مؤتمر

ماذا قالوا؟
إعداد: د.تراز منصور

باسكال معوض بو مارون

جان دارك أبي ياغي

 

 

على هامش المؤتمر تحدثت «الجيش» إلى عدد من المشاركين، وفيما أجمع هؤلاء على تقدير مبادرة الجيش إلى عقد المؤتمر، أجمعوا أيضًا على وصف تجربته في مجال الرعاية الصحية بالرائدة، وعرض بعضهم أبرز ما تواجه قطاعاتهم من تحديات. 

 

أفضل نموذج 

نوّه وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض بانعقاد المؤتمر الطبي الوطني في هذا الظرف الدقيق بالذات، «لأنّ القطاع الصحي في أزمة كبيرة جدًا، ونحن بحاجة إلى حوار صريح بين جميع الأفرقاء لمعالجة الأزمة. وها هو المؤتمر الذي نظّمه الجيش بشكل ممتاز، قد أتاح الفرصة أمام جميع الجهات المعنية بالصحة للمشاركة وإعطاء الرأي، وهذا ما يشجّع لإقامة حوار جدي في ما بينهم».

وعن تجربة الجيش في الطبابة العسكرية أشار إلى أنّها أنموذج جيد لكيفية إدارة المال العام والمرفق العام، فالجيش يدير الطبابة العسكرية بكثير من الحرفية والأمانة.

 

مثال يُحتذى

أشاد مدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد الكركي بمبادرة الجيش إلى تنظيم مؤتمر طبي خصوصًا في هذا الوقت الصعب الذي يعاني فيه اللبنانيون الضائقة الاقتصادية ويضطرون إلى سحب تعويضات نهاية الخدمة أو بيع ممتلكاتهم من أجل الطبابة. ورأى أنّ الأمن العسكري يتكامل مع الأمن الصحي والاجتماعي والنقدي فمؤسسة الجيش والضمان الاجتماعي ومصرف لبنان عوامل ضرورية من أجل الاستقرار في لبنان. وفي غياب أحد هذه العوامل بخاصة الصحية منها يبقى عمل الأجهزة الأمنية ناقصًا، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها على صعيد الاستقرار. من هنا، أولى قائد الجيش العماد جوزاف عون الطبابة في الجيش الاهتمام اللازم ووضع بتصرفها كل الإمكانات الضرورية كي لا يضطر أي جندي في الجيش أو أحد أفراد عائلته في حال احتاج إلى دخول مستشفى أن يدفع فرق الفاتورة الاستشفائية بعد تدني راتبه العسكري.

وأضاف: على ضوء المعطيات التي أضاء عليها هذا المؤتمر والكلمات التي ألقيت من قبل وزير الصحة وقائد الجيش وكل المعنيين بالشأن الصحي، نتمنى جمع الطاقات والجهود لمواجهة الواقع الصعب. 

ورأى أن تجربة الجيش على صعيد الطبابة والاستشفاء تجربة ناجحة جدًا بفضل الجهود الجبارة التي تُبذل لتأمين التمويل اللازم، وقد نجح قائد الجيش بهذه المهمة بفعل الثقة بالمؤسسة العسكرية وحسن الإدارة إذ استطاع في أماكن عديدة تسديد فواتير المستشفيات بالدولار الفريش، حفاظًا على كرامة العسكريين ومن هم على عاتقهم، وأن يُبعد عنهم كأس المعاناة المرضية المرّ. 

وختم منوهًا بأنّ ما يقوم به الجيش في ما يتعلق بالمستلزمات الطبية والأدوية والمناقصات التي يجريها يجب أن يكون مثالًا يُحتذى به في وزارة الصحة والجهات الحكومية الضامنة مع تأليف لجنة مشتركة لشراء ما يلزم.

 

نحن في ورطة كبرى

وصف نقيب أصحاب المستشفيات المهندس سليمان هارون المؤتمر بأنّه ذو قيمة عالية نظرًا لنوعية المحاضرين والمشاركين، ولأنّه كان منصّة واسعة أمام أهل الاختصاص لمناقشة القضايا الصحية وطرح الحلول. واعتبر أن أنموذج الطبابة العسكرية مهم جدًا ومنضبط كانضباط المؤسـسة العسكرية.

أكدّ أن «التحدّيات أمام المستشفيات الخاصة والقطاع الصحي عامة كبيرة جدًا في زمن تتجدّد فيه المشاكل يوميًا. وبالتالي لا أرى حلولاً جذرية في الأفق القريب، وفرص دخول اللبنانيين إلى المستشفى تتضاءل يوميًا مع تقلبات سعر الصرف الجنوني للدولار، مع العلم أنّنا نوصي المستشفيات بتسهيل دخول المواطنين أصحاب الأوضاع الصعبة إلى المستشفى». 

وأضاف هارون: «بلغت كلفة مستحقات المستشفيات للعام ٢٠١٨ عند الجهات الضامنة الرسمية ٥٦٢ مليار و٣٦ مليون ليرة لبنانية ويتضاعف هذا الرقم سنويًا بنسبة ٩ في المئة. وبناء على هذه الأرقام المخيفة، يقتضي بالدولة وضع خريطة صحية تمنع الفوضى القائمة اليوم، وتؤسّس لنظام صحي استشفائي كامل، يحافظ على جودة الخدمات والاستمرارية، والمواءمة بين الاحتياجات والإمكانات». 

وأكد أخيرًا «أنّنا في ورطة كبيرة على جميع المستويات الاستشفائية التقنية والسياسية والاجتماعية. فالأمور ستزداد سوءًا في ظل استمرار الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية وغياب إصلاحات وخطة اقتصادية شاملة».

 

مسؤولية كبيرة تفوّق الجيش في تحمّلها 

رأى صاحب مستشفى معربس الدكتور جورج معربس أنّ انعقاد المؤتمر في هذه الظروف له أهمية كبرى ورمزية تميّز بها الجيش، حامي الوطن وجامع اللبنانيين تحت مظلّته. ونوّه بنموذج الطبابة العسكرية، إذ اعتبره مهمًا ورائعًا، ومسؤولية كبيرة تفوّق في تحمّلها.

وفي الوقت عينه، اعتبر أنّه من الصعب تطبيق هذا النموذج في القطاع الخاص، لأنّ الطبابة العسكرية قطاع عام، مشيرًا إلى أنّ موزّعي المعدات الطبية يقدمون أسعارًا خاصة للمؤسسة العسكرية لايقدمونها للمستشفيات الخاصة.

وقال إنّ التحدّيات كبيرة جدًا أمام المستشفيات والمرضى على حدّ سواء، وأخطرها سعر صرف الدولار الجنوني.

 

الحل في الشراكة

أكدّ السيد إيلي نسناس (عضو نقابة شركات التأمين ومدير عام مجموعة AXA) أن تنظيم المؤتمر في هذه الظروف هو بحد ذاته أمر في غاية الأهمية، إضافة إلى التنظيم المميّز الذي عوّدنا عليه الجيش، مشيدًا بالطبابة العسكرية التي يمكن الاقتداء بها. 

أما عن التحدّيات التي تواجه شركات التأمين فقد أشار إلى أنّها تخطت مسألة سعر الصرف والتضخم من خلال احتساب كلفة عقود البوالص بالفريش دولار، مع وضع هامش معين للمخاطر.

وأضاف: «إن هذه السياسة أسهمت في خلق جوّ من الاستقرار، ولكن التحدّي الكبير يكمن في كيفية التعاطي مع شركائنا (مستشفيات، أطباء، مختبرات) في القطاع الصحي، لأنّه علينا القبول بالهوامش الربحية البسيطة، كي يتمكن المريض من شراء بوالص تأمين للحصول على الاستشفاء بكرامة، وهو حق من حقوق الإنسان، وبالتالي تأمين الاستمراية كي ينهض القطاع العام مجدّدًا».

وختم قائلًا: لا حل لمشكلة القطاع الصحي في لبنان إلا من خلال تطبيق مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. 

 

لا حل سوى هذا!

قال الدكتور بول معربس رئيس لجنة التحقيقات في نقابة الأطباء الذي مثّل نقيب الأطباء البروفسور يوسف بخّاش في المؤتمر: «إنّ مبادرة الطبابة العسكرية بتنظيم هذا المؤتمر «مشكورة وإن جاءت متأخرة، لأنّ هذه التحدّيات كان ينبغي أن تُطرح منذ فترة طويلة؛ فالاستغلال كان موجودًا في العمل الاستشفائي من أدوية العمليات، إلى الفوترة غير المطابقة، علمًا أنّ الطبابة العسكرية هي الأكثر تشدّدًا ومراقبة لعملها، في ظل نظام من الملاحقة والمراقبة الفعالة والمحاسبة الجدية».

وأضاف: «في لبنان أفضل نظام يهتم بالمريض هو نظام الطبابة العسكرية، وهذا المؤتمر يُظهر للجهات الضامنة الأخرى أين موطن الخلل في العلاجات الصحية». ولفت إلى أنّ «الطبابة العسكرية عندما تتلمس نوعًا من الاستغلال في ناحية ما، تعمد إلى ترشيد الإنفاق، خصوصًا وأنّ ثمة ممارسات شاذة تحصل بهدف الاستفادة المادية وليس العلاجية. ونحن كنقابة ترِدنا الكثير من الملفات التي تشكو من ممارسات سيئة ومن بينها إجراء بعض الفحوصات أو العمليات من دون أن تكون ضرورية. وثمة مستشفيات كسبت الكثير من جراء هذه الممارسات الباطلة بسبب عدم المراقبة والمحاسبة والمساءلة في الإجراءات الطبية».

وختم بالقول: «الحل هو بوضع أسس وإطار وخطة استراتيجية واضحة للعمل، مع اعتماد مبدأ المحاسبة، وإذا تم اتباع نظام الطبابة العسكرية فسنكون في الجانب الآمن للقطاع الطبي، لا حلّ سوى هذا». 

 

الأمان الذي نحتاج إليه

«لقد استبشرنا خيرًا وشعرنا بالكثير من الاطمئنان عندما 

دُعينا إلى هذا المؤتمر يقول نقيب الصيادلة في لبنان الدكتور جو سلوم مضيفًا: «عندما نكون في كنف المؤسسة العسكرية، نشعر بمنسوب الأمان الكبير الذي نحتاج إليه كمواطنين في هذا البلد المتقلّب الذي نتمنّى كلّنا أن يكون على مثال المؤسسة العسكرية في الأخلاقية والشفافية والمواطنية والغيرة على الوطن والمواطن».

وأشاد النقيب سلّوم بالطبابة العسكرية التي حققت الاستمرارية والنجاح، وهي استمرّت رغم كل الصعاب بفضل الرؤية بعيدة المدى، وتغليب الأولويات، ولو تمّ تطبيق هذه المعايير في القطاع الطبي الرسمي لَما وصلنا إلى هذا الدرك من التدهور الاستشفائي. ولفت إلى أنّ سر نجاح الطبابة العسكرية هو الرؤية البعيدة والشفافية، ونوعية الخدمة، وجودة الأدوية المصنّعة محليًا، فضلًا عن مركزية القرار.

وعن التحديات التي يواجهها قطاع الأدوية إثر الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلد أشار إلى أنّ هذا القطاع يواجه مشكلات كثيرة ومنها التهريب وغياب الكثير من أنواع الأدوية. ولفت إلى أنّ الدواء المدعوم كان يُهرّب سابقًا إلى الخارج، أما حاليًا، فنحن نواجه مشكلة تهريب الأدوية المزورة إلى لبنان. كذلك أشار إلى عدم تسليم الأدوية للصيدليات من قبل الموزّعين الذين يقومون بتخزين الأدوية وعندما تقترب صلاحيتها من الانتهاء يعمدون إلى توزيعها لتُباع بالأسعار المرتفعة الجديدة بحسب تسعيرة دولار السوق السوداء، بينما تتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين أكثر فأكثر.

وطرح الدكتور سلّوم عدة حلول لمشاكل القطاع ومنها البطاقة الصحية للمواطنين على شاكلة البطاقة العسكرية، مرورًا بالتنظيم الذي نفتقده حاليًا في القطاع الصحي، إضافة إلى الشفافية في معالجة الأمور الصحية والحفاظ على نوعية الدواء وجودته، ومنع التهريب.

 

دعوة

تشير نقيبة مصانع الأدوية الدكتورة كارول أبي كرم إلى أنّها «لم تتفاجأ بتنظيم الجيش للمؤتمر الذي ضم جميع أصحاب الاختصاص على هذا المستوى من الرقي»، لافتة إلى أنّ «المؤسسة العسكرية أثبتت مرة جديدة أنّها الوحيدة القادرة على ضبط الفوضى التي يتخبط فيها لبنان في هذه الظروف الصعبة» وأكدت أنّ « ما سمعناه خلال المؤتمر زاد التزامنا حيال هذا الوطن على الرغم من كل شيء».

وأشارت إلى أنّها من الداعين دومًا إلى الاقتداء بتجربة الجيش في مجال الطبابة والاستشفاء، ومن المطالبين بتسليم الجيش مشتريات القطاع العام نظرًا لاعتماده الشفافية وتميّز أدائه بالمناقبية. وقالت: «إنّ وجود أكثر من جهة ضامنة لا يمنع أن يكون هناك معيار موحد للمشتريات على غرار الطريقة التي يعتمدها الجيش اللبناني».

وأكدت أنّ هذه التجربة يجب أن تكون أنموذجًا يُستفاد منه في مجالات الطبابة والرعاية الصحية مع العلم أنّ ميزانية الجيش انخفضت بنسبة عالية من دون أن يؤثر ذلك على صحة أفراده. ويعود ذلك إلى قرارات قائد الجيش، وإلى الشفافية التي تتحلى بها المؤسسة والثقة التي تحوزها. 

في ما يتعلق بقطاع صناعة الأدوية المحلية، قالت أبي كرم إنّه استطاع منذ العام ٢٠١٩ ولغاية اليوم أن يلبي حاجة السوق المحلي وتحمّل مسؤولية تأمين الدواء رغم حجز أمواله في المصارف كباقي المؤسسات. وقد أثبت هذا القطاع جدارته وحقق نموًا جيدًا، وارتفعت نسبة مساهمته في السوق من ٢٥٪ إلى ٧٥٪، وتُعتبر الأدوية محلية الصنع اليوم من أهم ٢٠ فئة علاجية يستعملها المواطن في لبنان على صعيد الأدوية المزمنة والأساسية بالجودة المطلوبة وبالسعر المناسب الذي يلائم قدرة المواطن الشرائية.

ورأت أنّ أبرز التحديات التي تواجه قطاع صناعة الدواء هي الأدوية غير الشرعية التي تدخل عبر مناطق الأطراف وتُباع في صيدليات غير شرعية بأسعار متدنية جدًا، والخوف الأكبر من أن يعتاد عليها المواطن. ومن التحديات الأخرى، غياب الرؤية والدعم الشامل للصناعة الوطنية من قبل الدولة اللبنانية، وصعوبة التصدير إلى الخارج، مع العلم أنّ ثمة مصانع تعمل على تطوير قدراتها الإنتاجية على الرغم من الأوضاع الصعبة. 

 

تجربة تُرفع لها القبعة

«جاءت الدعوة لهذا المؤتمر الطبي الوطني في وقتها، تقول رئيسة نقابة مستوردي المستلزمات الطبية السيدة سلمى عاصي، فالجميع يعلم أنّ القطاع الصحّي في لبنان وصل إلى حالة يرثى لها، وبهذه المبادرة جمعت الطبابة العسكرية اليوم كلّ المعنيّين في هذا القطاع، للَملمة ما تبقى على أمل التوصّل إلى حلّ. وتضيف: المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي ما زالت تعمل في سبيل الوطن، وتجربتها في الطبابة «تُرفع لها القبّعة»، وعلى الرغم من كلّ الأزمات التي مرّت بها البلاد، بقيت المؤسسة الضامنة الوحيدة التي تؤمّن الطبابة والاستشفاء لعناصرها ولم تسمح بأن «يتبهدل» أي منهم على أبواب المستشفيات. تحيّة كبيرة للجيش اللبناني ولقائده، الأمل بهذه المؤسسة كبير لبقاء البلد». 

وعن التحدّيات التي تواجه نقابة مستوردي المستلزمات الطبية، قالت عاصي إنّها كبيرة جدًّا، فنحن كشركات ومستوردين ما زلنا ننتظر دفع الأموال المستحقّة لنا من مصرف لبنان. كذلك، فإنّ شركاتنا تعاني وجود شركات غير شرعية ومستوردين غير شرعيين ما يؤدي إلى تداعيات كبيرة تطال «جيبة» المواطن اللبناني وصحته. ونحن كنقابة لا سلطة لنا في هذا الخصوص، إنّها مسؤولية الدولة اللبنانية في ضبط تهريب المستلزمات الطبية، لا سيّما وأنّها تحتاج إلى مواصفات وشروط معيّنة لحفظها وبيعها. في الواقع الرّقابة تطال فقط الشركات المسجّلة في النقابة أمّا تلك التي تعمل خارج الأطر الشرعية فلا رقابة عليها.

نحن في النقابة نستطيع فقط أن نرفع الصوت، تضيف عاصي، وقد طالبنا بقانون «تجريم الأرباح غير المشروعة» الذي يجرَّم من خلاله ثلاثة أعضاء هم الشركة المستوردة، المستشفى الذي يستعمل فيه المنتَج، والطبيب الذي يجري العمل الجراحي. ولكن حتّى اليوم لم يقرّ هذا القانون ولم ينفّذ.