صعوبات تعلّمية

ما هي الـ«ديسبراكسيا»؟
إعداد: روجينا خليل الشختورة

يصعب على هاني (٤ سنوات) الإمساك بالقلم أو أي شيء صغير، نطقه غير واضح، ولا يجيد التحرك في الاتجاهات المناسبة، كما أنّه يشعر بالغيظ عندما يلعب مع أطفال في سنّه، فهو غير قادر على مجاراتهم.

إنها الـ«ديسبراكسيا»، أو عسر التنسيق الحركي، الذي كثُر الحديث عنه في الآونة الأخيرة كواحدة من الصعوبات التعلّمية.

فما هي الـ«ديسبراكسيا»؟ وما هي أعراضها؟ وكيف تؤثر في أداء التلميذ المدرسي والسلوكي والاجتماعي؟

 

لمعرفة المزيد عن هذا الاضطراب، توجهنا إلى الاختصاصية في علم النفس الحركي في المركز اللبناني للتعليم المتخصص CLES دارين نابلسي التي أجابت عن كل ما يتعلّق بهذا الموضوع.

بدايةً، عرّفت نابلسي الـ«ديسبراكسيا» بأنّها اضطراب محدد يطال تعلّم الحركة وتطورها لدى المرء، ويتمثل بصعوبات في الجهاز الحركي الإرادي، واضطراب في التكامل والاتزان الحركي، ما يؤدي إلى عدم توافق بين أداء اليد والنظر، وصعوبة في ممارسة الأنشطة الحركية الكبيرة كالركض أو القفز، والأنشطة الدقيقة مثل الإمساك بالقلم.

وتشيـر نابلسي إلى أنّ المصاب بـالـ«ديسبراكسيا» لا يعاني تأخّرًا ذهنيًا أو إصابة في الدماغ أو مشاكل نفسية مسبّبة لمشكلة الحركة. كما تشدّد على أنّه يعاني اضطرابًا في الحركـة وليـس مرضًـا. وكبقيـة الصعوبات أو الاضطرابات التعلّميـة، تظهـر الـ«ديسبراكسيـا» بدرجـات مختلفـة.

 

الأسباب

أسباب الديسبراكسيا ما تزال مجهولة لغاية اليوم، تقول نابلسي، وعلى الرغم من الأبحاث التي تبين وجود عائلات كاملة تعاني هذا الاضطراب، لا تتوافر أي دراسة تجزم بوجود العامل الوراثي. من جهة أخرى يعتقد الباحثون بأنّ بعض الأجزاء من الدماغ (منطقة المخيخ) تؤدي دورًا أساسيًا في اكتساب الحركة وتعلّمها وفق ما بيّنت أبحاث نيكلسون (٢٠٠٦) التي تربط هذا الاضطراب بخلل دماغي.

كما يشير بعض الباحثين إلى خلل وظيفي في الخلايا العصبية التي تتحكّم بالعضلات، ما يؤثر على الحركة. ويمكن أنْ يُظهر الإنسان عوارض الـ«ديسبراكسيا» في أي مرحلة من مراحل العمر بسبب صدمة أو نتيجة سكتة دماغية أو حادث أو مرض، ويسمى الاضطراب في هذه الحالات بالـ«أبراكسيا».

تشكّل نسبة الذين يعانون اضطراب «ديسبراكسيا» ٥ إلى ٦٪ من مجموع الأطفال، وأكثر من ٥٠٪ من هؤلاء يعانون النقص في التركيز والفرط الحركي. واللافت أنّ الذكور معرّضون بمعدل مرتين إلى ٥ مرات أكثر من الإناث، علمًا أنّ الـ«ديسبراكسيا» تلازم المرء طوال حياته.

هل يمكن لأهل الطفل والمحيطين به ملاحظة أعراض الـ«ديسبراكسيا» لدى طفلهم؟

تجيب نابلسي عن السؤال محددة أهم الأعراض التي يمكن ملاحظتها لدى الأطفال على النحو الآتي:

- تأخّر في التطوّر الحركي، مثلًا تأخّر الطفل في بعض الوضعيات الحركية مثل الجلوس والوقوف والمشي والتدرّب على استعمال المرحاض.

- عدم تمكّن الطفل من ربط شريط الحذاء أو رفع سحّاب سرواله.

- تأخّر في تعلّم صعود السلم ونزوله.

- صعوبة في النشاطات الرياضية مثل الركض، والقفز، واللعب بالكرة.

- صعوبة في مضغ الطعام والتقاط القطع الصغيرة.

- مشكلة في أداء التمارين اليومية وتدبّر المسائل الخاصة مثل ارتداء الثياب، فك الأزرار وتركيبها، والوقوع بشكل متكرر.

- صعوبة في إمساك القلم، والرسم والمهارات اليدوية الدقيقة، إلخ.

 

في أي عمر يمكن أنْ نكتشف الإصابة؟

بدءًا من عمر الـ٣ سنوات، من الممكن أن نلاحظ لدى الطفل صعوبات على مستوى اكتساب بعض الحركات الكبيرة مثل المشي أو القفز، صعوبة في استعمال يديه، مشكلة في تعلّم بعض الحركات في الحياة اليومية، الوقوع المتكرر، إلخ... هنا لا بد من مراجعة الطبيب للتأكد من الجانب الطبي قبل إحالته إلى المعالج النفسي الحركي لتقييم الوضع، مع العلم أنّه لا يمكن التأكّد من التشخيص قبل عمر الـ٦ سنوات.

 

عواقب عدم التدخّل

من دون أدنى شك، إنّ لـلـ«ديسبراكسيا» تأثيرات سلبية على نمو الطفل وبخاصة على مستوى الاستقلالية، فالولد لن يتمكّن من ارتداء ملابسه أو تدبّر أموره بمفرده، وسيواجه صعوبات على مستوى الأداء المدرسي مثل: تحديد وجهة الخطوط على الورقة، تعلّم الاتجاهات، توضيب الأغراض، التحرك بسهولة في الصف، بالإضافة إلى مشكلة الخط إلخ. كل هذه الصعوبات تؤدي إلى تأخّر في الأداء المدرسي ما يُفقد التلميذ ثقته بنفسه ويؤدي في بعض الأحيان إلى انعزاله عن زملائه.

 

هل للمعلمة دور في الاكتشاف المبكر؟

بالتأكيد، إنّ للمعلمة دورًا أساسيًا في رصد العوارض مبكرًا، لذلك يجب أن تمتلك المؤهلات اللازمة للتمييز بين التطوّر السويّ للتلميذ والخلل في التطور. ومن أبرز ما يمكن أن تلاحظه المعلمة، صعوبة تعامل الطفل مع المواقف التي تتطلب عملًا جماعيًا، صعوبة في الحركة (يقع كثيرًا، يرتطم بالأغراض من حوله)، صعوبات في اكتساب مهارات ما قبل الحساب والكتابة، والنسخ عن اللوح، والتنظيم، وكذلك في اتباع تمارين الغناء والتقليد وفي اتباع التعليمات. وغالبًا ما يتجنّب الولد المصاب بالـ«ديسبراكسيا» حصص التربية البدنية التي تُشعره أكثر بصعوباته.

لكن على الرغم من كل هذه العوائق من الممكن دمج التلميذ في مدرسة عادية بعد دراسة دقيقة لوضعه. ومن الضروري التنسيق المسبق ما بين الفريق المعالج ومعلمته. كذلك، يمكن الاستعانة بمعلمة متخصصة تعيد برمجة منهاجه التربوي بالتنسيق مع المدرسة.

 

العلاج

ترافق الـ«ديسبراكسيا» الشخص طوال حياته، لكن من المستحسن وضع التشخيص مبكرًا للتدخل العلاجي الصحيح والمبكر. على المستوى العلاجي، من الأفضل اللجوء إلى الاختصاصيين مثل المعالج الانشغالي لمساعدة الطفل في تسهيل المهمات اليومية، الاختصاصي في العلاج النفسي - حركي الذي يساعده في تطوير مهاراته الإدراكية الحركية وتطوير حركات جسده وخصوصًا الدقيقة منها. كما يمكن أن يتدخل الاختصاصي في تقويم النطق لمتابعة الرخاوة الوترية في منطقة الوجه.

هنا تشير نابلسي إلى أمر مهم: ما سبق ذكره لا يعني أنّ كل ولد يعاني الـ«ديسبراكسيا» بحاجة إلى كل هؤلاء الاختصاصيين، فالأمر يعود إلى درجة الصعوبة لديه. في بعض الحالات يتم تحويل الطفل إلى العلاج الفيزيائي، وفي حالات أخرى إلى العلاج النفسي، وليس هناك حالة مشابهة تمامًا للأخرى، وبذلك يكون العلاج مبنيًا على ما يحتاجه كل طفل على حدة.

 

عائق يبقى مدى الحياة؟

أحرز العديد من المصابين بالـ«ديسبراكسيا» نجاحًا في جميع مجالات الحياة، ومن المشاهير الذين يعانون هذا الاضطراب الممثل Daniel Radcliffe الذي جسّد دور هاري بوتر في ثمانية أجزاء كانت من أنجح الأفلام. والممثل Robin Williams والمغنية والكاتبة Florence Welch، والمصوّر David Bailey. إذًا، ليس من الضروري أن يقضي هذا الاضطراب على حظوظ المصاب به في النجاح، والمهم أن يتم تشخيص الحالة مبكرًا وتقديم العلاج المناسب ليتمكن المصاب من السير في دروب الحياة بثقة تؤهله للنجاح.