أسماء لامعة

مارون الحكيم ريشة المبدع تحاور الإزميل الخلاّق
إعداد: تريز منصور

صاحب ريشة مبدعة، وإزميل خلاّق. له هويته الخاصة المتميّزة بالمزج بين العمل المسطّح واللوحة المنحوتة. يحتكم الى روح المغامرة والجرأة والتجدّد. تشرق أعماله من النبع الداخلي، الواعي واللاواعي. إنه الفنان والأستاذ الجامعي مارون الحكيم، الذي يجمع في فنه الرسم والنحت، ويطوّع الحجر واللون لأحلامه ورؤاه الموزّعة بين الطبيعة والإنسان والمرأة، مزوّداً ثقافة عميقة وتعلّقاً بالتراث والتاريخ. ولعلّ السيراميكية التي يتقن، هي النبرة الأكثر بلاغة في شخصيته الفنية المضيئة في التشكيلية اللبنانية.


من هو؟
في مزرعة يشوع، القرية الساكنة على كتف جبل المتن، ولد مارون الحكيم العام 1950، والده السيد يوسف الحكيم (معمرجي) ووالدته السيدة الفاضلة نبيهة سمعان.
هو الأصغر سناً في عائلة مؤلفة من أحد عشر شخصاً، ثمانية شبان وثلاث بنات. ترعرع الصبي في كنف عائلة أعطته كل الحب والحنان، وزوّدته الإحساس بالكرامة والمسؤولية تجاه الحياة ومواجهتها بقوة وعزم وتفانٍ، ودرّبته على حب الله والوطن.
عاش متأثراً بمهنة والده وأخوته، وهي مهنة اللبنانيين، عشق الإزميل والحجر منذ البداية.
وفي سن الثانية عشرة بدأت رحلته الفنية معه، فراح ينحت الصخر، بمحاولات بدائية كان أولها نقش على بلاطات سطح بيته، لكتابات ونقوش بسيطة، ما برحت أن تطوّرت الى حشرية لمعالجة الشكل من كل جوانبه.
وفي الرابعة عشرة من عمره تفتّقت لديه الموهبة الفطرية، وشرع ينحت الصخور في مواضيع مختلفة، كالوجوه والأيدي والحيوانات وغيرها من آلات موسيقية أو مواضيع تاريخية مستوحاة من الكتب المدرسية.
تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة، وعلومه الثانوية في ثانوية انطلياس، ثم انتسب الى دار المعلمين للتخصّص في مادة الرسم والتصوير لغياب الرفقة في التخصّص في النحت. وهناك تدرّب على اللون من دون أن يتخلى عن الشكل الذي تابعه بوسائله الخاصة. وشاءت الصدف أن يلتقي في المعهد بالأستاذين الفنانين رشيد وهبي وجوزف مطر، اللذين اكتشفا موهبته وأرشداه الى معهد الفنون، حيث بدأ رحلته الفنية الإحترافية.
حاز الحكيم دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية العام 1975، مع انطلاقة شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، فسافر الى إيطاليا حيث انتسب الى كلية روما للفنون التطبيقية، وحاز دبلوم «أستاذ فن» العام 1976.
تزوج من الدكتورة والشاعرة سمر ناهض (أستاذة في معهد الفنون الجميلة - الجامعة اللبنانية)، وأنجب منها ثلاثة أولاد، سماح (25 عاماً) متخصص في الفنون الإعلانية (Graphic Designer) وهو أستاذ في جامعة الروح القدس في الكسليك، ميراب (22 عاماً) متخصص في علم اللاهوت، نيكولا (15 عاماً) لا زال يتابع دراسته المدرسية ويرغب في التخصص في علم الموسيقى.


مسيرة مبدع
إختار مارون الحكيم السيراميك مجالاً للتخصّص، لأنه كان على ثقة بأنه قد حصّل ثقافة فنية عالية وكافية أكاديمياً، وهي التي خوّلته البدء برحلته الفنية بقوة وعزم. لكن القلق الذي كان ينتابه، هذا الإنفصام بين كونه نحاتاً ورساماً في الوقت نفسه، جعله يفكر بطريقة ما تجمع ذاته بذاته، وتوحّد بين النحات والرسام في شخصية فنية واحدة، متميّزة وذات خصوصية. فلم يجد سوى فن السيراميك، وهو الفن الذي يجمع بين الحجم واللون في عمل واحد.
دراسته لهذا الفن ساهمت في استحداثه تياراً ومدرسة جديدة في الحركة الفنية التشكيلية اللبنانية. فدراسته فن السيراميك وحدت رؤيته الفنية وعزّزت نظرته الجديدة الى العمل الفني.
توصّل خلال تجاربه الى استنباط اللوحة المنحوتة، وعرضها لأول مرة في غاليري دامو في أنطلياس. تركزت التجربة على الحفر في الخشب المضغوط، ومن ثم تلوينه بالألوان الزيتية، وما لبثت أن تطوّرت مع اندفاعه في تجاربه تباعاً. فقد شهدت لوحته تداخل المزيد من العناصر والمواد إذ استعمل الصورة الفوتوغرافية ولوحات السيراميك والشريط الشائك والقماش والخشب كلها في عمل واحد. بعد ذلك استعمل ألوان الأكريليك بتقنية جديدة متطورة تحاكي التفجرات والإنفعالات النفسية والثورة الدفينة (معرض في «نواس آرك» 1996).
مارون الحكيم ما زال يبحث عن أفق جديد للوحته المنحوتة التي باتت على عتبة مرحلة جديدة خاصة.
إهتمامه باللوحة المنحوتة لا يعني إهماله فنوناً أخرى يزاولها من نحت ورسم ومائيات وزيتيات وأكريليك وباستيل وسيراميك.
للصخر والرخام الأولوية في أعماله النحتية، أما الخشب فيأتي في الدرجة الثانية. غاص في عمق المواد وسبر قماشاتها وإمكاناتها، من أحجام وألوان وطبقات مستكشفاً إمكانات المادة الخام ومدى قدرتها على الإيحاء والتعبير، ليعمل على بثّ النبض فيها، وصولاً الى أقصى حدود التوتر والتقميش والتخيّل.
تعمّق الحكيم في مادة المائيات الشفافة حتى بات معروفاً أن مجمل مراحله الفنية تبدأ خربشات أولى بهذه المادة، قبل أن تنطلق الى النحت والتصوير بالزيت أو الأكريليك...
يقول: الفنان الذي يطوّع الصخور ولا ينحني أمام قساوتها، قادر على سبر أغوار المواد الأخرى الأقل تعباً والأكثر رهافة، وقادر على إدخالنا الى عالمه السحري المسكون بالمتناقضات، لنعرف سر فلسفته الجمالية المتشبثة بكل ما هو لافت وممثل لحقيقة المشاعر العميقة.

 

نقيب الفنانين التشكيليين
بالإضافة الى أعماله الفنية في الرسم والنحت، يؤدي رسالة سامية في التدريس، فهو أستاذ في ملاك الجامعة اللبنانية - معهد الفنون الجميلة منذ العام 1979 ولغاية تاريخه يدرس مادتي التأليف الفني والنموذج الحي، وهو رئيس قسم التصوير في المعهد منذ العام 1986. يردّد دائماً على مسامع طلابه أن نجاح الفنان يتطلّب شروطاً ثلاثة: الموهبة، الثقافة والتعمقٍ في التقنيات والخبرات، والإصرار على العمل والمتابعة.
يعتبر أن الموهبة تخلق مع كل إنسان، ولكنها تنمو وتكبر إذا توافرت الظروف المناسبة لها. الفنان يجب أن لا يكون أنانياً برأيه، وعليه عيش الحياة بحلوها ومرّها. إنه يلتقط الصور ويحوّلها الى أعمال فنية ويستمد القدرة من الحياة لتصبح هذه الأعمال كائنات حية.
انتخب رئيساً لجمعية الفنانين في آذار العام 1998، التي تحوّلت الى «نقابة الفنانين التشكيليين» العام 2002، بفضل جهوده ومساعيه. وقد عمل على تحقيق إنجازات نقابية إدارية وفنية سهّلت أعمال الفنانين وحياتهم. والحدث الأبرز للجمعية، إنشاء سمبوزيوم النحت في مدينة عاليه، بالتعاون مع المجلس البلدي، حيث أنجز النحاتون اللبنانيون والعرب، أكثر من ثلاثين منحوتة صخرية ورخامية بأحجام كبيرة، أصبحت نواة متحف للنحت في الهواء الطلق، وهو أول متحف من نوعه في لبنان.
عمل مارون الحكيم على تعزيز دور النقابة كحاضنة للإبداع وكمركز يؤمن تواصل الفنانين والمبدعين، ويضمن حقوق الفنان وكرامة الفن. وفي هذا الإطار أقيمت معارض ومحاضرات وعرضت أفلام وثائقية عن أعمال فنانين لبنانيين وعرب وعالميين.
أقام مارون الحكيم ثلاثين معرضاً فردياً في كل من لبنان، المغرب، العراق، الكويت، سوريا، البحرين، الشارقة، السعودية، مصر، الأردن، سويسرا، فرنسا والسودان.
وله العديد من الأعمال المميزة في المؤسسات العامة والخاصة والحدائق العامة أهمها:
ثلاث منحوتات في حديقة ذوق مكايل (1980)، نصب تذكاري بمناسبة مئوية شركة مياه بيروت (1996)، فينيكس للإعلان (1992)، شعار سمبوزيوم عاليه للنحت (1999)، ملصق الذكرى السنوية الرابعة لمجزرة قانا (2000)، جدارية فخارية لكنيسة مار نهرا في مزرعة يشوع (2002)، نصب فني نحتي على مدخل مزرعة يشوع (2008).

 

محترفه
حوّل الفنان مارون الحكيم بيت العائلة العريق الذي ترعرع فيه الى محترف. والبناء يتّسم بهندسة تمزج بين دفء العائلة وجمال البناء، وتتناغم مع الطبيعة المحيطة بها وتمتزج معها. سقف البيت مصنوع من خشب الأرز، الذي ما زالت رائحته تفوح الى اليوم، ويشعر بها من يدخل اليه.
هذا البيت، الذي ما زالت أرجاؤه ترجع صدى ضحكات العائلة التي سكنته، عاد من جديد الى الحياة العام 2008، كتحية وفاء من الإبن الأصغر الى والده وعائلته ووطنه لبنان، فتجدّدت فيه الروح وفتح قلبه للحلم الذي بدأ صغيراً وكبر مع السنين، وهو يحقق اليوم الخطوة الأولى في اتجاه تحويله الى متحف.
يضم المحترف مجموعة من اللوحات بتقنيات مختلفة (أكواريل، أكريليك، زيت) وأحجام متنوعة وقياسات وأشكال مستطيلة ترمز الى أزمنة الضيق واليأس، يهيم فيها الناس في فراغ أبيض تحيط بهم مساحات دكناء وتوحي بامتداد الحالة أفقياً وديمومتها عمودياً ونزولاً الى الهاوية. وأخرى تجسّد الحرية لشعب انتفض في وجه الظلم والأسر، مؤكداً على وطن الكرامة، عبر تعبيرات فنية تتفاعل فيها مواقف الفنان، مع بيئته وشعبه. في المحترف أيضاً لوحات صغيرة الحجم بمادة الأكريليك تعكس التجريب الفني، الذي يتميز به مارون الحكيم بأسلوب عفوي وبوسائل وأدوات تنطق بمكنونات ذاته اللاواعية.
الى جانب اللوحات تبرز المنحوتات المتطلعة كلها نحو الأعلى، بشموخ ينمّ عن شموخ ذات الفنان، من بينها منحوتات من الخشب المتنوع من الفترة الأولى التصويرية، تنتصب أجساداً ورؤوساً بتعابير تنضح بالرفض والتأمل والحنان، وتنشد إطاراً جديداً للمعاناة (2002 - 2003). أما المنحوتات الحجرية والرخامية، فتتنوع بين انتشار الأجساد والوجوه بفرح الحب والحرية حيناً، وانفلاتها في متاهات التأمل حيناً آخر.
في الجزء الأخير من أعمال التصوير، تضيء الألوان مساحاتها فتبرز صحوة متجددة تشع بالنور في مناظر من الحلم الصافي والأمل بولادة الربيع (2007 - 2008).
يؤكد الفنان مارون الحكيم «أن هذا المحترف سيكون مقراً لتجارب تشكيلية فنية طويلة في الجمالية والتقنية، ومقصداً لمتذوقي الفنون وطلابها». وهو يحضّر لإقامة معرض (الصيف المقبل)، يتمحور حول اللوحة المستجدة وخلاصة التلوين والنحت، متميزاً بنكهة جديدة يسعى الى إدخالها في كل أعماله.

 

المعارض الخاصة
• 1977 - قاعة وزارة الثقافة المغربية - الرباط - المغرب: كولاج، مائيات، حبر صيني.
• 1978 - غاليري دامو - انطلياس: نحت، مائيات، حبر صيني، سيراميك.
• 1979 - غاليري دامو - انطلياس: لوحات منحوتة.
• 1980 - غاليري دامو - انطلياس: نحت بالصخر والرخام.
• 1982 - غاليري تري دونيون - الميزون فلوري - الأشرفية: مائيات.
• 1983 - غاليري تري دونيون - الميزون فلوري - الأشرفية: نحت.
• 1984 - غاليري شاهين - بيروت: مائيات.
• 1985 - غاليري لاتوال - الرمال: نحت بالصخر والرخام.
• 1986 - غاليري لاتوال - الرمال: لوحات منحوتة ومائيات.
• 1987 - غاليري لاتوال - الرمال: نحت بالصخر والرخام والخشب.
• 1988 - غاليري ألوان - الكسليك: مائيات.
• 1990 - غاليري لو فواياجور - باريس: مائيات.
• 1991 - غاليري انترناشيونال آرت سنتر - الزلقا: نحت بالصخر والرخام والخشب.
• 1991 - صالة مطعم أبو فيصل - نيقوسيا - قبرص: مائيات.
• 1991 - اوتيل زخيا - إهدن: نحت، مائيات ولوحات منحوتة.
• 1992 - غاليري انترناشيونال آرت سنتر - الزلقا: لوحات منحوتة.
• 1993 - غاليري بخعازي - الأشرفية: نحت بالخشب.
• 1994 - غاليري ستاسيون دي زار - بدارو: مائيات.
• 1995 - بيرا عزام - سن الفيل: نحت ومائيات ولوحات منحوتة.
• 1996 - غاليري نواز آرك - الزلقا: لوحات منحوتة.
• 1997 - كاف دو فرانس - اليسار: مائيات عاريات.
• 1998 - غاليري إيبروف دارتيست - الأشرفية: نحت بالصخر والرخام.
• 1999 - غاليري إيبروف دارتيست - الأشرفية: باستيل عاريات.
• 2000 - سيتي كافيه - بيروت: مائيات ولوحات منحوتة.
• 2001 - غاليري إيبروف دارتيست - الأشرفية: نحت بالصخر والرخام.
• 2002 - غاليري إيبروف دارتيست - الأشرفية: أكريليك.
• 2003 - غاليري لي سيميز - هوليداي بيتش - نهر الكلب: نحت، أكريليك، باستيل ومائيات.
• 2004 - قاعة جمعية أصدقاء الفنان جورج خيرالله - المتين: نحت، أكريليك ومائيات.
• 2006 - جامعة البلمند: معرض إستعادي.
• 2008 - تدشين البيت المحترف في مزرعة يشوع.