تحية لها

ماجدة الرومي: الإنسان بكلّ آلامه جزء من صوتي

الفنّ بالنسبة إليها رسالة سامية بإمكانه حمل أبعاد إنسانية ووطنية. السيّدة ماجدة الرومي التي كان لبنان أول لحن غنّته حنجرتها، تؤكّد أنّها حملت في قلبها اللبنانيّين والناس جميعًا، وأنّ الإنسان بكلّ آلامه جزء لا يتجزّأ من صوتها. ماجدة الرومي تتحدث كفنانة وكسفيرة للـ«فاو» وكأم تسترجع أجمل لحظات العمر.

 

سفيرة الأمم المتحدة للسلام تشعر وكأنّها عاشت أكثر من حياة، وتوضح السبب: «خلال مسيرتي الفنيّة حدثت أشياء كثيرة في الوقت نفسه، نحن غنّينا في فترة الحرب اللبنانية كلّها، وهذه التجربة وحدها يجب أن يُحكى ويكتب عنها. كيف استمرّينا وكيف غنّينا والقذائف تتساقط علينا ومن حولنا، الاستمرار كان فقط لمن يملك الإرادة والتصميم. وتضيف: شخصيًّا منذ البداية كان الفنّ لي رسالة سامية بإمكانه حمل أبعاد إنسانية ووطنية كبيرة وبإمكانه التأثير في النفوس، ومن هذا المنطلق كان هدفي دائمًا الحفاظ على سيادة لبنان وحرّيته واستقلاله، وكانت هذه الأرضية الوحيدة التي وقفت عليها... لم يكن عندي أي أبعاد سياسية لأنّني مؤمنة أنّ رسالة الفنّان هي فوق رسالة السياسي، وحيث تفرّق السياسة مهمّة الفنّان أن يجمع.
كان وعدي لنفسي أن أحمل بقلبي الإنسان الموجوع في الظروف الصعبة التي أفرزتها الحرب طوال سنوات منذ العام ١٩٧٥ وحتى اليوم، حملت في قلبي اللبنانيين والناس جميعًا، وكان هذا موضوع عمل لي غاية في الأهمية ويحقّق عبوري في هذا الكون... كنت مصرّة أن أدافع عن سيادة لبنان وحريّته وأن أشهد لهذا الأمر، وكلّ الباقي كان تفاصيل بالنسبة إليّ.
كان دوري جامعًا. هذا ما أردته لنفسي، وهذا ما تعلّمته في بيت أهلي، في بيت الفنان الكبير حليم الرومي الذي علّمني أنّ الفنّ رسالة سامية وأنّ الإنسان بكلّ آلامه جزء لا يتجزّأ من صوتي».
ماذا يعني لماجدة الرومي تعيينها من قبل الأمم المتحدة سفيرة للـ«فاو»؟ تقول في هذا السياق: «هذا شرف ووسام عُلّق على صدري. في النهاية بالنسبة لي الإنسان الناجح ليس بالضرورة أن يكون «أحسن إنسان»، أنجح إنسان هو الذي اكتملت إنسانيّته. وأن تثق بي الـ«فاو» بتعييني سفيرة لها كان يعني لي الكثير نظرًا إلى طريقة تفكيري في الحياة، فالإنسان لا يكبر  بوظيفته  ولا بماله ولا بمركزه، بل بإنسانيّته. ومن هذا المنطلق كنت معهم في كلّ اجتماعاتهم وبفرح كبير. لكن ما كان يؤلمني هو أنّنا لم نستطع أن نفعل أكثر مما فعلناه، مع أنّ لدى الـ«فاو» سفراء مهمّين جدًّا في أرجاء العالم».

 

الفنّ والأمومة
مثل كلّ أمّ تعمل، هناك جزء من يومها مخصّص لعملها، وجزء مخصّص للأغاني والتمارين، أمّا بعد الظّهر، فكان مخصّصًا لابنتيها، تتولّى تدريسهما وتعتني حتى بشؤونهما الصغيرة، وقبل النّوم تروي لهما حكاية. تؤكّد أنّ ابنتيها لم ترسبا ولو شهرًا واحدًا في المدرسة، وأنّهما لم تستيقظا يومًا للذّهاب إليها إلا وكانت مستيقظة معهما. أحبّت دورها كأم، واستمتعت به، كما استمتعت بيوم السبت تمضيه في اللّعب معهما. وتروي عن تلك اللحظات الجميلة والتفاصيل الدافئة: «كنّا نذهب إلى «الحقلة» لأريهما الطبيعة مثلما رأيتها في كفرشيما الجميلة، حرصت أن تريا الفراشة و«البزّيْقة» وألوان الزّهور في الأرض، لأنّني أعتبر أنّ كل الجمالات التي خلقها الله هي جزء لا يتجزّأ من رقيّ نفسَيْهما. وأشكر الله أنّني استطعت أن أكون عينًا مفتوحة عليهما من ناحية وعينًا مفتوحة على فنّي من ناحية أخرى، إنّما كان هناك من يساعدني في البيت، أمي - رحمها الله - وأختي - الله يطــوّل عمرهــا - لولا وجودهمــا واحتضانهمــا لابنتَــي لمــا استطعــت أن أحيــي أي حفلــة مــن حفلاتــي».
وصيّة ماجدة الأم والفنّانة لابنتيها هي البقاء بعيدًا عن السياسة، فالسياسة تتغيّر كما شهر شباط، وأن تترفّعا عن ذلك، وأن تكونا شهادة لله في الأرض، ومن أراد أن يكون كذلك لا يستطيع ألّا يشهد لسيادة وطنه وحريّته واستقلاله بغضّ النظر عن الصعوبات وظروف البلد التي تأخذه يمينًا أو شمالًا. وهي تؤكد: «لا يُحسد أي سياسي على مركزه في الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان منذ العام ١٩٧٥ ولغاية اليوم، فقط أقول إنّ مهمة الفنّان أعلى من مهمة السياسي. ووظيفة الفنّان أن يجمع في المكان الذي تفرّق فيه السياسة. عليه واجب تجاه ضميره وربّه بأن يشهد لسيادة وطنه وحرّيته واستقلاله، وهذا ما نقلته إلى ابنتيّ وهما أيضًا مؤمنتان به».
في نظرة إلى المرأة اللبنانية ترى أنّها نجحت بامتياز، واستطاعت أن تقوم بوظائف كثيرة في آن معًا، فهي تساند زوجها، وتذهب إلى عملها، وتهتمّ بأولادها وتصطحبهم إلى نشاطاتهم، وتطبخ وتهتمّ بكل التّفاصيل حتى الصغيرة منها، وتنجح بامتياز. وتعبّر ماجدة الرومي عن إعجابها باللبنانيات قائلة: «أنا معجبة بهنّ وبما استطعن إنجازه. وبرأيها، هنّ مؤهلات جدًّا للقيادة والرئاسة».

 

المرأة بحاجة إلى الفرصة فقط
أكثر من ذلك، ترى ماجدة الرومي أنّ «مستوى الأوطان هو من مستوى فكر المرأة بالدرجة الأولى فهي التي تتدخل بتفاصيل حياة الطفل كل الوقت، لهذا دورها هو الأهمّ. أخلاقها ورقيّها ومستواها الثقافي عوامل تحدّد شخصية أولادها. وغالبًا هم يشبهونها، لهذا يجب أن تتعلّم وتتثّقف، وألّا تتّكل على الرجل وإن كان صالحًا. يحدث في الحياة أن تضطرّ المرأة للتّصدّي لأمور الحياة، لذا يجب أن تصنع عالمها وتساند زوجها من موقعها المستقلّ، وليس من موقع الذي يذوب في الآخر. هي كيان بشري والله خلقها حرّة تمامًا كما خلق الرجل حرًّا... الإنسان وُلِد حرًّا لذا يجب أن تجتمع في يده كل المؤهّلات التي تمكّنه من مواصلة طريقه لينجح مهما اعترضه من صعوبات».
وأخيرًا، تمنّت الرومي للمرأة اللبنانية المزيد من النجاح والتألّق، وعلى مستوى العالم العربي تمنّت لها أن تحظى بفرصتها وبالمزيد من العلم والمراكز المهمة، وأعربت عن ثقتها الكاملة بأنّ اختيار السيّدة المناسبة للمركز المناسب سيقودها إلى الإبداع في عملها، فهي بحاجة فقط إلى فرصة لإثبات ذاتها.