سلامتكم تهمنا

ما هي "النقاط السوداء" في الحوادث المرورية وكيف نتجنب ما يسمّى بمربع السرعة القاتلة؟
إعداد: د. ميشال الشويري
رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة وممثل منظمة السلامة العالمية لدى الأمم المتحدة

لا شك بأن للمكان تأثيره المباشر على سلوك السائق ومدى سيطرته على المركبة، وهذا ما تؤكده الدراسات والإحصاءات المحلية والإقليمية والدولية في هذا المجال، إذ أن هناك أمكنة معينة تكثر فيها الحوادث المرورية ويطلق عليها تسمية "النقاط السوداء"؛ فما هي النقاط السوداء؟


النقاط السوداء ومعايير تصنيفها

النقطة السوداء في المفهوم المروري هي النقطة او الموقع حيث تقع حوادث السير بشكل متكرر سواء أدت هذه الحوادث الى وفاة الأشخاص او إصابتهم بأضرار جسدية او اقتصرت على وقوع أضرار مادية في الأملاك العامة والخاصة، فمجرد تكرار الحوادث في موقع معين يضفي على وضعه صفة الخطر ويفرض الكشف على الموقع ودراسته لاكتشاف أسباب وقوع الحوادث ضمنه وتصنيفه بشكل مناسب.
يرتكز تعيين النقطة السوداء على إحصاءات حوادث المرور، وكذلك الأمر بالنسبة لتصنيفها الذي يستند بشكل أساسي الى معيار الخطورة، وفقاً للترتيب التالي:


- بالغة الخطورة: تصنف النقطة السوداء كنقطة بالغة الخطورة لدى توافر الشروط التالية:
­ وقوع حوادث السير بشكل متكرر يومي او أسبوعي (عدة حوادث في اليوم الواحد أو في الأسبوع الواحد).
­ وقوع قتلى وجرحى في أكثر من 25% من الحوادث الواقعة ضمن النقطة.
­ وقوع أضرار مادية جسيمة في المركبات والأملاك بما يشير الى السرعة والقوة الهائلة للاصطدام لدى التحام الأجسام الضالعة في الحادث (تدمير كامل للمركبات).
­ وقوع حوادث من الانواع كافة (رئيسية وفرعية) ضمن النقطة.
­ وقوع الحوادث في الأوقات كافة وفي مختلف الأحوال الجوية بحيث يصعب إسنادها الى الأسباب المرجحة عادة من هذين العاملين.


- متوسطة الخطورة: تصنف النقطة السوداء كنقطة متوسطة الخطورة لدى توافر الشروط التالية:
­ وقوع حوادث السير بشكل متكرر شهري (مرة في الأسبوع أو أقل من أربع مرات شهرياً).
­ وقوع جرحى وقتلى في 5 الى 25% من الحوادث منها وإقتصار معظمها (75%) على أضرار مادية بحتة.
­ وقوع أضرار مادية جسيمة في المركبات والأملاك بما يشير الى السرعة والقوة الهائلة التي تحكم التحام الأجسام الضالعة في الحادث من دون التدمير الكامل للمركبات.
­ وقوع عدة أنواع من الحوادث من رئيسية وفرعية ضمن النقطة بدون أن يشمل هذا التنوع كافة الأنواع من رئيسية وفرعية.
­ وقوع الحوادث في أوقات محددة وفي أحوال جوية محددة من دون أن يكون من الصعب تحديد الأسباب المرجحة للعاملين ونسبة مساهمتهما في وقوع الحادث.


- محدودة الخطورة: تصنف النقطة السوداء كنقطة محدودة الخطورة لدى توافر الشروط التالية:
­ وقوع حوادث السير بشكل متكرر سنوياً (مرة في الشهر أو أقل من 13 مرة في السنة).
­ وقوع قتلى وجرحى في أقل من 5% من حوادث السير الواقعة ضمنها واقتصار ال95% الباقية على أضرار مادية بحتة.
­ إقتصار الأضرار المادية على أجزاء المركبات الواقعة في محيط نقطة التلاحم (التصادم) والدائرة المحيطة به والتي لا يتجاوز شعاعها ال50 سنتيمتراً.
­ اقتصار الحوادث على نوع رئيسي محدد وأنواع فرعية محددة ضمن النوع الرئيسي.
­ وقوع الحوادث في وقت محدد أو حالة جوية محددة، بحيث يكون من السهل تحديد كيفية ومدى مساهمة أي من العاملين في وقوع الحادث.
يشار هنا الى انه يمكن ان تصنف النقاط السوداء وفق معايير متعددة إلا أنها ترتبط بشكل أساسي بالتصنيف المعتمد بالإستناد إلى معيار الخطورة.

 

معالجة النقطة السوداء

في البداية لا بد من تحديد موقع النقطة السوداء ويتم ذلك على مرحلتين:
- المرحلة الأولى: تشمل مراجعة إحصاءات حوادث المرور وتحديد عدد الحوادث ونتيجتها في كل موقع من المواقع وتصنيف فئات النقاط السوداء تبعاً لنتائج الحوادث لكل منها.
- المرحلة الثانية: تشمل تحديد الموقع الصحيح والدقيق لنقطة الإلتحام أو الإصطدام من خلال الكشف الميداني على الموقع والإستعانة بخبرات رتباء التحقيق وخبراء حوادث السير الذين تولوا التحقيق في كل حادث، كما والاستعانة بشهادات الضالعين بالحادث أو الشهود الآخرين لا سيما في حال عدم اعتماد نظام اGISب.
أما في البلدان التي تعتمد فيها شرطة المرور هذا النظام، فإن تحديد الموقع يتم بشكل فوري ودقيق ومن نقطة التصادم بما يوفر على الباحثين لاحقاً عناء تحديد الموقع.
ويهدف الكشف إلى تحديد الأسباب المستندة إلى مختلف العوامل والتي أدت لوقوع الحوادث وأهمها: الطريق والمركبات والمنتفعون.


- الطريق: في ما يتعلق بالطريق تؤخذ في عين الاعتبار العوامل الآتية:
­ التصميم الهندسي للطريق، أو وضعيتها الهندسية على أن يشمل ذلك تحديد شكل الموقع (تقاطع، نفق، جسر، منحدر، رأس تلة، طريق وحيد أو متعدد المسالك، منعطف، وجود جزيرة أو عدم وجودها، عدد مسارب كل مسلك).
­ وجود تجهيزات السلامة الطرقية أو عدم وجودها (إشارات سير كهربائية وعادية، العلامات السطحية، حواضن الحماية، مخارج ومدارج الطوارئ، أعمدة الإنارة، جسور وممرات وانفاق المشاة، حواجز منع المشاة من ولوج المعبد، الأرصفة، ممرات المقعدين).
­ حالة المنطقة: مأهولة او غير مأهولة.
­ حالة المعبد: نوعية الإسفلت وحالته (جيدة أو سيئة، وجود حفر أو عوائق، وجود مطباتٍ).
­ زاوية التقاء الطرقات (من مصنفة وغيرها) ببعضها ومستوى الالتقاء الأفقي والعامودي.
­ تأثير وضع الطريق على تصرف السائقين لا سيما الحد من قطاع الرؤية، وصعوبة المناورات وخلق عامل المفاجأة وآثارها عليهم.
­ حركة المرور: كثيفة، معتدلة، خفيفة.


-  المركبات: بالنسبة للمركبات ثمة امران:
السرعة التي تسير وفقها المركبات سواء وجدت شارات تحديد السرعة أو لم توجد، وانواع المركبات الضالعة بالحادث في النقطة موضوع الدراسة، وضعها العام، قِدَمها، إستخدامها، تجهيزات السلامة فيها (حزام أمان، أكياس هوائية).
- المنتفعون: في ما خص الاشخاص ينظر إلى فئاتهم (العمر، الجنس)، وإحترامهم لقواعد القانون أو مخالفتهم لذلك، كما تؤخذ في عين الاعتبار كثافة الانتفاع بمختلف أنواعه.

 

تحليل نتائج الكشف ومعالجة المشكلة

يهدف التحليل العلمي للمعلومات الى تحديد التأثير الناجم عنها، ولذا فإن التحليل المذكور يحتاج لفريق مؤهل من الخبراء والمختصين لا سيما في مجالات هندسة المرور، والسلامة المرورية، وحوادث السير، والطرق والسلوك البشري، وردود الفعل إزاء المخاطر من الناحيتين النفسية والجسدية، اضافة الى خبراء في الإقتصاد لدراسة الكلفة.


يتم تحليل المعطيات وفقاً لمراحل محددة هي الآتية:
­ وضع خريطة لموقع النقطة السوداء تحدد فيها عيوب الطريق من الناحيتين الهندسية والتجهيزية (سلامة المرور).
­ وضع خرائط متعددة لمختلف حالات حوادث السير المفترض حصولها في النقطة السوداء والإسترشاد بخرائط خبراء السير التي سبق أن وضعت لدى كشفهم على حوادث السير الواقعة ضمن النقطة.
­ إستنتاج الأسباب المختلفة لوقوع الحوادث والإسترشاد بتقارير الخبراء والمحققين في هذا الصدد من دون الإكتفاء بما أوردوه من أسباب، وإن تحديد الأسباب يوجب الأخذ بمختلف النظريات العلمية ذات العلاقة لا سيما: هندسة المرور، السلامة المرورية، خبرة حوادث السير والطرق.
­ السلوك البشري وردود الفعل إزاء المخاطر من الناحيتين النفسية والجسدية.
­ تحديد سبل الحد من حوادث السير من الناحية الهندسية والتجهيزية، وذلك عبر تحديد الأشغال المفترض القيام بها والكفيلة بإلغاء الأسباب المختلفة لوقوع الحوادث.
­  وضع خرائط تبرز التعديلات المقترحة على الموقع للحد من كل نوع من أنواع الحوادث.
­ وضع خريطة موحدة تشمل كافة التعديلات المقترحة والمدرجة في الخرائط.
­ دراسة الخريطة الموحدة لتحليل مدي تناغم التعديلات المقترحة والحد من التأثيرات السلبية لتعارضها مع السلامة المرورية وصوابية المعالجة.
­ وضع الخريطة النهائية المقترحة لموقع النقطة السوداء.
­ وضع دراسة حول التكلفة المبدئية لمعالجة الموقع وفائدة التكلفة المتوقعة بصورة أولية.
­ رصد الإعتمادات الضرورية للمعالجة وتنفيذ الأشغال المقترحة بعد الحصول على موافقة الوزارة أو الوزارات المعنية وتحت إشراف المهندسين والمختصين لضمان دقة التنفيذ والالتزام بالمواصفات الفنية المطلوبة.

 

تحليل نتائج المعالجة

إن تقدير مدى نجاح معالجة النقطة السوداء يوجب القيام بتحليل علمي للنتائج المحققة في السنوات التي تلي المعالجة، وذلك من خلال دراسة ما يلي:
­عدد الحوادث المسجلة في الموقع ونسبتها المئوية، والنتائج الناجمة عنها من قتلى وجرحى وأضرار مادية لإستخلاص تطور مؤشر الخطورة.
­مقارنة الإحصاءات والنتائج المتوافرة قبل المعالجة مع الإحصاءات والنتائج التي تلت المعالجة.
­تحديد فائدة التكلفة أو مردود التكلفة المحقق مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الإقتصادية والإجتماعية.
­التطور الحاصل في مستوى السلامة المرورية ضمن الموقع وضمن المحافظة والبلد.
­تحديد الخطوات المفترض إتخاذها إستناداً الى النتيجة المرضية أو غير المرضية للمعالجة.