ضيف العدد

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
إعداد: د.نزيه كبارة

عندما تهل سنة جديدة، يحاول الناس أن يستبشروا خيراً، فيتطلعوا بأمل إلى الآتي، عسى أن يحمل معه جديداً يتفاءلون به بتغيير ما ينشلهم مما هم فيه من ضيق ويحسّن أحوالهم.لقد أبت هذه السنة المشؤومة إلا أن يكون ختامها كارثياً... زلزال مدمر، وأمواج عاتية، وضحايها بالآلاف، ومناطق منكوبة، حتى لكأن سكان المناطق التي دمّرها الزلزال وطوّحت بها الأمواج الغادرة لم يكن يكفيهم ما هم فيه من فقر وتخلف وبؤس... فثارت الطبيعة في وجوههم ثورة هوجاء لم تبق على شيء...أما نحن، في لبنان، فإننا نشكر الله عزّ وجلّ على نعمته... فقد حبانا طبيعة جميلة، هادئة، ساكنة، لا تثور علينا ولا تغضب.. وإذا فعلت فعواصف محمولة وهزات خفيفة مقبولة...

غير أن العواصف العاتية التي تجتاحنا من حين لآخر، هي من صنع أيدينا، نحن اللبنانيين، فمتى نهدأ ونستكين ونتّقي الله في هذا الوطن؟متى نقتنع جميعاً، بأن عيشنا المشترك ووحدتنا الوطنية هما صمّام الأمان لحياتنا ومستقبلنا؟متى نتعلم أن نكون مواطنين صالحين نحترم القوانين والأنظمة... لا فوضويين نتجرّأ على خرق القانون بتوسل أصحاب النفوذ ودعمهم؟متى يدرك ساستنا أن السياسة علم وتخطيط واستشراف للمستقبل، ومحاولة لتلبية حاجات الناس وحقوقهم في التعليم والصحة والعمل والرفاه؟متى يدرك أغنياؤنا وأصحاب الثروات منّا أنه لا يجوز لهم تحويل أموالهم إلى خارج البلاد ليستثمروها في مشاريع مربحة، في الوقت الذي يحتاج فيه شبابنا إلى فرص عمل في وطنهم بدلاً من الهجرة إلى الخارج؟متى سيُتاح للآباء التوقف عن الشعور المحض بأنهم إنما يُربّون أبناءهم وينفقون عليهم الأموال الطائلة...

لتستفيد منهم البلدان التي يهاجرون إليها، لأنهم يجدون فيها ما يرضي طموحاتهم، ولا يجدون ذلك في وطنهم الأم؟متى ينتصب ميزان العدالة والمساواة وينال كل مواطن حقه بحسب كفاءته بدون وساطة أو شفاعة أو وقوف على أبواب النافذين بذلّة؟متى يغدو العمل السياسي، في لبنان، تنافساً على برامج انمائية، تنهض بها أحزاب ديموقراطية يكون فضاء عملها الوطن كله، لا المصالح الطائفية أو المذهبية أو الفئوية؟متى يقدّر لنا، كمواطنين، أن نرى رياح الاصلاح بدأت تهب، لتحاسب المفسدين والفاسدين والراشين والمرتشين، ومن أساؤوا استعمال السلطة التي أعطيت لهم، ومن أهدروا المال العام؟متى يصبح للدولة سياسة تربوية وطنية جامعة تُفضي إلى تنشئة جيل من اللبنانيين، ولاؤه للوطن، لا إلى الطائفة أو المذهب أو العشيرة أو العائلة؟متى تتحسّن أوضاعنا الاقتصادية والمعيشية، فيزايلنا الخوف على عُملتنا الوطنية، ويطمئن أصحاب المشاريع على مشاريعهم، والعمال والموظفون وأصحاب الدخل المحدود على استقرار معيشتهم؟

متى يتعلم سائقونا احترام قانون السير، ومتى يتعلم المواطنون الوقوف في الصف انتظاراً لدورهم؟متى نتعلم احترام قواعد النظافة، فنمتنع عن إلقاء النفايات في الشارع وعلى الرصيف بدلاً من إلقائها في المستوعبات المخصصة لها؟متى نتعلم احترام البيئة الجميلة التي حبانا إياها الله، فنمتنع عن تشويهها بالكسّارات وحرق الغابات؟متى نتعلم المحافظة على مبانينا الأثرية، فنعمل على ترميمها والإفادة منها؟هذه بعض الخواطر التي سنحت لي وأنا أستقبل سنة جديدة، أن أتمنى الخير فيها لكل الناس ولوطني، وأردد مع الشاعر: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.