جندي الغد

ليلة الميلاد
إعداد: ريما سليم ضومط

دخل نبيل منزله مساءً وهو يجرّ رجليه من شدّة التّعب بعد نهارٍ طويل أمضاه في البحث عن عملٍ من دون جدوى.
ألقى بنفسه على الأريكة محاولًا الاسترخاء، ولكنّ عبثًا، فذهنه مشغول بألف فكرةٍ وفكرة: من أين سيأتي بالمال لدفع الإيجار؟ ماذا سيقول لمايا وفادي عندما ينهضان في الصباح ولا يجدان الهدايا تحت شجرة العيد؟ وراح يحدّث نفسه بصوتٍ مسموع: أنا نبيل، أمهر ميكانيكي في الحيّ لا أجد من يمنحني فرصةً للعمل؟! وإذ به يصرخ بصوتٍ متهدّجٍ: «أين أنت يا ربّي لماذا لا تسمع استغاثتي؟» دخلت زوجته منال الغرفة وأمسكت بيده مهدئةً غضبه، وقالت له: «لا تحزن يا حبيبي، ولا تيأس من رحمة ربّنا، فلنصبر قليلًا، لا بدّ وأن تُفرَج!» ردّ نبيل متهكّمًا: «كيف ستُفرَج أخبريني بربّك؟! هل سأنهض صباحًا وأعلم أن انفجار المرفأ كان حلمًا مزعجًا وأنّ دمار منزلنا والكاراج كان كذبةً وأنّنا بألف خير؟!! لم يكد الزوج ينهي عبارته حتى رنّ جرس الباب. نظر إلى زوجته مستغربًا كونه لم يكن يتوقّع ضيوفًا ليلة عيد الميلاد. وإذ فتح الباب، فوجئ بسيّدةٍ خمسينيّة تبدو عليها مظاهر العزّ والجاه، بادرته بارتباك: «آسفة للإزعاج، لقد تعطّلت سيّارتي في مكانٍ قريب، ولا أعلم أين أجد ميكانيكي في هذه السّاعة المتأخّرة، فهل يمكنك مساعدتي؟» نسي نبيل غضبه بعد أن استيقظت فيه روح النخوة، وقال مطمئنًا المرأة: «أتيتِ إلى المكان المناسب يا سيّدتي، فأنا ميكانيكي وسوف أقوم بإصلاح سيّارتك».
دعت منال السيّدة لتناول فنجانٍ من الشاي، بانتظار إصلاح العطل. وفيما هما تتحادثان، دخل فادي ومايا وسلّما على الضيفة، فنظرت الأخيرة إليهما قائلةً: أرى أنّكما ولدان مؤدّبان، فلماذا تأخّر بابا نويل في وضع هداياكما تحت الشجرة؟ اغرورقت عينا مايا بالدّموع وردّت ببراءة الأطفال: «لقد تركنا منزلنا بسبب الدّمار الذي أصابه، وربّما لم يعرف بابا نويل عنواننا الجديد»، ثم أسرعت بمغادرة الغرفة. عندئذٍ، أوضحت منال الوضع للضيفة التي خرجت إلى سيّارتها وعادت بهديّتين كبيرتين وضعتهما تحت الشّجرة، وأخبرت منال أنّها حين تعطّلت سيّارتها، كانت في طريقها إلى دارٍ للأيتام لقضاء العيد مع الأولاد وتوزيع الهدايا عليهم. وقالت لها: «أحمل في سيّارتي ألعابًا تفوق عدد الأطفال في الميتم، فلا بأس إن قدّمت لولديكِ منها لعبتين». وفيما كانت منال تشكر للمرأة كرمها، ردّت الأخيرة بالقول: وفّري شكرك لما ستسمعينه الآن. لديّ شقيقٌ هاجر إلى كندا في العام الماضي، وكان يملك كاراج ميكانيك أقفله قبل رحيله، فما رأيك في أن يستلم زوجك العمل فيه إلى حين إصلاح كاراجه، ولن أتقاضى منه الإيجار إلى أن يبدأ بجني الأرباح.
ما إن دخل نبيل المنزل حتّى أخبرته زوجته بالعرض الذي قدّمته الضّيفة فكاد يطير من الفرح. في تلك الليلة، نام جميع من في البيت بهناءٍ تامٍّ، فالكلُّ موعودٌ بتحقيق أمنيته. وفي صباح اليوم التالي، استيقظ الوالدان على صوت ابنتهما وهي تناديهما بدهشةٍ وفرح: «بابا، ماما، تعالا وانظرا، لقد جاء بابا نويل في الليل وترك لنا الهدايا!». حين دخل الوالدان غرفة الجلوس، كان الطفلان يتفحّصان هديتيهما والفرحة تشعّ في عيونهما. هرعت الفتاة نحو والديها وقالت لهما: ميلادٌ مجيد يا أحلى ماما وبابا! أنا سعيدة جدًّا اليوم. أمّا الصبّي فتوجّه إلى والدته بالقول: معك حقٌ يا ماما، لقد كنتِ دائمًا تقولين لنا أن نتفاءل بالخير، فكلّ ليلٍ يعقبه نهار، وها أنّ الخير قد وجد طريقه إلينا، وأنا أطلب إلى الرب أن يعمّ كلّ بيتٍ في وطننا، مبعدًا شبح المرض والجوع كي ينعم الجميع بالأمان والطمانينة.