مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حربي 1991- 2003

مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حربي 1991- 2003
إعداد: الفــــريق الركـــن رعــد مجــيد الحمــداني
قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الفتح المبين السابق مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حربي 1991- 2003

((أن الأمم تذهب إلى الحرب لسبب من ثلاثة أسباب هي:-الشرف-الخوف-المصلحة))

المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس

 

المقدمة

قد يستعصى على الدارسين والباحثين فهم الحقيقة الكاملة والقدرة على رسم صورة واضحة ومقنعه لأسس ومقومات الاستراتيجية العسكرية العراقية ناهيك عن بيئة نشوئها في مواجهة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في حربي الخليج الثانية عام 1991 وحرية العراق 2003 بفارق كبير بموازين القوى وبمعاييرها التقنية وهذة الصعوبة  تتأتى من سببين رئيسين اولهما انهيار وتدمير دولة العراق الحديثة بكل مؤسساتها ومنها المؤسسة العسكرية العراقية على ضوء نتائج الحرب الأخيرة والتي حسمت مصير العراق ومنطقة الشرق الأوسط لأوضاع مستقبلية مختلف على توصيفها وثانيهما تداعيات الموقف العام في العراق منذ  ثلاث سنوات مضت أي منذ سقوط النظام السياسي السابق في التاسع من نيسان 2003 حين حققت القوات الأمريكية والبريطانية نصرا عسكريا كبيرا إلا إن الأهداف السياسية لهذة الحرب تكاد بعيدة عن التحقيق عدا في بعض النواحي الثانوية واليوم نرى العراق في وضع مضطرب جدا و ملامح قوية لإنطلاق حرب أهلية مدمرة تنهي أي مكسب سياسي لهذه الحرب.
 

قد يتسائل البعض عن الفائدة من دراسة استراتيجية عسكرية ثبت فشلها في  حربين متتاليتين كانت نتائجها سقوط دولة العراق بكاملها. وقد تكون الإجابة  المقنعة لهذا التسائل لو كان المخططون الاستراتيجيون الأمريكان قد فهموا جيدا بيئة الصراع ونمط تفكير وطبائع السلوك للطرف الآخر لكانوا بوضع أفضل مما عليه اليوم فالأعمال المسلحة المضادة للوجود الأميركي وتفشي الإرهاب والاستحواذ الإيراني على العراق أصبح حقيقة  علاوة على إن فهم واستيعاب دروس تاريخ الحروب ضرورة إنسانية ملحة لجعل معارك المستقبل أفضل من الناحية الأخلاقية والإنسانية وفي مواطن الفشل تكمن الكثير من الحكمة بالإضافة لدافع آخر للكتابة في هذا الموضوع من وجهة نظر شخصية للإحساس العميق بمستحقات الخدمة العسكرية لإغناء بعض جوانب فن الحرب والوفاء لجيشنا العراقي الباسل الذي كان ضحية للسياسة الحمقاء في الماضي والحاضر.
 

كانت المكونات الأساسية للقيادة العسكرية العراقية المسؤولة عن وضع استراتيجية عسكرية ملائمة لتحقيق أهداف السياسة العراقية الطموحة تتألف من قيادة عامة للقوات المسلحة والتي شكلت لأول مرة عشية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 يرأسها القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية) يرتبط به أمين سر عام (سكرتير) وعدد من هيئات الركن المختلفة ويكون وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقاده فروع القوات المسلحة (جوية ـ بحرية ـ دفاع جوي ـ طيران جيش) اعضاءا في هذة القيادة ثم المكون الآخر للقيادة جزء من وزارة الدفاع وجزء من رئاسة أركان الجيش حيث يعتبر رئيس الأركان قائدا للقوات البرية الذي يعاونه عدد من المعاونين والمدراء وبعد حرب الخليج الثانية 1991 أصبح المشرف العام على الحرس الجمهوري ورئيس أركان الحرس الجمهوري جزء من القيادة العسكرية العليا. أما القيادات الميدانية فتتمثل بمقرات الفيالق والفرق. بشكل عام خضعت القيادة العسكرية العليا وبصورة شبة مطلقة للقرار السياسي في شؤون التخطيط للعمليات الحربية بحكم كون القائد العام هو رئيس النظام السياسي ونمطه المركزي المعروف به في قيادتة السياسية انعكس أكثر مركزية على القيادة العسكرية العليا مما جعل هذه القيادة مقيدة جدا في مجال التخطيط والتنفيذ لفقدانها الكثير من صلاحياتها الأساسية فكانت على الأغلب شبه مشلولة في الظروف الصعبة.
 

العقيدة السياسية العراقية كانت بالأساس عقيدة لحزب قومي يدعو لوحدة الأقطار العربية في مكون سياسي واقتصادي واحد والقضية المركزية في هذه العقيدة تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي ويعتمد في اقتصاده على المذهب الاشتراكي ثم تطورات هذه العقيدة سلبا من خلال رؤية وطموح الرئيس العراقي السابق خارج أرضية الواقع وما كسبه من ثقة عالية بالنفس وكذلك ثقة الرأي العام العربي به بعد انتصاره بالحرب على إيران فتقاطعت العقيدة السياسية العراقية ضمن إقليمها ومحيطها الدولي وخاصة مع المرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ومما لاشك فيه إن العقيدة العسكرية نابعة بالأساس من العقيدة السياسية فكانت عقيدة ذات أهداف كبيرة جدا خارج الإمكانيات والوسائط المتاحة لمستوى بلد كالعراق ولجيش كالجيش العراقي المنهك بسلسلة طويلة من الحروب وقد أطمئنت الاستراتيجية العليا العراقية إلى ذلك الكم من القوات التي تملكها (التوسع الأفقي الذي لا يتناسب مع التوسع العمودي في الكفاءة الحرفية والتقنية) وكان التطور النوعي في حقيقية يقتصر على تطور ملحوظ في القوة الجوية وصواريخ ارض ارض المطورة محليا لمدى عملي (650كم) هذا الاطمئنان صاغ إطار إستراتيجية عسكريه غير واقعية تملك أجنحة كبيرة تمكنها من التحليق في الهواء عاليا إلا إنها لا تملك سوى أرجل ضعيفة تمكنها من المشي على الأرض لمسافة قصيرة.
 

إن مجرد التفكير في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى منفردة وتملك قدرات كاسحه خاصة بعد ما بدأت القوى العظمى المكافأة لها وهي الاتحاد السوفيتي  بالاضمحلال والتفكك وبغض النظر عن أية دواعي حقيقية للمواجهة سواء كانت قانونيه أم أخلاقية يحتاج هذا إلى الكثير من الحكمة وضبط النفس لتجنب النتائج الكارثيه الاكيدة لهذه المواجهة. والغريب إن الرئيس صدام حسين أول زعيم في العالم الثالث قد نبه الآخرين لخطورة انفراد القطب الواحد في الصراع الدولي لفقدان التوازنات المطلوبة لهذا الصراع. كانت الاستراتيجية العسكرية العراقية تعمل لتطويع الواقع لأهدافها وليس لتطويع أهدافها للواقع وسبب ذلك واضح وجلي إلا وهو أوهام القوة الخادعة وسراب العواطف الجياشة والافتقار الكثير لحكمة الواقع وعليه كانت النتائج الميدانية في مسارح العمليات محسومة مسبقا لصالح الطرف المقابل.

من المفيد قبل الدخول في تفاصيل الموضوع الإطلاع على بعض المصطلحات والمفاهيم ذات العلاقة.

 

تعار يف ومفاهيم استراتيجية:

تعار يف استراتيجية:

من الضروري الرجوع إلى عدد من التعاريف الضرورية ذات العلاقة

  • السياسة: ((عبارة عن مجموعة من المبادئ والقواعد التي تؤمن تحقيق الأهداف السياسية للدولة في الزمان والمكان المطلوبين ضمن إطار المهام الوطنية والقومية))
  • الأمن القومي:((تصور استراتيجي نابع من متطلبات حماية المصالح الحيوية الأساسية لأية امة وهذا نابع ومستمد من تاريخها وما أفرزته معطيات موقعها الجغرافي ومورثها التاريخي والاجتماعي للمحافظة على الوجود الحي لها))
  • العقيدة العسكرية:((وهي كافة الأفكار والمفاهيم والآراء والتعاليم التي تسترشد بها القوات المسلحة سلما وحربا وهي ظل العقيدة السياسية في الميدان))
  • الاستراتيجية العسكرية:((تبدأ الاستراتيجية العسكرية من حيث تنتهي العقيدة العسكرية فهي فن وعلم واستخدام القوات المسلحة في مختلف الظروف لبلوغ أهداف السياسة وذلك باستخدام القوة أو التلويح بها))
  • الردع:((هي التدابير التي تتخذها دولة ما أو مجموعة دول بغية منع أو عدم تشجيع الأعمال العدوانية التي يمكن إن تشنها دولة /دول أو أية جهات معادية وذلك عن طريق بث الذعر لديها إلى حد عدم الاحتمال واهم ما يتصف به الردع هو المصداقية)).

 

ب- مبادئ الحرب

هي ناتج خبرة الحروب السابقة وما يتلائم مع الحاضر والمستقبل للمساعدة في عمليات التخطيط والتنفيذ للعمليات الحربية ولا تختلف هذة المبادئ كثيرا في معظم الجيوش ولكن قد تختلف أسبقياتها وترتيبها ولكن أكثر مبادئ الحرب نجدها في الجيش البريطاني ذو الخبرة الحربية الكبيرة وقد اعتمدها الجيش العراقي وأدناه جدول بهذة المبادئ

        

الجيش البريطاني

الجيش الروسي

  الجيش الأمريكي

انتخاب وتوخي الهدف

_ _ _ _ _ _ الهدف

_ _ _ _ _ _ _

التقدم الرصين

_ _ _ _ _ _ _

_ _ _ _ _ _ _

_ _ _ _ _ _ _

البساطة

التعاون

الأسلحة المشتركة

وحدة القيادة

العمل ألتعرضي

التعرض

التعرض

المرونة

المناورة والمبادأة

المناورة

حشد القوى

التحشد

الكتلة

الاقتصاد بالجهد

الاقتصاد بالقوة

الاقتصاد بالقوة

المباغتة

المباغتة والمخادعة

المباغتة

الأمن

الاحتياط الملائم

الحماية

إدامة المعنويات

المعنويات

_ _ _ _ _ _ _

الشؤون الإدارية

_ _ _ _ _ _ _

_ _ _ _ _ _ _

_ _ _ _ _ _ _

الإبادة

_ _ _ _ _ _ _

 

أما الجيش الفرنسي: فقد اعتمد ثلاثة مبادئ هي (حرية العمل ـ  حشد الجهد ـ المباغتة)

 

ح- القواعد الاستراتيجية الغربية:

اتفق على اعتماد القواعد الاستراتيجية التي نادى بها المفكر البريطاني الشهير(ليدل هارت) وهي:

  • مطابقة الهدف مع الإمكانيات .
  • إدامة الهدف وإدامة الزخم.
  • اختيار الاتجاه الأقل توقعا.
  • استثمار خط المقاومة الأضعف.
  • تعاقب الأهداف على محور المناورة.
  • مرونة التخطيط وتنظيم القوة بما يتلائم والظروف المتغيرة.
  • عدم زج معظم القوة (الجهد الرئيسي) تجاه عدو متمرس.
  • لا تعزز الفشل بالفشل.

 

لقد اختصرت المدرسة الفرنسية هذه القواعد وفقا لما نادى بها المفكر الفرنسي (الجنرال أندريه بوڤر) وهي.

  • الزمان (التوقيت).
  • المكان (ساحة الحرب- العمليات).
  • القوى (المادية و المعنوية المتاحة).
  • حرية العمل.
  • التفوق في المكان والزمان لكسب حرية العمل.

 

د- الاستراتيجية العليا للدولة والاستراتيجية العسكرية

 

إذا كان التكتيك (التعبئة) هو تطبيق الاستراتيجية على مستوى أدنى فان الاستراتيجية العسكرية نفسها هي تطبيق الاستراتيجية العليا للدولة على مستوى أدنى وما الاستراتيجية العليا للدولة سوى السياسة التي تسير الحرب بموجبها ويمكن التفريق وينهما وبين السياسة بان السياسة تحدد الهدف والاستراتيجية العسكرية تسعى لتحقيق ذلك الهدف وان السياسة تسعى دائما في توجيه وتنسيق إمكانيات الدولة المتاحة بغية الحصول على الهدف السياسي للحرب وتتفرع من الاستراتيجية العليا الاستراتيجيات آلاتية (الاستراتيجية العسكرية - والاستراتيجية الاقتصادية والاستراتيجية الثقافية الاجتماعية والاستراتيجية السياسية الدبلوماسية).

يتوقف نجاح الاستراتيجية العسكرية قبل كل شيء على التقدير السليم للوسيلة وللغاية وتحقيق تناسقها ويجب إن تكون الغاية مناسبة مع الإمكانيات إن المطابقة الدقيقة بين الهدف والوسيلة تحقق اقتصادا كبيرا في القوى ولكن طبيعة الحرب وظروفها الحاكمة ونقص الدراسات العلمية تجعل اكبر العبقريات عاجزة عن تحقيق المطابقة المثلى ويعتمد النجاح في النهاية على الاقتراب نسبيا من الحقيقة بالحساب  والتوقع (التنبؤ) والحسابات في الاستراتيجية ابسط وأهدف من حسابات التكتيك (التعبئة) لان العامل   الأساسي في الحرب هو أرادة الإنسان وتظهر الإرادة هذه على حقيقتها في المعارك   وليس أمام الاستراتيجية مقاومات يتغلب عليها سوى مقاومات الطبيعة والسياسة.يهدف مخططها إلى الإقلال من الإمكانيات المقاومة باستخدام عاملي الحركة المفاجئة  والحركة. والحركة عمل يتعلق بحساب ظروف الزمن والمعطيات وقدرة وسائط النقل والحركة ومقدار تدخل المفاجئة في الحقل المعنوي وتتطلب حسابات أعقد من حسابات الحقل المادي وتتعلق بشروط مختلفة تؤثر على إرادة الخصم وتختلف من حاله إلى أخرى. وتستطيع الاستراتيجية العسكرية استخدام الحركة بدل المفاجئة وبالعكس ولكن كل عامل من هذين العاملين يؤثر على الأخر إذ تؤدي الحركة إلى المفاجئة كما تعطي المفاجئة للحركة قوة جديدة ويدخل ضمنها حساب تدابير العدو المضادة.أما العلاقة ما بين الاستراتيجية العسكرية والتكتيك (التعبئة) فهي متشابكة يصعب معها إيجاد الحدود الفاصلة بينهما أثناء التنفيذ وتهدف الاستراتيجية إلى إعداد الظروف الملائمة لتنفيذ المعارك بأقل الخسائر وبأفضل النتائج وهكذا يمكن الحصول على التفوق الاستراتيجي بالوصول إلى نتيجة حاسمة دون القيام بمعارك ضارية. هدف الاستراتيجية ليس البحث عن معارك بل العمل على خلق وضع استراتيجي ملائم إن لم يؤدي بنفسه إلى النصر أي خلق أوضاعا ملائمة لمعارك تنتزع هذا النصر وبالتأكيد إن تحطيم توازن العدو النفسي ثم المادي هو الكفيل لتحقيق النصر. أما التكتيك (المعارك التعبوية) الذي لا تحكمه استراتيجية واضحة سيؤدي إلى سلسلة من المجازر البشرية بنتائج محدودة النجاح على المستوى الاستراتيجي.

 

الفصل الأول

مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حرب الخليج الثانية 1991(عاصفة الصحراء)

بلا شك كان السبب الرئيسي لاندلاع حرب الخليج الثانية (أم المعارك*) هو قيام العراق بغزو جاره الجنوبي (الكويت) في الثاني من آب عام 1990 هذا الاحتلال واجهه رفض واستهجان دولي واسعٌُ لافتقاره لمسوغات القانون الدولي والأخلاقي وكانت الأسباب الحقيقة لهذا الغزو هو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي واجهها العراق بعيد انتصاره في حربه على إيران واعتقدت القيادة العراقية إنها تعرضت لمؤامرة سياسية واقتصاديه لصالح (إسرائيل) كانت الكويت طرفا رئيسيا فيها كطعنه غادره بظهر العراق الذي يعتقد انه أنقذ دول الخليج العربية من مخطط الإطماع الإيرانية خلال حرب طويلة تكبد فيها الكثير من الخسائر البشرية والمادية وحاول أن يجعل بعض الثوابت التاريخية حجه قانونيه لضم الكويت له لان الأخيرة كانت في يوم من الأيام قضاءا إداريا من اقضية ولاية البصرة قبيل احتلال البريطانيين للعراق في الحرب العالمية الأولى.

كان رد الفعل الأميركي سريعا جدا وذو زخم قوي جدا سواء كان ذلك في (واشنطن) أو في (نيو يورك) حيث مجلس الأمن الدولي علاوة على الاتصالات الدبلوماسية الأميركية المباشرة مع معظم دول العالم المؤثرة على قرارات المجلس وكانت الخطوة الميدانية الأولى هي أقناع (العربية السعودية) باستقبال قوات اميركية وبريطانية فورا تحت ذريعة حمايتها من غزو عراقي محتمل لم تثبت الحقائق صحة ذلك ولعبت (مصر) الدولة العربية المركزية في مؤتمر القمة العربي الطارئ ذات الدور الاميركي وخرجت القمة بقرارات خارج سياقات الجامعة العربية منسجمة جدا مع القرارات والرغبات الاميركية وضاعت فرصه حل ألازمة في محيط إقليمها العربي فتصاعدت حمة الاجتماعات واللقاءات الدولية وعمليات الحشد السريع للقوات متعددة الجنسيات تحت قياد الولايات المتحدة في تشكيل أكبر تحالف دولي بعد (الحرب الكورية 1950-1953) فامتلأت السماء ضجيجا بأصوات محركات الطائرات المقاتلة والنقل من كل الجهات نحو مطارات العربية السعودية وبعض دول المنطقة كذلك سلكت حاملات الطائرات وعشرات السفن الحربية والنقل والإسناد كل طرق الملاحة البحرية نحو موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر فشكلت تلك القوات المرحلة التمهيدية لطرد العراقيين من الكويت وقد أطلق عليها اسم عمليات(درع الجزيرة) وكان ضمنها قوات عربية مصرية وسوريه وغيرها من الدول العربية والاسلامية.

أما رد فعل القيادة العراقية فكان وسطا ما بين الارتباك واللامبالاة للزخم الكبير للأحداث والقرارات الدولية ضده وسرعة الإجراءات المنفذة بحقه ومنها تجميد ارصدتة وفرض الحصار الاقتصادي عليه فورا ناهيك عن التنامي السريع للقوات التي باتت تحتشد قريبا من حدوده .

ففي الساعة 1930 يوم 12 آب 1990 أعلن الرئيس العراقي صدام حسين مبادرة غير واقعية للانسحاب من الكويت مقابل إنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية وانسحاب القوات السورية من لبنان إلا إن هذه المبادرة جوبهت فورا بالاستهجان والرفض الدوليين... وبعد أربعة أيام أعلن الرئيس نفسه في رسالة متلفزة إن قدرة العراق غير محدودة في الصمود أو في المنازلة العسكرية وان العراق بلد شجاع لا يأبه للتهديدات السافرة للولايات المتحدة الاميركية ومن سار في ركبها ولا ترهبه حركة الأساطيل الجوية أو البحرية وحوت الرسالة الكثير من العبارات القاسية للزعامة الاميركية التي اتهمها كأدوات سياسية للصهيونية.

في السابع عشر من آب 1990 صدرت أوامر لقوات الحرس الجمهوري المدافعة في ساحة العمليات الكويتية بعد احتلالها بالتهيؤ لصد اية عمليات هجومية فورية للقوات المعادية مع أجراء سلسله طويلة من الاستطلاعات والممارسات لتفادي اية مفاجاة.

بالوقت ذاته أعلن العراق عن قيامه بحجز كل رعايا الدول التي جاهرت بالعداء ضده فجوبه بحملة إعلامية و دبلوماسية عنيفة بالرغم من إن هذا الإجراء واشد منه اتخذته معظم دول  العالم في حالة الحرب ومنها الولايات المتحدة ضد مواطنيها من أصول يا بانية ثم اتخذت القيادة العراقية قرارا تكتيكيا لتأمين جبهتها  الشرقية مع إيران حين وجه الرئيس صدام حسين رسالة إلى الرئيس الإيراني (رافسنجاني) يطالبه بطي صفحات الماضي وتسوية اية متعلقات ومنها الإطلاق غير المشروط للأسرى ليتسنى للعراق الوقوف بقوه أمام العدو المشترك (أمريكا) وقد تعاملت إيران مع الموقف العراقي بدهاء سياسي واضح فهو الوقت المناسب للثأر وبسرعة نفذ العراق ما عليه تجاه إيران ومن ذلك إعادة اعترافه باتفاقية (الجزائر*) عام 1975 دون انتظار رد فعل الجانب الآخر.

في الحادي والعشرين من آب 1990 صدمت القيادة العراقية صدمة أخرى مؤلمة حيث اتخذ الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) قرارا لإرسال قوات مسلحة إلى السعودية ضد العراق والذي كان ينظر إلى (فرنسا) كشبه حليف استراتيجي ولم ينفعها احتجاجات الديغوليين في البرلمان الفرنسي وفي الخامس والعشرين من آب 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يسمح باستخدام القوة في تنفيذ الحصار الاقتصادي الشامل على العراق بالوقت الذي كانت عمليات حشد القوات الجوية و البحرية و البرية قائما و بوتائر عالية توافق ذلك مع سيل من الزيارات لوفود سياسية غير رسمية لبغداد وقد ترأس بعضها العديد من الشخصيات السياسية  السابقة كالأمين العام للأمم المتحدة (كول فالد هايم) ومرشح الرئاسة الاميركي القس (جاكسون) ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق (أدور هيث) حيث قابلوا الرئيس صدام حسين لاستطلاع جديه قراراته والرجاء بإطلاقه عددا من المحجوزين العائدين لدولهم ... ألا إن الموقف السياسي العراقي كان في تدهور مستمر بالرغم من الجهود الكبيرة التي قامت بها الدبلوماسية العراقية برئاسة (طارق عزيز) فالأصدقاء السوفيات في وضع شبه يائس والفرنسيون قد حسموا موقفهم  بالاصطفاف مع الركب الدولي بقيادة اميريكا ولم يعد للعراق سوى بعض الدول العربية كفلسطين والأردن والسودان واليمن و 70 % لمن الرأي العام العربي. وكل ما سعى إليه المبعوث السوفيات (بريماكوف) هو إقناع العراق والمجتمع الدولي بمبادرة تمثل مساعي مستمرة لنزع فتيل الحرب, أما الفرنسيون فقد اشترطوا في السابع من أيلول 1990 استخدام الحل العسكري ضد العراق بقرار بالإجماع لمجلس الأمن الدولي وتحت راية الأمم المتحدة.

 

المكونات و المرتكزات التمهيدية للاستراتيجية العسكرية العراقية لحرب 1991

لم يكن يوما موضوع احتلال الكويت مشروعاً عملياتياً قد أعد مسبقاً وفقاً لأية نظرية احتمال سياسية منذ عام 1961 عندما طالب حينذاك ٍ رئيس الوزراء الأسبق (عبد الكريم قاسم) بضم الكويت للوطن الأم العراق.

وعندما نفذ غزو الكويت من قبل جيش الحرس الجمهوري تفاجئت القيادة العسكرية العراقية (وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش) بهذا الحدث الكبير حيث لم تتطلع على نوايا العمل وتوقيتات تنفيذه ومعظم عناصر القيادة علمت بذلك من خلال أجهزة الأعلام وعندما بدأت القيادة العسكرية العليا بكل مكوناتها دراسة موضوع الدفاع عن ساحة العمليات الكويتية ولم يكن أحد يتصور حينذاك بأن الموقف العام سيتطور إلى حرب مواجهه مع الولايات المتحدة وحلفائها مع التوقع أن انسحاباً عاماً سيتم خلال مده لا تتجاوز أسبوعاً واحداً إلا إن تطورات الموقف تسارعت واتسعت كثيراً حتى تجاوزت حدود المنطق العام وتطلب إعداد دراسات تفصيلية و معمقة.

ساحة العمليات الكويتية جرت دراستها بعمق عندما صدر توجية السياسة العليا باعتبار الكويت جزءاً لا يتجزأ من العراق وجب الدفاع عنه حتى النهاية وكان موجز تحليل طوبغرافية الكويت بأنه ساحة عمليات صحراويه يشكل الخليج العربي حدودها الشرقية وتتوفر فيها عدد من الموانئ البحرية المهمة والخلجان أهمها ميناء الأحمدي وخليج الكويت وعلى قبالة تلك السواحل في القسم الشمالي منها ثلاث جزر هي (فيلكا ـ وربه ـ بوبيان) حيث تدخل ضمن حسابات الدفاع الساحلي أو تجاه الدفاع عن الموانئ العراقية جنوب البصرة.

تعتبر عارضة المطلاع: وهي عبارة عن سلسلة تلول كلسية بيضاء تؤمن الدفاع شمال مدينة   الجهراء وشمال غرب العاصمة (الكويت) وتشكل المناطق الحضرية ومنطقة الكثبان وسط جنوبي الكويت معوقات لحركة القوات الثقيلة.

أما المطارات والقواعد الجوبة (مطار الكويت الدولي ـ قاعدة أحمد الجابر ـ قاعدة علي السالم) والطرق الموصولة بها تؤمن تسهيلات للصولات الجوية المعادية إلا إن المعضلة ستكون في انفتاح القوات المدافعة في أراضي مكشوفة حيث لا تتيسر الأستار الكافية لهذا الغرض. أما القسم الغربي من ساحة العمليات فيشكل وادي حفر الباطن العارضة الاساسية فيه ويؤمن تسهيلات لتسلل قوات كبيرة من خلاله نحو الحدود العراقية.

أما خلاصه تقدير موقف الاستخبارات فيشير إلى أن جدية القرارات وسرعة تنفيذها سواء الصادرة من مجلس الأمن الدولي أو من الإدارة الاميركية يؤهل الولايات المتحدة من تشكيل تحالف عسكري دولي يؤمن القوات الكافية لتحقيق التفوق المطلوب للتعرض على ساحة العمليات الكويتية و أن نوعية هذه القوات سيعطيها مضاعف قوى خطير إلى جانب تيسر الإعداد اللازمة لشن التعرض إلا إن القوات الثقيلة وهي قد تشكل 60 % من القوات المتوقع حشدها أمام هذه الساحة تحتاج إلى فصل الشتاء للحصول على تماسك ملائم لرمال الصحراء وعليه من خلال حساب سرعة عمليات التحشد فأمام الولايات المتحدة مدة لا تقل عن اربعة اشهر لإكمال تلك العمليات ابتداءً من الأول من أيلول 1990 على أقل تقدير بما فيها القوات البحرية التي يمكن إن تضم جميع حاملات الطائرات الاميركيه والبريطانية والتي ستتحشد مع باقي القطع البحرية (القسم الأكبر منها في مياه الخليج العربي و القسم الأصغر في البحر الأحمر) أما عمليات الإنزال البحرية المتوقعة تتطلب احتلال جزيرة (فيلكا) أولاً ثم جزيرة (بوبيان) ثانيا ويمثل مينائي الأحمدي و الشعيبية وخليج الكويت مناطق ملائمة لتلك الانزالات والخطورة تكمن في الفيلق 18 الاميركي وهو فيلق محمول جوا يتألف من (الفرقة 82 ـ والفرقة    101والفرقة المدرعة 24).

 

تقدير الموقف الاستراتيجي العسكري العراقي تلخص بما يأتي:-

  • تنقسم ساحة العمليات الكويتية إلى أنواع غير متجانسة (بحرية - صحراوية -  مناطق حضرية - الخ) مما يتطلب إعطاء كل مكون من العوارض الأرضية إلى فيلق كقاطع عمليات وان تقدير الواجبات والمهام يتطلب أنفتاح كامل القوات البرية العراقية عدا قوات الحرس الجمهوري التي ستشكل الاحتياط الاستراتيجي.
  • يتطلب تعزيز الدفاعات الساحلية بقدرات القوة البحرية العراقية ومنها ضرورة إنشاء حقول ألغام بحرية ثابتة وحرة قدر الامكان لإبقاء القسم الأعظم من سفن العدو بعيدة عن أهدافها.
  • يتطلب الانفتاح أقصى ما يتيسر من إمكانيات الدفاع الجوي والقوة الجوية في هذه الساحة لأنها ساحة مفتوحة وللعدو إمكانية تأمين موقف جوي بأعلى درجات التفوق.
  • تدعو الحاجة إلى تقليص الجبهات وزيادة شدة التوقيف للموانع المختلطة من الألغام المتنوعة وحقول النار (عبارة عن خنادق تملئ بالوقود يحرق عند إقتراب العدو) و الأسلاك و المعرقلات السلكية.
  • تدعو الحاجة إلى تشكيل احتياط كبير في ساحة العمليات العراقية.
  • ستكون القواعد الجوية العراقية والمطارات أهداف أولية للقوات الجوية المعادية.
  • المنشات النفطية في الكويت والعراق تتطلب قوات لحمايتها والقرار على تدميرها أو إبقائها عند الضرورة يحتاج موافقة القيادة السياسية.
  • إن إعداد ساحة العمليات الكويتية يستنزف كل طاقات وزارة الدفاع واستخدام جهد الدولة خاصة وزارات (النقل ـ الري ـ النفط ـ الزراعة) ضرورة لا غنى عنها.
  • إن المقترح الأولي للانفتاح العام للقوات العراقية في ساحة العمليات الكويتي كآلاتي:-

 

أولا: الفيلق الثالث: قاطع عملياته (الحدود الكويتية السعودية ـ الساحل القسم الجنوبي   منه ـ  الوفرة ـ  الأحمدي ـ  العاصمة الكويت ـ  المنيفيس).

ثانيا: الفيلق الرابع : قاطع عملياته (هضبة المطلاع ـ  السالمي).

ثالثا: الفيلق الثاني:قاطع عملياته (القسم الشمالي العبدلي ـ الروضتين ـ  أم العيش).

رابعا: الفيلق السادس + القوه البحرية: قاطع عملياتهما (الجزرفيلكا ـ وربه ـ بوبيان ـالموانئ العراقية البكر ـ الفاو ـ البصرة ـ أم قصر ـ القسم الشمالي من الساحل الكويتي).

خامسا: الفيلق السابع: قاطع عملياته القسم الشمالي الغربي العمليات.

سادسا: جيش الحرس الجمهوري: وفقا لتوجية القائد العام للقوات المسلحة احتياط استراتيجي في القسم الشمالي من ساحة العمليات ولا يستخدم إلا بأمر منه.

سابعا:الفيلق الأول ـ الفيلق الخامس: احتياط عام ضمن قواطع عملياتهما في العراق.

 

عقدت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية سلسلة من الاجتماعات أقرت فيها خطة الانفتاح الأولية وأصدرت الأوامر بتبديل قوات الحرس الجمهوري بقوات الجيش  وكان ذلك يوم الأول من أيلول 1990 على أن تنجز عمليات التبديل والانفتاح مدة أقصاها الأول من تشرين الأول 1990. وكانت مرتكزات الاستراتيجية العسكرية العراقية قد تحددت بما يأتي:

  • القبول بخوض الحرب مع الولايات المتحدة وحلفائها دفاعا عن الحق المشروع للعراق بالدفاع عن أراضيه وشرفه في ساحة العمليات الكويتية كجزء لا يتجزأ من العراق والى أي مكان تمتد إليه الحرب.
  • التركيز في الخطة الدفاعية على المعركة البرية التي يخشاها العدو كثيرا كاحتمال قوي وأطالة مدة الحرب إلى أقصى مدى ممكن.
  • تفادي تأثير الضربات الجوية والصاروخية والى الحد الأدنى وتامين أقصى حماية ممكنه للقوات المدافعة من وسائل الدفاع الجوي الايجابي (مختلف الأسلحة المتيسرة) والسلبي (حفر المواضع وأعمال التموية)
  • تشكيل قوه ردع قويه قوامها سلاح صواريخ أرض ـ أرض وعدد من الطائرات المقاتلة يقودها طيارون انتحاريون لضرب حاملات الطائرات الاميركية إذا عجزت الوسائط البحرية من التعرض عليها ومن الأهداف المحتملة أهداف منتخبه في (إسرائيل) المستفيدة الأولى من الحرب على العراق مع تهيئة عدد من الصواريخ والطائرات لاستخدام الأسلحة الكمياوية عند الضرورة.

 

في السابع و العشرين من أيلول/ سبتمبر/1990 تكامل أنفتاح 75% من قوات الجيش العراقي في ساحة العمليات الكويتية مما سمح لقوات الحرس الجمهوري بالحركة إلى شمال ساحة العمليات كاحتياط إستراتيجي ثم بدأت اكبر عمليات شهدها الجيش العراقي بوقت قصير لأعداد ساحة عمليات كبيرة لأغراض المعركة الدفاعية تجاه تعرض معادي يشترك فيه أعظم جيوش العالم فأستخدم جهد الدولة الهندسي و الإداري لهذا الغرض و قد خصصت مساحة 120 كم مربع  كأصغر منطقة انفتاح لمستوى لواء مدرع لتقليل تأثير الضربات الجوية مع أخفاء كامل للأسلحة و الدروع تحت مستوى سطح الأرض (مواضع الاختفاء) فعملية إعادة انتشار جيش تعداده يصل إلى 850 ألف مقاتل بعد إعلان النفير العام (تم تشكيل 20 فرقة إحتياط) في جميع فروع القوات المسلحة العراقية مع آلاف الدروع والمدافع و أسلحة الدفاع الجوي و الصنوف الساندة و القوات الجوية والبحرية في العراق والكويت عملية شاقة ومكلفة جدا و الكل بين مصدق أو مكذب لفرضية الحرب و ضغطت القيادة السياسية و من خلال القيادات الحزبية أقصى ضغط فكري لقبول فكرة الحرب مع الإشارة للمنافع الاقتصادية الكبيرة التي سيحصل عليها الشعب العراقي في حالة كسب الحرب و لعب السياسيون و بعض القيادات العسكرية دورا كبيرا و من خلال وسائط الإعلام الخارجية و الداخلية بالاستخفاف بقدرة الأعداء على خوض حرب ناجحة و طرقت طبول الحرب عالياً و كانت بعض التسريبات لبعض أعضاء القيادة السياسية تشير إلى إن الحرب لن تقع و خاصة من قبل عناصر قيادية مقربة من الرئيس كـ (حسين كامل و علي حسن المجيد و غيرهم) مع الإيحاء بأننا نمتلك أسلحة ردع ، ضن الكثير من الشعب و المقاتلين بأننا نمتلك سلاحا ذريا أو ما شابه ذلك.

في الحادي و العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر/1991 أعلن التلفزيون العراقي عن عقد اجتماعين للقيادة العامة على أثرها طلب من الوحدات أجراء سلسلة من الاستطلاعات الميدانية المفصلة على جميع المقتربات المحتملة لتقرب العدو حيث توفرت معلومات دقيقة عن العدو من خلال استنطاق ثلاثة أسرى من المقاتلين  الفرنسيين أحدهم برتبة نقيب عندما وقعوا أسرى في أحدى الكمائن العراقية المتقدمة حيث علم بأن الخط الأمامي للقوات المتحشدة تبعد عن الحدود الدولية بمسافة لا تقل عن 40 كم و أن عدد القوات المعادية التي أكملت تحشدها في السعودية بلف 350 ألف مقاتل مع 1200 دبابة و مدرعة و ما يزيد عن ألف طائرة مقاتلة عدا طائرات النقل و مئات من طائرات الهليكوبتر المسلحة و النقل و إن أكثر من 70 طائرة قصف استراتيجي (B52) استقرت في قواعد ( دي غارسية. جبل طارق. بعض القواعد الأميريكية) مما أدى إلى فرضية قيام العدو بالتعرض خلال  مدة غير طويلة.

لقد شعرت القيادة السياسية العراقية بإحباط شديد لنتائج مؤتمر باريس الذي حضرته 34 دولة ضمنها الاتحاد السوفياتي و دول الكتلة الاشتراكية لأعلان نهاية الحرب الباردة و هذا يعني المزيد من الأخبار السيئة التي تنتظر العراق في مرحلة هو اشد الحاجة فيها إلى أصدقاء و من يقوى منهم على تفتيت التحالف السياسي و العسكري بقيادة أمريكا مما أضطر القيادة العسكرية العليا إلى سحب سبع فرق قتالية من شمال و شرقي العراق و قبول المجازفة و زجها في ساحة العمليات الجنوبية لإجبار العدو على تأخير هجومه لحاجته لرفع نسبة التفوق الميداني مما دعى إلى أعادة أنفتاح فيالق الجيش العراقي و بضمنها الفيلق الأول و الفيلق الخامس ليرتفع تعداد القوات المدافعة في الكويت وجنوب البصرة إلى 750 ألف مقاتل ضمنها جيش الحرس الجمهوري.

يوم الثالث و العشرون من تشرين الثاني/نوﭭمبر/ 1990 عرضت الخطة الإستراتيجية للدفاع عن ساحة العمليات الكويتية تجاه تعرض محتمل لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادات الحرس الجمهوري (الاحتياط الاستراتيجي) و كانت هناك مناقشة مفتوحة حول الخطة و أن كاتب هذه السطور أشار إلى جملة من السلبيات أهمها:-

 

  • أن الاعتماد على استراتيجية الحرب البرية تجاه استراتيجية الحرب الجوية البرية ذات المناورة العميقة التي تعتمدها الولايات المتحدة و حلفائها الغربيون يعني إن ذروة الهجوم المعادي ستكون خارج ذروة الدفاع (عمق الدفاعات) لاعتماد العدو على إنهاك وتثبيت القوات المدافعة بسلسلة طويلة من عمليات القصف الاستراتيجي و التكتيكي (تعبوي) لتحديد حرية حركتها و أطلاق حرية العمل له لما يمتلكه من قابلية عالية على الحركة على محيط دفاعاتنا و بإسناد جوي كبير تشكل الهليكوبترات المقاتلة جزءاً مهماً يجمع ما بين قابلية الحركة و القوة النارية.
  • أستشهد بمقولة المارشال الألماني (روميل) عندما كان قائدا للجبهة الغربية (ب) عام 1944  (أن من أمتلك التفوق الجوي جعل أسلحة خصمه كالسيف و القوس ) وعليه ينبغي الطلب من القيادة العليا بإعادة تقييم أهدافها العملياتية و التنازل عن هذه الصحراء المترامية الإطراف و التركيز على حرمان العدو من قدرته على احاطة ساحة العمليات من الجانب الغربي نحو جنوب العراق و هذه مناورة أكيدة لا محال منها. وعليه التركيز على جزيرتي وربة و بوبيان و القسم الشمالي (حقول النفط) و اعتماد عارضة المطلاع كمركز لدفاعاتنا.
    وإجبار العدو على خوض سلسله من معارك المدن منها  في العاصمة الكويت   والجهراء مع تدمير كافة المطارات و القواعد الجوية والاعتماد على القوات   الخاصة  والمشاة لمثل هذه المعارك أما القطعات المدرعة فينبغي إن تدافع في العمق  وبمجموعات صغيرة للحيلولة دون تشكيلها أهدافا ملائمة للضربات الجوية مع   ضرورة تأمين دفاعات بالعمق العراقي على مستوى جحافل ألوية تنفتح في مفاصل   مهمة ما بين شط العرب شرقا حتى قاعدة (علي بن أبي طالب) في جنوب الناصرية  غربا لإحباط أية احاطات معادية مدرعة بالتعاون مع القوات المحمولة جوا للفيلق 18 الأميركي. وأخيرا أن الخطة استبعدت الضربات الجوية الاستراتيجية في العمق  العراقي وليس معقولا أن الضربات الجوية ستنفذ في ثلاثة أيام كما جاء في الخطة بل المنطق إنها ستكون الأساس في تفتيت صلابة المدافعين قبل التعرض البري لمدة لا تقل عن شهر واحد ليتناسب ذلك مع حجم القوات المدافعة.
  • إن المشكلة الأساسية في هذه الخطة تكمن بهيمنة تجربة الحرب مع إيران في حساباتها تجاه أعلى مستويات جيوش حديثة عرفها تاريخ الحرب المعاصر للحرب القادمة وأن دورة العمليات الدفاعية ستكون عاجزة عن التنفيذ نتيجة للتفوق الجوي الساحق لصالح العدو مما سيقيد حركتنا مقابل حرية مطلقه له بالمناورة. أن الاقتراب غير المباشر جزء أساسي من عقيدة الجيش الاميركي والتفتيت لمنظومة دفاعاتنا أسبقية استراتيجية في قواعد العمل المعتمدة لديهم والخطة برمتها تحتاج إلى الكثير من المراجعة.
    وفقا لطبائع السلوك العسكري العراقي اعتبرت هذه الملاحظات غير مقبولة وأخذت  طابع سياسي وغير ذلك نحن لسنا بصدده.

 

ليلة 29/30 تشرين ثاني/نوﭭمبر/ 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بتوجية إنذار نهائي للعراق للاستجابة لكل القرارات السابقة الصادرة من الأمم المتحدة وخاصة القرار الخاص بالانسحاب الفوري من الكويت ومنح العراق مدة 45 يوما كحد أقصى للتنفيذ ويصادف ذلك في الخامس عشر من كانون الثاني 1991 حسب التوقيت المحلي للمنطقة وبخلافه تخول قوات التحالف الدولي بشن الحرب لتنفيذ القرار. وفي الثاني والعشرين من كانون الأول 1990 بلغت الحشود المعادية معدلات كبيرة تؤهلها من شن الحرب (400)ألف مقاتل (4000) دبابة وعجلة قتال (600) هيلكوبتر مسلحة ونقل (2000) طائرة مقاتلة وإسناد (400) قطعة بحرية بضمنها سبع حاملات طائرات مع احتمال لاشتراك القوة الجوية الاسرائلية بالقتال عند الحاجة.

لقد ضم التحالف العسكري الدولي وحدات وقوات ل(28) جيش دولي. عند ذلك رأي القائد العام العراقي (الرئيس) ضرورة تعيين وزير دفاع جديد يتمتع بخبرة عسكرية أكاديمية وعملية جيدة بدلا من الوزير السابق الذي عين مؤقتا (الجنرال عبد الجبار شنشل) بعد وفاة وزير الدفاع الأسبق (الجنرال عدنان خير الله) الذي قتل في حادث طائره في الرابع من مايس عام 1989 . أسباب التبديل المعلنة لتجاوز العمر القانوني (كبر السن) وان اختياره وقع على الفريق أول (جنرال) سعدي طعمة الجبوري وصدر مرسوم جمهوري بذلك يوم 22 كانون الأول 1990 وكان هذا الرجل يشغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة إلا أن فرص استثمار كفاءاته محدودة لعده أسباب أولها أنه غير قادر على تبديل أوضاع ميدانية وصلت إلى ذروتها ويفصلها عن نهاية الإنذار بشن الحرب سوى ثلاثة أسابيع تقريبا وثانيهما إن هذا الرجل شديد الانضباط ولاعتبارات إنسانية يصعب عليه أبداء  وجهات نظر لتعديل خطط نزلت عميقا في الميدان وهو في صدمة حدث تعينه بشكل مفاجئ لهذا المنصب الكبير وقد يكون في قراره نفسه يعلم أنه كبش الفداء العظيم للخسارة المضمونة التي لاحت في الأفق القريب. وإذا كان هناك نصر فهو ليس له ومن شاهده في تلك الأيام شعر بقلقه البائن للآخرين وكان يشعر آنذاك بمنافس شديد وقوي جدا لقرابته من الرئيس إلا وهو (حسين كامل).

الغريب أن صلابة التعنت للقرار السياسي العراقي بلغت ذروتها عند فشل لقاء (طارق عزيز) و(جيمس ببكر) وزير خارجية أميركا لدرء الحرب في التاسع من كانون الثاني 1991 .يقابل ذلك فشل المساعي السوفياتية برمتها وقبل نهاية الإنذار بثلاثة أيام منح الكونغرس الاميركي باغلبية ستة أصوات الضوء الأخضر للحرب وبدعم كامل للرئيس (جورج بوش).

يوم 15 كانون الثاني 1991 يوم نهاية الإنذار زار الرئيس صدام حسين القوات العراقية في ساحة العمليات الكويتية وهو بمعنويات عالية وعند الساعة 1800 نظر إلى ساعته وهو يتفقد بعض الدفاعات العراقية الساحلية ثم رفع رأسه مبتسما فقال كلمة واحدة (( أينهم ؟ )) وحين زار إحدى المقرات الميدانية للحرس الجمهوري وجه سؤالا إلى الفريق الركن (الجنرال أياد الراوي) قائد الحرس الجمهوري عن نسبة توقعه للهجوم الذي انتهت مدة إنذاره اليوم أجاب أن الهجوم المعادي يقع باحتمالية لا تزيد عن واحد بالألف  وبالتأكيد هذا الاستبعاد غير المنطقي للحرب ناتج عن الملاحظات المخطؤة التي استمعها هذا القائد من بعض القيادات السياسية كـ (حسين كامل و علي حسن المجيد) اللذين كررا كثيرا عبارة ((إن الحرب لن تقوم)) ولا يختلف اثنان بشجاعة ونزاهة وعدالة هذا القائد إلا انه كمعظم القادة العراقيين لا يهتمون كثيرا بالثقافة الإستراتيجية للحرب والتسليم للرأي السياسي بشكل مطلق.

 

إلا أن التوقيت الحقيقي لمدة الإنذار انتهت عند الساعة 830 يوم 16 كانون الثاني 1991 بالتوقيت الاميركي ولم تنتظر قوات التحالف كثيرا ففي الساعة 230. يوم 17 كانون الثاني 1991 بالتوقيت المحلي للخليج العربي سقطت أولى مقذوفات طائرات الشبح والصواريخ الجوالة على أهداف مختلفة في بغداد. عندها بدأت عاصفة الصحراء بمرحلتها الأولى من الحرب  وهي سلسلة طويلة من القصف الاستراتيجي والتكتيكي (الميداني) الذي دام (39) يوما بلياليها شمل ساحة الحرب برمتها (العراق- الكويت) حيث ألقت طائرات القصف الاستراتيجي والتعبوي كالطائرة  B1- B2 - B52 – F117  والتورنيدو- (-  F111  F 16 ) أكثر من مائه ألف طن من القنابل وأكثر من (400) صاروخ جوال بعيد المدى فوق العراق أما قوات الميدان فقد نالتها مئات الألوف من المقذوفات المسيرة والاعتيادية ومقذوفات المدافع البرية ومدافع البوارج البحرية ذات  العيارات الكبيرة (420 ملم) ولعبت الطائرة القديمة المحدثة A 10  والهليكوبتر المسلحة (الاباشي) دورا رئيسيا في تدمير دروعنا وأسلحة دفاعنا الجوي ومدافعنا الثقيلة حيث أدت هذه السلسلة الطويلة من الهجمات الجوية والصاروخية إلى تفتيت صلابة مقاتلينا وكان معدل خسائرنا الإجمالي بالقصف الجوي والصاروخي وصلت إلى 25 % للاحتياطيات الرئيسية و 10 % للوحدات العامة أما الإصابات المعنوية أكثر بذلك بالطبع مقابل إسقاط (134) طائره سقط منها على القطعات المدافعة (86) طائره مع عشرات من الصواريخ الجوالة معظمها أسقطتها بطريات الدفاع الجوي الموجهة والباقي أسلحة الدفاع الجوي الحرة وثلاث طائرات أسقطت بالقتال الجوي.

أما الضربات الصاروخية لصواريخ الحسين العراقية أرض- أرض ذات المدى المتوسط (650كم) فقد أصابت عدة أهداف حيوية في (إسرائيل) والسعودية وبعض أقطار الخليج وكانت إحدى الإصابات مؤلمه للجانب الاميركي عندما قتل وجرح احد تلك الصواريخ أكثر من مائة اميركي ضمنهم (29) طيار في قاعدة الظهران الجوية. واصل هذا الصاروخ (الحسين) الصاروخ السوفيتي (سكود B) ذو المدى (280 كم) الذي طورته مصانع التصنيع العسكري العراقية في حين فشلت البطريات الصاروخية المضادة (باتريوت) في التصدي الفعال ضدها.

حاولت القيادة العراقية استدراج قوات التحالف للمعركة البرية بأسرع ما يمكن حين طال انتظار تلك المعركة مع زيادة خسائرنا  بالضربات الجوية سواء المادية أو المعنوية مما دعى القائد العام (الرئيس) زيارة الفيلق الثالث بقيادة الميجر جنرال (اللواء الركن صلاح عبود) وطلب منه شن هجوم بمستوى فرقه لاحتلال مدينة الخفجي السعودية ومينائها لغرض إغراء العدو وجره إلى الحرب البرية ووقع الاختيار على الفرقة الآلية الخامسة بقيادة (العميد الركن ياسين المعيني).

وبإسناد الفرقتين الثالثة المدرعة والأولى الآلية بقيادة (العميد الركن حسن زيدان والعميد الركن حسين حسن) وكان ذلك يوم الثلاثين من كانون الثاني 1991 ونجحت الفرقة الخامسة من الاحتلال المؤقت للهدف ونتيجة للقصف الجوي والمدفعي الشديد انسحبت هذه الفرقة يوم الثالث من شباط 1991 دون تحقيق هدف جر العدو للمعركة البرية وكانت خسائرها (650) مقاتل وقع ما يقارب من (500) منهم أسرى بيد العدو مقابل أسيرين اميركين احدهما مجندة. وبعد عشره أيام ارتأت القيادة العراقية  تكرار العمل لاستدراج العدو للمعركة البرية وكانت الخطة تقضى بقيام جيش الحرس الجمهوري (ثمانية فرق) بالتعرض نحو العمق السعودي  لمهاجمة العدو في قاطع (المشعاب والخفجي) إلا أن معضلة حركه قوات كبيرة في ميدان صحراوي مكشوف تحت تفوق جوي معادي لمسافة تزيد عن (200كم) تعني عملية انتحار جماعي لأفضل القوات المدافعة وبعد مداولة دامت يومين نقل قائد الحرس الجمهوري رأي القادة الميدانيين بضرورة صرف النظر عن هذه الخطة المضمون فشلها واخذ بهذا الرأي في القيادة العليا وهذه أول مره يحدث مثل هكذا نقض لخطه منذ عام 1980.

 

بعد 39 يوما من القصف الجوي والمدفعي والبحري أي ليلة (24 شباط 1991*)  شنت قوات التحالف هجومها البري الواسع وأساس هذا الهجوم قوه المناورة الواسعة من الغرب حيث وصلت قطعاتها الأمامية نهر الفرات مع مناورة متوسطة المدى (الجهد الثانوي) التي استهدفت الاحتياطيات المركزية مع هجوم بامتداد الساحل للخليج باتجاه مباشر نحو المدن الرئيسية.

إلا أن القيادة العراقية استشعرت بخطر عزل وتطويق القوات الرئيسية في ساحة العمليات الكويتية فأصدرت أمرا سريعا وحاسما وغير متوقع بالانسحاب الفوري نحو الأراضي العراقية ضمن قاطع البصرة والدفاع هناك على عجل فنفذ الانسحاب بشكل مرتبك جدا (كيف ينسحب جيش كبير فور استلامه أمر الانسحاب قد حرم بالأساس من مجرد التفكير بالانسحاب ناهيك  عن سلسلة طويلة من استحضارات الانسحاب التي تحتاج القوات إليها كتهيئة مواضع الإعاقة ومواضع الدفاع بالعمق وفتح الطرق الخاصة بالانسحاب) ومناورة

كهذه من اعقد وأصعب  العمليات الحربية التي تمارسها الجيوش في الميدان وعليه كان الانسحاب أشبه ما يكون بالهزيمة الكبرى فتركت القطعات المقاتلة أثقالها ومواد تموين قتالها (الذي تحتاج  إلى عده ليالي لترقيقها إلى الخلف) وليس أمام هذه القطعات إلا ساعات فشكلت هذه (أي القطعات) أهدافا كبيرة سهلة المنال للقوة الجوية للتحالف فأصبح الطريق المركزي (الجهراء- العبدلي)يدعى بطريق الموت وقد طاردتها القوات المعادية ولكن بحذر وكانت هناك قوات عراقية أجبرت على القتال بمطار الكويت وبعض أجزاء من العاصمة لأنها لم تتمكن من الانسحاب أو لم يصلها الأمر. إلا إن معدل عام مقداره 70% من القوات المنسحبة من ساحة العمليات الكويتية نجت من الموت أو الأسر حين عبرت الحدود نحو العراق إلا إن 50% من هؤلاء فقدوا أرادتهم على القتال نتيجة أسباب عديدة منها صدمة المعركة والإعياء والنسبة العالية بالإصابات. إلا إن قوات الحرس الجمهوري كانت بقدرات قتاليه ومعنوية جيده فتصدت للقوات المطاردة بقوه فدارت معارك شديدة يومي 26/27 شباط إلا إنها تكبدت خسائر كبيرة جراء القصف الجوي وضربات طائرات مقاومة الدروع كالاباتشي ذات التأثير الفعال جدا على دروعنا وعند الساعة 800. يوم الثامن والعشرون من شباط أعلن الرئيس الاميركي (جورج بوش) وقفا للعمليات الحربية وإعلان انتهاء الحرب في الميدان بعد (43) يوما بلياليها تكبد الجانب العراقي خسائر فادحة في أسلحته ومعداته وما يزيد عن مائتي ألف أصابه مختلفة وما يزيد عن 60 ألف أسير.... وعندما انصرفت قوات التحالف لمرحلة إعادة التنظيم واجهت القوات العراقية ستة أسابيع أخرى لقمع الانتفاضة الشيعية في المنطقة الجنوبية والمدعمة بشكل مباشر من قبل العدو القديم إيران والتمرد الكردي في شمالي العراق.

 

الخلاصة

خير من يوصف مأزق الاستراتيجية  العسكرية العراقية في حرب الخليج الثانية عام 1991 رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول (جنرال) حسين رشيد التكريتي* حين سأله احد الأصدقاء عن وصفه  لما حدث؟ أجاب (( كأننا وسط دوامه بحريه هائلة أخذتنا عميقا حتى لامست أقدامنا قاع البحر إلا إن الحظ الحسن أدركنا أخيرا حين وجدنا أنفسنا نصف غرقى متشبثين بقطع خشب طافية)) عين الفريق أول (جنرال) حسين رشيد رئيسا لأركان الجيش بدلا من (الجنرال) نزار الخزرجي الذي أبدى تحفظات كثيرة في الحرب مع أميركا.

إلا انه يمكن إجمال عناصر ذلك المأزق بما يأتي :

  • إن القيادة السياسية (الاستراتيجية العليا) العراقية حددت أهدافا كبيرة جدا فاقت قدرة القوات المسلحة العراقية لتحقيق تلك الأهداف إي عدم (مطابقة الإمكانيات مع الأهداف).
  • مركزية القائد السياسي امتدت إلى آلية صنع القرار العسكري الاستراتيجي كونه قائدا عاما للقوات المسلحة  وهو لا يمتلك المؤهلات الكافية لهذا المستوى الرفيع وغالبا ما يفصح أمام القادة والمخططين عن مسلك العمل الذي يرتأية للوصول للهدف المراد فيصعب على هؤلاء البحث عن البدائل الأنسب لأسباب إنسانية محظة كالخوف من سطوة القائد السياسي أو السعي لإرضائه وما يتبع ذلك من فوائد شخصيه محتملة والقليل جدا من يجازف بحكم الضرورات الوطنية.
  • دورة السياسة والحرب شبه متعذرة بالنمط العراقي لعدم وضوح  المدى الحقيقي للدور السياسي في قرار الحرب وإدارتها.
  • التحديد والتقليص المستمر لصلاحيات القيادة العسكرية نزولا إلى صلاحيات القادة الميدانيين. (الخوف من التآمر السياسي).
  • انهيار قيمة الردع للأسلحة العراقية ذات التدمير الشامل (استخدام الأسلحة الكيمياوية وبوسيلة إيصال الصواريخ / الطائرات) عندما أعلن الخصم انه سيستخدم السلاح النووي. إذا ما ثبت له استخدام السلاح الكمياوي من قبلنا.
  • قصور عام في التثقيف الإستراتيجي للمستويات المسؤولة عن التخطيط للحرب أدى إلى قبول المجازفة بأدنى التحفظات وفهم خاطئ لعقل الخصم ومما زاد في ذلك افتقار القيادة العسكرية العليا إلى مراكز بحوث استراتيجيه تغذيها بالكثير من المعلومات والاستنتاجات الضرورية ومنها البدائل علاوة على تعطيل دور جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا في خدمة آلية التخطيط للحرب.
  • كان السعي لتوظيف خبرتنا الكبيرة المحصلة من الحرب الطويلة مع إيران ضد عدو يختلف اختلافا جوهريا وضمن بيئة صراع ذات معايير تقنية عالية كاد يكون عقيما ولم يثمر ذلك السعي إلا في نتائج محدودة.
  • إن القرار السياسي العراقي قد حرم نفسه من الفسحة الضرورية للمناورة على المستوى الاستراتيجي فبدوره حرم الاستراتيجية العسكرية العراقية من البحث عن بدائل معقولة بل جعلها في الاتجاه  الخاطئ المؤدي إلى الهاوية.
  • إن الاتصال بالقائد العام يشوبه الكثير من الصعوبات والمعوقات المعنوية والمادية حالت دون استيفاء العديد من المعضلات المناقشة الضرورية مما أدى إلى إصدار قرارات ذات نهايات سائبة أدت بدورها إلى ثغرات ميدانيه لصالح العدو. ناهيك عن بعض الملاحظات الشخصية للقائد العام حول بعض القضايا تمتاز بالكثير من القدسية غير المبررة وفقا لطبائع السلوك للمحيطين به يصعب على المخططين الفكاك منها.
  • للفجوة الواسعة بالإمكانيات مابين الطرف العراقي والطرف المقابل في مجال جمع المعلومات الضرورية حرمت المخططين الاستراتيجيين و الميدانيين العراقيين من المعلومات الضرورية للتخطيط وعليه كان الاعتماد على الافتراضات لإملاء ساحة المجهول الواسعة.
  • الافتقار إلى منظومة القيادة والسيطرة الحديثة للجانب العراقي. جعل من موضوع التعديل على الخطط شبه متعذرا وعلى سبيل المثال إن بعض الدروع الاميركية قد سارت فوق مقر ميداني عراقي يوم 27 /شباط/فبروري كان يعقد فيه اجتماع ميداني لتدارس موقف على ضوء أوامر ذات معطيات قديمة ونجوا هؤلاء من الأسر بأعجوبة.
  • كان الأسوأ هو التقييم السياسي العام للحرب بعدم قبول الولايات المتحدة الاميركية فرضيه الحرب المباشرة على ضوء تجربتها الفاشلة في فيتنام وان ما يحدث (عمليات الحشود العسكرية يصب في موضوع (سياسة حافة الحرب) للضغط على القرار السياسي العراقي مع اعتماد ملاحظات مخطوئة من قبل بعض الوفود الدولية غير الرسمية التي زارت العراق خلال تطور الأزمة (بأن الحرب لن تقع والبديل هو الرضوخ الاميركي لإغراءات النفط العراقية الكويتية).

 

ب- مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حرب (حرية العراق) عام 2003

 

بعد إن وضعت الحرب السابقة (حرب الخليج الثانية) أوزارها في الثامن والعشرين من شباط 1991 أتضح عدم اكتمال نتائجها السياسية لاستمرار النظام السياسي العراقي بزعامة الرئيس صدام حسين في الحياة بقوة وقادرا على التواصل مع محيطه الإقليمي وقد اكتسب قدره معنوية عالية واحترام لصموده تجاه اكبر قدره عسكريه عالميه بقيادة الولايات المتحدة الاميركية بعد الحرب الكورية ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها حاله الإحباط العام التي يعيشها الشعب العربي من المحيط إلى الخليج لنجاح المشروع الصهيوني في دعم (إسرائيل) على حساب الحقوق العربية  والمسند بقوة من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. فصمود العراق كان بارقة الأمل التي أضاءت أفقهم المظلم وظنوا إن هناك قدره  على التحدي وإشارة قويه تجلب انتباه الغرب إليهم عسى إن يعدل في سياسته لصالحهم وكانت الحرب في نظرهم أيضا إثبات لذاتهم المغيبة منذ تاريخ طويل. فهذا يفسر ظاهره هيجان عواصف العاطفة العربية المؤيدة للعراق مع نجاح القيادة العراقية بصدق نواياها أو كذبها بربط قضيه الحرب بالموضوع الفلسطيني.

إن الحريق السياسي والأمني الذي نشب في أربعة عشره محافظه عراقية من اصل ثمانية عشره في اليوم التالي لانتهاء الحرب قد تم إطفاءه بسرعة وخلال ستة أسابيع متواصلة تمكن النظام السياسي العراقي بعدها إعادة سيطرته وسطوته على جميع المناطق التي خرجت عن السيطرة مخيبا بذلك ظن الدوائر المعادية له والتي توقعت سقوطه كثمره ناضجة تسقط تلقائيا من غصنها. إن سوء التقدير للسياسة الاميركية حملت الرئيس (جورج بوش) مسؤولية أخلاقية تجاه المنتفظين الذين قمعوا بشده سواء في شمال العراق وجنوبه لأنه كان المحرض الأساسي لاندلاع انتفاضتهم الواسعة من خلال خطابه السياسي والإعلامي الموجه للشعب العراقي للانتفاض على

حكومته عند نهاية الحرب وبغض النظر عن التخطيط والدعم والتدخل المباشر الإيراني لتلك الانتفاضة في المناطق الوسطية والجنوبية للعراق إلا أن المسؤولية وقعت بكاملها على الرئيس الاميركي مما دعاه ذلك لإعادة تدخله بالموضوع العراقي

بإعلان المنطقة الشمالية من العراق ذي الأغلبية الكردية ملاذا آمنا لمن خرج عن السلطة العراقية مع منع الطيران العراقي من الحوم فوقها أي فوق خط العرض 36 ْْ فما فوق ثم أضاف منطقه أخرى لحظر الطيران العراقي دون خط عرض 32 ْ فما دون أي فوق المنطقة الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية والموالية بغالبيتها للسياسة الإيرانية

كان الطرف الآخر (الرئيس صدام حسين) قد وقع في فخ أوهام القوة مرة أخرى حينما جلس على  كرسيه مطمئنا ظاناً أن تلك الإجراءات لن تدوم طويلا فأصدر أوامره بسحب القوات العراقية المسلحة من المنطقة الشمالية ومنع قواته الجوية من الطيران فوق مناطق الحظر الجوي ومعتقدا إن ما خسره يمكن إعادته مادام العراق يملك مخزونا هائلا من النفط وعمليا نجح في إعادة الكثير مما دمرته الحرب في المجالات الاقتصادية والخدمية إلى سابق عهدها وكان الأخطر في معتقداته إن الله قد خصه بعنايته المباشرة دون غيره وقد أعده لمهام اكبر فأظهر نفسه كمسيح مسلح ليخلص هذه الأمة من شرور الشيطان الصهيوني الذي امتطى القدرات الاميركية لنيل غاياته في المنطقة العربية. فكان خطابه السياسي يشير دائما إلى النصر الذي حققه في تلك الحرب التي هي بداية لمشروع كبير يحتاج إلى الكثير من الصبر والتضحية لتحقيق كل أهداف الأمة في الوقت نفسه بدى رافضا لأية دراسات معمقه على المستويات الاستراتيجية للمعضلات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تواجه العراق في المستقبل القريب معتبرا إن تلك الدراسات ستسبب إحباطا شديدا لأمل ضمن هو تحقيقه فحرم المستحيلات إلا في موضوع إعادة الحياة للذي فارقها.

لقد فعل التوجيه الخطير بعدم ذكر أية معضلات لا تتوفر الإمكانيات لتجاوزها إلى طمر الحقائق الموضوعية التي تبنى عليها كل الدراسات المعمقة وخاصة في مجال الدراسات الاستراتيجية العسكرية وأطلق العنان للمنافقين والمنتفعين الذين لاتهمهم إلا مصالحهم الشخصية فزينوا له كل طموحاته جاعلين المستحيل ممكنا وبسطوا كل عظيم فقالوا تبا للمستحيل. لقد سعى النظام العراقي لاستعادة سيادته التي فقد الكثير منها بفعل سلسله طويلة من قرارات مجلس الأمن الدولي فوظف قدراته الاقتصادية الكامنة (النفط) لفتح ثغرات في جدار الحصار الاقتصادي وكانت البداية الموافقة على المقترح الفرنسي(مشروع النفط مقابل الغذاء والدواء) بعد تأني طويل وعمل على تنشيط تجاره تهريب النفط عبر البحار والصحاري الواسعة ليكسب موردا ذاتيا حرم منه لتطوير مشروعاته السيادية.

 

لقد بذلت جهود حثيثة في تقليص التأثير السلبي المباشر وغير المباشر للحصار التسليحي والعلمي الضار بالقوات المسلحة عموما وسلاح الدفاع الجوي والصواريخ والقوه الجوية بشكل خاص ولعبت دوائر التصنيع العسكري دورا مهما في توفير الحدود الدنيا من الاحتياجات لمعظم الأسلحة والصنوف وبرعاية واسعة كبيرة فلاقت كل تشجيع ودعم معنوي ومادي مما جعلها تطمع بالكثير فزادت ضغوط القيادة العراقية عليها لتحقيق الأفضل مع مرور الوقت وظن الرئيس إن كل شيء سيكون ممكنا بفتح ميزانيه الدولة لتلك الدوائر دون رقيب وخارج السياقات المالية للدولة فأدى ذلك فيما بعد وبشكل مطرد إلى تفشي الفساد الإداري في دوائر التصنيع العسكري والجهات ذات العلاقة من القوات المسلحة وغيرها في ظل انخفاض حاد بالرواتب ومستويات المعيشة لموظفي الدولة بشكل عام . ورغم كل ذلك كانت النتائج العملية محدودة جدا لتعاظم الفجوة العلمية والتقنية مابين أسلحتنا وأسلحه الخصم.

لقد تعرض العراق إلى العديد من الضربات الجوية والصاروخية خلال المدة المحصورة مابين حرب 1991 والحرب الأخيرة على ضوء عدد من الأزمات السياسية وبعض المخالفات للشروط الاميركية والبريطانية وكانت عمليه(ثعلب الصحراء) في منتصف كانون الأول 1998 اشد تلك الضربات مع فشل وسائل الدفاع الجوي العراقي في إسقاط أية طائره معاديه فوق الأراضي العراقية واقتصر النجاح في إصابة عدد محدود من الصواريخ الجوالة المعادية طيلة تلك الفترة.

ثم جاءت الأحداث الدامية والمرعبة للحادي عشر من أيلول 2001 التي دعمت بشكل مباشر وغير مباشر الرئيس الاميركي الجديد (جورج وكر بوش) في مشروع واسع وغامض في الحرب على الإرهاب خارج حدود الولايات المتحدة فانظم العالم تحت جناحيه لأشهر عديدة ((من لم يكن معنا فهو ضدنا)) كما قالها الرئيس بوش. فكانت الحرب الأولى ضد أفغانستان بنظام طالبان المتحالف مع تنظيم القاعدة بزعامة (أسامة بن لادن) المسؤول عن تلك الأحداث وغيرها فنجحت الولايات المتحدة بإسقاط ذلك النظام بالتعاون مع تحالف الشمال (المعارضة الأفغانية) إلا إن تلك الحرب كانت باستخدام أضيق القياسات الحربية الاميركية حيث اقتصرت على الضربات الجوية والصاروخية والقوات الخاصة. ثم أعلن الرئيس الاميركي عن أهدافه المقبلة لهذه الحرب ضمن محور(شر) شمل العراق وإيران وكوريا الشمالية فبدأت حمله إعلامية ودبلوماسيه شديدتين لتهيئه الرأي العام الداخلي والدولي للحرب على العراق إلا إن الولايات المتحدة عجزت من خلال مواردها التجسسية وفرق التفتيش الدولية من إيجاد ذريعة قانونيه لشن الحرب حين اتهمت العراق بسعيه لامتلاك أسلحة دمار شامل علاوة على ما يملكه من أسلحة كيماوية سابقة. عندها رفض المجتمع الدولي بشده نظريه الحرب. إلا إن الولايات المتحدة الاميركية مضت قدما لشن الحرب على العراق بتأييد محدود من قبل بعض الدول ذات المصلحة بالحرب كبريطانيا وأسبانيا وبلغاريا واستراليا.

  1. إن أية حرب تحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية لشنها هي:-
  • شرعيه القانون الدولي.
  • بيئة سياسية موافقة للحرب.
  • توفر القدرة المادية (القدرات العسكرية). وهنا نجد إن الولايات المتحدة الاميركية لا تملك سوى توفر القدرة العسكرية في مشروع حربها على العراق. وبهذا شابهت الموقف العراقي في موضوع غزو الكويت.

 

الموقف العسكري العراقي العام

من النتائج العامة للحرب الماضية عام 1991 هو فقدان الكثير من القدرات العسكرية العراقية ناهيك عن ذلك الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية لتلك القدرات وكمحصله عامه خسارة القوة البحرية (سلاح البحرية) برمتها (سفن ـ معدات ـ منشاءات) فتحولت تلك القوه الكبيرة إلى قوه مشاة ساحليه تملك عددا محدودا من زوارق الحراسة.أما القدرة الجوية العراقية (عسكريه ومدنيه) فقد تلاشت إلى حدود ضيقه جدا بفعل التدمير المباشر وتقادم الزمن مع بقاء (135 طائره مختلفة الأنواع) محجوزة في إيران والتي لجأت هذه الطائرات إلى إيران في بداية الحرب أعلاه باتفاق شرف مابين القيادتين العراقية والإيرانية لتجنب تدميرها بالقصف الجوي الاميركي علاوة على تدني كفاءة الطيارين كثيرا لعدم توفر ساعات الطيران الضرورية ونقص كبير في القاعدة المادية التدريبية وأخيرا كان عشيه الحرب عام 2003 هناك 23 طائره مقاتله فقط مختلفة الأنواع يمتلكها سلاح الطيران العراقي بصلاحية طيران محدودة جدا وبكفاءة قتاليه لا تزيد عن 30 % من الطاقة التصميمية لتلك الطائرات دون الدخول في مقارنه مع الطائرات المعادية من حيث الكفاءة القتالية لتطور التقني الكبير التي اكتسبتها. إما سلاح الدفاع الجوي العراقي فقد كان مستمرا بالقتال طيلة الفترة الفاصلة مابين الحربين وبالرغم من كل المحاولات الذاتية لتطوير كفاءة هذا السلاح وأساليب قتاله إلا إن الفجوة التقنية كانت في اتساع مستمر لصالح العدو.

القوات العراقية البرية كانت أهم واكبر فروع القوات المسلحة العراقية فقد تقلصت إمكانياتها كثيرا وتدنت مستوياتها القتالية إلى حدود خطيرة لما أصابها من تدمير مادي ومعنوي وأضاف الحصار الاقتصادي الشامل على العراق الكثير من التحديدات في مجال القوات من حيث العدد والكفاءة الفنية والقتالية فتقلصت أيضا ساحات وميادين التدريب وانخفضت التخصيصات المالية إلى حدود خطيرة فمرت دفعات عديدة من الجنود والضباط الأحداث دون الحصول على المستوى الأدنى من الإعداد الفني والقتالي علاوة على تقادم الزمن والاستهلاك المستمر للأسلحة والتجهيزات والمعدات القتالية ثم استشرى مرض خطير أصاب روح الجندية وشرف العسكرية في صميمها الآ وهو الفساد الإداري نتيجة تدني الرواتب والمخصصات المالية لجميع الرتب في ظل تضخم اقتصادي شمل الجميع . لقد أعيد تشكيل الجيش العراقي بعد عام 1991 بخمسه فيالق تحتوي على 18 فرقه ثلاث منها مدرعة واثنتان آلية (ميكانيكية) والباقي هي فرق مشاة مع إلغاء سلاح القوات الخاصة وانتظم السلاح المدرع بوحدات دبابات يتراوح عدد دباباتها من الأنواع القديمة من 16 - 20 دبابة للكتيبة الواحدة بدلا من 44 دبابة أما وحدات المشاة الآلي فتتراوح عدد عجلاتها المدرعة من 20 - 25 عجله للفوج الواحد بدلا من 48 عجله في السابق وكانت  نسبه المقاتلين في الفرق أعلاه بمعدل 50% من الملاك المعدل أما قوات الحرس الجمهوري فأعيد تنظيمها بمستوى جيش يتألف من فيلقين يحتويان على ثلاثة فرق مدرعة وواحدة آلية واثنتان مشاة زائد لوائي قوات خاصة بالإضافة إلى وحدات الإسناد والخدمات من (المدفعية والصواريخ وأسلحة الدفاع الجوي – المعدات الهندسية والتطهير الكيماوي والنقل والتموين .....الخ). وكان معدل دبابات الكتيبة الواحدة من الدبابات الحديثة 31 دبابة (T-72M) ومعدل العجلات المدرعة للفوج الآلي الواحد 35 عجله نوع     (PMP)في جميع الفرق المدرعة والآلية في القوات أعلاه. أما معدل المقاتلين في تلك الفرق 85% من الملاك المعدل وبكفاءة قتاليه وفنيه أعلى بكثير من مقاتلي الجيش الاعتيادي لتوفر الإمكانيات المادية بشكل أفضل إلا إنها دون المستوى المثالي.

 

القدرات العسكرية الإضافية

لقد عمل النظام السياسي العراقي وبتوجيه مباشر من قبل الرئيس صدام حسين على تعويض المطالب والاحتياجات العسكرية من الأسلحة والمعدات ذات التقنية العالية بوحدات مقاتله من صنف المشاة أي توسع أفقي كمي على حساب التوسع العمودي النوعي فعمليه التصنيع المحلي كانت عقيمة والاستيراد محظور والأهداف المطلوب تحقيقها كبيرة لافتقار النظام السياسي للمرونة المطلوبة تجاه التحديات الكبيرة التي يواجهها. وكانت هذه القدرات الإضافية تتألف من:

  • قوات حدود ذات تسليح خفيف تتوزع على سلسله طويلة من المخافر الحدودية.
  • جيش القدس وقد تالف من 21 فرقه خفيفة بمعدل (6000) مقاتل للفرقة الواحدة  ثم تقلصت إلى 17 فرقه وقد تأسس هذا الجيش لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة عام 2000 وملاك القيادة وهيئات الركن مزدوج من فائض الجيش والحرس الجمهوري بمستوى الفرقة واللواء ومن عناصر الحزب أيضا إما المقاتلون فمن متطوعي الحزب لمده قصيرة جدا.
  • فدائيو صدام: تنظيم شبه عسكري لتنفيذ واجبات مبهمة بقياده النجل الأكبر للرئيس (عدي) يتوزع في المحفظات وبقياسات محدودة جدا.
  • جيش الشعب: وهو عبارة عن مسلحي الحزب ينظمون في وحدات صغيره بتسليح  خفيف وفي جميع محافظات العراق عدا المنطقة الشمالية الكردية.

 

الانفتاح العام للقوات العراقية عشيه الحرب

كان انفتاح القوات العراقية عشيه الحرب بالشكل الآتي:

  • المنطقة الشمالية:   (محافظات الموصل ـ كركوك ـ جزء من محافظه صلاح الدين)وينفتح فيها كل من الفيلق الأول والفيلق الخامس وعدد من فرق جيش القدس(قوات خفيفة).
  • المنطقة المركزية: (محافظات بغداد ـ صلاح الدين ـ  ديالى ـ جزء من محافظه الانبار ـ واسط ـ الحلة ـ كربلاء ـ النجف ).وينفتح فيها فيلق الحرس الجمهوري الأول : ( شمالي بغداد ـ صلاح الدين ـ جزء من الانبار) مع عدد من فرق جيش القدس .وفيلق الحرس الجمهوري الثاني : ( جنوبي بغداد ـ ديالى ـ الحلة ـ واسط ـ كربلاء ـ النجف) . وعدد من فرق جيش القدس (قوات خفيفة).
  • المنطقة الجنوبية: (محافظات ـ العمارة ـ الناصرية ـ البصرة)وينفتح فيها كل من الفيلق الثالث والفيلق الرابع وعدد من فرق جيش القدس (قوات خفيفة).

ملحوظة: القاطع الرابع كان منطقه الفرات الأوسط ( السماوة ـ النجف ـ كربلاء ـ الحلة) متداخل ضمن المنطقة المركزية ولا تتوفر قوات بإمرته سوى فرق جيش القدس الخفيفة ومقاتلي الحزب.

 

حددت الاستراتيجية العراقية العليا (الرئيس صدام حسين ) أهم الاختلافات الاستراتيجية ما بين حاله أفغانستان بنظام (طالبان) وحاله العراق بنظام (البعث) فكانت المدن الرئيسية هي نقطة ضعف النظام الأفغاني وعلى العكس هي نقطه قوة للنظام العراقي ... ناهيك عن رسوخ مؤسسات  النظام العراقي كدوله وحزب وقوات مسلحه والتي لا تقارن بما يمتلكه نظام طلبان في أفغانستان بالرغم من التشابه في موضوع تواجد المعارضة في شمال كلا البلدين.

إن ظواهر الولاء السياسي للشعب العراقي كان جوهر الاستراتيجية العراقية العليا مما يؤسس قدرة على الدفاع تتعدى القدرة المعروفة للقوات المسلحة العراقية.

لأسباب يصعب تحديدها بدقه  جعلت سياق التخطيط لمواجهة غزو تقوم به اكبر قوة عسكريه في العالم ناهيك عن من يساندها ليس بالمستوى المطلوب بل تلك الأسباب خلقت نوعا من التشويش والضبابية والارتباك لا يتناسب وعمق تلك الخبرة العسكرية التي يمتلكها الجيش العراقي وبالرغم من إن المستويات العليا في وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش والمقر العام للحرس الجمهوري  تتحمل مسؤولية ذلك عمليا وأخلاقيا وتاريخيا فان الاستراتيجية العليا (السياسية) في نمط تفكيرها وعملها(المركزي الذي لا يستند على حجم المشورة المطلوبة في المواضيع الاستراتيجية) تتحمل المسؤولية الأولى ونمطها هذا يعتبر أهم تلك الأسباب المبهمة وبالرغم من امتلاك العراق لعدد لا يستهان به من المفكرين والاستراتيجيين إلا إن هؤلاء لم يكونوا بالمواقع التي ينبغي إن يكونوا فيها ولم يخصوا بالاحترام الكافي ووفقا لمشاهدتي واحتكاكي بالمسؤولين عن ذلك التخطيط الاستراتيجي وجدت معظمهم بوضع مسؤولية مجرده من القيود الأخلاقية بحق الوطن وسلوك يثير الشفقة على مصير العراق والعراقيين لان سياق التفكير والعمل السياسي هو الذي فرض نفسه على معظم مستويات  المسؤولية فأصبح هؤلاء المسؤولون إشكالا لا جوهر لها ولا دور صميمي يؤدوه فتنازلوا عن الكثير من المقومات الأدبية والأخلاقية الوظيفية لضمان استمرارهم بالمواقع التي هم فيها بالرغم من إن سفينة العراق أوشكت على الغرق.

على كل حال كان جوهر ذلك التخطيط يعتمد إدارة سلسله من المعارك الدفاعية وعلى عدد من المحاور المحتمل سلوكها من قبل العدو أو الأعداء (التهديدات المركبة إقليمية ودوليه وأمنيه) واعتبار نهر الفرات والذي  لم يكن مجراه مستقيما وبصوره مجرده هو الحدود الغربية لعمل فواتنا المدافعة (هو صحيح في أساسه بأنه ليس من الحكمة انفتاح قواتنا في مناطق صحراويه مكشوفة لكن هنالك أماكن مهمة واستراتيجيه كمدينه كربلاء تقع غرب النهر بمسافات طويلة لا ينبغي تركها بدون قطعات أساسية تدافع فيها). ويتم استنزاف العدو كلما تقدم نحو مركز القطر وقبول المعركة الحاسمة في العاصمة (بغداد) وكان مسرح العمليات الأردني أكثر ترشيحا لاستخدامه من قبل القوات الغازية لقربه من مركز العراق ومعظمه مسرح عمليات صحراوي يتجنب العراقيون الدفاع فيه وهم يفتقدون إلى دفاع جوي ملائم.

 

  1. يمكن تحديد جوهر الاستراتيجية العسكرية وخياراتها للدفاع عن العراق بما يلي:
  • قبول الحرب إذا كان الهدف السياسي للعدو هو إسقاط النظام السياسي العراقي
  • الإعداد للدفاع الشامل تشارك فيه كل  طاقات الدولة والشعب.
  • استنزاف العدو على محاور تقربه وقبول المعركة الحاسمة في العاصمة بغداد.
  • يؤسس الجيش العراقي الإطار العام للدفاع على جميع المحاور التقريبية للعدو وتكون مسؤولية قوات الحرس الجمهوري الدفاع عن مركز العراق يضمنه العاصمة بغداد وبقيه الطاقات الشعبية والحزبية والحكومية في الدفاع تكون ضمن ذلك الإطار العام .
  • اتخاذ اكبر الإجراءات لاستثمار كافه الطاقات للاستعداد الأمثال للحرب وتهيئه مستلزمات القتال (مواد تموين القتال عتاد ـ وقود ـ أرزاق ـ إدامة فنيه ـ نقل وغيرها) لمده طويلة وبإعداد كبيرة تؤمن إدارة دفاع طويل لا يقل عن ستة اشهر.
  • الإعداد الفكري والنفسي (المعنوي) للشعب والقوات المسلحة لقبول معركة طويلة الأمد والإصرار على تكبيد العدو اكبر ما يمكن من الخسائر وكان التقدير الأدنى لتلك الخسائر إن لا تقل عن(3000) إصابة.
  • المحافظة على الموارد النفطية العراقية وعدم تدميرها إلا في الضرورات القصوى.
  • معالجه معضلة القيادة والسيطرة بتقسيم العراق إلى أربع مناطق (شمالية ـ مركزيه ـ الفرات الأوسط ـ الجنوبية).

 

نقاط الضعف العامة في التخطيط الاستراتيجي العسكري وفي القدرة العسكرية المتاحة في حرب عام 2003

من الضروري بيان أهم نقاط الضعف العامة في التخطيط الاستراتيجي العسكري والقدرة العسكرية العراقية المتاحة وكما يأتي:ـ

  • عدم إحكام النهايات السائبة في جوهر التخطيط العام للحرب الدفاعية وإبقاء العديد من النقاط الجدلية التي تثير التكهن والتقدير غير السليم سائبه لشده التدخل المباشر للقيادة السياسية في الموضوعان الاستراتيجية العسكرية ولكثرة انشغال القائد العام (الرئيس) في موضوع إدارة ألازمه السياسية إلى وقت قريب جدا لاندلاع الحرب.
  • عزل القيادة العسكرية العليا الممثلة في وزاره الدفاع ورئاسة أركان الجيش عن دورها في أداة الحرب مع المقرات الميدانية (الفيالق والفرق) لتنسيب قيادات سياسية للمناطق الأربعة الرئيسية التي قسم العراق بموجبها لأغراض القيادة والسيطرة.
  • فرض آلية العمل السياسي على آلية العمل العسكري في مرحلتي التخطيط وإدارة الحرب مع بقاء هامش كبير في المسؤوليات غير المحددة أدى إلى تداخل وضياع المسؤولية المباشرة في المواقف الحرجة.
  • الخليط غير المتجانس من القوات المتوفرة للدفاع في القواطع الدفاعية المختلفة وضعف التفاهم والتنسيق فيما بينها مع ضياع القدرة على تحديد المسؤوليات الميدانية حيث حرص القائد العام (الرئيس) على الفصل مابين قيادات هذه القوات المختلفة من ناحية التخطيط وإدارة المعارك إلى حين نشوب الحرب. لأسباب غير مقنعه (أمنية).

تحكم المؤسسة الأمنية الرئيسية وتسويغ أية رغبات من وجهه نظر خاصة بها كفعل  صلاحية حق (الڤيتو) على أي قرار مما خلق ثغرات خطيرة في التخطيط والممارسات على الخطط الدفاعية كخطه الدفاع عن المطار الدولي في بغداد وبعض ألاماكن الاستراتيجية الخاصة.

  • تقادم الزمن على جميع الأسلحة الرئيسية والمعدات الحربية وانتهاء معظم أعمارها واستهلاكها في الحروب السابقة كالحرب مع إيران التي دامت ثماني سنين متواصلة.
  • تفاقم البيروقراطية العسكرية العراقية إلى درجه (التورم) مع تقليص مستمر وحاد في الصلاحيات لأغراض أمنية لتحجيم الشخصيات القيادة وأضعاف أثرها المعنوي على المرؤوسين.
  • تفشي الفساد الإداري (كالرشوة) وخاصة في السنوات الأخيرة قبل الحرب لتدني مستويات المعيشة للضباط والمتطوعين وظهور أشباه(المافيا) وأخطرها ذات العلاقة بالقوى البشرية وهيئات ودوائر التصنيع العسكري وبعض الشخصيات المقربة من الرئيس.
  • تدني خطير في مستويات التدريب كبرامج وقواعد ماديه وتحديدات صرف الأموال والاعتدة وتقنين المشاريع التدريبية كثيرا حتى اعتمد أخيرا على المشاريع التدريبية بدون استخدام القطعات (المقرات فقط) .
  • التنافس غير الشريف لبعض المستويات القيادية للتقرب من رأس القيادة على حساب حقائق الأمور وتعميق أوهام القوه في فكر (الرئيس).

 

طبيعة القيادة العسكرية العراقية وأسلوب تناول خيارتها الاستراتيجية

 

كان لشده خضوع القيادة العسكرية العراقية لإثبات الولاء السياسي لرئيس الدولة وهو القائد العام للقوات المسلحة أهم صفاتها وهي معذورة في ذلك لأنه انعكاس وتطبيق عملي للنهج المعروف للرئيس في التعامل مع القيادات السياسية والعسكرية وغيرها وبمرور الوقت أنسحب هذا الخضوع إلى طبيعة التفكير واسلوب عرض الآراء بتحفظ شديد مع مراقبه دقيقه لملامح وجه الرئيس عندما يكون الطرح مباشر أو من  خلال الاستقراء الدقيق لما يميل إليه أو من عدمه إذا كان ذلك الطرح بشكل غير مباشر (دراسات موجزه تحريرية) ومن خلال التوجيهات الصارمة لإيجاد الحلول الميسورة التحقيق جعل ذلك كله من آلية صنع القرار الاستراتيجي  آلية محدودة النطاق وبمساحه نقاشية ضيقه جدا وان لا يتعدى ذلك المسلك الذي أوصت القيادة السياسية به (الاستراتيجية العليا) مسبقا.

كان وزير الدفاع الفريق أول (جنرال) سلطان هاشم احمد من قاده الجيش المتمرسين جدا والمعروف بدماثة خلقه وطيبته وله خبرة ميدانية ممتازة إلا أنه يعرف حدوده جيدا(لا يتجاوز حدوده في الاعتراض المباشر على التوجيهات السياسية في الشؤون الاستراتيجية للمحافظة على مساحه الأمان الشخصية) ولا ينقصه شي سوى الرؤى  الاستراتيجية المعمقة وقله نشاطاته الأكاديمية أما رئيس أركان الجيش الفريق أول (جنرال) إبراهيم عبد الستار التكريتي فله خبره ميدانية ممتازة جدا وذو ديناميكية وظيفية عالية إلا انه يفتخر بمركزيته المطلقة وبعدم احترامه للمستويات الأدنى ويعتقد إن الكفاءة في المناصب العليا هو الغرق في التفاصيل الصغيرة إلا انه يفتقر إلى الثقافة العالية والرؤية الاستراتيجية الكافية لهذا المنصب أما رئيس أركان الحرس الجمهوري الفريق أول (جنرال) سيف الراوي يمتلك ذكاءا ولباقة عالية قربته من الرئيس كثيرا وله خبرة ميدانية جيدة وينهمك دائما في التحليلات النفسية لمن يحيطه وهو متابع دقيق وقارئ جيد لأفكار الرئيس ونجله (قصي) إلا انه معروف بأنانيته التي أدت به إلى منافسة غير مبررة مع وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش في وقت حرج جدا أصبح العراق فيه على حافة الهاوية كذلك لا يؤمن بأفكار وبطروحات الآخرين من معيته وهيئات ركنه والقادة المرتبطين به مما حرم نفسه من التعرف إلى المشكلات الحادة التي تعاني منها قوات الحرس الجمهوري ومن المشورة المطلوبة لصنع أي قرار لطبيعة قيادته الاستبدادية التي يتباهى بها.

كان هناك تضارب بالآراء مابين مجموعة وزارة الدفاع والمقر العام للحرس الجمهوري مما حدا بالطرفين الخوض في مساجلات نقاشية غير بناءه حيث كان وزير الدفاع يتجنب الفهم السيئ الذي قد يتبلور ضد شخص المشرف على الحرس الجمهوري الذي يخضع لأراء رئيس أركانه كونه رجل سياسي وليس رجلا عسكريا عال المستوى والأخطر من ذلك إن الرئيس (القائد العام) في كثير من الأحيان يترك الأمور غير محسوسة لأخذه الموضوعات العسكرية غالبا من منظور سياسي وأنه أيضا غير ملم بالأمور الاستراتيجية العسكرية مع عدم الاعتماد على الأكاديميات العسكرية العليا والافتقار إلى مراكز بحوث ودراسات استراتيجية متخصصة لإشراكها في عمليه صنع القرار بشكل وآخر للاستفادة منها حول إيجاد البدائل وتوسيع الخيارات المتاحة وعليه سيكون غالبا السباق مابين الطرفين لمن أدرك أولا فحوى ما أوصى به القائد العام (الرئيس) من توجي استراتيجي على المستوى العسكري وأن كان ما أوصى به يحتاج إلى الكثير من المناقشة والتعديل وفق الحقائق العلمية والعملية لضمان تحقيق ذلك التوجية على المستوى العملي.

في الثلاثين من حزيران عام 2002 التقى الرئيس صدام حسين بقادة فيالق وفرق الحرس الجمهوري بحضور نجله الثاني (قصي) المشرف على الحرس الجمهوري ورئيس أركان الحرس الجمهوري الفريق أول (الجنرال) سيف الراوي والأمين العام الفريق كمال مصطفى عبد الله وسكرتير الرئيس(عبد حمود) وأراد الرئيس إن يستمع من القادة عن استعداداتهم لاحتمالات حرب قد تقع في المستقبل القريب مع أميركا والمعتاد وفقا لطبيعة هكذا لفاءات هو طمأنه الرئيس لما معد وكان دور (كاتب هذه السطور) وحسب القدم العسكري بعد المشرف ورئيس الأركان فطرح رأيا يدعو إلى السرعة بأجراء تغيير في أنماط التفكير والسلوك القتالي قد يكون باتجاه (180º) لما هو  عليه الآن أي العمل بعقيدة واستراتيجيه عسكريه تتلائم وفارق القوى المتعاظم لصالح العدو وخاصة في موضوع السيطرة على الجو والذي سيكون شبه سيادة مطلقه للطيران الاميركي مما يتطلب إلغاء العمل وفق نظام الكتل الكبيرة (لواء ـ فرقة) لأنها أهداف ملائمة  جدا للتدمير والعمل وفق الاستخدام المتدرج والجزئي للقوه (فصيل ـ سريه) ضمن قواطع عمل محدده لكل تشكيل قتالي لإدارة (حرب عصابات)  بالقوات النظامية وان وحدات الدروع الثقيلة ستكون عديمة الجدوى وكونه قائدا ( لفيلق مدرع ) ثقيل يؤكد حقيقة ذلك وانه اعتمد منذ سنتين مضت استراتيجيه في التدريب على (تكتيكات)  عمليه بالوحدات القتالية الصغيرة حققت نتائج طيبه في تقليل الخسائر المتوقعة للضربات الجوية  للمقاتلات والهليكوبترات المسلحة إلا أن فيلقه سيكون ملزما لإتباع الاستراتيجية العامة لقواتنا البرية وعليه طرح هذا المقترح وقد تكون المدة القليلة القادمة الفرصة الأخيرة المتاحة لإعداد فواتنا بشكل يؤمن منازله العدو الاميركي ومن سيحالفه مستقبلا لأطول مده ممكنه مع قبول التنازل المؤقت عن الأرض وبعض الأماكن الحيوية وخلال (45 ) دقيقه أستمع الرئيس بإمعان لما عرضه ثم طلب مناقشه  هذا المقترح من قبل الحاضرين ومن قبل القيادة العليا للجيش (وزاره الدفاع ـ رئاسة أركان الجيش) وكانت النتيجة الإبقاء على  ما هو عليه من عقيدة واستراتيجيه مع إعطاء صاحب المقترح حرية محدودة في استمرار التدريب لبعض المستويات والزعامة بالاستراتيجية العامة للجيش العراقي.

 

بعد ذلك تصاعدت الأزمة السياسية مع العراق بادعاء الاميركان بان العراق يخفي أسلحه دمار شامل وبقوه الفعل السياسي الاميركي في المحافل الدولية والإقليمية اقتربنا كثيرا من الحرب فماذا كانت خيارات القيادة العراقية؟:ـ

لقد جرت عده مشاريع تدريبيه (بدون قطعات) على مستوى القوات المسلحة والحرس الجمهوري والقيادات العسكرية الأخرى والقيادات الحزبية ومع الأسف كانت الافتراضات غير واقعية لشده ولقوة الاحياءات السياسية ونوقشت الكثير من العوامل المؤثرة على الخطط الدفاعية بسطحيه مخيفه وكان للحماسة البلهاء غير المبررة فعلها السحري للقرار على خيار الدفاع الموضعي ضمن قواطع الدفاع الأربعة الرئيسية وفق الحرب النظامية باعتماد مبدأ الصمود تجاه الضربات الجوية والصاروخية والحيلولة دون إحداث ثغرات مهمة في الدفاعات العراقية يستثمرها المشاة المعادي أو دروعه لعدم قدره العدو على تحقيق تفوق بالقوات البرية  وكان الافتراض العام إن كل الطاقات العراقية المسلحة ستخوض غمار الحرب بقدره معقولة وان التوازن في القواطع الدفاعية كان متساويا تقريبا وفقا لاحتمالات وخيارات العدو في التعرض سواء من المنطقة الشمالية أو من المنطقة الغربية أو المنطقة الجنوبية والغريب أن خطه الدفاع عن بغداد ظلت غير محسومة لحين اندلاع الحرب والغرب من ذلك هو ذلك الإصرار على خوض المعركة الحاسمة في بغداد وقد أعلن مبكرا عن نوايا القيادة العراقية العليا بانتظار العدو فيها إلا إن الاحتمال الأكثر رجحانا لدى القيادة العراقية بان العدو سيتعرض من اتجاه الغرب.

 

أين تكمن محنه الاستراتيجية العليا العراقيه في حرب 2003

يمكن إجمال محنه الاستراتيجية العراقية في حرب عام 2003 بما يأتي :

  • إن الاستراتيجية العليا العراقية كانت في وضع نفسي وأخلاقي ومادي غير قادرة على تجنب الحرب بالرغم من عدم وجود مسوغ قانوني للولايات المتحدة بشنها فرات من الأنسب الذهاب للحرب بشجاعة إذا كان ذلك قدرها .
  • حرية محدودة جدا في العمل السياسي للضغوط السياسية الهائلة التي مارستها الولايات المتحدة وبريطانيا في المحيطين الإقليمي والدولي .
  • القوه الخادعة للكتلة الأوربية (فرنسا ـ ألمانيا) وروسيا في مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون نشوب الحرب والتعويل على الطرق السلمية ( دور المفتشين الدوليين ) لحل للازمة مما دفع القيادة العراقية للاعتقاد بأن الحرب قد لا تقع أو تتأخر كثيرا.
  • الرفض الشعبي الدولي (الرأي العام) لنظرية الحرب وخاصة في الدول الداعية للحرب فأكبر المسيرات الشعبية الرافضة للحرب والتي تجاوزت النصف مليون إنسان جرت في لندن وواشنطن ومدريد وغيرها في مدن العالم كثيرة مما زاد من اطمئنان القيادة العراقية وزاد من ثبات موقفها.
  • الموازنة الصعبة للقرار السياسي العراقي عندما أفصحت الولايات المتحدة وبريطانيا عن الهدف الاستراتيجي الخطير من الحرب المتوقعة إلا وهو ( إسقاط النظام السياسي العراقي الحالي ) أخيرا وعليه كان قبول المخاطرة المهلكة محسوبا من قبل القيادة العراقية والاعتماد على الحظ كما في السابق .
  • تدني حاد في الولاء السياسي الحقيقي للقيادة العراقية على المستوى العام للشعب والقوات المسلحة بالرغم من نتائج آخر استفتاء حول زعامة الرئيس صدام حسين جاءت ( 100% ) !؟!؟ مما يؤكد هبوط احتمالية القتال الجدي للقوات المسلحة والحزب .
  • الانشغال الدائم بتطور الموقف السياسي (إدارة الأزمة) من قبل رأس النظام السياسي في الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل الحرب شل القيادة في موضوع مراجعه الخطط الاستراتيجية بصوره دقيقه وكانت هناك عدد من التوجيهات في تعديل أو الإقرار على بعض المقترحات غير محسوسة ومنها خطه الدفاع عن بغداد مما أدى إلى تنفيذ خطط غير ناضجة آو محسوسة.

 

عناصر مأزق الاستراتيجية العسكرية العراقية في حرب عام 2003

إن وضع الاستراتيجية العليا العراقية السيئ في حرب عام 2003 أنعكس على الاستراتيجية العسكرية العراقية بالطبع فجعلها استراتيجيه عاجزة عن مواجهه ما ينتظرها في الحرب عمليا وأيقن الجميع أنها ستكون الحرب الأخيرة وسميت عراقيا بالحرب الحاسمة (الحواسم) ويمكن توضيح أهم عناصر ذلك المأزق بما يأتي:

  • حجوم وأبعاد الأهداف الاستراتيجية التي يتوخاها العدو والتي أعلن عنها العدو صراحةً والتي تعني احتلال العراق لإسقاط النظام السياسي بزعامة الرئيس صدام حسين كانت تعني أنها حرب شامله وحاسمه .
  • الموازنة شبه المستحيلة في ميزان القوى بين الطرفين لانهيار قدرات الطيران والدفاع الجوي العراقي مع تدني خطير لمستويات الكفاءة للمقاتلين وللمنظومات التسليحية والمعدات القتالية العراقية بشكل عام.
  • الاختيار الصعب  مابين التنازل المؤقت عن الأرض ومتطلبات إيقاف أو إبطاء تقدم العدو في المسالك المحتملة للتقرب والذي يمتلك قابليه عالية على حرية العمل وتغيير الاتجاهات مع الافتقار إلى حرية الحركة لقواتنا إلا في حدود ضيقه جدا أي إن المناورة بالقوات ستكون شبه متعذرة على المستويات الاستراتيجية والعملياتية لتوفر النسبة العالية لاحتماليه تدميرها بالقوات الجوية المعادية.
  • الافتقار إلى أسلحة الردع الاستراتيجية وحتى العملياتية حين أجبرت القيادة العراقية استجابة للكتلة الأوربية المناهضة للحرب في مجلس الأمن من الموافقة على تدمير صواريخ أرض ـ أرض محدودة المدى ( 150 كم ) نوع (صمود 2 ) .
  • الانخفاض الحاد للمعنويات العامة للمقاتلين العراقيين نتيجة للحرب الإعلامية الشرسة للأعلام المعادي علاوة على نشاط ( الطابور الخامس ) وخاصة المواليين لإيران في المناطق الجنوبية والفرات الأوسط من العراق . دون القدرة على التصريح بذلك لأسباب سياسية.
  • كان لإعلان القيادة السياسية المباشر بقبول المعركة الحاسمة في العاصمة  )بغداد) إي إن القيادة أعلاه قد حددت مكانها وهي الهدف الاستراتيجي الخطير من الحرب مما يجعلها تتحمل أي ( بغداد ) الثقل الأكبر من القصف الاستراتيجي المعادي ويسمح للعدو بالتخطي العملياتي للكثير من الأهداف لصالح حشد القوة الملائم نحو بغداد بالوقت الذي كانت خطه الدفاع عن بغداد يشوبها الكثير من الغموض من حيث جوهر العمل ومسؤولية القيادة والسيطرة المتداخلة أساسا.
  • الحسابات المخطوئة بالمقارنة بحرب عام 1991 لتقدير حجم القوات الكافية للتعرض على العراق بالإضافة إلى وضع الفرقة المدرعة الرابعة الاميركية المتأرجح مابين ساحتي العمليات التركية والكويتية عند نشوب الحرب فكانت القيادة العسكرية العراقية تتوقع تأخير التعرض لحين حشد قوات لا تقل عن (400 ألف ) مقاتل معادي .
  • الإبقاء على الكثير من القوات العراقية خارج أهداف الارتال المعادية التي غزت العراق من الجنوب وهدر كبير بالوقت في الاستفادة من تلك القوات المجمدة خارج منطقه التأثير لتمسك القيادة في موضوع تقسم العراق إلى أربعة مناطق .
  • عدم التقدير الصحيح لاتجاه الجهد الرئيسي من قبل الرئيس وكان يظن إن ما يجري من معارك من الجنوب ما هي إلا خدعه استراتيجية للعدو لان جهده الرئيسي سيكون من الغرب بالرغم من كل تأكيدات قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني (الفتح المبين) يوم الثاني من نيسان 2003 الذي كان فيلقه مشتبكا بقوه منذ أسبوع مضى بالعدو.
  • الانهيار العام للمعنويات وخاصة للقوات  في بغداد وفقدان الإرادة على القتال نتيجة للضربات الموجعة للطيران وللصواريخ الجوالة منذ بداية الحرب علاوة على دور الإعلام المعادي والطابور الخامس الذي تجاوز إعداده العشرة آلاف عنصر.

 

 

الخلاصة

مما لاشك فيه إن أية استراتيجيه عسكريه تخضع للاستراتيجية العليا لتلك الدولة التي تنتمي إليها القوات المسلحة و من العقيدة السياسية  تستمد منها العقيدة العسكرية فعليه إن الاستراتيجية العسكرية تكون مقيده بإطار عام وترسم لها الأهداف السياسية (الاستراتيجية ) وتعمل هذه لتحقيق هذه الأهداف بشكل مباشر او غير مباشر في ساحة الحرب.

إن منظومة صنع القرار وآليته في دول العالم الثالث ومنها العراق تكون شبه محدودة وإنما يكون هناك فريق عمل صغير يحيط بالزعيم السياسي للدولة مسؤوليته اتخاذ القرارات الاستراتيجية وفق آلية عمل محددة جدا وفي بعض الأحيان تعرض القرارات المهمة على مؤسسات الدولة التشريعية (كالبرلمان مثلا) بصوره شكليه وهذه القرارات تشكل بما يخص الحرب أو التهيئة للحرب الغايات والأهداف الاستراتيجية العسكرية فتعمل الدوائر العسكرية العليا على دراسة تلك الأهداف بهامش محدود من المناقشة في الغالب لأغراض التنفيذ.

في الموضوع العراقي يخضع صنع القرار بالأساس لرؤية القائد السياسي الذي هو القائد العام للقوات المسلحة وبأسلوب مقيد للغاية ونابع ذلك من نمط السلوك القيادي الصارم للرئيس صدام حسين ومركزيته الشديدة وقوه احكامة فعليه يختصر هامش النقاش في الجوانب التطبيقية في الغالب فتصبح أغلب القرارات خاليه أو شبه خاليه من أي فسحه للمناورة للانتقال إلى الخيارات الأخرى مما أوقع المخططين الاستراتيجيين في محن عديدة حين يكونون وسطا مضغوطا ما بين صعوبة أو استحالة تحقيق الأهداف السياسية الاستراتيجية بالوسائط المتاحة وما بين أثاره غضب رئيس الدولة ( القائد العام) علاوة على التأثير السي لامتدادات السياسة في إدارة الحرب إلى أعماق الاختصاص المهني ( الاحتراف ) الذي ينبغي إن يترك للعسكريين وخاصة الميدانيين منهم .

أن مجابهه الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في حرب عام 1991 كان خطا استراتيجيا ولد من خطا استراتيجي اكبر هو احتلال الكويت وتجاوز الخطوط الحمراء الإقليمية والدولية لم يتم دراسته دراسة واقعية واستراتيجيه وعدم استيعابه جيدا بل جرى تبريره والبناء عليه لأسس استراتيجيه للمرحلة القادمة من الصراع مع

الولايات المتحدة وحلفائها مع الاستهانة بكل ما افرزه الحصار الاقتصادي الشامل على المستويين المعنوي والمادي.

كان من المتعذر جدا لاستراتيجيه عسكريه إن تحقق نجاحا في ظل ثياب العقيدة العسكرية طيلة حروب  عديدة و فتره حصار اقتصادي طويلة مع استهلاك وتقادم زمن للوسائط القتالية مع أنهاك مستمر للقوى المادية والمعنوية وكانت النتيجة محسومة لصالح الولايات المتحدة الاميركية في حربها الأخيرة على العراق في ظل

هذا الإنهاك العام كقوات مسلحه وموارد ضمن صراع  إقليمي ودولي اتحد أخيرا في أهدافه إلا وهو إسقاط النظام السياسي العراقي بزعامة الرئيس صدام حسين فانهارت القوى المعنوية والمادية خلال مده ثلاثة أسابيع بالرغم من العديد من المحاولات الميدانية لبعض القوات العراقية وبكل ما قدمت من تضحيات بالصمود فان البون كان شاسعا مابين الأهداف الاستراتيجية وما بين الإمكانيات المتاحة التي وصلت إلى أدنى حدودها والغريب إن إمكانيات العدو وساحة الحرب وإمكانياتنا كلها معروفه للعراقيين إلا أن الاستراتيجية العسكرية العراقية وقعت تحت تأثير الحسابات المعنوية والغيبية للاستراتيجية العليا .

مهما كانت العوامل المؤثرة على بناء وعمل الاستراتيجية العسكرية العراقية خلال حربي عام 1991 و 2003 لم تعف القيادة العسكرية من مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية من التطوير الايجابي لإستراتيجيتها مع الإشارة إلى الافتقار الواضح للثقافة الكافية لتأهيل المستويات القيادية العليا سواء في دوائر وزاره الدفاع العراقية ورئاسة أركان الجيش والحرس الجمهوري والقيادات الميدانية العليا على المستوى الاستراتيجي الانهماك  غير المبرر للمستويات العسكرية الاستراتيجية العراقية في التفاصيل الميدانية وعدم تخويل الصلاحيات الكافية للمستويات القيادية الأدنى وهذا لا يقلل من نجاح الاستراتيجية العراقية في العديد من المواقف الصعبة ومع التقدير العالي لحجم التضحيات الكبيرة التي فقدتها القوات المسلحة العراقية في هذين الحربين بالرغم من فقدان الأمل بأي نصر ممكن بدواعي الشرف العسكري والانتماء الوطني.

The crisis of the Iraqi military strategy during the 1991-2003 wars

The author of the study explains that it is rather difficult for some people to clearly understand the basis of the Iraqi military strategy facing the American strategy during the second Gulf war of 1991 and the Iraqi War of 2003.

The searcher examines in the first section the crisis of the Iraqi military strategy during the second Gulf War in 1991, and presents the main cause of that war, the American reaction along with the components of the adopted Iraqi military strategy.

The second section of the study deals with the crisis of the Iraqi military strategy during the war of 2003. The author indicates the position of the Iraqi Forces before and after the beginning of the war, the weakness points in the planning of the military strategy, the nature of the Iraqi Command, and the methods implemented in making its strategic choices.

Finally, the searcher describes the elements of the Iraqi military crisis.

Le pétrin de la stratégie militaire irakienne au cours des guerres de 1991 et de 2003

L’auteur avance qu’il n’est pas aisé pour certains de concevoir clairement les fondements de la stratégie militaire irakienne face à celle des Etats-Unis d’Amérique menée au cours de la deuxième guerre du Golfe en 1991 et de la guerre d’Irak en 2003.

Le chercheur examine dans la première partie de son étude le pétrin de la stratégie militaire irakienne au cours de la deuxième guerre du Golfe de 1991, et expose la cause principale de cette guerre ainsi que la réaction américaine et les composantes de la stratégie militaire irakienne adoptée.

La deuxième partie de l’étude est consacrée au pétrin de la stratégie militaire irakienne au cours de la guerre déclenchée en 2003 ; l’auteur indique la position miliaire des Forces Irakiennes avant et après l’entrée en guerre, les points faibles de la planification de la stratégie militaire, de la nature du commandement militaire irakien, et de la manière dont il opère ses choix stratégiques. 

En dernier lieu, le chercheur décrit les éléments du pétrin dans lequel se trouve la stratégie militaire irakienne.