آفاق العلوم

ماذا لو أصبح الأمر واقعًا؟
إعداد: ريما سليم ضوميط

الصين تسعى إلى «صناعة» جيل من العباقرة عبر تطوير هندسة الجينات

 

في إطار سعيها لإثبات نفسها كقوة عالمية جديدة، تقوم الصين حاليًا بتطوير علم هندسة الجينات من أجل إنتاج أطفال عباقرة، وقد باشرت مشروعًا في مجال علم الوراثة المعرفي سيبدّل, في حال نجاحه, وجه التاريخ في الأجيال القادمة.

 

أبحاث متقدمة
 يجمع العلماء في مركز BGI Shenzhen، وهو أكبر مركز للبحوث الجينية في الصين، عينات من الحمض النووي (DNA) من ألفي شخص يتم اختيارهم من بين أكثر الأشخاص ذكاءً في العالم، وهم يدرسون حاليًا العوامل الوراثية الخاصة بهم في محاولة لتحديد الصبغيات (Alleles)التي تحدّد الذكاء البشري. وبحسب التقارير، يبدو أنهم على طريق اكتشاف المعلومات التي يحتاجونها، وعندما يحصل ذلك، وتحديدًا من خلال تصوير الجنين، وهو فى مراحله الأولى، يمكن للوالدين اختيار أذكى خلاياهم الملقحة، وبالتالي سترتفع معدلات ذكاء أطفالهم بمقدار 15 نقطة فى اختبار معدل الذكاء (IQ TEST) فى كل جيل. وفي غضون بضعة أجيال، سيصبح التنافس مع الصينيين على المستوى الفكري أمرًا مستحيلًا.
يتم اختيار الأشخاص الذين تؤخذ منهم الجينات وفق مواصفات محددة، ويهتم العلماء الصينيون بجينات الأذكياء من الصين وأوروبا بشكل خاص. فيذهب المتخصصون فى علم الجينات من الصين إلى المؤتمرات العلمية فى أوروبا، ويحددون مدى ذكاء هذا العالم أو ذاك من خلال الكلمة التي يلقيها، ثم يطالبونه بدليل واضح على ذكائه من خلال إرسال سيرته الذاتية وجميع أعماله وما أنتجه خلال مسيرته إلى المركز الصيني، وبعد ذلك عليه اجتياز اختبار يحدد مدى أهمية استحقاق جيناته لأن تدخل في برنامج تطوير الذكاء.

 

آلية تطوير الذكاء البشري
جيفري ميلر، وهو طبيب نفسي ومحاضر في جامعة نيويورك، وأحد الأدمغة الألفين الذين تم اختيارهم للمشاركة في البرنامج، شرح على الانترنت آلية تطوير الذكاء البشري بحسب المشروع الصيني. فأشار الى أن الدراسة لا تشمل أي تعديل على العوامل الوراثية او إدخال جينات جديدة، وإنما تتم عملية إختيار الجنين الذي يحمل أكثر نسبة ذكاء، في المختبر، من بين عدة بويضات للأم تم تلقيحها من قبل الأب، مما يعني أن الجنين المختار هو الطفل نفسه الذي يمكن أن يولد فيما لو تم الحمل بالشكل الطبيعي، إلّا أنه سيكون الطفل الأكثر ذكاءً من بين مجمل الأطفال الذين يمكن أن يولدوا من هذين الأبوين.
وأضاف: منذ أواخر السبعينيات في القرن الماضي، باشرت الصين سعيها إلى تطوير إقتصادها عبر إدارة نوعية البشر وكمّيتهم. وقد بدأت في التسعينيات محاولة تحسين النسل عبر توسيع نطاق الفحوصات الخاصة بالتشوهات الخلقية في أثناء الحمل، إلى أن انتقلت في الفترة الأخيرة إلى البحث في علم الوراثة البشرية لمعرفة الجينات التي تجعل البشر أكثر ذكاءً، وقد أنفقت الكثير من المال في هذا البرنامج الذي يشكل استثمارًا هامًا. فإذا تم التوصّل الى تعزيز معدل الذكاء الصيني بفارق خمس نقاط فقط، سيؤدي ذلك الى فارق كبير على مستوى الإنتاج الاقتصادي والقدرة التنافسية للبلد، إضافة إلى كمية براءات الاختراع التي سيحصل عليها الصينيون، وكيفية إدارة أعمالهم، ومدى الإبتكار في إقتصادهم.

 

حوافز قوية وجدال كبير
يشير المحللون الى أن استخدام التكنولوجيا الخاصة بفحص العوامل الوراثية للجنين على نطاق واسع قد يستغرق من خمس إلى عشر سنوات، ولكن وجود الحوافز القوية لدى الصينيين قد يقلّص هذه المدة إلى سنوات أقل. ويتخوف بعض المحللين من  أن تتطور هذه الأبحاث إلى مجالات خطرة في المستقبل كمثل تطبيق الهندسة الوراثية للأجنة أي إجراء تعديلات في الجينات البشرية. فالدراسات الحالية تفتح الباب لتغيير سمات أخرى في الإنسان كالمظهر الخارجي والطبع الداخلي، وهي سمات يسهل التحكم بها أكثر من الذكاء الذي يعتمد على الكثير من الجينات في حين أن الصفات الجسدية مثل الشعر أو لون العينين تعتمد فقط على عدد قليل من الجينات. وقد تقود الأبحاث أيضًا الى التحكم فى ميول الشخص، مثل الميول السياسية أو الدينية.
 وتعتبر أبحاث الجينات في الصين متقدّمة كثيرًا عن دول الغرب، على الرغم من أن الأخيرة تملك القدرة ذاتها على جمع المعلومات وتحليلها، ويعزو المحللون ذلك إلى أن حكومة الصين تتبنى هذه الإكتشافات العلمية ضمن سياستها المحلّية، في حين أن الغرب لديه تحفظات تجاه المواضيع المتعلقة بالعبث بالطبيعة البشرية كونها تخلق جدلًا دينيًا قويًّا بين مؤيّد لتغيير مشيئة الخالق ومعارض لها. في هذا الإطار، يشير ميلر إلى أن موضوع تشريع الهندسة الوراثية شهد جدالًا كبيرًا في مدينة نيويورك الشهر الماضي، في حين أن 95 في المئة من الصينيين لا يجدون مشكلة في تعديل الجينات البشرية إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى أطفال أكثر صحّة وسعادة وذكاء. ويضيف، أنها مسألة إختلاف في الحضارات والرؤية للأمور.
ويرى الخبراء أن الصين جدّية في مشروع الإرتقاء بالذات، فهي توظّف أموالًا طائلة في قطاع التعليم وتعمل على إيجاد أساليب خلّاقة في المستوى الجامعي منه. كما أنها ترسل مئات الطلاب إلى أميركا وأوروبا للدخول في تفاصيل النظام التعليمي في الغرب والإرتقاء بنظامها الخاص إلى المستوى نفسه إن لم يكن أعلى منه. ويقول ميلر أن الصين تسعى إلى استعادة موقعها التاريخي كمركز للحضارة الإنسانية، واستعادة التوازن الطبيعي في القوى إنطلاقًا من كونها الدولة الكثر كثافة سكانية في العالم. ويضيف، ان الصين تسعى إلى السلطة والقدرة على التأثير لأنها لا تثق بأميركا أو أوروبا في إدارة العالم في الطريق الصحيح، لا سيما في المواضيع المتعلقة بالإحتباس الحراري، والمساواة، والإستقرار الإقتصادي.

 

خدمة للبشرية؟
إذ ينتقد محلّلون مشروع الصين في تغيير وجه الطبيعة البشرية، يتساءل آخرون ما إذا كانت سياسة «الغباء» التي يعيشها جزء كبير من سكان الكرة الأرضية هي أفضل حالًا، حيث يقضي البشر معظم أوقاتهم في التسلية على «الفيس بوك» أو «تويتر» منغمسين في التفاهة والسمنة! ويدعو هؤلاء إلى النظر إلى الأمور بأسلوب علمي، ويوضحون أن معرفة الجينات الصالحة من السيئة يمكن أن تشكل خدمة كبيرة للبشرية إذا ما استخدمت بالشكل الصحيح، كأن تساهم في التخلص من السمات السيئة أو التشوهات من دون الحاجة إلى عمليات جراحية.
في رد مقابل يرى معارضو الفكرة أنه إلى جانب الموانع الدينية لمبدأ الهندسة الوراثية، هناك موانع أخلاقية وذلك أن التغييرات الإيجابية التي ستسمح بها الهندسة الوراثية ستكون متاحة لفئة دون الأخرى بمعنى أن المستفيدة هي الدول الغنية والمتطورة في حين أن شعوب الدول الفقيرة ستظل تتخبط في الفقر والجهل، وسيبقى مبدأ عدم التوازن في تقسيم الخيرات موجودًا.

 

متى يعيش العباقرة طفولتهم والمراهقة؟
في السياق نفسه، يشير خبراء في علم الإجتماع إلى عدم صوابية فكرة الأطفال العباقرة في أساسها، ويقولون أن الطفل العبقري يتعلم القراءة في سن الثانية، ويحل المسائل الحسابية الشائكة في سن الخامسة، ويتخرّج من الجامعة في سن الخامسة عشرة، فمتى إذًا يعيش مرحلتي الطفولة والمراهقة؟ ولماذا نحرم أطفالنا من أهم مراحل النمو التي تشكل أساس بناء شخصيتهم وفرادتهم؟ ويتساءل هؤلاء: لماذا لا نعمل على تنمية الذكاء الإنساني عن طريق الأساليب التعليمية الخلّاقة والعادات الحميدة، ولماذا علينا أن نخلق جيلًا من «الرجال الآليين» في حين أننا قادرون على بناء جيل متنوع الثقافات والمواهب والقدرات الإبداعية؟