تحية لها

لودي الحاج: الإرث وطريق الوفاء

فقدت لودي الحاج بطلًا كان مصدر فخر لعائلته ولجيشه ولوطنه. فقدت جبلًا كانت تحتمي بصلابته، وزوجًا يفيض حنانًا وأبوّة.
حصل ذلك منذ 13 عامًا، لكنّ الوجع ما زال مقيمًا يرفض مغادرة القلب والبيت. مع ذلك فإنّ الشجاعة مقرونة بالإيمان، تؤدي دورها لتحفظ إرث البطل.

 

في جنبات البيت،  بيت اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج، حفرت الذكريات أماكنها إلى الأبد، تمامًا كما حفرت تفاصيلها في القلوب والضلوع.
صباح ذلك اليوم المشؤوم، يوم 12 كانون الأول 2007 استفاق اللبنانيون على زلزال: استشهاد مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد الركن فرنسوا الحاج الذي ارتقى إلى رتبة لواء في الجيش، ومهر بالدم رتبته كبطل من كبار أبطال الوطن.
خاض المغوار الشهيد الكثير من المعارك، حمل دمه على كفّه وصارع الخطر في أصعب المواضع دفاعًا عن لبنان. في البيت كان هناك امرأة تحتضن أولادها، تخفّف عنهم وتؤكد لهم أنّه سيعود سالمًا، أما الخوف والقلق فيظلان في قلبها بركانًا مشتعلًا لا يخمده سوى خبر يقول إنّه بخير.

 

الليالي الطويلة
في الليالي الطويلة التي بدت لها من دون آخِر، كانت تتذكّر كلامًا لشقيقها عندما أخبرته أنّها بصدد الزواج من الملازم الأول فرنسوا الحاج. حذّرها من الطريق الصعب الذي ينتظرها، وطلب منها أن تفكّر مليًا.
لم يستقر هذا الكلام في عقلها، ولا حتى في أذنيها. كان الأمر لقلبها، وكانت قصة حبهما أقوى من أي دافع لإعادة النظر في قرار اتُخذ.
البيت  العامر بالمحبة تزيّن بأولاد كبروا وكبرت معهم قيم ومبادئ زرعتها رعاية الأم والأب معًا. حضوره الأبوي كان ساطعًا حتى في غيابه. منذ بداية طريقهما أعلن أنّ الجيش هو عائلته الأولى، حزمت أمرها فمشت في خياره وكانت امتدادًا لحضوره في البيت حين تقسو الظروف ويطول غيابه.
أيام نهر البارد ولياليها كانت مرصودة للخوف والوجع والانتظار، لكنّ الانتصار محا الكثير من آثار تلك الأيام وإن ظل الوجع قائمًا. فظِلّ الشهداء لم يفارق منزل مدير العمليات وعائلته. فكل ما يتعلّق بالعسكر كان همًا ملازمًا للضابط القائد، وبالتالي لزوجته وأولاده.

 

تمر الأيام والوجع باقٍ
تبوح لودي الحاج بأنّ ألم خسارة زوجها ما زال هو نفسه، تؤكد أنّ الأيام تمر والوجع يبقى. ما يسمح للحياة بأن تستمر هو كيفية تعاطينا مع مشاعر الحزن. بالنسبة إليها ثمة نافذة مشرّعة على فرح الحياة، إنّها عيون الأحفاد الصغار وقد صار عددهم ستة. ثمة طريق آخر يُخرجنا من دائرة الألم ولو لوقت مستقطع، إنّه الطريق الذي يأخذنا إلى عائلات الشهداء الآخرين من خلال مؤسسة فرنسوا الحاج. نتشارك وإياهم أعباء خسارة الأحباء. نشرح لهم ما الذي ينتظرهم، نمدّهم بالدعم ونستمد منهم القوة. هناك إرث لفرنسوا الحاج يجب أن يستمر ومؤسسته تحمل الأمانة.

 

الوفاء
هذا الإرث هو في أساس قدرتنا على الاستمرار في الحياة بعد الزلزال الذي أصاب عائلتنا باستشهاده، تقول لودي الحاج. لقد رسم طريقه وحدّد خياراته، ونحن لا نملك خيارًا سوى الوفاء لما كان هو وفيًا له. خيارنا وطريقنا الوفاء للجيش وشهدائه، الوفاء للوطن.