شهداؤنا

مأتم رسمي وشعبي في وداع المقدم الشهيد عباس جمعة

قيادة الجيش تؤكد حرصها على متابعــة قضـيته وتحقيق العدالة كاملـة

 

نوّه قائد الجيش العماد جان قهوجي، بمسيرة المقدم الشهيد عباس جمعة، وتفانيه في أداء الواجب حتى الشهادة.
كلام العماد قائد الجيش جاء في سياق زيارة قام بها لعائلة المقدم الشهيد جمعة في منزلها الكائن في محلة الشياح، حيث قدّم تعازيه الحارة لأفراد العائلة، واطلع على أوضاعهم المختلفة، وتوجّه إليهم بمشاعر التضامن.
وقد أكد العماد قهوجي حرص القيادة على متابعة تحقيق العدالة كاملة.
وكانت قيادة الجيش قد شيّعت المقدم عباس جمعة الذي استشهد بتاريخ 24/9/2012 متأثرًا بإصابة بليغة تعرض لها في أثناء قيامه بمهمة أمنية في محلة الغبيري بتاريخ 21/9/2012.

 

التشييع
حضر التشييع العميد الركن حسن ياسين ممثلًا قائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من الشخصيات السياسية، وممثلو الأجهزة الأمنية،  إلى كبار الضباط ورفاق الشهيد.
وواكبت مجموعة من الشرطة العسكرية جثمان الشهيد لدى خروجه من المستشفى العسكري المركزي، وأدّت وحدة من فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في مديرية المخابرات مراسم التكريم. ولدى وصوله إلى «مجمع الإمام الصدر» في روضة الشهيدين، جرى تقليده أوسمة الحرب والجرحى والتقدير العسكري من الدرجة الفضية.
ونوّه ممثل قائد الجيش العميد الركن ياسين في كلمته «بمناقبية الشهيد وإخلاصه للجيش وتفانيه في أداء واجبه العسكري» وقال:
«نودّع اليوم ضابطًا من خيرة ضباط الجيش، شاءت يد القدر أن يرحل عن هذه الدنيا، وهو يلبّي واجبه العسكري في حماية أمن الوطن واستقراره، والتصدي للإجرام المتربّص شراًّ بالمواطن في سلامته وكرامته وحياته اليومية.
نودّعه بالدموع الحارّة والمشاعر الملتهبة، وبإكليل الزهر الأبيض كقلبه الناصع أبدًا، كيف لا، وقد خطّ في سجل مؤسسته التي وهبها ربيع العمر وزهر الشباب، سطورًا مشرقة من الجهد والتضحية، وترك في ساحاتها زادًا وفيرًا من الخير، يضاف إلى حصاد الرجال المخلصين. إنه قدر أبناء هذه المؤسسة منذ لحظة انضوائهم تحت رايتها وأدائهم القسم الكبير، أن يحملوا دماءهم على الأكفّ، ليرووا بها تراب الوطن ويفتدوا إخوتهم في المواطنية، كلّما أحاطت بهم رياح الخطر ودهمتهم الشدائد والمحن.
شهيدنا البطل،
تمضي اليوم إلى مثواك الأخير، وفي قلوب الأهل ورفاق السلاح والأحبة وكل من عرفك، جرح يعصر القلوب ويدمي العيون. لقد افتقدناك علمًا من أعلام الجيش، ضابطًا عصاميًا مستقيمًا كحد السيف، متميزًا بالمناقبية والإنضباط ودماثة الخلق. إفتقدناك رفيق سلاح، يحظى باحترام وتقدير كل من حوله، يندفع في تنفيذ المهمات إلى أقصى الحدود، ويتحمل الصعاب والمشقات برحابة صدر. إفتقدناك إبن قرية جنوبية أصيلة، وإبن عائلة كريمة أنجبت خيرة الشبان والشابات، أنشأتهم على محبة الجيش والوطن والتمسّك بجميل الأخلاق والفضائل.
لقد كان من مصادفة القدر أيضًا، أن ترزق وزوجتك الفاضلة طفلًا في ليلة الشهادة هذه، وكأني به يقول ها دم أبي الطاهر ينبض في عروقي إخلاصًا واندفاعًا وحماسة، وخياري منذ الآن أن أحلّ في يوم من الأيام مكانه في جيش الوطن، فأهتدي بمآثره وأقتفي خطواته على طريق الشرف والتضحية والوفاء».
ثم ألقى المفتي أحمد قبلان الذي أمّ المصلّين على جثمان المقدم الشهيد، كلمة إعتبر فيها أن من قتل عباس جمعة ليس شخصًا عاديًا، إنها حالة شيطانية يعيشها لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وكل من يشارك في استمرارية هذه الحالة هو شريك في قتل المقدم جمعة.
وفي الختام، ووري الجثمان في جبانة الشهيدين.

 

نبذة عن المقدم الشهيد عباس جمعة
- من مواليد 23/7/1970 في بلدة زبدين - النبطية.
- تطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط إعتبارًا من 4/1/1993.
- رقي لرتبة ملازم إعتبارًا من 1/8/1995، وتدرّج في الترقية حتى رتبة رائد إعتبارًا من 1/7/2009.
- رقّي لرتبة مقدّم إثر إستشهاده.
- من عداد مديرية المخابرات.
- حائز:
• الميدالية التذكارية للمؤتمرات للعام 2002.
• وسام التقدير العسكري من الدرجة الفضية.
• وسام الإستحقاق اللبناني من الدرجة الثالثة.
• وسام الحرب بعد الإستشهاد.
• تنويه العماد قائد الجيش خمس مرات.
• تنويه العماد قائد الجيش بعد الإستشهاد.
• تهنئة العماد قائد الجيش 15 مرة.
• تنويه نائب رئيس الأركان للعمليات مرتين.
• تهنئة مدير المخابرات مرتين.
• تهنئة قائد المعسكر مرتين.
• تهنئة قائد الشرطة العسكرية.
• تهنئة قائد لواء.
• تهنئة قائد فوج مرتين.
• تهنئة قائد كتيبة.
- تابع عدة دورات دراسية في الداخل وفي الخارج.
- متأهل وله ولدان.

 

من القلب
شريطٌ من الذكريات التي تختصر سنوات طويلة من حياة الإنسان يمر مسرعًا في لحظات مؤلمة خلال المشاركة في تشييع الشهيد البطل، تجعل المرء يستعيد أيامًا وشهورًا وسنوات عديدة حافلةً بالأحداث، في بضع دقائق ليس أكثر.
عرفتُه تلميذًا في السنة الأولى في المدرسة الحربية حين شاء القدر أن يلتحق في الفصيلة التي كنتُ آمرَها، عندما بدأ عباس يتعلم ابجدية القتال ويحترف الجندية، ثم كانت آخر مشاهداتي له في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان قبل بضعة أشهر من استشهاده، عندما كان يتابع دورة قائد كتيبة ليُتقن التخطيط العسكري ويحترف القيادة.
بين سعيين للتعلُّم وتطوير الذات، كانت رحلته طويلةً لما حفلت به من انجازات... وقصيرةً بالنسبة إلى أهله وزوجته وأبنائه وأصدقائه...
مفارقةُ ظالمة للقدر أن لا يتقاطع عباس مع مولوده الجديد في اي دقيقة واحدة من هذا الزمن الرديء، دخل إبنه إلى سجل الحياة في اللحظة التي شطب هو عنه... أي مفارقةٍ هذه يحملها القدر؟ هل سيحتفل ابنُه مستقبلًا في عيد ميلاده؟ أم في ذكرى استشهاد والده البطل؟  سؤالٌ غريبٌ ومؤلم، لكنه مشروع وبرسم القدر! فالمناسبتان متناقضتان، موتٌ وولادة... انها فلسفة الحياة!
في جنازة عباس كان جميعنا مفجوعًا، العسكريون، المدنيون، الأقارب، الأصدقاء، الزملاء، رفاق الدورة، الرؤساء، والمرؤوسون، كنا مصدومين من هول الحدث الذي سرق عباس وديناميته من حلقاتنا المختلفة. كان واضحًا من شدة الحزن الذي سيطر على المأتم ان الجميع يحبه وسيفتقد حضوره المميز أينما كان.
عباس لم يكن يهدأ، حراكٌ دائم، بشاشة دائمة، دينامية نادرة، لم نكن نعلم أنه بشخصيته المحببة تلك كان يحضِّرنا جميعًا للحزن الكبير الذي أدمع أعيننا وأدمى قلوبنا.
رُفع النعشُ ملفوفًا بالعلم اللبناني، أطلَّ عباس من خلاله على الحاضرين مودّعًا وملقيًا التحية العسكرية ومتمتمًا بعض الكلمات... لم ننبس ببنت شفة. لم نطلق النار تأثرًا باستشهاد البطل لأننا مؤسسة الانضباط والالتزام، لكنّ الغضب كان يعترينا جميعًا، صراخًا مدويًا كان يصدر من عمق الصمت، لم نرَ دموع بعضنا المحبوسة داخل الأعين، لكنها كانت واضحة لكل منا، فكان واحدُنا يرى دمعته في عين الآخر وبالعكس...
مئات الضباط شاركوا، جميعهم أخوةٌ لعباس، فهو ينتمي إلى عائلة كبيرة جدًا، اكبر عائلات الوطن وأكثرها تعاضدًا وتماسكًا.
في جنازة عباس.. كان عباس هو الميت، أمر لا يصدق، فبالأمس كان هو الكائن الأكثر من حي، بل الكائن الحيوي، الكائن الذي يعج بالحياة. كيف استطاع الموت أن يأسر ابتسامته ويقيِّد حراكه ويُهْمِد ناره ويُخْمِد ضجيجه..  وهو الذي لا يطيق القيود ويتقن التفلت منها والتمرد عليها لأن روحه كانت في حراكٍ دائم، وفي فرحٍ دائم...
في جنازة عباس.. كان الحق حزينًا والباطل مزهوًا.. كان القانون جريحًا والإجرام متفلتًا.. ولكن العقاب كان مستعجلًا تواقًا لينزل بالمجرمين أشد الحساب.
في جنازة عباس.. شهيد الجيش، كان الجيش كله حزينًا متألمًا.. ولكنه متحفز متأهب لتنفيذ أمر العمليات الذي يُكمل المهمة المقدسة.. حفظ أمن المواطنين الآمنين من الأشرار اللعينين...
فيا ابن عباس المولود..
لقد استشهد والدُك من أجل اسمى معاني الأمن.. لم تذهب دماؤه سدىً، فكلما رأيت طفلًا مطمئنًا يذهب الى مدرسته صباحًا في مجتمع مستقرٍ آمن، تذكَّر انّ ذلك انما يحصل بفضل تضحياتٍ كبرى كتضحية والدك البطل وأمثاله الأبطال الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من اجل أن يسود الأمن والإستقرار في البلاد ومن اجل رد الأذى عن العباد، ولكي يعيش الناس بسلام.. ولكن..  من قتل عباس؟ ومن ساهم بقتل عباس؟ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. إنها ثقافة الإجرام والفوضى، وهي التي تهدم الوطن وتقوّضه، سنتغلب عليها، وسنطهِّر الوطن من مريديها، وسنفرض القانون حتمًا انتصارًا لدمك يا عباس.. رحمك الله...

 

العقيد الركن حسن جوني
كـلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان