حكايات الجبهة

لواء المشاة السادس: هجوم وتنسيق ودعم لوجستي
إعداد: باسكال معوّض بو مارون - ندين البلعة خيرالله

بعد الاطّلاع على الخطوط العريضة لمسار المعركة، تابعنا جولتنا على ضباط من الوحدات المشاركة. هؤلاء كانوا ما يزالون مع عسكرييهم «في الخدمة»، منذ أسابيع متواصلة...

 

اللواء في النسق الأول
رئيس أركان لواء المشاة السادس العميد الركن عبد الرحمن عثمان، حدّثنا عن دور اللواء في هذه المعركة: كانت قيادة اللواء في بعلبك- شمسطار، وحين تلقينا الأمر بدأ التحضير للمعركة وذلك قبل حوالى أسبوعَين من إعلان ساعة الصفر. شارك اللواء في معركة «فجر الجرود» كإحدى الوحدات الكبرى المنضوية تحت قيادة المجموعة العملانية الأولى لتحرير الجرود.
تقدّم اللواء في النسق الأول من تشكيل القوى بكتائب المشاة وقوى الاحتياط، للتمركز دفاعيًا وفق كل مرحلة من مراحل المعركة، وأمّنت الكتيبة 65 الدعم الناري المباشر. وتولّى تنسيق النيران ضابط من اللواء بأمر من قائد الجبهة.
كذلك، أمّن اللواء خلال المعركة الدعم اللوجستي على محاور الجهد الرئيسي من خلال مفارز لوجستية متقدّمة تواكب الوحدات المهاجمة. وفي كل مرحلة كان يبدأ من قاعدة انطلاق متّبعًا خطوط العملية الهجومية ومراحلها، ثم يتمركز دفاعيًا على الأهداف بانتظار المهمّة التالية.
مع بداية المعركة، احتلّ اللواء حقاب خزعل، وبالتشكيلة نفسها تابع المرحلة الثانية من المعركة حيث خاض هجومًا جبهيًا بالمشاة والمدرعات واحتلّ خربة التينة. وفي المرحلة الثالثة وصل إلى خطّ القنن الممتدّ من تلّة حرف الجرش إلى آخر موقع على الحدود وهو موقع المدقّر، حيث قام ضابط وعسكريون من اللواء بتثبيت العلم اللبناني على آخر نقطة محرّرة على الحدود. وقد قدّم اللواء خلال هذه المعركة شهداء وجرحى سطّروا بدمائهم هذا الانتصار التاريخي العظيم على الإرهاب.
وشرح العميد الركن عثمان أن كل مرحلة كانت تنطلق بتمهيد ناري يبدأ على أمر من قائد الجبهة، وينتهي عندما تصبح القوى على مسافة معيّنة من الهدف، عندها تنتقل النيران إلى الهدف التالي لكي تتقدّم الوحدات. وأضاف قائلاً: كانت الخطة دقيقة وقد نفّذت على النحو الأمثل ووفـق التوقيـت المرسـوم لها.

 

• ما هي الصعوبات التي واجهتموها وكيف تمّ تخطّيها؟
- الصعوبة الأبرز كانت طبيعة الأرض الجبلية القاسية (جرف صخري)، والأفخاخ والتشريكات التي زرعها الإرهابيون حول مواقعهم، والتي كبّدتنا خسائر وإصابات، لكننا تخطّينا هذه الصعوبات. فقد قمنا بشقّ طرقات ومحاور تقدّم حتى الوصول إلى الهدف، وكان العسكريون مندفعين، سلاحهم الأول والأقوى معنوياتهم العالية وواجبهم الوطني.

 

تكبيل الإرهابيين بالنار
يقول منسّق النيران في الجبهة العقيد عبدو عازار (اللواء السادس): عملنا على تنسيق النيران بين الطيران، والمدفعية غير المباشرة (155)، والمدفعية المباشرة (130)، والهواوين المتمركزة على طول امتداد الجبهة، لتأمين تقدّم القوى. كنّا نواكب القوى في تحرّكها، ونرمي أمامها. وكلما تقدّمت على مسافة الحيطة للمدافع، ننقل رماياتنا إلى الأمام، ونكبّل الإرهابيين بالنار لكي نؤمّن محاور تقدّم قوّاتنا.
كان العمل واضحًا، والتنسيق مع قادة الوحدات أدّى إلى تسهيله، فقد كنّا على اتصال دائم ومباشر، حتى مستوى آمر المجموعة التي تتقدّم، لنقل نيران المدفعية في اللحظة المناسبة.
ولهذه الغاية كان لدينا 7 مراقبين على الجبهة، يراقبون النيران ويفيدون عن تقدّم القوى لتصويب الطلقات. كذلك، كان يتمّ تنسيق طيران السيسنا مع رمايات المدفعية. أما تنسيق الدعم العام فكان يتولاّه منسّق النيران في غرفة عمليات القيادة.

 

المواكبة اللوجستية
يوضح العقيد الركن إدكار شهوان رئيس القسم الرابع في اللواء السادس وقائد العمل اللوجستي للمجموعة العملانية الأولى، أنّ العمل اللوجستي لمعركة فجر الجرود بدأ قبل المعركة. فقد تمّ وضع خطّة لوجستية تضمّنت: تأمين السلاح والذخيرة والتجهيزات، من البندقية إلى الدبابة، والآليات المدولبة والمجنزرة، تأمين المحروقات والمياه إلى ساحة المعركة، تحديد خطوط الإخلاء الصحي، مساعفة الآليات التي تتعطّل أو تتعرّض للإصابة، تجريب الأسلحة لإصلاح المعطّل منها وتوحيد السلاح في الوحدات من كل العيارات، التأكد من توافر العتاد والتموين الكافي والإضافي من الذخيرة والمحروقات لتأمين استمرارية المعركة.
بدأنا المعركة بنسبة جهوزية للآليات وصلت إلى حوالى 95% بالإضافة إلى جهوزية الوحدات اللوجستية وجهوزية العسكريين لتنفيذ العمل اللوجستي الذي يتضمّن شقًا إداريًا مهمًا وكبيرًا.
مع بدء المعركة، زوّدنا اللواء اللوجستي أرهاط تصليح إضافية تمّ تجهيزها للقيام بالمهمات الآتية:
- صيانة المدافع يوميًا، صيانة الآليات والدبابات على الخطوط الأمامية، وتحديد الأفضليات في إخلاء الآليات. وهذا الأمر كانت له نتائج إيجابية كبيرة في أرض المعركة. فخلال يومين مثلاً، استطعنا تغيير 7 محركات لملالات تابعت مهمّاتها.
- تأمين الذخيرة والمحروقات بواسطة صهاريج إضافية تشكّل محطّة متنقّلة تموّن المحطة الأساسيّة.
- تأمين وسائل نقل الآليات الثقيلة (حاملات دبابات ورافعات)، وتزويد الوحدات المشاركة الآليات الثقيلة لفتح مسالك الإمدادات وتأمينها.
- تأمين وجبات الطعام (الكافي والإضافي) بشكل متواصل.
- التنسيق مع جميع الوحدات المستقلّة المشاركة.
لقد تطلّب تحقيق كل ذلك، تنسيقًا كبيرًا بين كل الاختصاصات، اللواء اللوجستي سهّل الأمور كثيرًا، وأمّن حاجيات غير متوافرة من الأسواق المحلية. وتمّ تسريع الأمور الإدارية الروتينية واختصارها لمعالجة أي طارئ بسرعة قياسية لخدمة المهمّة. ومع انتهاء المعركة بقيت الجهوزية حوالى 80%.

 

الإخلاء الطبي
إنّ عملية الإخلاء الطبي لا تقلّ أهمية عن الهجوم والمعركة بحدّ ذاتها، يقول العميد الركن عبد الرحمن عثمان. وهو كمسؤول عن تنسيق عملية الإخلاء الطبي يشير إلى أنه تمّ التحضير جيّدًا لهذه المعركة من خلال إنشاء مفارز طبية متقدّمة، ومستوصفات ميدانيّة قرب قيادة الجبهة في رأس بعلبك، وفي القاع وعرسال.
أمّا التفاصيل، فتحدّث عنها الرائد هيثم فرحات، رئيس قسمَي التمريض وإدارة المرضى في المستشفى العسكري المركزي، فقال: فكرة الإخلاء الأساسيّة تحتّم أن يضمّ كل لواء وفوج عضويًا، مسعفين ميدانيين متقدّمين، ومنقذ حياة في كل حضيرة أو فصيلة يكون واحدًا من المقاتلين يواكب العملية العسكرية.
في المرحلة التحضيريّة للمعركة كنّا في مستوصفات عرسال ورأس بعلبك والقاع. مع بدء المرحلة الأولى من المعركة، أخذنا مركزًا في وادي حميّد وكنا على بعد 5 كلم من القتال، ثم تقدّمنا إلى تلّة الخنازير، وفي المرحلة الأخيرة تقدّمنا أكثر وتمركزنا على قلد الثعلب شمالاً.
شارك في الإخلاء الطبي كل من: الطبابة العسكرية، المستشفى العسكري المركزي وطبابات المناطق، واحتفظنا بمفرزة احتياط للاستعانة بها عند الحاجة. أمّا آلية الإسعاف فكانت على الشكل الآتي: في النسق الأول، يسعف منقذ الحياة في المجموعة المصاب لإيقاف النزيف، ثم ينقله حوالى 500 م إلى الخلف. يُنقل المصاب بآلية مدرّعة حيث يقوم المسعف المتقدّم بتلقّي الإصابة، يتأكّد من الإجراءات الأولية ومن عدم وجود إصابات أخرى... بعدها يُنقل المصاب إلى مركز الإخلاء الصحّي المتقدّم الذي يشكّل النسق الثاني، وهو ليس فقط للإخلاء بل يستقبل المصابين، يفرز الحالات، ويعالجها قبل إخلائها إلى الخطوط الخلفية.
العمل في مركز الإخلاء الصحي الذي تمركز أخيرًا في قلد الثعلب يتضمّن: مفرزة أو إثنتَين على امتداد خط الجبهة. تضمّ المفرزة: طبيبًا، ممرضين مجازَين، مسعفًا ميدانيًا، مساعد ممرّض، وسائقًا مع صحية في الخط الخلفي (حوالى 4 كلم خلف القوى). في هذا المكان يتمّ تثبيت النزيف وتعليق الدم والمورفين للتخفيف من أوجاع العسكري المصاب.
الإصابة المتوسّطة إلى الخفيفة كانت تُنقل برًّا إلى المستشفى بالصحية، وذلك بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني. بينما تنقل الإصابة المتوسطة إلى الخطيرة بالطوافة.
أما النسق الثالث فكان المستشفيات (مستشفيات المنطقة، والمستشفى العسكري المركزي والجعيتاوي للإخلاء بالطوافة).
أكّد الرائد فرحات في ختام حديثه: كنّا جاهزين قبل المعركة لوجستيًا ومعنويًا. تعاون رئاسة الطبابة لتأمين العنصر البشري المشارك كان تامًا، وقد أمّن جهاز التموين الطبي كل الأدوات والحاجات التي تستخدمها أفضل الجيوش في العالم.