موضوع الغلاف

مئوية الكلّية الحربية: الشعلة لن تنطفئ
إعداد: جان دارك أبي ياغي

عزم الرجال وإيمانهم برسالتهم ووطنهم كانا سيفًا مشهورًا في وجه اليأس، وعلامة تؤكد أنّ الوطن سينهض من جديد. فمتخرّجو دورة مئوية لبنان الكبير أقسموا في يوم تخرجهم على أن يكون الوطن قضيتهم والبوصلة التي توجّه خطواتهم. تخرجوا من دون احتفال لكنهم كانوا هم احتفال الكرامة والعزة. كانوا الوعد بقيامة الوطن. وكانوا الإثبات بأنّ الظروف مهما قست لن تستطيع إطفاء الشعلة المتقدة في نفوس رجال منذورين للشرف والتضحية والوفاء. وعد سوف تجسده مسيرة تستلهم تجارب مئة عام من عمر الوطن، وتضحيات آلاف الرجال، شهادة وعرقًا والتزامًا...


بعد ثلاث سنوات أمضوها في رحاب الكلّية الحربية تآلفوا خلالها مع الحياة العسكرية وتمرّسوا فيها على التكيّف مع الظروف الصعبة، حمل تلامذة ضباط الدورة ٨٢ المشعل في يوم تخرّجهم من الكلّية الحربية وانضموا إلى رفاقهم في المؤسسة العسكرية من أجل الدفاع عن لبنان وأرضه وشعبه. وللمفارقة، تحتفل الكلّية الحربية هذا العام بمئويتها الأولى، وهي التي دأبت على صناعة قادة المستقبل، فكان اسم دورتهم «دورة مئوية لبنان الكبير»، مع كل ما تحمل هذه التسمية من دلالات ومعانٍ. وهذه النقطة ركّز عليها قائد الجيش في كلمته إلى المتخرجين خلال زيارته للكلّية قبيل تخرّجهم، فقد اعتبر أنّ الدورة التي حملت تسمية «مئوية لبنان الكبير» تتحمل مسؤولية بناء مئوية جديدة قادمة... وإذ هنأ المتخرّجين منوّهًا بكفاءاتهم العالية، شدد العماد عون على ضرورة التحلّي بروح المسؤولية والانضباط والعمل على تطوير الذات بكل المقاييس، وقال: «تحلّوا بالإرادة القوية التي تزيل الصعاب، واعلموا أنّ مهمات كثيرة ودقيقة بانتظاركم»... طالبًا إليهم أن يبقوا على إيمانهم بوطنهم ومؤسستهم العابرة للطوائف، فهي خلاص هذا الوطن.


«أمل لبنان»
تتميز هذه الدورة بالكفاءات العلمية العالية للتلاميذ الضباط ما انعكس على أدائهم خلال سنوات الدراسة الثلاث. «أنا على ثقة بأنّها دورة يفتخر بها الجيش»، عبارة كرّرها أكثر من مرة قائد الكلّية الحربية العميد الركن جورج صقر عندما التقيناه عشية يوم التخرّج. وخلال تسليم الشهادات للمتخرجين وترقيتهم إلى رتبة ملازم عبّر قائد الكلّية عن افتخاره بهذه الدورة التي اعتبرها أمل لبنان وأمل الجيش وقدوة في تحمّل المسؤولية، وقال: «بالإرادة نتجاوز كل المِحَن».

 

المتخرّجون: أمل وتفاؤل
يفتخر الملازم عماد جابر (طليع الدورة) بأنه من عداد دورة «مئوية لبنان الكبير» لما لهذه التسمية من دلالات تاريخية في تكوين لبنان الحديث. ويقول: «إيماني كبير بالمؤسسة العسكرية على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها الوطن لأنّها الوحيدة التي ما زالت متماسكة لغاية اليوم». أما زميله الملازم محمد كمون فيعرب عن يقينه بأنّ صعوبات كثيرة تنتظرهم في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، لكنهم سيعملون على بثّ روح التفاؤل بغدٍ أفضل والإيمان بالوطن والجيش في صفوف العسكر لمواجهة كل المخاطر. بدوره يقـول الملازم مارك النجار: تعلّمنا في الكلّية الحربية أن نواجه المعوقـات التـي تعترضنـا بتحـدٍ كبيـر وإيمـان وإصـرار.

 

الأهالي: فرحة وسع الكون
صحيح أنّ الإجراءات الوقائية للحماية من فيروس كوفيد-١٩ حرمت أهالي الضباط المتخرجين مشاركة أبنائهم حفل التخرّج، إلّا أنّها لم تسلبهم فرحة المناسبة التي انتظروها لثلاثة أعوام. فعائلات المتخرجين وأصحابهم وأهالي بلداتهم، رقصوا فرحًا في منازلهم محتفلين بانضمام أبنائهم إلى مدرسة الرجولة والعنفوان.
السيد رياض جابر والد الملازم عماد جابر يؤكد أن فرحته «وسع الكون»، فابنه، طليع الدورة، لم يحقق حلمه فحسب بل حقق حلم العائلة بأسرها، هو الذي تربى في منزل يسري حب الجيش في عروق أبنائه... ويشير السيد جابر إلى أنّ عماد كان طالبًا في الجامعة الأميركية وقد نال منحة تعليمية لكفاءته، لكنه بعد نجاحه في امتحانات الدخول إلى المدرسة الحربية لم يتردد لحظة في اختيار الأخيرة، هو الذي طالما حلم بارتداء البزة العسكرية وخدمة الوطن في ساحة الشرف.
«صحيح أنّنا لم نتمكن من المشاركة في حفل التخرج، يقول السيد جابر، لكن ذلك لم يمنع من أن تعمّ الفرحة قلوبنا وقلوب جميع أبناء بلدتنا الفخورين مثلنا وأكثر بابن بلدتهم». ويختم قائلًا: «نحن متأكدون بأنّ الغد سيكون أفضل وسوف يتمكن أولادنا من العيش بسلامٍ وراحة في وطنهم».
«صار عنّا بطل يحمي الوطن والأهل» يقول حسين صفا مفتخرًا بابنه الملازم علي صفا. ويضيف أنّ فرحة العائلة لا توصف بعد أن تحقق الحلم الذي راود علي منذ الصغر. فالولد الذي اجتهد في علومه المدرسية وكان الأول في صفه، كان يسعى بجدٍ واندفاع للانضمام إلى المؤسسة العسكرية. ويؤكد الوالد أنّ الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان تزيد العائلة إصرارًا على التمسك بالوطن والأرض، مناشدًا جميع الشبان والشابات في لبنان بألا يستسلموا لأنّ وطننا بحاجةٍ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى سواعد أبنائه وإلى إيمانهم به.
تشير السيدة عيدا عون والدة الملازم جورج عون إلى الغصة التي شعرت بها العائلة لعدم قدرتها على المشاركة في حفل تخرّج ابنها، لكنها تؤكد في المقابل أنّ الفرحة التي خلّفها تخرّج جورج من مدرسة التضحية والشرف والوفاء تغلب أي شعور آخر، «فنحن اليوم مطمئنون أنّ ابننا في أياد أمينة، وفي الوقت نفسه نحن فخورون بأنّه انضم إلى خيرة الشبان الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن».
«الشبان الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن»... عبارة من أم فخورة بابنها، عبارة تسري في العروق نبضًا يجدد الإيمان بالغد، الإيمان بالوطن الذي لن يخذله الشرفاء، وسيعيدون استنهاضه بعزمٍ وإصرار حاملين شعلة لن تطفئها الرياح العاتية.


المتخرّجون
وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مراسيم ترقية تلامذة ضباط إلى رتبة ملازم في جميع الأسلاك العسكرية ابتداء من الأول من آب ٢٠٢١، وبلغ عددهم ١٥٧ ضابطًا، موزعين وفق الآتي: في الجيش ٩٣ ضابطًا (٧٢ ضابطًا في القوات البرية، و٦ ضباط في القوات الجوية، و١٥ ضابطًا في القوات البحرية)، في قوى الأمن الداخلـي ٤١ ضابطًا، و١٥ ضابطًا في الأمن العام، و٤ ضباط في إدارة الجمارك، وعدد مماثل في المديرية العامة لأمن الدولة.


لتكن رؤوسكم مرفوعة
وجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحية إلى الضباط المتخرّجين في تغريدة عبر تويتر أوصاهم فيها بأن يظل سيف التربية العسكرية والأخلاقية التي تلقّوها في كلّية الشرف والتضحية والوفاء مرفوعًا في أيديهم في وجه المتآمرين على أمن لبنان في الداخـل والخارج. وأضـاف: «لتكـن رؤوسكـم مرفوعـة في وجـه مَنْ يحـاول المـسّ باستقامتكـم ومناقبيتكـم».

 

أنتم أمل شعبنا
قائد الجيش الذي يدرك عمق معاناة العسكريين في هذه الظروف القاسية ويعيشها معهم لحظة بلحظةٍ، أكّد في «أمر اليوم» أنّ الجيش سيظل صمام الأمان لوطننا، والعمود الفقري الذي يستند إليه كيان الدولة.
وفي تغريدة عبر تويتر توجّه العماد جوزاف عون إلى العسكريين قائلًا: «عهدتكم أبطالًا، لا تنال من عزيمتكم التحديات، ولا من معنوياتكم المِحَن. أنتم أمل شعبنا في هذه الظروف الصعبة، وأنتم خلاص هذا الوطن».