قضايا إقليمية

ما هو مستقبل إسرائــــــــيل في ظـل أفكار سوداويـة؟
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

أثبتت دراسات علمية تراجع نسب الهجرة الوافدة الى الكيان وتزايد الهجرة العكسية من إسرائيل الى الخارج، مع سعي أعداد متزايدة من الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر أوروبية لاستخدامها في الفرار

        
تجتاح كيان العدو بين حين وآخر موجة من التحليلات والتعليقات والدراسات المنسوبة لجملة من المفكّرين والكتّاب وحتى المسؤولين الذين يركّزون في كتاباتهم على سلسلة من التنبؤات التشاؤمية في ما يتعلق بمستقبل هذا الكيان. والملفت أن أصحاب هذه التنبؤات ليسوا مجرد نخب تعبّر عن الهوامش الفكرية في المجتمع بل إنهم من الشخصيات التي كان لها دور بارز في عملية صنع القرار، أو من الذين ارتبطوا طويلاً بالمؤسسة الحاكمة، ومن بين هؤلاء البروفسور أمنون روبنشتاين الذي شغل في الماضي منصبي وزير العدل ووزير التعليم في حكومتي رابين وباراك سابقاً والذي تفرّغ للكتابة حول مستقبل الدولة، بالإضافة الى عمله كمحاضر في القانون في جامعة تل أبيب. وهو يرى في هذا السياق أن إسرائيل تتعرّض لنوعين من التهديد الإستراتيجي: أولهما خارجي يمثّله فشل إسرائيل في ردع العرب والمسلمين عن مواصلة تهديدها والتربّص بها، وثانيهما التهديد الداخلي المتمثّل في الفساد وتآكل ما يسميه «منظومة القيم الصهيونية».
وفي مقابلة مع صحيفة «هآرتس» يقول روبنشتاين إنه على الرغم من انتصار إسرائيل في حروبها الكبيرة مع الدول العربية، إلا أن تلك الانتصارات فشلت في اجتثاث روح المقاومة والتحدّي لدى الجمهور العربي في محاربة إسرائيل، وهو يرى أن ما يمكن أن يجعل الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً في وجه مستقبل إسرائيل ومصيرها إنما يكمن في أسلمة الصراع واكتسابه بعداً دينياً عقائدياً يزيد من رقعة العداء والكراهية لإسرائيل ويجعله أكثر تصميماً. ويعتبر روبنشتاين أنه من الحماقة الإنطلاق من افتراض مفاده أن الأنظمة العربية الحالية ستبقى مستقرة الى الأبد، مؤكداً أن إسرائيل قد تستيقظ في يوم من الأيام وقد طوّقت بأنظمة حكم ذات توجهات إسلامية أصولية أو راديكالية، لا ترفض وجود إسرائيل من أساسه فحسب بل تجنّد كل طاقاتها لإزالتها. ويسخر روبنشتاين من أولئك الذين يراهنون على التفوّق التكنولوجي الحربي الإسرائيلي، محذّراً من أن العرب والمسلمين بإمكانهم امتلاك مثل هذه التقنيات في حال توافر الإرادة السياسية لذلك.
من ناحية أخرى يرصد روبنشتاين مظاهر تحلل «منظومة القيم الصهيونية» مثل ميل الشباب الإسرائيلي الى عدم التضحية من أجل الدولة، والذي يعكسه تهاوي الدافعية في صفوفهم للإلتحاق في صفوف الوحدات المقاتلة في الجيش، الأمر الذي جعل عبء العمل العسكري يقع على كاهل نسبة قليلة من المجتمع ولا سيما في صفوف النخب الدينية والشوفينية المتطرفة.
ويتفق ايريز ايشل، مدير مدرسة إعداد القادة مع روبنشتاين في آرائه المذكورة آنفاً، مبرراً ذلك بحقيقة أن قادة الدولة لم يعودوا مثالاً يقتدي به الشباب الإسرائيلي. وقد تحوّلت الشبهات والإدانات بشأن تورّط شخصيات قيادية عليا من رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحتى آخر جندي في الجيش في الفساد المالي أو الأخلاقي، الى مادة دسمة يتناولها الصحافيون والمعلقون وأصحاب الرأي في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وكانت صرخة وزيرة التعليم ليمور ليفنات مدوية وغير مسبوقة عندما قالت إن جماعات الإجرام المنظم في طريقها للسيطرة على حزب الليكود الحاكم. والأنكى من هذا أن تورّط السياسيين في قضايا الفساد المختلفة لم يشكّل حائلاً دون عودتهم لتبوء مناصب حساسة مرة أخرى. والملفت للإنتباه أن دراسة أعدها الدكتور نحمياس من «مركز هرنسليا المتعدد الإتجاهات» أثبتت أن 50٪ من الإسرائيليين يعتقدون حالياً أن عصابات الإجرام المنظم قد تسلّلت بالفعل الى داخل مراكز الحكم في الدولة العبرية. كما وأن كبير المعلقين في صحيفة «هآرتس» يونيل ماركوس يقول إنه توجد في إسرائيل اليوم سلطتان يحرسهما حراس شخصيون: «رؤساء السلطة ورؤساء عصابات الجريمة المنظمة». ويضيف أن هذه العصابات قامت بمحاولات ناجحة للسيطرة على مراكز القوى في الدولة، الأمر الذي أدى الى انهيار منظومة فرض القانون. ويشير الى أن كبار الأثرياء يحصلون على العديد من الإمتيازات من الحكومة ووزرائها بحيث أن «العطاءات الحكومية تفصّل على قياس مانحي الرشى، وبالتالي تبذل الجهود الملائمة للتأثير على التعيينات في المناصب الحساسة بما في ذلك المناصب القضائية». وفي هذا السياق برزت ظاهرة «مقاولي الأصوات» حيث يتوجّه الساسة الطامحون لتبوء مقاعد في البرلمان عشية كل انتخابات تمهيدية الى هؤلاء الأشخاص المعروفين بنفوذهم الواسع لشراء أصوات الناخبين لصالحهم لقاء منحهم أموالاً ومواقع وظيفية. وقد حذّر الكاتب دان مرغليت في «هآرتس» من أن استشراء ظاهرة الفساد هذه من شأنه «أن يضخ المزيد من الكوليسترول السيىء الى الأوردة الدموية للمجتمع الإسرائيلي».
في المأزق السياسي رأى الجنرال شلومو غازيت، الرئيس الأسبق لجهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، أن رفض إسرائيل التجاوب مع الرغبة العربية والفلسطينية لحل الصراع يحمل في طياته دمار إسرائيل. ووجّه غازيت انتقاداً حاداً للمستشرق الأميركي برنارد لويس الذي دعا الإسرائيليين الى عدم التفاوض مع العرب، معتبراً أن تخليد الوضع القائم هو الذي سيؤدي الى تصفية وجود إسرائيل. أما ناحوم بارنياع كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» فرأى أن إسرائيل قوية من الناحية العسكرية وذات منعة من الناحية الإقتصادية، إلا أن الناس فيها يفقدون الثقة تدريجاً بمستقبلها وبقدرتها على البقاء والإستمرار، لأنها تعجز عن توفير الأمن لليهود الذين يعيشون فيها وعن منحهم الحياة الطبيعية. ويؤكد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي مجرد وجودها مثار للجدل. أما رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ فرأى أن إسرائيل هي مجرد قلعة تختنق بدروعها وتحصيناتها ومجتمعها يفترسه الذعر ويعاني إعاقة نفسية سببها الصدمة النفسية المستدامة ويقول: «الصدمة النازية أفقدتنا توازننا. ونحن نعيش بشعور أن العالم كله ينفر منا... التشدّد يسيطر على هويتنا... ثم أليس جدار الفصل الذي نقيمه في الأراضي الفلسطينية خير دليل على انفصام الشخصية الذي نعانيه؟»، ويختم بورغ بالقول: «إن إسرائيل دولة فاشية بلطجية ومستقوية وقاسية وامبريالية وسطحية وفاقدة أصالة الروح ومنطوية على نفسها... إن الدعوات المتتالية لقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم وترحيلهم... إنما هي دلائل دامغة على تجذّر الفاشية». ويسخر بورغ ايضاً من ادعاء الحركة الصهيونية بأن إسرائيل هي دولة يهودية وديموقراطية، معتبراً أنه يستحيل الجمع بين اليهودية والديموقراطية. في الختام يجدر بالإشارة أن دراسات علمية أثبتت تراجع نسب الهجرة الوافدة الى الكيان وتزايد الهجرة العكسية من إسرائيل الى الخارج، مع سعي أعداد متزايدة من الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر أوروبية لاستخدامها في الفرار من الدولة عندما تقتضي الحاجة.