ملحق خاص: خليك مستعد لعدوك المستجد

مبادرات
إعداد: ندين البلعة خيرالله

إنّه زمن التكافل والوعي


في ظل الانتشار السريع لفيروس «كورونا» الذي تحتاج مكافحته إلى تكافل اجتماعي وتعاون بين مختلف الجهات، كان لا بد من أن نشعر بالمسؤولية الوطنية كل من موقعه وضمن قدراته. الدول الكبرى التي تمتلك مقومات مادية وصحية كبيرة تعيش حالة قلق، فكيف يواجه لبنان هذا الوباء الشرس وهو يعاني أصلًا أزمة اقتصادية خانقة؟


عدم وجود ما يكفي من أجهزة التنفس الاصطناعي لإنعاش المرضى المحتمل إصابتهم بفيروس كورونا كان من أبرز التحديات، خصوصًا أنّ استيرادها من الخارج شبه مستحيل، بسبب الحاجة الماسّة إليها في البلدان المصنّعة وبسبب ضحالة إمكاناتنا المادية. وضمن المبادرات الإنتاجية الوطنية الخلاقة، أعلن النائب نعمة افرام في 25 آذار التوصّل إلى إنتاج أول جهاز تنفسي بفضل جهود فريق هندسي وآخر طبي، عملا بالتنسيق مع وزارة الصناعة في لبنان، ما يتيح التحوّل إلى الإنتاج بسرعة. الجهاز المنتج في لبنان طابق المعايير العالمية وسيستطيع صناعيو لبنان من خلاله منافسة الشركات العالمية التي تصنّع أجهزة التنفس الاصطناعي.
بدورهم بادر خريجون من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية بالتنسيق مع طبيب اختصاصي بالجهاز التنفسي، إلى تصميم جهاز أولي للتنفس يستخدم في المنازل والمستوصفات، ولا حاجة إلى استيراد مــواد أوليــة لصنعــه.
هاتان المبادرتان برهنتا كيف يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة للتقدم بدلًا من الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، وهما بالطبع مجرد نموذج عن مبادرات أخرى سوف تظهر تباعًا.

 

حملات تبرّع
أُطلقت حملات تبرّع لجمع الأموال بهدف تأمين مستلزمات مواجهة الوباء على الصعيدين الطبي والاجتماعي، فالحاجة ماسة في ظل الأزمة الاقتصادية. التجاوب كان رائعًا وأثبت اللبنانيون المقيمون والمغتربون من خلاله كيف «تسند البحصة الخابية»، وكيف يصنع التكافل معجزة الصمود.
«خليك بالبيت جايين لعندك»
«أنا حدّ بلدي»... حملة مدنية تهدف إلى الحد من انتشار فيروس كورونا في لبنان من خلال الحد من تنقّل المواطنين لشراء حاجياتهم. بدأت الحملة بمنشورٍ للشاب قاسم شاهين على فايسبوك يعرض فيه التطوّع لإيصال الحاجيات إلى منازل المواطنين مجانًا. لاقى المنشور رواجًا وانضم إليه عدد من الشباب والشابات الراغبين بالتطوّع.
ولأن الأمر ليس بهذه البساطة، ولأن الشباب والشابات المتطوعين ليسوا عاملين في القطاع الصحي، كان لا بدّ لهم من تلقّي تدريبات، تساعدهم على التعامل مع الأمر بطريقةٍ آمنة تضمن عدم انتقال الفيروس. تواصل الفريق مع الصليب الأحمر اللبناني والهيئات الصحية في المناطق وحملة «معًا ضد الكورونا»، وتلقّى تدريبات عن بُعد وعبر تطبيق واتساب.
الحملة التي بدأت في بيروت، امتدت إلى عدة مناطق لبنانية شمالًا وجنوبًا وباتت نموذجًا للسلوك التضامني وللتكافل في وجه الخطر.

 

«الناس لبعضا»
فرض فيروس كورونا قيوده على حياة الناس، فالتزم معظمهم منزله بغض النظر عن الخسائر المادية في وقت تعتمد الكثير من العائلات في قوتها على عمل معيلها اليومي... وإزاء تردي الأحوال المعيشية، نشطت مبادرات شبابية بالجملة، شعرت بعمق المسؤولية تجاه هذه العائلات.
أطلق ناشطون حملة تبرعات «الناس لبعضا»، وخلال ثلاثة أيام استطاعوا تأمين 150 حصة غذائية تكفي كل واحدة عائلة من 4 أشخاص لمدة 15 يومًا، وتتضمّن المواد الغذائية الأساسية، وأدوية للتعقيم مصحوبة بإرشاداتٍ للبقاء بأمان. تطوع 25 شخصًا من خلال دعوة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقدّموا سياراتهم ودراجاتهم النارية لإيصال الحصص مع تطبيق الإجراءات الاحترازية والتعقيم من المصدر، والتوصيل من دون التواصل مع الناس.
في الإطار نفسه، عملت مجموعة من الشبان على جمع التبرعات وتأمين حصص غذائية وأدوية للمحتاجين في منطقة النبطية. علي واحد من هؤلاء الشبان الذي انطلق مع خمسة من رفاقه في مشروع « يدًا بيدٍ كرمال الناس»، فحاولوا أن يؤمّنوا المساعدات للفقراء، بمعدّل أكثر من 100حصة غذائية يتم توزيعها يوميًا على المحتاجين.

 

وردة عيد الأم من الجوّ
تنقّل كريستوفر إبراهيم (18 عاماً) وصديقاه من مبنى إلى آخر في جونية، وهم يرتدون الكمامات ليقدّموا الورود إلى الأمهات في عيدهن بواسطة الدرون!
تمّ تنسيق الباقات بعنايةٍ، والأمهات اللواتي خرجن إلى شرفات منازلهن وتلقّفنَ هذه الباقات المعلقة بالطائرة المسيّرة والمزوّدة كاميرا، لم يستطعنَ حبس دموعهنَّ.
وقال كريستوفر، وهو طالب في اختصاص الهندسة ويعمل كمصور أعراس بواسطة الطائرة المسيّرة، لتلفزيون TV5MONDE الذي صور ريبورتاجًا عن هذه المبادرة: «فكرت كيف يمكن للأبناء إسعاد أمهاتهم بطريقةٍ آمنة من دون احتكاك مع أي أحد، ووجدت أن خدمة الإيصال عبر الدرون هي الأفضل باعتبار أن الوردة ستقدّم عبر الشرفة والأم ستبقى في بيتها».
قدّم كريستوفر مع صديقيه هذه الخدمة للراغبين فيها مقابل بدل مادي، إلا أنّ العائدات كانت لمصلحة الصليب الأحمر اللبناني لأنه أكثر من يحتاج إلى الدعم، في ظل الوضع الراهن وتطوعه في نقل المصابين أو المشتبه بإصاباتهم إلى المستشفيات.

 

حملات إعلامية
المساعدة والدعم لا يتوقّفان على الجانب المادي، بل للتوعية دور أساسي في تثقيف المجتمع حول خطورة الفيروس المُستجد، وكيفية الوقاية منه والحد من انتشاره، كي لا نواجه الكوارث التي رأيناها في إيطاليا وإيران وإسبانيا وسواها. وفي إطار حملة التوعية أعدّت كل من وزارة التربية، وزارة الصحة، وزارة الإعلام، منظمة الصحة العالمية، منظمة اليونيسف والصليب الأحمر اللبناني، عدة فيديوهات توعوية للوقاية من الفيروس. يتضمّن الفيديو الأول رسائل مُبسطة تُقدّمها طفلة اسمها تالا (10 سنوات)، تشرح مراحل غسل اليدين بالصابون، وتناول فيديو ثانٍ موضوع الاختلاط مع الآخرين في أماكن التجمع، وكيفية التصرف في حال الاقتراب من شخص يعاني السُعال. أما الفيديو الثالث فيتعلق بالتدابير الاحترازية الخاصة بالنظافة في المنزل، والأكل، والنوم باكرًا.
في السياق نفسه  أطلقت مجموعة من الإعلاميين حملة «خليك ـ بالبيت» للتحذير من خطر مغادرة المنزل وأهمية البقاء فيه للحد من انتشار كورونا. وكانت وسائل الإعلام قد اتخذت سلسلة تدابير للتوعية، فقامت بالاستغناء عن الجمهور في عدد من البرامج وطالبت الإعلاميين بالتقيد بالإجراءات التي تحد من انتقال الفيروس. وقد انتشر هاشتاغ #خليك بالبيت ودَعي فيه المواطنون إلى التزام البقاء في المنزل، ووظفت لترويجه أغان في البال.
هذه المبادرات التي ظهرت بسرعة خلال الأيام الأولى لفرض التعبئة العامة ليست سوى نموذج بسيط يعكس استعداد اللبنانيين للتكافل والتضامن في وجه الأزمات، وقد تبعها في الأيام والأسابيع اللاحقة الكثير من الأعمال والجهود التي ظل قسم كبير منها خارج الأضواء الإعلامية.
 ومع كل المبادرات التي يطلقها من يشعرون بالمسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه عائلاتهم وتجاه وطنهم، يبقى أن نكون جميعنا على درجة عالية من الوعي والالتزام... «خليك بالبيت، حدّ بلدك، لأنّ الناس لبعضا»، لكي نتمكّن يدًا بيدٍ من تخطّي هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة على لبنان وعلى البشرية جمعاء.

 

CIMIC تشارك في المواجهة
أسهم الجيش في الجهود المبذولة للحد من تداعيات الأزمة على الأسر الأكثر فقرًا، ومن مبادراته في هذا الإطار توزيع  مئات الحصص الغذائية في طرابلس وبلدات شمالية ومناطق أخرى، وذلك ضمن حملة كانت مستمرة لغاية تاريخ إعداد هذه السطور.