أسماء لامعة

مارون كرم: فارس من زمن الأصالة
إعداد: تريز منصور

أعطى الشعر 17 كتابًا والحب أجمل القصائد

 

شاعر متميّز بين شعراء الأغنية في لبنان، وواحد من أولئك الذين صنعوا مجدها في ستينيات القرن المنصرم وسبعينياته. إنه فارس الكلمة، الشاعر مارون كرم، الذي أغنى المكتبة الأدبية والفنية بمؤلفاته، وغنّاه المطربون الكبار طوال أكثر من نصف قرن، وكتب للأرض والإنسان ولبنان والجيش.

 

بحنين والشلالات
ولد الشاعر مارون كرم في قرية بحنين - قضاء جزين العام 1932 في عائلة مؤلفة من 11 ولدًا، ست بنات وخمسة صبيان. والده شكري يوسف كرم، وهو فلاح محبّ وبسيط ومختار البلدة، أما والدته فهي السيدة رضا حنا يوسف باسط من بلدة كفرفالوس.    
ترعرع في بلدته بحنين وشرب من مياه شلالاتها العذبة فأغنت مخيّلته الشعرية وفاضت منها أنهار قصائد مبدعة. دخل معترك الحياة العملية باكرًا حيثً بدأ بمساعدة والده في الزراعة وهو في سن الثامنة، وبالتالي حياته لم تكن سهلة ولم يعش طفولته باللهو والفرح، بل كان كل شيء قاسيًا، قساوة الأرض التي علّمته الكثير من قوة الإرادة، والصلابة، وأغنت ذاكرته بما فيها من عطاء وإبداع وسحر.
تابع دروسه الابتدائية في دير المخلص، ثم أكملها في زحلة وبيروت.
وعندما بلغ السادسة عشرة، العام 1956، التحق بالجيش اللبناني وخدم في سلاح الخيالة لمدة خمس سنوات وكان مركزه في بلدة أبلح البقاعية، وعلى وقع صليل السيوف وأصالة الخيول العربية بدأ الشعر العامي يشقّ طريقه إلى مخيّلته. كتب في تلك الفترة أولى قصائده لحبيبة تزوَّجت من سواه، فدفعه الحزن على فراقها إلى كتابة أجمل الكلمات وأروعها. وكرّت سبحة القصائد التي واجه بسببها عدة عقبات ومشاكل مع رؤسائه في أثناء خدمته العسكرية، ما دفعه إلى الإختيار بين الشعر والمؤسسـة العسكرية، فانتصرت الموهبة الشعرية، وغادر تاركًا محبة الجيش في قلبه. كان يردّد دائمًا: «الجيش مدرسة ثانية، علَّمتني قيمة محبة الوطن والآخرين».
العام 1960 تزوَّج من السيدة أنطوانيت الحلو (ربة منزل)، وكان الإشبين الفنان الكبير وديع الصافي، ورزقا أربعة أولاد: سلوى (رئيسة قسم في الجامعة اللبنانية) متأهلة، وأغاني (دبلوم في التوليد والتمريض) متـأهلة، ومروان (مهندس زراعي) مـتأهل، وسماح (إجازة في العلوم الاجتماعية) مـتأهلة.
انتسب إلى الإذاعة اللبنانية العام 1956 بتشجيع من صديقه الوزير آنذاك فريد قوزما، وترأس قسم البرامج التمثيلية والمنوّعات، وكان عضوًا في لجنة اختيار النصوص. والعام 1958 تولَّى كتابة صفحة خاصة عن الفن والفنانين في مجلة «صوت الشاعر»، والعام 1959 أصبح مدير إدارتها لغايه توقفها عن الصدور العام 1961.
إنتسب الى الجمعية الفرنسية للمؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى (ساسيم)، وكان أحد مؤسسيها، وأمين سرّها زهاء 27 عامًا، وبعد مرور خمسين عامًا على ذلك، بات عضو شرف فيها.
بنى الشاعر مارون كرم صداقات متينة في الخمسينيات والستينيات مع الشعراء والفنانين، ولمــع اسمــه كشاعر متمـيّز في عالم الأغنية اللبنانية إلى جانب أسعد السـبعلي، وتوفيق بركــات، وعبد الجلــيل وهبــي، وميشال طراد ومصطفى محمود، وميشال طعمة، وأسعد سابا وغيرهم من شعراء تلك الحقبة.

 

شعره وكبار المطربين
«كانت قصائد كرم تحمل المعنى والمبنى الذي يليق بلقب شاعر»، كما يقول صديقه الحميم الزميل روبير خوري (صاحب ومحرِّر مجلة  صوت الشاعر)، وقبل دخوله عالم الأغنية اللبنانية، صدر كتابه الأول «مروان وسلوى» العام 1954، أما كتابه الأخير «آخر مرا» فصدر العام 2005.
في رصيده 17 كتابًا: «مروان وسلوى»، «كروم الجمال»، «رسائل غرام»، «رياح الحب»، «ورد وشوك»، «شوق وحنين»، «كرم ياسمين»،  «بيادر الحنين»، «على ورق الريح»، «خوابي الحنان»، «غناني ومشاوير»، «مروج الاغاني»، «عشر سنين حب»، «سلوى»، «شلال الفرح»، «سلة ورد وقلوب»، «آخر مرا». ولقد نشر مجموعة كبيرة من قصائدة في المجلات الشعرية ما بين بداية الخمسينيات من القرن الماضي والعام 2010.
عرف كرم كيف يجمع من حوله كوكبة من المغنين والمطربين حملت كلامه إلى فضاءات أخرى، لا سيما حنجرة الفنان الكبير وديع الصافي الذي غنّى له أكثر ممّا غنَّى لسواه...
القصائد المغناة التي كتبها بلغت نحو الثلاثة آلاف قصيدة، غنّاها كبار المطربين والمطربات اللبنانيين، وفي طليعتهم وديع الصافي، صباح، نصري شمس الدين، نهاد طربيه، نجاح سلام، سميرة توفيق، ملحم بركات، إيلي شويري، جوزف عازار، سمير يزبك، عصام رجي، ماجدة الرومي، جورج وسوف، هناء الصافي، وداد، فايزة أحمد، رجا بدر، و راغب علامة وسواهم...
لم تكن العلاقة بين كرم والصافي مجرد علاقة عمل بل تعدّتها الى العلاقة الإنسانية، فالصافي هو إشبين كرم في الزواج كما ذكرنا سابقاً، وعرّاب ابنته الكبيرة سلوى، وكان أول تعاون بين الرجلَين في خمسينيات القرن الماضي، وغنّى الصافي من شعر مارون كرم ما يقارب الـ 300 أغنية وقصيدة منها: «مرسال الحب»، «وباعتلك سلامي»، و«خضرا يا بلادي خضرا»، و«زرعنا تلالك يا بلادي»، و»دق باب البيت عالسكيت»، و»صرت متلك بَيّ يا بيي». ويقول الصافي: «إن كرم لوّن أغاني الارتباط بالأرض والعائلة».
هذا الحشد الفني، الذي عرف كيف يجمعه من حوله، بدأ بالتضاؤل في الثمانينيات، ليس لأن كرم توقَّف عن الكتابة، بل ثمة زمن اختلف، زمن تحوَّلت فيه الأغنية اللبنانية التي لم تعد تغني هذا اللبنان الذي اعتدناه في شعر كرم، كما لم تعد تلتفت إلى هذا النوع من الحب والعواطف والأحاسيس، التي كان يكتبها الشاعر الراحل، بل اتجهت نحو تفاصيل أخرى وفضاءات أخرى. في منتصف التسعينيات وبعد وفاة والده (مختار بلدة بحنين)، أجمع الأهالي عليه مختارًا لبلدته بحنين فتنكّب هذه المسؤولية إلى العام 2010.
 

القلب المتعب
بعد صراع مع قلبه المتعب غاب الشاعر اللبناني مارون كرم عن 78 عامًا في 27 آب 2010، لتنطوي معه صفحة كبيرة من الشعر اللبناني الغنائي المكتوب بالمحكيَّة.
كان آخر ظهور تلفزيوني لكرم، بمنزلة تكريم متواضع لرحلته الشعرية الغنية، في برنامج «ألو بيروت» مع الزميلة سينتيا الأسمر على شاشة تلفزيون «الجديد» قبل عامين، تسنّى له أن يتذكَّر من خلال هذا اللقاء مسيرة كاملة من الإبداع والنجاح.
عاش وفيًّا لشعره ولأصدقائه، ولكنه مات حزينًا لقلّة وفائهم وعدم سؤالهم عنه، كما أنه لم يتمّ تقليد الشاعر الكبير أية أوسمة أو دروع في أثناء الجنازة، تقديرًا لعطاءاته الفنية المتميّزة التي رفعت إسم لبنان والأغنية اللبنانية إلى رتبة الأمجاد.
والجدير بالذكر أن وزارة السياحة اللبنانية، كما الجيش اللبناني، كانا قد منحا الراحل الكبير في حياته عدة دروع تقديرًا لإنجازاته ولشعره.    
لا يغيب الشاعر لأننا نستطيع قراءة كلماته من بعده، ربما لأنها الوحيدة التي تذكرنا بهذا الحلم الذي دافع عنه الشاعر الكبير مارون كرم حتى أيامه الأخيرة.


قالوا في مارون كرم

سعيد عقل

أطلع مارون كرم ديوانه الجديد «عشر سنين حب»، أسمعه يقول (بلسان حبيبته) اسمك يا حبيبي علّم ع صابيعي. أو يقول: بيتك المغلوق عا حلمي الهني، كلما بشوفو بتزغر بعيني الدني. هذا الشعر تغنيه عشرات المطربات، ويزرع في القلوب بواسطة الأثير حنانًا يساوي شموخ الأرز.
 

ميشال كعدي

مارون كرم، في شعره تقرأ الهوى والأنين والرجولة والوطنية على كثير من الأصالة اللبنانية، ثم تلمح الغزل المتجسّد في عيون الحلوات الرشاق وتستقبل البواكيرالنديانة، وتودّع الكواكب.

 

روبير خوري

شاعر يملك من الشفافية القدر الكافي تا يدخل لقلب وعقل كل اللي بيقروه أو بيسمعوه.
عطي الشعر 17 كتاب، وعطي الحب أجمل القصايد، وعطي الحلوين كل الحب، وبعدو على طريق الشعر الملك الـ ما بيتعب.
شعر مارون كرم بيحمل حنين لأيام الطفولة، ذاكرتو تاريخ... حاضرو مرجعية للشعر وللغنّية اللبنانية.
 

نزار الحر

مارون كرم، عزيز، وأخ حبيب، وشاعر كبير، ورحيله خسارة لا تعوّض، وأغـانيه مشهـورة وعلى شفاه اللبنانيين والعرب.
عملنا معًا فـترة طويلة في الإذاعـة اللبنانية و«جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان».
حزنت كثيرًا لرحيل مارون كرم وبكيت...
 

الدكتور جورج زكي الحاج

موهبة لبنانية أصيلة، كتب بدماء قلبه حقيقة وجوده، ورسم بقلبه درب الحب...