات تصنيع المواد المخدرة والتجارة بها. منزل رئيس العصابة تحيط به «ربعة»، وهو بالأساس منزل ضيافة حُوِّل إلى مكان لتصنيع المخدرات وتعاطيها، وفي بعض الأحيان للدعارة وحتى الإتجار بالبشر. توسّعت العصابات وأتقنت فن صناعة السم الأبيض، فحققت أرباحًا طائلة على حساب صحة مجتمع بكامله. وهي تملك شبكات اتصالات خاصة بها وسيارات متشابهة بزجاج داكن، تُستخدم للتمويه إضافة إلى السيطرة على أحياء بكاملها تنتشر فيها كاميرات مراقبة خاصة. 

نشطت عصابات المخدرات في لبنان إبان الحرب السورية، فكانت بداياتها مع «الطفار» أي الخارجين على القانون في جرود البقاع، ومن ثم انتقل هؤلاء إلى المدن والقرى البقاعية. استغل رؤوس العصابات الأزمة السورية، وشغّلوا السوريين والأطفال من بينهم، فهم يتخلون عنهم في حال أوقفوا، ولا يكترثون في حال أُصيبوا.

 

ويُقسم تجار المخدرات وعصاباتها المعروفة بالأسماء والمواقع في لبنان إلى ثلاثة أنواع: 

-تجار الكابتاغون: هؤلاء هم في رأس الهرم، ويحققون أرباحًا خيالية. يصنعون المواد في لبنان بعملية سهلة ومن مواد كيماوية بسيطة، فتكون كلفة صناعة الحبة ٢٠ سنتًا، أما مبيعها فبعشرين دولارًا أميركيًّا خارج لبنان. 

 

-«تجار الشنطة»: وهي الفئة الأخطر، فهؤلاء يحملون المخدرات إلى كل لبنان. يبيعون الهيرويين والكوكايين والإكستيسي والكريستال ماث والسيلفيا. ويعتمدون على استراتيجية اقتحام الجامعات والمدارس عبر تسديد أقساط طلاب بحاجة لذلك، في مقابل دفعهم لاحقًا إلى العمل لمصلحتهم في تجارة المخدرات. ويبقى هذا النوع هو الأخطر، لا لأنه ينقل المخدرات إلى كل لبنان ويطال فئة الشباب أولًا، بل لأنه ينطوي على ممارسة السرقة، والسلب، وفرض الخوات، وأحيانًا الدعارة والاغتصاب.

 

- تجار الحشيشة والماريوانا: هؤلاء تراجع عملهم مع تراجع الربح من هذه المزروعات.

 

هناك الكثير من الأسباب التي تحمّل الجيش مسؤولية محاربة عصابات المخدرات، وأهمها ارتباط هذه المهمة بالسلامة العامة، واستقرار المجتمع. فجرائم هذه العصابات ترتبط أيضًا بجرائم الخطف، والسرقة، والقتل، والخوات وكل أشكال الجريمة المنظمة التي تزرع الخوف في نفوس المواطنين وتجعلهم غير قادرين على التنقل بحرية. والسبب الأهم هو انتشار هذه الآفة في المدارس والجامعات، وتهديدها لمستقبل أولادنا وشبابنا. 

لكن مهما عظمت الصعاب، ومهما ابتكر هؤلاء المجرمون من أساليب للهروب من وجه العدالة، يبقى الوعد الذي قطعه قائد الجيش أمام أهالي شهداء هذه الحرب ورفاقهم، مقسمًا بكل نقطة دمٍ قدّمها أبناء المؤسسة العسكرية، أننا سنستمرّ في ملاحقتهم ولن ندعهم يرتاحون حتى نريح البلد والمجتمع من سمومهم!!