رحلة في الإنسان

ما الذي يؤجج العنف الأنثوي وأين تقع مسؤولية الرجل؟
إعداد: غريس فرح

في أواسط القرن الماضي تمكّنت المرأة من نيل حقوقها بعد نضال طويل. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت الأصوات من كل حدب وصوب مندّدة بالعنف الذكوري الذي ذهبت النساء ضحيته لقرون طوال. لكن مفاجأة غير متوقّعة قلبت مؤخراً الأمور رأساً على عقب.
مفاجأة أعلنتها نتائج الإحصاءات في عدد من مراكز الأبحاث العربية والعالمية، وأشارت من خلالها الى تزايد نسبة العنف الأنثوي، مقابل تراجع السلطة الذكورية، وهذا بالطبع لا يطاول المجتمعات كافة. والسؤال المطروح: ما الذي يدفع بعض النساء الى سلوك طريق العنف، وما هو رأي الإختصاصيين في هذا الموضوع؟

 

مسترجلات
يعزو بعض الإختصاصيين النفسيين العنف الأنثوي المتزايد في الآونة الأخيرة، الى حالة الإنتقال من مرحلة تحرير المرأة، الى مرحلة تمكّنها من العمل خارج المنزل من جهة، والإستئثار بإدارة شؤون العائلة من جهة ثانية. وبرأيهم، فإن هذا الإنتقال، أحدث تمركزاً محورياً لشخصية المرأة المعاصرة في العائلة، وحوّل فئة من النساء الى مسترجلات يتحدّين رجولة أزواجهن، ويلحقن بهم الأذى الجسدي والمعنوي. وهو سلوك شائن يتسبّب بتصدّع الأسر وتفكّكها، ويوصل عموماً الى الطلاق. وحسب الإختصاصيين، فإن هذا التصرّف غير المألوف من قبل بعض النساء، لا يحصل عموماً إلا في الأسر التي تخلّى فيها الرجل عن دوره التقليدي، أي الدور الحاضن لأفراد العائلة، والساهر على مصالحهم، وهو ما يحد من تأثيره في وجدان زوجته وأولاده، ويعرّضه في معظم الأحيان للهجوم وانتهاك الحرمات.
على كلٍ، فإن الآراء تتشعّب في ما يتعلّق بالأسباب الكامنة وراء الشخصية العنيفة التي تقمّصتها مؤخراً بعض النساء، وأثارت الكثير من الإنتقادات في معظم الأوساط الإجتماعية. وهنا بعض من أهم هذه الأسباب:

 

• الإستقلال المادي والمنافسة الإجتماعية:
يعتبر الإستقلال المادي، الذي تستغله اليوم معظم النساء العاملات، سبباً رئيساً لاستقواء أكثريتهن، وسعيهن بالتالي الى منافسة الرجل في الحقول كافة. ومقابل هذا التفوّق الأنثوي الملحوظ، نلمس كما سبق وأشرنا تراجعاً ملحوظاً ايضاً لكيان الرجل التقليدي. وهذا يعود كما هو معلوم الى خضوع أكثرية الرجال المعاصرين للضغوط الإقتصادية الخانقة، وعجزهم بالتالي عن الإحتفاظ بهيبتهم المكتسبة من كونهم المموّلين الوحيدين للعائلة.

 

• نمو شخصية المرأة غير العاملة:
من جهة ثانية، يرى الخبراء النفسيون والإجتماعيون، أن المرأة غير العاملة، أو سيدة المنزل التقليدية، اكتسبت ايضاً مع الوقت، ومع نمو الحضارات وانبساط رقعة العولمة، شخصية أكثر قوة وصلابة. وهذه الشخصية التي تستمد خيوطها من محيطها الخارجي ووضعها العائلي، قد تنتحل صفات العنف في التعامل مع زوجها لأسباب أهمها، تصدّع أرضية الشراكة الزوجية. وهذا يحصل عندما يعطي الزوج أولوية لعمله وارتباطاته الخارجية، ويرهق كاهل زوجته بمسؤولية المنزل وتربية الأولاد ومتابعة مشاكلهم. في حال كهذه، يفسح الزوج - بدون وعي منه - المجال أمام نمو معاناة الزوجة، ويحوّلها تدريجاً الى سلاح فتّاك ينقلب ضده، ويعرّضه للتعنيف والمهانة.

 

• شعور الزوجة بالقهر والمذلّة:
يرى البعض أن إقدام الزوجة على ضرب زوجها أو إهانته، يحدث أحياناً نتيجة إنفعال آني بدافع القهر أو التعرّض الدائم للعنف والتسلّط. وقد يحدث بسبب تقتير الزوج غير المبرّر في صرف المال. وبرأي الإختصاصيين فإن الشراسة التي تعتمدها المرأة انطلاقاً من تفاعل مشاعرها المذكورة آنفاً، تكون على العموم، تعبيراً غرائزياً يفضح معاناتها، ويفجّر حقدها الدفين. وهذا التعبير الفوري، يمنحها بحسب المحللين النفسيين طاقة عدوانية غير متوقعة، طاقة تمكّنها من ضرب زوجها بكل ما تطاله يداها، وقد تدفعها الى قتله بأبشع الطرق.

 

• الزوجة المسترجلة والزوج الإتكالي:
يحصل أحياناً أن يكون الزوج من النوع السلبي الإتكالي أي من النوع الذي يتخلى عن مسؤولياته، ويترك لزوجته إدارة الأمور العائلية والإقتصادية.
عندما تجد المرأة نفسها في هذا الوضع، تتدرّب تدريجاً على التحصّن وراء القوة لتحافظ على تماسك أسرتها. ولدى تمكّنها من إدارة دفّة القيادة والتوجيه والتقويم، فهي لا تجد مانعاً في تقويم إعوجاج زوجها بمختلف الوسائل. واللافت أن الزوج المتّصف بهذه السمات، يتقبّل سلوك زوجته العنيف من دون تذمّر أو مقاومة، لأنه يصبح تحت رحمتها.

 

ما هي الحلول المقترحة؟
أمام هذه الظاهرة غير السوية، يحرص الإختصاصيون على إيجاد حلول لوقف الحروب العائلية، إن لجهة العنف الذكوري أو الأنثوي، وذلك حرصاً منهم على تماسك الأسر ونمو الأبناء في أجواء سليمة.
والحلول المقترحة لهذه المشكلة غير آنية، لكنها تساعد على تصحيح بعض الأخطاء العائلية وتحمي الأطفال من التأثيرات الضارة للمشاحنات الزوجية. وأهم هذه الحلول ما يأتي:
• التنشئة الأسرية الصالحة التي ترسي في ذهن كل من الرجل والمرأة فكرة الإنتقاء الصحيح، أو التفتيش عن الشريك المناسب.
• إهتمام المسؤولين بالتوجيه الإعلامي، وخصوصاً المرئي، ودفع القيمين عليه الى تقويم النماذج الإعلامية المتعلقة بالحياة العائلية.
• إدخال مادة الثقافة الأسرية الى البرامج المدرسية. والمعلوم أن جامعة كمبردج الإنكليزية قد أدخلت هذه المادة من ضمن المواد التثقيفية التي تعتمدها. وعرف أن القيّمين على هذه الجامعة قد ارتأوا هذا الحل بعد تزايد معاملات الطلاق في إنكلترا بشكل غير مسبوق.
• إخضاع الزوجين لدورات تثقيفية خاصة الهدف منها برمجة تطلعاتهم لمصلحة البنيان العائلي السليم.
• التمسّك بالمبادئ الدينية التي هي القاعدة الأساسية للحياة العائلية. وهنا يُنصح كل من الشريكين بالتعاطي مع العصرنة بطريقة تحفظ تقاليد المجتمع المحلي. كما يُنصح بعدم تخلّي المرأة عن أنوثتها مهما كانت الظروف.