كلمات

مأساة البرتقال
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

البرتقال شجرة جميلة وارفة تنبت على السهول الساحلية وتزهر ربيعاً فيفوح عطرها في كل مكان. فاكهتها لذيذة طيبة، وهي تعتبر من أهم المكونات الغذائية ومن أصفاها.لون البرتقال اتخذ اسمه من لون ثمرته وأضحى لوناً محبباً مرغوباً كما أن خشبه أصفر هو الآخر، ويتميز بصلابته وطول بقائه.وشجر البرتقال رمز من رموز ساحل لبنان وفلسطين وبعض مصر وشمال افريقيا، وقد خصّته الفنانة المصرية رئيفة العفيفي منذ حوالى سبعين سنة بأغنية معروفةهي «يا اللي زرعتوا البرتقان يا الله ازرعوا، آن الأوان، يا الله اجمعوا...» ولم تغنّ غيرها، فاشتهرت الأغنية وسكتت المغنية وارتفع قدر البرتقال.على أن البرتقال تعرّض في الآونة الأخيرة لأكثر من هجمة شرسة في محاولة للنيل من خيره وبركته، ففي عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان براً وبحراً وجواً وعاثت فيه تدميراً وقتلاً وإفساداً ونهباً للثروات الأثرية والثقافية والاقتصادية، وتميز ذلك الاجتياح باعتماد اللون البرتقالي من قبل إسرائيل فوق آلياتها من أجل تجنيبها ضربات طيرانها نفسه، كما وقصف العدو بالمقابل كل ما هو غير برتقالي، حتى شجر البرتقال الأخضر غير المثمر تعرض للقصف لأن الحبّات الصفراء لم تكن موجودة فيه لتحميه وتدافع عنه.

 

وبات اللون البرتقالي هاجساً مؤلماً للبنانيين يمثل الدمار والقتل، فأخذوا يقاومون كل آلية تتشح بالرداء البرتقالي، لأنها عدوة وليس لأن البرتقال واللون  البرتقالي عدوّان، فهم من هذه الأرض ويحبّون أشجارها ونباتاتها وفي مقدمها شجر الليمون. وهكذا تدنّس اللون البرتقالي وتحوّل من لون جمالي إلى لون عدواني بعيد عن الحضارة والسلم، وغلبت عليه معاني الكراهية بعد أن كان لون المحبة والوئام بين المزارع الإنسان وأرضه الطيبة المعطاء.واليوم، وبعدما أصدرت حكومة العدو قرارها بالانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة و«ربّحت» العالم جميلاً وتحولت إلى حمامة سلام بنظر البعض لأنها ستنسحب من الأرض التي حرقتها وقتلت الكثير من أبنائها، ودمّرت العديد من منازلها، اليوم يحتج العنصريون الصهاينة على قرار الانسحاب المذكور، ويتظاهرون ويتحركون داخل إسرائيل وخارجها مطالبين بالحفاظ على المستوطنات بؤراً عدوانية دائمة. وما أعاد إهانة البرتقال ولونه ورمزه ومعناه ودلالته هنا، هو أن مجالس المستوطنين في غزة قررت تكليف شركة تجارية بإنتاج سوار جديد بلون برتقالي أيضاً سمّته «سوار النضال» سيعتمده معارضو خطة الانسحاب بإحاطة معاصمهم به، وسرعان ما تحولت ظاهرة الأساور إلى «موضة» رائجة تعبّر عن العنصرية العدوانية للمستوطنين.

 

مسكينة شجرة البرتقال، لقد تحول لونها إلى علامة للعدوان والهمجية، فلقد سبق السوار البرتقالي نجمة برتقالية وضعها المستوطنون على قمصانهم إعلاناً عن معارضتهم لخطة الانفصال عن غزة، وسبقهم سكان جبل الخليل بربط شريط برتقالي على ملابسهم للغاية نفسها.ألا من ينقذ الناس من هذه الهمجية، ومن ينقذ العالم من هذه العدوانية ومن ينقذ الحضارة من هذا التلوث الكبير، ومن ينقذ البرتقال من هذه الإهانة؟ عندما غنت رئيفة «يا رب كتّر البرتقان...» كانت تريد أن يكثر الخير وأن يعم شجر البرتقال وثماره بين الناس «الغلابة»، ولم تتصور أبداً أن يكون في استعمال اللون البرتقالي إشارة عدوان مرفوعة على دبابة أو مدفع، أو مربوطة حول معصم مستوطن.
لو سمعت الفنانة بما جرى لغنّت ورفعت صوت الغناء: «يا ربّ نجّ البرتقان!».