قضايا إقليمية

ليبرمان الروسي يقهر نتنياهو آخر ملوك إسرائيل
إعداد: د. إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

أظهرت التجاذبات الحزبية والسياسية التي شهدتها الساحة الإسرائيلية أخيرًا، قبل انكشاف عجز نتنياهو عن تشكيل حكومة جديدة في كيان العدو، أنّ مفتاح التشكيل كان بيد رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، المهاجر الروسي المتطرف والعنصري أفيغدور ليبرمان. فهو الذي استطاع حسم هذه المسألة في الشكل والمضمون اللذين أرادهما، الأمر الذي دفع الرئيس المكلف، في البداية، أي قبل خطوة حل الكنيست، إلى توجيه رسالة لليبرمان بدت أشبه برسالة استعطاف.

 

حاول نتياهو من خلال الرسالة تليين موقف ليبرمان المتصل بمطالبه الثلاثة وهي: إلحاق الهزيمة العسكرية بحركة حماس في قطاع غزة، وإحباط إجراء أي تغييرات في قانون تنظيم تجنيد اليهود الحريديم (أي طلاب المدارس الدينية) في الخدمة الإلزامية العسكرية في الجيش، وإنهاء بعض الممارسات في الحاخامية الحكومية في التعامل مع المهاجرين الروس، مثل فحوصات الحمض النووي لفحص العلاقات العائلية اليهودية.
جرّب نتنياهو عدة احتمالات وقام بعدة محاولات لكنّها باءت بالفشل، فحزب العمل الإسرائيلي بزعامة آفي غباي رفض عرضه للانضمام إلى تشكيل حكومته الخامسة. وكشف غباي في تغريدة على موقع «تويتر» أنّ الحزب تلقى العديد من العروض خلال الأشهر الماضية للمشاركة في الحكومة، منها الحصول على أربع حقائب وزارية، في مقدمتها الأمن والمالية.
من بين الاحتمالات الأخرى التي كانت مطروحة في فكر نتنياهو أنّه يستطيع التنحّي عن مهمة تشكيل الحكومة طوعًا لمصلحة شخصية أخرى داخل حزب «الليكود»، لأنّ القانون لا يفرض أن يكون المكلَّف بالتشكيل هو رئيس الحزب نفسه فقط. وبالتالي، كان يمكن لحزب «الليكود» أن يحافظ على موقعه كحزبٍ حاكم، ولكن ليس عبر شخص رئيسه الحالي (نتنياهو). وفي هذه الحال، كانت ستزول العقبة أمام انضمام كتلة «أزرق أبيض» بزعامة بيني غانتس إلى الائتلاف، ويتمّ تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.

 

أسباب مأزق نتنياهو
إنغلاق الأفق بوجه نتنياهو ومواجهته المأزق الحرج يعود إلى كون الأصوات الخمسة التي يمتلكها ليبرمان، قد أدت دور بيضة القبّان، إذ باتت الأصوات المُرجِّحة في معادلة موازين القوى الحزبية والسياسية داخل الكنيست. ومعلوم أنّه، بحسب قانون «أساس الحكومة» في الكيان الإسرائيلي، كان لا بد لنتنياهو، بعد انتهاء مدته القانونية للتشكيل وهي ليل 30/5/2019، أن يتنحّى، ثم يبادر رئيس الدولة رؤوفين ريفلين إلى إجراء مشاورات نيابية جديدة لتسمية عضو كنيست آخر يقوم بمهمة تشكيل الحكومة. وفي حال نجاح المكلَّف الجديد في مهمّته، يكون هذا الكيان أمام سقوط آخر ملوك إسرائيل كما يقال، وهو ما سبق أن تكرّر على مدى تاريخها. أما إذا فَشِل، فباستطاعة 61 عضو كنيست إعادة تسمية نتنياهو مجددًا، وإلّا تتجه الأمور نحو انتخابات مبكرة وهذا ما حصل، فنتنياهو المأزوم قانونيًا وأخلاقيًا في حصانته بعد اتهامه بارتكاب عدة مخالفات وحالات سوء ائتمان وقبض رشاوى، بذل كل جهوده لمنع حصول هذا المسار القانوني، على قاعدة إما أن يكون هو رئيس الحكومة أو لا أحد. وجدير بالذكر أنّه في حالتين مشابهتين في الماضي، فشل المُكلَّف بتشكيل الحكومة، فتحوّل التكليف إلى غيره، أو تقرّر تقديم موعد الانتخابات. فقد حصل ذلك مع شمعون بيريس (زعيم حزب العمل) في العام 1990، فآل التكليف في حينه إلى إسحاق شامير (زعيم الليكود)، وفي الحالة الثانية مع تسيبي ليفني التي فشلت في العام 2008 بتشكيل الحكومة بعد استقالة إيهود أولمرت بسبب الفشل الإسرائيلي في الحرب على لبنان (2006). لكن في الحالتين، لم يكن فشل التكليف بعد إجراء الانتخابات مباشرة كما حصل حاليًا.
بتعبير آخر يمكن القول إنّه على الرغم من فوز معسكر اليمين بـ65 مقعدًا في الكنيست، بما يسمح له مبدئيًا بتشكيل حكومة يمينية بأغلبية مريحة، إلّا أنّ التناقضات الشخصانية والحزبية والسياسية داخل المعسكر نفسه حالت دون تشكيلها.

 

اللايقين السياسي سيكون سيد الموقف
في هذه الأثناء، وعلى المدى المنظور، يبدو أنّ اللايقين السياسي سيكون سيد الموقف في اسرائيل إلى حين حصول الانتخابات الجديدة التي تقرَّر إجراؤها في شهر أيلول المقبل. لكن مع ذلك، تمكن الإشارة إلى جملة توقعات بشأنها: أولًا أنّ مسعى نتنياهو إلى تحصين نفسه عبر سنّ قانون الحصانة من الملاحقة القضائية لأعضاء الكنيست، يشوبه عدم يقين وشك، ربطًا بانتخابات مقبلة مجهولة النتائج، الأمر الذي ينعكس سلبًا على قدرة نتنياهو من بعدها على فرض إرادته على الأحزاب التي يمكن أن تأتلف معه إن فاز «الليكود». وهذا المعطى سيكون حاسمًا لناحية تقرير مصير مستقبل الرجل، بخاصةٍ أنّ نتيجة الانتخابات ستكون بمنزلة استجواب له على خلفية تهمّ الرشى والفساد، وربما أيضًا اتهامه.
من ناحية ثانية، لن تُخاض الانتخابات المقبلة، على الأرجح، كما خيضت الأخيرة، بمعنى أنّ المتنافسين على مقاعد الكنيست لن يكونوا بالتشكيلات والتكتلات نفسها، سواء في اليمين أو الوسط أو اليسار؛ فلسنا أمام إعادة انتخابات، بل انتخابات جديدة قد تشهد أفول أحزاب خاضت الانتخابات السابقة، وتشكيل أحزاب جديدة تخوض المقبلة، مع عدد من الشخصيات التي تقرّر خوض السباق، والفروق كبيرة بين الحالتين. ومن الآن، بدأت تَرِد إشارات التغيير. فالشخصية الثانية في حزب «أزرق أبيض»، يائير لابيد، يرفض الإجابة عمّا إذا كان حزبه «يش عتيد» (يوجد مستقبل) سيبقى في ائتلاف مع رئيس الحزب بني غانتس، ويربط ذلك بالتفاوض الذي سيجري في حينه بين الجانبين، فيما الحزب الثالث في «أزرق أبيض»، وهو حزب «تيليم» لموشيه يعلون، قد يجد مصلحة في أن يأتلف مع حزب يميني يتوافق معه أكثر. وفي الصراعات على الناخب اليميني، قد تكون المنافسة أشد، خصوصًا مع توقع عودة رئيس حزب «البيت اليهودي» السابق، نفتالي بينت، إلى المنافسة بعد فشله في الانتخابات الأخيرة بعيدًا من حزبه، الأمر الذي سيؤدي إلى تشظٍّ أكبر مما حدث سابقًا.

 

«صفقة القرن» ستتحول إلى مادة سجالية
في التوقعات أيضًا أنّه من المرجح أن يؤثر الفشل الحاصل بتشكيل الحكومة الإسرائيلية بصورة سلبية على مجريات «صفقة القرن»، وذلك لأّنها ستتحول إلى مادة سجالية على الخلفية الانتخابيةً في إسرائيل، وسيرتفع الصوت رفضاً لها، لأنّ اليمين الإسرائيلي وصل إلى حدّ رفض حتى ما يتعلق بالشكليات تجاه الفلسطينيين، ما يعني الابتعاد عن استراتيجية انتظار الرفض الفلسطيني للتملّص من تطبيقها. ومن أهم المعطيات التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا إزاء الفترة الانتقالية في كيان العدو، أنّ الحكومة القائمة برئاسة نتنياهو ستبقى قادرة على اتخاذ قرارات شنّ اعتداءات كيفما شاءت، وصولًا إلى خوض مواجهات شاملة، لأنّه لا يوجد في إسرائيل ما يسمى حكومات تصريف أعمال بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.