ما هي الأبعاد الاستراتيجية والدولية التي تحملها أزمة الصواريخ الكورية الشمالية؟

ما هي الأبعاد الاستراتيجية والدولية التي تحملها أزمة الصواريخ الكورية الشمالية؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني

المقدّمة

تتقاطع معظم المعطيات الدولية، المبنية على معلومات: استخباراتية، عسكرية، إعلامية وديبلوماسية؛ فخلال سنة كحد أقصى، ستكون بيونغ يانغ قد وصلت- إذا لم تكن قد وصلت حاليًّا - إلى امتلاك سلاح نووي أكيد، من دون وجود شكوك أو احتمالات ولو بنسبة ضئيلة ، مع قدرات صاروخية باليستية استراتيجية، قادرة على حمل ونقل واستهداف أي مكان في العالم بقنابل نووية وفعالية شبه كاملة، وما يؤكد ذلك هو المسار التصاعدي الواضح والثابت للتجارب الصاروخية لكوريا الشمالية والتي تتطوّر في المدى، والقدرة على حمل شحنات أكبر متعدّدة الأغراض، خلال الفترة القياسية التي فاجأت المراقبين المختصين كافة، على الرغم من الحصار شبه المفروض على حدودها، والقيود الضاغطة على ارتباطها بالخارج، اقتصاديًّا وعلميًّا.

لقد فوجئ العالم مؤخرًا بإعلان كيم جونغ - أون وقف تجارب بلاده النووية والصاروخية، تعبيرًا عن حسن نية قبل اجتماعه التاريخي مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي- أن. وفي حين رحبت الولايات المتحدة الأميركية بالخطوة، صرّح مسؤولون في  وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قرارًا بعدم تعديل في إجراءاتهم العسكرية، لعدم وجود أي تغيير في الوضع في شبه الجزيرة الكورية.

في الحقيقة، هناك الكثير من الأسئلة الحساسة بدأت بالتداول في المحافل الدولية كافة وعلى المستويات جميعًا، خصوصًا بعد الإعلان الكوري الشمالي المفاجىء حول وقف التجارب النووية والصاروخية:

هل تراجعت كوريا الشمالية بعد الجدية الدولية والأميركية في مواجهة تجاربها الاستراتيجية المحظّرة دوليًا؟ أم أنّ زعيمها يناور بعد قدراتها النووية والصاروخية المستوى الذي تريده؟

 ما موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال هذا الأمر؟ هل تعيد النظر في مناورتها وخطتها الخاصة لمواجهة كوريا الشمالية إلى حين صدور نتيجة الاجتماع المرتقب بين الرئيس ترامب وزعيم الأخيرة؟ أم أنّها سوف تنتظر تأكّدها من جديّة القرار الكوري الشمالي بوقف تلك التجارب؟  وهل ستعتبر أنّ  وقف الأخيرة لتجاربها الآن هو غير كاف، بعد بلوغها المستوى المطلوب فنيًا وتقنيًا وعسكريًا، وبالتالي ستمضي بإجراءاتها، تلافيًا للوصول إلى وضع يصعب معه بعدها نزع هذه القدرات منها، وامتلاكها قوة ردع  لا يمكن تجاوزها، تمكّنها من فرض نفسها على الساحة الآسيوية والدولية؟

هل ستعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى إجراء ما للحؤول دون ذلك؟ هل سيكون هذا الإجراء حربًا مفتوحة وواسعة تطال كامل أراضي كوريا الشمالية؟ أم عملية عسكرية محدودة ومركّزة تستهدف المواقع العسكرية ومواقع الصواريخ والأسلحة التقليدية والنووية المحتملة جميعها؟ وفي حال الخيار العسكري، هل الاستهداف سيكون بأسلحة استراتيجية نووية أم تقليدية؟

في المقابل ، لماذا تتخلّى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي والصاروخي (والذي تعتبره السلاح الوحيد في حماية وجودها ونظامها)،  إذا لم تحصل على مطالب ملموسة قبل التفاوض؟

بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية عدم تعديل إجراءاتها في شبه الجزيرة الكورية هل نستنتج أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تريد حلًا عمليًا لتلك الأزمة، بل تريد حقيقة أن تصل بيونغ يانغ إلى امتلاك هذه القدرة النووية، وبالتالي يصبح ذلك أمرًا واقعًا وخطرًا على الساحة الآسيوية والدولية، يستدعي ردًا وموقفًا أميركيًا استراتيجيًا دائمًا وثابتًا في شرقي آسيا والمحيط الهادئ، وتكون بذلك قد خلقت تبريرًا لتثبيت وتوسيع دخولها الاستراتيجي في البقعة الأكثر حيوية في العالم بمواجهة الصين أوّلًا وروسيا ثانيًا؟

هذه الأسئلة، وربما سيضاف إليها أخرى تتشعّب منه ، سنحاول الإجابة عنها بطريقة مباشرة أو ضمنية، تحت عنوانين رئيسين، أوّلها: مسار الأزمة وكيفية تطوّرها، ثانيها: احتمالات الرد الدولي ما بين المواجهة العسكرية والحلول السلمية.

تحت عنوان مسار الأزمة وكيفية تطوّرها، سنعالج في الشق الأوّل منه المسار التاريخي للصراع بين الكوريتين. وكيف تطوّر إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي الشق الثاني سنعرض القدرات العسكرية،  الصاروخية والنووية الحالية والمحتملة لكوريا الشمالية.

تحت العنوان الثاني والمحدّد باحتمالات الردّ الدولي بين المواجهة العسكرية والحلول السلمية، سنعرض في الشق الأوّل احتمال المواجهة العسكرية، أبعادها، فعاليتها، وتداعياتها وفي الشق الثاني سيكون هناك نافذة على احتمالات الردود السلمية، بين التفاوض من جهة، أو الردع عبر تشديد العقوبات وتوسيعها من جهة ثانية.

 

الفصل الأوّل: مسار الأزمة وكيفيّة تطوير القدرات الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية

في متابعة لمسار أزمة صواريخ كورية الشمالية وجنوحها نحو امتلاك القدرات النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. هناك دور كبير للعلاقة المتوترة بينها وبين كوريا الجنوبية في تظهير هذه الأزمة وفي تركيب عناصرها، حيث التشنّج السياسي المصحوب بأجواء من التهديد المتبادل لنظام كل من الاثنتين، وذلك على خلفيات تاريخية تمتد منذ الحرب العالمية الثانية وتقسيم شبه الجزيرة الكورية، ولاحقًا في الحرب بين الكوريتين بين عامي 1950 و1953، والأطماع المتبادلة بالسيطرة، وأيضًا من الناحية العملية والعسكرية من خلال التهديدات المباشرة بين الاثنتين، عبر الاستهدافات المتبادلة بالتجارب الصاروخية وبالإجراءات المضادة، وكان لاستقواء كوريا الجنوبية بالولايات المتحدة دور مهم في تسعير هذا الخلاف وفي تقوية الصراع، حيث الأخيرة تستغل ذلك مع إخفاء أهداف استراتيجية مبيتة تتجاوز كوريا الشمالية إلى كل من الصين وروسيا، وأيضًا من ناحية ثانية، تلعب شكوك الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية بأنّ هناك من هو أقوى من كوريا الشمالية يدعمها علنًا أحيانًا وبشكل خفي أحيانًا أخرى في هذا الصراع، كل ذلك سيظهر من خلال عرض للمسار التاريخي، للصراع بين الكوريتين، و كيف تطوّر إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، مع التركيز على إظهار القدرات الصاروخية والنووية المؤكدة والمحتملة لكوريا الشمالية، والتي تشكّل التهديد الجدّي، المطلوب احتواؤه ومواجهته.

 

1 - الأزمة بين الكوريتين ودور الولايات المتحدة الأميركية فيها

لمحة تاريخية عن الأزمة:

كانت كوريا تحت الاحتلال الياباني الذي استمر 35 عامًا من العام 1910 حتى العام 1945 تاريخ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.

بعد هزيمة اليابان، ووفق اتفاقية الأمم المتحدة، قُسّمت كوريا إلى قسمين على خط عرض 38 شمالًا، بإدارة الاتحاد السوفياتي في الشمال والولايات المتحدة الأميركية في الجنوب .

بعد خروج القوات السوفييتية من كوريا الشمالية في العام 1948، بدأ تاريخ الأخيرة المستقل بتأسيس الجمهورية الشعبية، وقد ترافق ذلك مع جهود لتوحيد الكوريتين، قام بالتصدي لها نظام كوريا الجنوبية آنذاك والذي كان يعمل بتوجّهات الجانب الأميركي.

بعد عام على الاستقلال حاول الكوريون الشماليون اجتياح الجزء الجنوبي، ولم يجدوا حلفاءهم السوفيات مشاركين لهم في هذا القرار، وبعد انسحاب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، أعاد الكوريون الشماليون التفكير في قرار الحرب من جديد، ومرة أخرى رفض السوفيات ذلك.

بعد فترة قصيرة، ومع التطوّر النووي الذي حصل عند السوفيات، ومع انتصارات الزعيم الصيني ماوتسي تونغ ، الداعم الأول لكوريا الشمالية، أعطى الزعيم السوفياتي ستالين الضوء الأخضر للشماليين باجتياح كوريا الجنوبية، وبهذا بدأ الصراع بين الكوريتين، والذي امتد لثلاث سنوات منذ 1950 حتى 1953 عبر محاولة  كل من البلدين ضم الطرف الآخر إلى حكومته، وقد أدى ذلك إلى اندلاع حرب واسعة النطاق كلّفت الجانبين أكثر من مليونين بين مدنيين وعسكريين. وخلال هذه الحرب، قامت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها بالتدخّل لصالح كوريا الجنوبية، التي نفّذت بمساعدة حلفائها هجومًا مضادًا على جارتها الشمالية ، وبعد أن حقّقت القوات الجنوبية تقدمًا سريعًا في هجومها المضاد، تدخّلت القوات الصينية لصالح حليفتها كوريا الشمالية، فتعادلت عندها موازين القوتين في هذه الحرب، وفي نهاية الأمر تمّ عقد هدنة أعادت تقريبًا الحدود السابقة نفسها بين البلدين.

من جهة أخرى، وحيث لا يزال هناك ما يشبه الحرب غير المعلنة بين الكوريتين وقّعت الأخيرتان العديد من الإعلانات المشتركة لتقريب وجهات النظر ولإبعاد مناخ الحرب والعداء، والتعهد بعدم الاعتداء المتبادل.[1]

في حين وصف بعض المتابعين هذه الحرب بالأهلية، كان من الواضح أنّها صراع قوى كبرى عبر الحرب بالوكالة، إذ كان الكبار يتجنّبون الانزلاق في حرب مباشرة وشاملة بينهما، مع ما ينتج عنها من دمار كبير وهلاك بسبب استعمال للأسلحة والقدرات النووية، وأسلحة الدمار الشامل. وهكذا بدأت حرب باردة في المحيط الهادئ، ما بين الصين والجزيرة الكورية واليابان وروسيا، ومن خلال الصراع الكوري- الكوري. وأصبحت تلك الجغرافيا ميدانًا لصراع أخذ عدّة أشكال، من سباق التسلّح، والسيطرة البحرية والجوية، إلى التنافس على الفوز بقواعد عسكرية تحوي الأسلحة الاستراتيجية الأكثر تطوّرًا.

 

المواجهة: بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية

شهدت الكوريتان في الستينيات، نموًّا صناعيًّا هائلًا، إذ إنّ مصادر الطاقة التقليدية كالنفط ومشتقاته غير متوافرة بشكلٍ كافٍ في شبه الجزيرة الكورية، ونظرًا للعلاقة السياسية والاقتصادية الجيدة آنذاك بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، تمّ تعويض هذا النقص في الطاقة للأخيرة، الأمر الذي لم يحدث مع كوريا الشمالية، فاضطُرت إلى تأمين ما تحتاجه من طاقة ضرورية، عبر تطوير المشاريع النووية – لأغراض مدنية وسلمية – حسب ما ادّعت بداية.

في العام 1965 بدأت كوريا الشمالية رحلتها النووية في ظل شكوك أميركية ودولية، وكانت الولايات المتحدة قد تفرّغت لإسقاط النظام الكوري الشمالي لأسباب تتعلّق بعلاقة الأخير بروسيا والصين، كونه ذا صبغة شيوعية، من خلال محاصرته اقتصاديًا وعزله دبلوماسيًّا على مستوى العالم، وتحريض حلفائها في جنوبي شرقي آسيا (كوريا الجنوبية واليابان) على وقف المساعدات الغذائية والمالية له بغية إجباره على الرضوخ، توتّرت العلاقات بين الطرفين وأصبح الوضع في شمالي غربي المحيط الهادئ على شفير اندلاع حرب واسعة.

"في العام 1968 احتجزت قوارب حربية تابعة لكوريا الشمالية سفينة أميركية كانت تجمع معلومات استخباراتية، وفي العام الذي تلاه أسقطت وسائط دفاع جوي كوريّة شمالية طائرة استطلاع أميركية فوق المياه الإقليمية لكوريا الشمالية.

في العام 1992 وافقت كوريا الشمالية على السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها لكنّها تراجعت عن ذلك بعد عامين رافضة دخول المفتشين إلى مواقع يشتبه بإنتاجها أسلحة نووية".[2]

في العام 1994، وافقت كوريا الشمالية على تجميد برنامجها النووي مقابل الحصول على وقود مجاني ومفاعلين نوويين بقيمة خمسة مليارات دولار، وبعد أن قامت بتوقيع "اتفاق الإطار" الذي تقوم بموجبه الولايات المتحدة بتزويدها حـاجتها مــن النفط والغـذاء وبناء مفاعلات للطاقة تعمل بالماء الخفيف بدلًا من الماء الثقيل (الذي يمكن معه إنتاج اليورانيوم المخصّب الذي يستخدم في صناعة السلاح النووي)، وذلك مقابل تخلّيها عن برنامجها النووي، أخلّت الولايات المتحدة بالاتفاق فجأة ومن دون سبب ظاهر، وأوقفت إمدادات النفط لكوريا الشمالية، الأمر الذي استفزّ الأخيرة التي رأت أنّها خُدعت من الولايات المتحدة التي وعدتها بتعويضها عن نقص إمدادات الطاقة والغذاء ثم تراجعت عن ذلك بهدف تجريدها من الورقة الوحيدة الرابحة لديها وهي السلاح النووي، ممّا حدا بها أن تُعلن انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي، ثم قامت بطرد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذين كانوا يشرفون على وقف برنامجها النووي وقتئذٍ، وأعلنت عزمها على المضي قدمًا في استئناف هذا البرنامج، على الرغم من المعارضة الدولية شبه الكاملة لذلك.

لقد أظهرت كوريا الشمالية  تحدّيًا وتمرّدًا على سياسة الولايات المتحدة الأميركية في جنوبي شرقي آسيا، وحيث استطاعت الأخيرة تصويره كتحدٍّ للمجتمع الدولي، رأت كوريا الشمالية في امتلاك قدرات نووية فرصة لإثبات وجود كيانها المهتز، بسبب ضعف الاقتصاد وعدم قدرة الدولة على تلبية مطالب الشعب الأساسية من غذاء ووقود للتدفئة، وعليه رأت أنّه: في تحدي المجتمع الدولي من خلال حيازتها لقدرات نووية، وذلك على خلفية لفت نظر هذا المجتمع إلى مشاكلها وعزلتها، تستطيع أن تخلق قضية وطنية وقومية تمسك عبرها مجتمعها، ممّا يعطيها موقعًا ومكانًا في شرقي آسيا. تعاملت كوريا الشمالية في تلك الأزمة التي نشبت بسبب برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، بأسلوب حافة الهاوية والمواجهة المباشرة معها، من خلال التصعيد والوصول إلى مرحلة الصدام المؤكد، وعبر إطلاق تصريحات نارية تؤكد فيها قدرتها على تدمير الولايات المتحدة وإزالتها من الوجود، كما وأبدت استعدادها لأن تكون المواجهة نووية لا تقليدية، حيث تعلم أنّها لا قدرةلها على مواجهة آلة الحرب الأميركية التقليدية، كما أعلنت أنّه سيكون في مقدّمة أهدافها القواعد الأميركية في كوريا الجنوبية، واستأنفت (كوريا الشمالية) تجاربها على الصواريخ الباليستية في رسالة للولايات المتحدة تفيد عدم اكتراثها بالقوّة الأميركية.[3]

 

2- قدرات كوريا الشمالية العسكرية والنووية المحتملة

مبدئيًا، يُنظر إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات على أنّها رمز للتعبير عن القوة، حيث تتيح للبلد الذي يمتلكها تصويب قوة نارية هائلة على أعدائه رغم وجودهم على الطرف الآخر من الأرض، والمبرّر الرئيس والحقيقي لإنفاق المال والوقت والجهد على تطوير هذه الصواريخ هو استخدامها لحمل الأسلحة النووية. وخلال الحرب الباردة، سعى كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة للتوصل إلى سبل مختلفة لتطوير صواريخهما وحمايتها وإيصالها إلى أهدافها، وكانت هذه الصواريخ مخبّأة في صوامع خاصة أو محمّلة على شاحنات ضخمة أو على متن غواصات تجوب المحيطات.

من الجدير ذكره أنّ الصواريخ العابرة للقارات كلّها مصمّمة حسب مفاهيم متشابهة، فهي عبارة عن صواريخ متعددة المراحل ذات وقود صلب أو سائل، وتحمل رؤوسًا حربية إلى الفضاء الخارجي، وبعد وصول هذه الرؤوس الحربية – وهي قنابل هيدروجينية عادة – إلى الفضاء الخارجي، تعود إلى الغلاف الجوي للأرض وتنفجر فوق هدفها المحدّد أو عليه مباشرة، وبعض الصواريخ العابرة للقارات مزوّدة بأكثر من رأس نووي، وهو ما يسمح لها بضرب أهداف عدّة في وقت واحد، وخداع أنظمة الدفاع الصاروخي.

إبّان الحرب الباردة، كان مدى الصواريخ العابرة للقارات وتهديدها المتبادل من أسس مناورة الدمار الشامل المشترك الذي كان سائدًا آنذاك، وبالتالي وُجد مبدأ الردع والردع المضاد، وبات يُنظر إلى هذا المبدأ على أنّه السبب في استتباب السلام والهدوء الآمن على الصعيد الدولي، لأنّ أيًّا من الطرفين لم يكن لينتصر في حرب نووية من دون تكبّد خسائر هائلة.

 

الصواريخ الباليستية:

"بدأت كوريا الشمالية برنامجها الصاروخي بصواريخ "سكود"، ويُقال:"إنّ أول شحنة من هذه الصواريخ وصلتها في العام 1976 عن طريق مصر. وبحلول العام 1984، كانت بيونغ يانغ تنتج نسختها من هذه الصواريخ تحت اسم "هواسونغ"، وكان لهذه الصواريخ مدى أقصى يبلغ نحو ألف كيلومتر، وبإمكانها حمل رؤوس حربية تقليدية وكيميائية وربما حتى بيولوجية، ولاحقًا طوّروا صواريخ "هواسونغ"، وأنتجوا صواريخ "نودونغ" التي يبلغ مداها 1300 كلم"[4].

لقد طوّرت كوريا الشمالية تباعًا مجموعة من الصواريخ الباليستية ومنها: ياكوكسونغ -2 ومداه 2000 كلم مجهول الوزن، تايبودونغ -1 بوزن 500 كلغ ومداه يصل إلى 2500 كلم، وموسودان بوزن 600 كلغ وبمدى 3000 كلم.

لاحقًا، طوّرت مجموعة أخرى من الصواريخ الباليستية، جاءت لتقدم أنموذجًا جديدًا ومتطورًا في الوزن والمدى، ومنها: كي إن -8 بوزن 750 كلغ وبمدى 5000 كلم، وتايبودونغ -2 بوزن 750 – 1000 كلغ ومدى 6700 كلم، وكي إن – 14 مجهول الوزن ومداه 8000 كلم.

في تموز من العام 2017 اختبرت كوريا الشمالية الصاروخ هواسونغ – 14 الذي وصل إلى ارتفاع 1865 ميلًا وبمدى تجاوز 3000 كلم، ومع أنّ الكثير من الدراسات شكّكت في المدى الذي سيصل إليه في حال كان محمّلًا برأس حربي نووي أو تقليدي، وحسب صحيفة نيويورك تايمز، هناك تكهّنات بأنّ الصاروخ تمّ شحنه بالوقود أفقيًّا قبل وضعه على منصة الإطلاق ومن شأن هذا التطوّر أن يجعل من الصعب توجيه ضربة استباقية للصواريخ الكورية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والسبب العلمي في ذلك أنّ الوقود يعتبر بشكل عام، مُستدرِجًا ومُوجّهًا أساسيًا لأغلب أنظمة التوجيه في منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ.

يوم 29 تشرين الثاني من العام 2017 ، أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا عابرًا للقارات، ويُعرف باسم هواسونغ -15، يمتاز بقدرة مُتقدّمة جدًّا في المدى، يُمكِّنه من الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة الأميركية، وقد اعتبر الأكثر تطوّرًا على الإطلاق في مسيرتها الصاروخية، وذلك بعد أن كانت قد توقّفت لمدّة شهرين عن تجاربها الصاروخية، وقالت بيونغ يانغ أنّ هذا الصاروخ كان قادرًا على حمل رأس حربي كبير باستطاعته ضرب كامل أراضي الولايات المتحدة الأميركية.[5]

 

القدرات النووية والكهرومغناطيسية

في الحقيقة، لقد تزايد الخوف من قدرات كوريا الشمالية النووية المحتملة، والتي أصبحت قادرة على إيصالها إلى أي مكان تستهدفه في العالم تقريبًا، وذلك استنادًا إلى ما تمتلكه من صواريخ كما ذُكر سابقًا، إلى قدرات قد تكون أكثر خطرًا، فالرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الأميركية جيمس ويلسي يقول في دراسة خاصة: "بإمكان أي دولة لديها تكنولوجيا السلاح النووي أن تمتلك نوعًا من القنابل الذي لا يستهدف قتل البشر بشكل مباشر بل يعمل على تدمير الشبكات الكهربائية والإلكترونية في نطاق تأثيره".

من جهة ثانية يقول "فنسون بِرِي" رئيس لجنة الكونغرس لتقييم التهديدات الخاصة بالنبضات الكهرومغناطيسية لصحيفة واشنطن تايمز في شباط 2017: "إنّ خبراء روس أكّدوا للجنة التقييم التي يرأسها، أنّه حصل في العام 2004 تسريب للتصاميم الخاصة بقنبلة النبضات الكهربائية "إي أم بي" لكوريا الشمالية، وأنّ علماء من روسيا والصين وباكستان يعملون على تطوير القنبلة الكهرومغناطيسية وستكون بحوزة بيونغ يانغ خلال سنوات".

في برنامج "حقائق في دقائق" العلمي، ذكر في إحدى حلقاته: إنّ أحد سيناريوهات إلقاء القنبلة على الولايات المتحدة الأميركية قد طرحه "جيم أوبرغ" الخبير في علوم الفضاء بوكالة ناسا سابقًا، والذي قال فيه: "إنّ هناك احتمالًا أن تستخدم كوريا الشمالية قمرًا صناعيًا يحمل القنبلة الكهربائية ويلقيها على الولايات المتحدة الأميركية"، وتابع أوبرغ "إنّ كوريا الشمالية قد أطلقت قمرين صناعيين هما: كي أم أس 3 في ديسمبر من العام 2012 وكي أم أس 4 في فبراير 2016، وذلك في مدار قريب من الولايات المتحدة الأميركية، وإنّ أحد القمرين يمكنه حمل رأس نووي صغير وتوجيهه في مجال الولايات المتحدة الأميركية لإحداث هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية".

 

الفصل الثاني: احتمالات الرد الدولي ما بين المواجهة والحل

هذه القدرات والإمكانيات الأكيدة أو المحتملة بنسبة كبيرة، والتي تمتلكها كوريا الشمالية، تدفع المجتمع الدولي إلى اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة ما يمكن أن تشكّله من خطر كوني، إذ لم يعد الموضوع محصورًا فقط بصراع ثنائي بين محورين، كوري شمالي مقابل أميركي مع حلفائها في شرقي آسيا، على رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية، بل أصبح صراعًا ذا أبعاد عالمية واسعة، قد تمتد مضاعفاته وخطورته إلى أكثر من دولة وإلى أكثر من قارة، في ظل وجود أسلحة دمار شامل مع الطرفين، لن يتأخر أحدهما عن الإسراع في استعمالها لإيذاء الآخر، وطبعًا سيتضرر كامل محيط الآخر.

من أشكال الإجراءات الدولية، هناك المواجهة العسكرية، والتي قد تكون ذات طابع دولي عبر قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهي حتمًا ستصطدم باعتراضات روسية أو صينية تظهر من خلال الفيتو على التصويت في مجلس الأمن، وقد تكون من خلال عمل عسكري مستقل على شكل تحالف من دول عدّة، تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت شعار حماية أراضيها وسيادتها المهدّدة مباشرة، حيث التصريحات الكورية الشمالية العلنية بذلك واقعة ومثبتة، وأيضًا تحت شعار حماية حلفائها وفي مقدّمتهم اليابان وكوريا الجنوبية، حيث التجارب الصاروخية الحساسة لكوريا الشمالية غير البعيدة عن المياه الإقليمية وعن أراضي وأجواء الدولتين المذكورتين (كوريا الجنوبية واليابان)، لتشكل تهديدًا مباشرًا، صريحًا وواضحًا لهؤلاء الحلفاء.

ومن الإجراءات الدولية الأخرى ذات الطابع السلمي، هناك التفاوض، والذي لا شك أمامه تحديات من أطراف عدّة لديها مصالح متضاربة، وهذه المصالح المتضاربة أصلًا، هي الأساس الذي أوصل الأزمة إلى التعقيدات التي تميزها حاليًا، وقد نرى إجراءات سلمية مع طابع القساوة بعض الشيء، وذلك من خلال تشديد العقوبات على كوريا الشمالية والضغط عليها اجتماعيًا واقتصاديًا، يعتقد المجتمع الدولي أنّها قد لا تستطيع مقاومتها، بما ستشكّله من سلبيات على ساحتها الداخلية، فيتحقّق ردعها عن الاستمرار بالتجارب الصاروخية والنووية، وتمتثل حينها لقرارات المنظمة الدولية مع شروط حصولها على حوافز اقتصادية ومالية، وحصولها على ضمانات تحفظ خصوصية نظامها، حيث أنّه قد تكون الأخيرة هي المحرّك الأساس في جنوحها نحو امتلاك القدرات النووية.

 

1 - احتمال المواجهة العسكرية

في ظل بلوغ التوتر ذروته مؤخرًا، بعد إطلاق كوريا الشمالية صاروخ هواسونغ 15 فوق اليابان، والذي ادّعت أنّه قادر على الوصول إلى أي مكان على الأراضي الأميركية، مع قدرته على حمل رأس حربي مؤهل لتدمير قسم واسع من تلك الأراضي، وفي ظل التوتر السياسي الذي بدأ مؤخرًا يبدو غير مسيطر عليه، والذي تزيد في توتيره أيضًا شخصية كل من الرئيس الأميركي والرئيس الكوري الشمالي، تقدّم كثيرًا احتمال الخيار العسكري في الآونة الأخيرة، والذي يقوم على ضربة استباقية تستهدف القواعد الصاروخية والعسكرية الاستراتيجية لكوريا الشمالية، انطلاقًا من الأراضي المحيطة بها في كوريا الجنوبية وفي اليابان وفي جزيرة غوام، كمواقع برية ثابتة، وانطلاقًا من البوارج والمدمّرات الأميركية المتحركة في المحيط الهادئ، والتي تبدو كافية وقادرة على ذلك، كما سنرى لاحقًا، مع التذكير بوجود الكثير من المحاذير والمضاعفات الاستراتيجية الدولية، أو التي من الممكن أن تخلقها كوريا الشمالية، والتي قد تُبعد الخيار العسكري.

 

- القدرات العسكرية للولايات المتحدةفي المحيط الهادئ

"تضم اليابان أكبر عدد من العسكريين الأميركيين المنتشرين خارج الولايات المتحدة الأميركية مقارنة بأي بلد آخر، ووفقًا لبيانات وزارة الدفاع الأميركية يتمركز 39345 جنديًا في عشرات القواعد منذ الحرب العالمية الثانية، وصلت اليوم إلى 112 قاعدة ، وفي أبريل من العام 2017، ضمّت القوات الجوية الأميركية عشرات المروحيات والطائرات المقاتلة التكتية وطائرات المراقبة، إلى قاعدة كادينا الجوية في اليابان في استعراض للقوة يستهدف كوريا الشمالية.

وتتمركز القوات الأميركية في اليابان - في الغالب - في جزيرة أوكيناوا شبه الاستوائية التي تبعد حوالى 400 ميل جنوبي اليابان، وهي بأغلبها تابعة للأسطول السابع الذي يقع مقرّه الرئيسي في اليابان، ويعدُّ من أكبر القوات البحرية المنتشرة خارج أميركا، حيث يوجد ما يقرب من 50 إلى 70 سفينة وغواصة و140 طائرة وحوالى20 ألف بحار عبر المحيطين الهندي والهادئ، وتتواجد حاملة الطائرات "رونالد ريجان"، العاملة بالطاقة النووية، بشكل دائم في يوكوسوكا باليابان باعتبارها الناقل الرئيسي للأسطول.

كما ويضم الأسطول 14 مدمرة وسفينة حربية، منها ما هو مُجهّز بمنظومات صاروخية مضادة للصواريخ الباليستية وللقاذفات الاستراتيجية، و منها ما هو مُجهّز بصواريخ توماهوك بعيدة المدى، كما يوجد ما يقرُب من 12 غواصة تعمل بالطاقة النووية".

كوريا الجنوبية هي ثالث أكبر مضيف للقوات العسكرية الأميركية، بعد اليابان وألمانيا، وفيها مجموعة عسكرية أميركية تضم 34805 جنود، منهم 23468 شخصًا يعملون في 83 موقعًا. ويتمركز فيها أكثر من 300 دبابة، أبرامز أم 1 ، مع مئات المركبات المدرعة المتمركزة معها.

وفي أبريل من العام الماضي، قامت الولايات المتحدة بتثبيت نظام الدفاع عن المناطق المرتفعة، المعروف باسم "ثاد"، وهي منظومة متطوّرة قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية وهي لا تزال خارج الغلاف الجوي أو على وشك دخوله، مدى صواريخها 200 كلم وتعمل على ارتفاع 250 كلم ، وهي قادرة على تهديد واستيعاب ومواجهة قدرات الصين وروسيا الباليستية.

جزيرة غوام وهي منطقة أميركية تقع غربي المحيط الهادئ، وتبعد 100ميل عن بيونج يانج، وفيها 3500 عسكري، وقاعدة إندرسون للقوات الجوية التي تستضيف قاذفات القنابل الاستراتيجية من طراز بي - 52 وبي2، بالإضافة إلى قاذفات أف 35 المتطوّرة، مع رادار عائم قادر على دراسة تجارب بيونغ يانغ النووية والباليستية.

هذا بالاضافة إلى تواجد خجول بعض الشيء لوحدات أميركية في تايلاند والفليبين وسنغافورة مقارنة مع التواجد المذكور في اليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة غوام.[6]

 

المحاذير الاستراتيجية للمواجهة العسكرية

"من الناحية العسكرية، ستكون الولايات المتحدة الأميركية بدون شك، الطرف الأقوى في هذه المواجهة العسكرية، حيث أنّها أضحت طرفًا أصيلًا في الصراع مع كوريا الشمالية بعد تطوّر القدرات الصاروخية للأخيرة، والتي ظهرت فعاليتها في التجارب الأخيرة في المحيط الهادىء في الثالث والثامن والعشرين من يوليو من العام الماضي، وممّا لا شك فيه أيضًا أنّ الدخول في مواجهة عسكرية واسعة مع كوريا الشمالية ستنتهي بالتأكيد بهزيمة الأخيرة وبانهيار نظامها، وربما بتدميرها بشكل كامل، لكن الأمر هنا يتعلّق بالتكلفة البشرية لهذه الهزيمة، خاصة في ظل وجود عدد كبير من القوات العسكرية الأميركية في اليابان وفي كوريا الجنوبية وفي جزيرة جوام، والتي ستكون حتمًا في مرمى القدرات الصاروخية الاستراتيجية والتقليدية لبيونج يانج، إذ إنّ الأخيرة تعوّل على نقطة الردع الأساسية هذه، وتزداد أهمية هذا الضابط في ظل حساسية الرأي العام الأميركي لمسألة التورط العسكري الأميركي في الخارج بعد تجربتي الحرب الأميركية في أفغانستان، والغزو الأميركي للعراق حيث كشفت العديد من استطلاعات الرأي العام الأميركي عن تحوّل كبير في موقف المواطن الأميركي من قرار الحرب في العراق، أو إرسال قوات عسكرية أميركية، وذلك بالمقارنة مع الفترة التي صدرت فيها هذه القرارات"[7].

 في ظل التهديد الجدي لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، فيما قد تملك اليابان فرصة لإجلاء مواطنيها بالسرعة التي تؤمن لهم الحماية من الضربة الأولى لكوريا الشمالية، سيكون من المستحيل إجلاء المواطنين جميعًا في "سيول" عاصمة كوريا الجنوبية، والتي تَأوي حوالى عشرة ملايين نَسَمة؛ وبالتالي فمن المتوقّع أن يموت مئاتُ الآلاف من سكان الأخيرة نتيجة الضربة الأولى والمتوقعة حتمًا من قبل كوريا الشمالية.

"بسبب هذه الخسائر الكارثية التي ستتعرّض لها كل من كوريا الجنوبية واليابان، ترفض الأخيرتان العمل العسكري من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهي تدفع نحو الدبلوماسية بوصفها حلًّا سلميًّا للحوار والمباحثات؛ لكن وزير الدفاع الأميركي "جيم ماتيس" ألمح إلى وجود خيارات عسكرية ضد كوريا الشمالية من دون أن تتعرّض "سيول" لهجوم مضادّ وخطير.

وبوجود مناقشات عدّة حول ما يعنيه "ماتيس" من خلال تصريحه السابق، فمن الصعب معرفة التكنولوجيا العسكرية التي تجنِّب تدمير "سيول" في حال الهجوم على كوريا الشمالية، ويُعتقد على نطاق واسع أنّ مثل هذا الاحتمال هو أمر مستحيل، فقد تُؤخذ "سيول" رهينة بالإضافة إلى اليابان، وهذا هو السبب في أنّ كوريا الشمالية تصرُّ على السعي إلى تطوير التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ". [8]

من ناحية أخرى، وفي حوار حول موضوع "هل خيار الحرب مطروح لدى الرئيس الأميركي ترامب بمواجهة  كوريا الشمالية؟"، عُرض بتاريخ الأوّل من كانون الأول من العام 2017 على الفضائية الألمانية DW في أحد برامجها المنشورة باللغة العربية لحوار بين كل من الدكتور محمد الشرقاوي أستاذ تسوية النزاعات في جامعة ميسون فرجينيا الأميركية، والدكتور أحمد قنديل الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الآسيوية، فالشرقاوي يقول:"إنّ المواجهة العسكرية غير واردة بالنسبة إلى الجميع إلّا لترامب، وحيث أنّ التقارير شبه المؤكدة  تفيد بامتلاك كوريا الشمالية 20 رأسًا نوويًّا، وهي تطوّر بفعالية متسارعة قدراتها الصاروخية، فإنّ توجّه الرئيس الأميركي يؤشر إلى أنّه لا يفهم حقيقة الوضع، ومن الواضح أنّه لا يملك رؤية استراتيجية، ورأيه يتعارض تقريبًا في ذلك مع آراء كامل فريقه في الأمن القومي وفي البنتاغون، ومن كلام وزير دفاعه عن أنّ كوريا الشمالية تستطيع أن تضرب أي نقطة في العالم، يجب على ترامب -حسب الشرقاوي- أن يبحث عن استراتيجية بديلة عن المواجهة العسكرية".

الخبير الدكتور أحمد قنديل يقول في هذا الإطار:"إنّ المناورات المشتركة بين الأميركيين وكوريا الجنوبية طالما شكّلت تهديدًا لكوريا الشمالية، وكانت دائمًا تجارب الأخيرة تأتي بعد أعمال استفزازية من الطرف الآخر، كالتعزيزات الأميركية في المحيط الهادئ (غواصات نووية وقاذفات استراتيجية)، والمناورات المشتركة مع اليابان ومع كوريا الجنوبية، وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

يتابع قنديل بقوله في 24 تشرين الثاني 2017 إنّ التعزيزات الأميركية في شمال آسيا هي بحد ذاتها استفزاز  لكوريا الشمالية ولغيرها طبعًا".

بعد أن كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 18 كانون الأوّل 2017 النقاب عن استراتيجية جديدة للأمن القومي، والتي عرض فيها عدّة ملفات، يمكن استنتاج ما تعطيه الولايات المتحدة الأميركية من أهمية ومن تركيز لملف دول المحيط الهادئ، وذلك كما ورد في وثيقة البيت الأبيض بالتحديد:

-"روسيا تستثمر في القدرات العسكرية الجديدة، بما في ذلك أنظمة الأسلحة النووية، ما يشكّل أحد الأخطار الكبيرة على الولايات المتحدة".

-"الولايات المتحدة تذيع نظامًا مضادًا للصواريخ على مستويات عدّة، وهو يستهدف كوريا الشمالية وإيران، من أجل حماية أرضنا من الضربات الصاروخية. ويتمكن هذا النظام من إبطال هذه الصواريخ قبل إطلاقها".

-"إنّ الأنظمة المضادة للصواريخ المعزّزة لا تهدف إلى تقويض الاستقرار الاستراتيجي أو تقويض العلاقات الاستراتيجية الطويلة الأمد مع روسيا والصين".

-"نحن أمام أهم ثلاثة مخاطر- جهود الصين وروسيا، والدول المارقة - إيران وكوريا الشمالية، والتنظيمات الإرهابية الدولية، الساعية للقيام بأعمال قتالية ضد الولايات المتحدة".

-"الصين وروسيا تطوّران أسلحة متقدمة وتوسّعان قدراتهما، ما يمكن أن يهدّد البنى التحتية الحيوية، ومؤسسات الإدارة".

-"كوريا الشمالية تبحث عن سبيل لقتل مليون أميركي باستخدام السلاح النووي".

-"الصين وروسيا تريدان تشكيل عالم يعادي القيم والمصالح الأميركية، مع توسيع للحدود عبر صيغة اقتصادية جديدة تصبّ لصالحهم".

-"الصين تسعى لإبعاد الولايات المتحدة عن منطقة المحيط الهادئ"[9]. هذا التصريح للرئيس الأميركي والذي جاء في معرض إعلانه عن استراتيجية جديدة للأمن القومي في العام 2018، لا شك أنّه يحمل في طيّاته الكثير من التوجّهات الاستراتيجية التي تستهدف المحيط الهادئ ودوله الأساسية، روسيا والصين وكوريا الشمالية: وصحيح أنّ هذه الاستراتيجية لم تتضمن تحديدًا واضحًا لمسار هذه المواجهة ولعناصر الرد على التوجّهات الروسية والصينية، إلّا أنّه لا يمكن أبدًا استبعاد الاحتمالات جميعها، ومنها الخيار العسكري، وتلميحه إلى مجابهة التحدي الذي تمثله كوريا الشمالية، لا يمكن إلّا أن يكون مدخلًا أو رابطًا لتنفيذ الاستراتيجية المذكورة، فالرئيس ترامب، وفي سبيل تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية، يربط النزاع الواسع مع دول المحيط الهادئء الكبرى عبر كوريا الشمالية وعبر أزمتها الصاروخية.

عرضت قناة فرانس 24 الفرنسية الفضائية، (٥/٩/2017)، تحت عنوان "هل من ردّ دوليّ على الاستفزاز النووي لكوريا الشمالية،" حوارًا حول الأزمة مع كوريا الشمالية، شارك فيه كل من الدكتور ماجد نعمه مدير تحرير مجلة afrique – asie الفرنسية، والدكتور فادي فاضل أستاذ القانون الدولي في المعهد الأميركي لإدارة الأعمال، والدكتور عبد الحميد صيام الأستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة "روتغرز الأميركية"، وقد أجمع الباحثون على أنّ الرد العسكري لا يمكن أن يكون هو الحل، لأنّه صعب وخطر على الجميع، ومن يضمن أنّه لن يخسر عبره  في ظل الشكوك وعدم الوضوح والغموض حول ما تمتلكه بالفعل كوريا الشمالية؟ 

-وممّا قاله عبد الحميد صيام:  "منذ العام 2006 إلى اليوم، هناك 16 قرارًا تتعلّق بكوريا الشمالية وببرنامجها الصاروخي والنووي، 7 منها تتضمن عقوبات، آخرها قرار رقم 2371 الذي اعتُمِد في آب من العام 2017 وتوصّل إلى منع كوريا الشمالية من تصدير المواد الغذائية الأساسية في صادراتها (المأكولات البحرية)، ومنع استيراد الحديد والفولاذ، ومع هذه العقوبات القاسية اقتصاديًّا عليها، لم ترتدع عن التجارب النووية، والتجربة الأخيرة في أوّل أيلول من العام 2017 كانت لافتة، كما أنّ العام 2017 شهد إطلاق 17 صاروخًا وربّما كان أحد هذه الصواريخ مؤهّلًا لحمل القنبلة الهيدروجينية ونقلها إلى مسافة تزيد عن 7000 كلم".

- ماجد نعمه ذكر ما عرضته المجلة الفرنسية la liberation في افتتاحيّتها عن "إشكالية الجنون التي تحيط بالأزمة الصاروخية لكوريا الشمالية، ما بين مجنون في كوريا ومجنون في واشنطن"، وتابع نعمه: "أوباما -الرئيس الأميركي السابق- والذي كان يُصنَّف رئيسًا معتدلًا اعتبر أنّ 60 بالمئة من الاستراتيجية الأميركية موجّهة نحو المحيط الهادئ، والهدف طبعًا هو الصين بالأساس، ودرجة ثانية روسيا"، وتابع نعمه: "الصين وروسيا مستهدفتان من أزمة كوريا الشمالية أكثر من الأخيرة، الهند وباكستان دولتان نوويتان ولم يعد هناك من حرب بينهما، ولماذا السكوت عن أسلحة إسرائيل النووية، وإذا كان التهديد من خطر القوّة النووية لكوريا الشمالية، فالأجدى بالصين وبروسيا أن تعترضا قبل الولايات المتحدة الأميركية"، وإلّا سيطرح ذلك تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للأخيرة من تصعيد المواجهة بدل البحث عن حلول منطقية وسلمية؟ يسأل فادي نعمه[10].

 

2 - المواجهة من خلال الطرق السلمية

قد تكون الإجراءات الدولية سلميّة عبر التفاوض البنّاء، والذي لا شك أنّ أمامه تحديات من أطراف مختلفة لديها مصالح متضاربة، هي الأساس الذي أوصل الأزمة إلى التعقيدات التي تشهدها حاليًّا. وقد تحمل هذه الإجراءات السلميّة شيئًا من القسوة، وذلك من خلال تشديد العقوبات على كوريا الشمالية والضغط عليها اجتماعيًّا واقتصاديًّا لردعها عن الاستمرار بالتجارب النووية، ودفعها إلى الامتثال لقرارات المنظمة الدولية مقابل حصولها على حوافز اقتصادية ومالية، والأهم من ذلك، حصولها على ضمانات تحفظ خصوصية نظامها وتكون المحرّك الأساس للجنوح نحو امتلاك القدرات النووية.

 

عقوبات وضغوط اقتصادية وسياسية

لا شك أنّ معظم المعنيّين بأزمة الصواريخ الكورية الشمالية يأخذون محاذير المواجهة العسكرية على محمل الجد، وإن تفاوتت نظرتهم واختلفت، تبعًا للمصالح الخاصة والمناورة والأهداف الاستراتيجية لكل من هذه الأطراف، فأهداف الولايات المتحدة في المواجهة تختلف عن أهداف الصين، أو عن أهداف روسيا، وحيث لا يبدو أنّ لحلفاء الولايات المتحدة (كوريا الجنوبية واليابان) أهدافًا مستقلة عن أهداف واشنطن من هذه المواجهة، إذ لا يملكون المبادرة، سواء العسكرية أو الديبلوماسية، ولا القدرة على تحريك المؤسسات الدولية بمعزل عن الولايات المتحدة ، يبقى أنّ للأخيرة التأثير الأساس في تحديد مسار هذه المواجهة.

في دراسة علمية للخبير الروسي كوستنتين سيفكوف، العضو في أكاديمية العلوم العسكرية الصاروخية والمدفعية يقول: "إنّ صواريخ كوريا الشمالية الباليستية المنطلقة فوق اليابان تطير على ارتفاع ما بين 400 و500 كلم، في حين لا تستطيع الصواريخ اليابانية، من صنع أميركي، الارتفاع أكثر من 250 كلم، ولو كان الصاروخ موجّهًا بالأساس كي يسقط على اليابان، لكان بالإمكان إسقاطه بهذه الصورايخ الأميركية، كما أنّ تدمير الرأس الحربي سيؤدي إلى رشّ مادة مشعّة فوق اليابان وانفجاره سيكون أيضًا مؤذيًا (عند استهدافه)".  ويتابع سيفكوف: "إنّ صاروخ الاعتراض الأميركي الذي ينطلق من السفينة مصمّم لإصابة الأهداف التي تبعد آلاف الكيلومترات عن موقع انطلاقه ويجب اكتشاف الصاروخ الكوري لحظة انطلاقه، ومن الضروري في هذه الحالة، ومن أجل الحصول على إمكانية اعتراض ناجح، يجب أن تقترب السفينة، حاملة المنظومة الصاروخية المضادة للصواريخ، مسافة حوالي المئة كلم من سواحل كوريا الشمالية، وهذا قد يكون مستحيلًا في ظل هذا التوتّر والاستنفار والتهديد الكوري الشمالي".[11]

الخبير في الشؤون الآسيوية د. وائل عواد يعتبر أنّ كوريا الشمالية قد فرضت معادلة ردع في منطقة شمالي غربي المحيط الهادئ، وقد تغيّرت اللعبة وحقّقت رغبتها وبإيصال شحنة نووية إلى أي مكان تريده.

الخبير الأميركي من (جمعية العلماء المهتمين بالأسلحة النووية) ديفيد رايت يقول:" لو تم إطلاق الصاروخ الأخير هواسونغ 15 الذي أُطلق فوق اليابان، بمسار عادي مع زاوية منخفضة، لقطع مسافة أكثر من 8100 ميل بحري ووصل إلى العاصمة واشنطن وإلى أي مكان آخر في الولايات المتحدة الأميركية".

من هنا، وتبعًا للمحاذير الإنسانية والاجتماعية والدولية المرتقبة في اعتماد الخيار العسكري، واستنادًا لإجماع أكثر المتابعين الاستراتيجيين وخبراء الأسلحة النووية والصاروخية، من المنطقي استبعاد الخيار العسكري والذهاب إلى خيار آخر، فيه حماية وأمان دوليّان، ولكن يحمل في مضمونه شيئًا من القسوة التي تشكّل عاملًا لردع كوريا الشمالية، فكان مفهوم العقوبات المشددة.

يدعو وزير الخارجية الأميركي ريك تيليرسون الأسبق المجتمع الدولي "لاتخاذ إجراءات أبعد من العقوبات"، وربما قصد موضوع حظر النقل البحري بالكامل من كوريا الشمالية وإليها.

لي جي سو أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة ميونغ جي يقول: "لا يمكن أن تتخلّى كوريا الشمالية عن برنامجها الصاروخي النووي، فهو يساعدها أمام الرأي العام الداخلي، وهو رد فعل على العقوبات القاسية التي طالما فرضت عليها وما زالت". ويتابع لي جي سو: "هذه العقوبات كانت دائمًا عاجزة عن فرض حظر كامل على كوريا الشمالية، ويبقى الضغط الاقتصادي مؤثرًا وفعّالًا على الشعوب ربما، ولكن ليس على الحكومات، وهم يعرفون أنّ حكومة كوريا الشمالية هي حكومة قوية وصارمة، والولايات المتحدة هي عدوّ أساسي للشعب الكوري الشمالي، منذ تاريخ استقلاله وتقسيم كوريا، ومنذ ما قبل البرامج الصاروخية والنووية بعشرات السنوات، وكوريا الشمالية ليست مستعدة للتنازل على الرغم من العقوبات".

الدكتور المصري عماد عبد الهادي المحلل السياسي والاستراتيجي يقول للفضائية الألمانية: "إنّ التجربة الأخيرة لكوريا الشمالية هي الأولى بعد شهرين من آخر عقوبات على كوريا الشمالية، ولم تكن رادعًا لها، وحتى مع تصويت الصين وروسيا على آخر عقوبات عليها، والذي له دلالاته في التشدّد الدولي وشبه الإجماع على العقوبات، لم يؤثر على كوريا الشمالية، وقد جاءت التجربة الصاروخية الأخيرة على درجة عالية من الخطورة حاملة مؤشرات استراتيجية بغاية الجدية والحساسية".[12]

 

خيار التفاوض

بعد المحاذير والمخاطر التي أصبحت شبه مؤكدة من اعتماد الخيار العسكري، والذي لا يبدو أنّ أحدًا قادرًا على ضبط تداعياته وتوجيه مساره، وبعد عجز العقوبات عن ردع كوريا الشمالية عن المضي قدمًا في تطوير برنامجها الصاروخي والنووي، وإذ تبيّن أنّ الأخيرة كانت تتشدّد أكثر في تجاربها الصاروخية وفي رسائلها النووية كلّما شُدّدت عليها العقوبات أكثر، لا يبدو أنّ هناك سبيلًا غير التفاوض المباشر مع كوريا الشمالية لحل الأزمة الصاروخية، وحيث لدى الأطراف كلّها أو اللاعبين مصالح خاصة متباعدة ومتعارضة في أكثر الأحيان، ستكون النظرة لإدارة المفاوضات، لناحية أهدافها ومنهجيتها وشروطها، أيضًا متباعدة ومتعارضة.

في دراسة حول عملية إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا فوق اليابان بتاريخ 27 آب من العام 2017، نشرتها الفضائية الروسية العربية (روسيا اليوم)، يشرح الدكتور إدمون غريب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون الأميركية والخبير في الشؤون الدولية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور أحمد قنديل، للأبعاد العسكرية والاستراتيجية لهذا الإطلاق، فيقول غريب ردًّا على سؤال: هل كانت اليابان قادرة على إسقاط الصاروخ؟" أعتقد أنّها كانت قادرة على ذلك ولكنّها لا تحبّذ التصعيد وتوتير الوضع، وحيث أنّها، كما يقول الخبير الأميركي بالشؤون الكورية الشمالية روبيرت كيلي، أزمة من جهنّم، فحسنًا فعل اليابانيون بعدم الرد وإسقاط الصاروخ قرب جزيرة هوكايدو في المحيط الهادئ متجاوزًا اليابان ومياهها الإقليمية".

يتابع أدمون غريب "الصين قالت إنّ سياسة العقوبات لا تَحل المسألة، والكثير يقول: هناك مخاطر كارثية للحل العسكري، والمناورات الاستفزازية والعزلة والحصار تقلق كوريا الشمالية وتدفعها للتوتر، وهي تعتبر أنّ تطوير قدراتها هو لحماية أمنها وشعبها، وتطوير القدرة الباليستية هو للدفاع عن النفس، ويأتي كسلاح ردع أكثر منه سلاح هجومي عدواني.

الصين لاعب أساسيّ ومؤثّر في القرار إذ تربطها علاقات مهمة بكوريا الشمالية، ولكن يبقى تأثيرها محدودًا وهي صوّتت مع قرار مجلس الأمن الأخير لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على بيونغ يانغ، والعلاقات الصينية الأميركية شهدت في الآونة الأخيرة غزلًا لافتًا، وهي في النهاية، لا تحبّذ امتلاك كوريا الشمالية قدرات نووية، ما يجعل من  الصعب التأثير عليها وتوجيه سياستها.

لقد أفشلت الولايات المتحدة الأميركية المفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي، (الولايات المتحدة الأميركية - اليابان - الصين - روسيا والأمم المتحدة بالإضافة إلى بيونغ يانغ)، والسبب هو ليس حل الأزمة الصاروخية، بل توتير الأجواء. فخَلْقُ وضع متوتّر يسمح بتعزيز القدرات العسكرية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية في شمالي غربي المحيط الهادىء، لاحتواء الصين الصاعدة عسكريًّا واقتصاديًّا، والضغط على النظام الكوري الشمالي ليكون حليفًا لها وليس للصين".

يقول أحمد قنديل في هذا المجال: "إنّ كوريا الشمالية لن ترضخ للعقوبات ولا للتهديدات العسكرية، إنّها محاصرة حصارًا اقتصاديًّا، وترى أمام أعينها المناورات الاستفزازية الأميركية – الكورية الجنوبية، وهي لن تسمح بتهديد أمنها القومي.

ويتابع قنديل: "من يؤجّج هذه المنطقة ويملؤها بالصواريخ والقدرات النووية والقاذفات الاستراتيجية، هو الذي يعرقل خطوط التفاوض، وهو الطرف الأقوى، أي الولايات المتحدة الأميركية، وأسلوب الحصار الأميركي يسبّب تأجيج التوتر وزيادة عسكرة المنطقة، فكوريا الشمالية تطلب إنهاء الحرب الأميركية عليها، وواشنطن تتجاهل المبادرات الكورية الشمالية.والمبادرة الروسية - الصينية في أيار 2017 بشأن الاتفاق المتبادل حول وقف المناورات المشتركة بمواجهة كوريا الشمالية".[13]

 

الخاتمة

هذه الحركة اللّافتة التي حصلت أخيرًا وتوزّعت بين التفاوض المباشر بين الكوريتين، والتفاوض المرتقب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى قرار كوريا الشمالية وقف تجاربها النووية والصاروخية، ربما تشكّل باب أمل لاستبعاد الخيار العسكري المدمّر، وقد يدفع كوريا الشمالية إلى التهدئة والابتعاد عن التوتّر الذي قادها، أوّلًا لاتخاذ قرار بامتلاك القدرات الصاروخية والنووية، وثانيًا إلى تطويرها والمضي قدمًا في تهديداتها الجدية، من دون الالتفات إلى اعتراض المجتمع الدولي، وإلى تشدّده بمواجهة برنامجها هذا.

من جهة أخرى ، لربما كان القرار الكوري الشمالي الأخير جديًا و صادقًا، فإنّه سيفضح نوايا الولايات المتحدة الأميركية، إذ يعتبر بعض المتابعين من اصحاب نظرية المؤامرة، أنّ الأخيرة طالما كانت تناور مستغلّة الأزمة الكورية الشمالية، وهي حين شجّعت كوريا الجنوبية على التفاوض المباشر مع بيونغ يانغ. فهي برأيهم كانت تحاول فقط كسب الوقت واستبعاد احتمال إفشال كوريا الشمالية الألعاب الأولمبية الشتوية في سيول، والتي انتهت بنجاح من دون أي تداعيات أمنية أو عسكرية .

 في المقابل، وبعد مشاركتها بالألعاب الأولمبية في سيول، نجحت كوريا الشمالية  في انتزاع  ورقة التفاوض مع كوريا الجنوبية رغم التحفّظ الأميركي التاريخي، كتعبير عن حسن نية وعن قرار بإعطاء المجال للتفاوض بعيدًا من لغة التهديد، وفي سبيل تصعيدها، لعبت شخصيتا كل من الرئيس ترامب والرئيس يونغ أون دورًا بارزًا.

ولكن إلى أي مدى يمكن التكهّن بهامش المناورة الذي تسمح به واشنطن لكوريا الجنوبية في هذه المفاوضات؟ وهل ستنتهي خطوط التفاوض بشكل مفاجئ إذا اكتشفت أنّ هناك مناورة تخفيها كوريا الشمالية عبر الإعلان عن وقف تجاربها المحظورة دوليًا، ليعود بعد ذلك المحيط الهادئ وشبه الجزيرة الكورية إلى التصعيد الذي سبق الاختراق الديبلوماسي الأخير؟ هل ستتخلّى واشنطن عن مناورة الدفع نحو التصعيد، وعن شروطها المسبقة التي تفرض

من ناحية أخرى، هل يكون الأمر بهذه البساطة وتنتهي الأزمة بسلاسة بعد أن تبرهن كوريا الشمالية عن صدق  قرارها بوقف تجاربها النووية والصاروخية، أم أنّ للأزمة وجوهًا أخرى تتعلّق بصراع استراتيجي بعيد، يتجاوز الكوريتين إلى المصالح المتضاربة بين كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية؟

وهل  تستسلم  كوريا الشمالية  وتخسر ورقتها الوحيدة في حماية موقفها ونظامها ومصالحها، وموضوع احتلال العراق وليبيا وتدميرهما من قبل واشنطن وتغيير أنظمتها لأسباب وحجج واهية ماثل أمامها؟

ما دور الصين وروسيا في هذه الأزمة، وهل سيستطيع كل منهما إحداث تغيير في مسار أزمة طالت وتصاعدت وتطوّرت وأصبحت غير مضبوطة ووضعت العالم على شفير حرب واسعة؟ 

لا بدّ في النهاية من الرجوع إلى منطق التعقّل والتروّي، وإلى منطق حل النزاعات كما يفترض القانون الدولي، مع احترام حقوق الشعوب بسيادتها المبنية على احترام حقوق الدول والشعوب ومنطق الشرعية الدولية.

 

لائحة المراجع

١ - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، حرب الكوريتين

٢- التسلسل الزمني للأحداث في أزمة كوريا الشمالية النووية، عبده الترجمان، بي بي سي عربية، لندن.

٣- المركز العربي للبحوث والدراسات مصر، الأزمة النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، د طارق ثابت.

٤- برنامج كوريا الشمالية الصاروخي وأهدافه، بي بي سي عربية، تمّوز 2017.

٥- أين تتمركز القوات الأميركية حول كوريا الشمالية، موقع مصراوي، آب 2017، نقلًا عن الغارديان البريطانية.

٦- د محمد فرحات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

٧- كازوهيدي إيكتاكي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

٨- مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية، الإستراتيجية الدفاعية الأميركية للعام 2018، محمد عمر، كانون الثاني 2018.

٩- مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية، الإستراتيجية الدفاعية الأميركية للعام 2018، محمد عمر، كانون الثاني 2018.

١٠ -  (فرانس 24)، 5 أيلول 2017https://youtu.be/okj4j9-Q_BA

١١ -   https://youtu.be/KRS-O5Otnqo

١٢-    عربي –RT https://youtu.be/nPP4bdfMkIc

 

[1]-     ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، حرب الكوريتين

[2]-     التسلسل الزمني للأحداث في أزمة كوريا الشمالية النووية، عبده الترجمان، بي بي سي عربية، لندن.

[3]-     المركز العربي للبحوث والدراسات مصر، الأزمة النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، د طارق ثابت.

[4]-     برنامج كوريا الشمالية الصاروخي وأهدافه، بي بي سي عربية، تمّوز 2017.

[5]-     المرجع نفسه

[6]-     أين تتمركز القوات الأميركية حول كوريا الشمالية، موقع مصراوي، آب 2017، نقلًا عن الغارديان البريطانية.

[7]-     د محمد فرحات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

[8]-     كازوهيدي إيكتاكي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. 

[9]-     مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية، الإستراتيجية الدفاعية الأميركية للعام 2018، محمد عمر، كانون الثاني 2018.

[10]-    (فرانس 24)، 5 أيلول2017 https://youtu.be/okj4j9-Q_BA

[11]-     فضائية روسيا اليوم العربية، قسطنطين، سيفكوف عضو الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية.

[12]-      https://youtu.be/KRS-O5Otnqo

[13]-    عربي –RT  https://youtu.be/nPP4bdfMkIc

Strategic dimensions of the North Korea missile crisis
The North Korea missile crisis and its project of development and possession of nuclear capabilities is considered, on the international field today, one of the most interesting in all aspects: diplomatic, geographic, military and strategic; it covers in its aspects and influence a wide area of the world, and is, without doubt, the main concern of many powerful and effective forces and states.
The importance of this crisis lies in the fact that it may trigger a third world war, that may surpass the conflict between its current declared parties- North Korea and, South Korea and the United States of America- and involve other undeclared parties, such as China, Russia, and perhaps some NATO countries, that will fiercely and effectively participate as allies and key players, because of competing national, strategic and economic interests. Its danger lies then in the possibility of its geographic expansion beyond its current focus in East Asia and the Northwest Pacific ocean, to other far areas, and perhaps to the depth of the United States.
The fundamental problematic of this crisis lies in that North Korea - with the aim of protecting its existence, order and interests - is developing ballistic missile capabilities, in parallel with the relentless development and possession of nuclear capabilities, a development that is opposed by most major powers - not all - and the United Nations of course through many international decisions and actions; and even though North Korea has proceeded to these internationally rejected projects in the context of a historical conflict with South Korea related to geography, politics, and nationalism, this crisis conceals in reality a global conflict between major powers with competing interests in strategy, economy, control and influence, which prevented any possible solution and complicated the elements of the conflict, these elements becoming so imbricated that each one suggests it can and may, by itself, cause a global crisis.
The research deals- from an objective and scientific point of view- with the strategic dimensions of this crisis, while addressing the possibility of solving it militarily and the chances of success or failure of this solution. It shows beforehand the military capabilities of each of the main parties; the level of tension between them being raised because of mutual threat between North Korea and other parties, in addition to addressing  the dangers of the military solution in East Asia and its extension to the world, and also illuminating the prospects of other peaceful solutions, such as repressive and preventive sanctions to deter North Korea from its rejected program, or dialogue and negotiation that may conciliate the main actors opposite interests, and finally showing what can be deduced from the objectives of each of the parties in this sensitive conflict.

Les portées stratégiques de la crise des missiles Coréens
La crise des missiles Nord-Coréens et le projet de développement et possession de cette dernière de capacités nucléaires est considérée, sur la scène internationale, comme une des plus intéressantes à tous les égards: diplomatique, géographique, militaire et stratégique. Elle couvre de par ses dimensions et influences une grande partie du monde et est, sans doute, la préoccupation de nombreuses grandes puissances et grands Etats.
La sensibilité ou l’importance de cette crise réside en ce qu’elle peut constituer un point de déclenchement d’une troisième guerre mondiale, qui peut dépasser le conflit entre ses parties actuelles déclarées, Les Corées de Nord et de Sud et les Etats-Unis d’Amérique pour impliquer d'autres parties, non déclarées, telles que la Chine, la Russie et peut-être certains Etats européens de l'OTAN, qui y participeront efficacement et fortement, en raison du conflit et de la concurrence des intérêts nationaux, stratégiques et économiques. Sa dangerosité réside donc dans la possibilité de son expansion géographique au-delà de son domaine actuel en Asie de l'est et au Nord-Ouest Pacifique, vers d'autres régions éloignées, et peut-être vers les États-Unis et ailleurs.
La problématique essentielle de cette crise réside en ce que la Corée du Nord - et en vue de protéger son existence, son ordre et ses intérêts – développe des capacités de missiles balistiques, en parallèle avec le travail de développement et d’acquisition de capacités nucléaires, un projet opposé par la plupart des grandes puissances - et les Nations Unies, à travers nombreuses résolutions et procédures internationales ; et même si la Corée du Nord a dérivé dans ce projet universellement rejeté en raison d’un conflit historique géographique, politique et nationaliste avec la Corée du Sud, en réalité, cette crise dissimule un conflit mondial entre les grandes puissances, mené par un conflit d’intérêts stratégiques, économiques et relatifs au contrôle et l'influence, ce qui a empêché une solution à ce conflit et compliqué les éléments de celui-ci, ces éléments devenant si intimement liés que chacun suggère pouvoir créer en lui-même une crise mondiale.
Cette étude traite- de manière objective et scientifique- les portées stratégiques de cette crise, en envisageant la possibilité de sa solution militaire et les probabilités de succès ou d’échec , après avoir introduit les capacités militaires des parties principales, entre lesquelles le niveau de tension augmente en raison des menaces mutuelles, et en abordant les dangers d'une solution militaire en Asie de l’Est et au niveau du monde, tout en éclairant les perspectives d’autres solutions pacifiques, telles que les sanctions répressives et préventives pour dissuader la Corée du Nord de son programme rejeté, ou la négociation et le dialogue permettant de concilier les intérêts opposés des acteurs, et en montrant également ce qui peut être déduit des objectifs de chacune des parties dans ce conflit sensible.