من خيرات الأرض

مباركة هي بين الأشجار طويلة العمر كثيرة الخيرات
إعداد: د. حسين حمود
أستاذ محاضر في كلية الزراعة الجامعة اللبنانية


شجرة الزيتون ثروة وطنية يهددها تغير المناخ

شجرة الزيتون شجرة مباركة، إنها رمز السلام ومرادف للبقاء والصمود. ثمارها وزيوتها أساسية في تغذية الإنسان وتحضير المواد الطبية، ومخلّفات عصرها علائف ضرورية للحيوان، أما خشبها فهو من أجود الأخشاب التي تستعمل وقوداً. وشجرة الزيتون معمّرة دائمة الاخضرار، تنتمي الى فصيلة الزيتونيات (Oleaceae). إنها قديمة قدم الحياة حيث عرفها الإنسان منذ أقدم العصور. فقد إستخدمها الفراعنة في بناء إهراماتهم وعرف اللبناني زراعتها قبل أكثر من ستة آلاف سنة حيث موطنها الأصيل الذي تحدّرت منه وانتشرت في دول حوض المتوسط ثم انتقلت الى العالم.

 

الزيتون في الزراعة اللبنانية

تحتل زراعة الزيتون في لبنان مكانة خاصة، فقد وصل عدد أشجار الزيتون في لبنان العام 2000 الى 13 مليون شجرة، تمتد على مساحة 57 ألف هكتار أي 20٪ من مجمل الأراضي المزروعة، وتتوزّع بساتين الزيتون في لبنان كما يأتي: 40٪ في الشمال، 39٪ في الجنوب، 10٪ في جبل لبنان و6٪ في البقاع.
أنواع الزيتون المزروعة في لبنان محلية وغالباً ما نجد نوعيات عديدة مزروعة في بستان واحد مثل السوري والبلدي والشامي والميروني وغيرها، ومعظمها يحتوي على نسبة 20 - 21٪ من الزيوت. كما أن30٪ من الزيتون اللبناني يستهلك للمائدة و70٪ يتحول الى زيت في المعاصر التي ما يزال 80٪ منها يعتمد على التقنيات التقليدية في عصر الزيتون.

 

إنتاجية الزيتون اللبناني
يختلف إنتاج الزيتون في لبنان من عام الى آخر، فقد بلغ 30 ألف طن العام 1998 وتجاوز 190 ألف طن العام 2000، هذا التفاوت الكبير في الانتاج يعود الى أسباب عديدة أهمها:
 

• عدم توافر الري:
إن 98٪ من المساحات المزروعة بالزيتون في لبنان غير مروية، الأمر الذي يزيد من حدة تأثير التقلبات المناخية والأمراض والحشرات والأعشاب البرية على كمية الإنتاج ونوعيته، وهذا من أهم أسباب إخفاق الزيتون في الإنتاج كل عام.
 

• التفاوت في أعمار الأشجار:
تقدر نسبة بساتين الزيتون التي لا يتعدّى عمرها العشر سنوات بـ16٪، والتي لا يقل عمرها عن خمسين سنة بـ36٪، علماً بأن القدرة الإنتاجية لشجرة الزيتون تبدأ بالتدني بعد عمر السبعين، غير أن إثمارها يستمر حتى عمر المئتي سنة.
• الظروف المناخية غير الملائمة:
إن الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة ودرجات الحرارة العالية في مرحلة الازهار تؤدي حتماً الى خفض الإنتاج.
 

• عدم توافر الأعمال الزراعية الضرورية:
إن أعمال الفلاحة و«النكش» حول الأشجار والتسميد والتقليم ينبغي أن تتم بشكل صحيح، فالبراعم الزهرية تتكوّن عند الزيتون على طرود ثمرية بعمر السنة ولا تثمر هذه الطرود سوى مرة واحدة في أثناء حياتها، الأمر الذي يتطلّب معرفة وثيقة وخبرة طويلة بشجرة الزيتون وأجزائها لتوفير عنصر التقليم الصحيح.
 

• تفشّي الحشرات والأمراض الزراعية:
تفشّت خلال السنوات الأخيرة الحشرات التي تفتك بالزيتون وتقضي على نسبة عالية من الإنتاج ونذكر بشكل خاص: البسيلا والتربس وسوسة الأوراق وذبابة ثمار الزيتون. كما انتشر بشكل واسع مرض عين الطاووس وأمراض فطرية أخرى غزت بشكل خاص بساتين زيتون الكورة وحاصبيا والأكثر عرضة للإصابة هي الأشجار المعمّرة والمتوسطة العمر. ولا بدّ من الإشارة في هذا الصدد الى أن ظاهرة التغيّر المناخي التي بدأت تظهر بوضوح في لبنان وارتفاع متوسط الحرارة في الخريف والربيع ساهمت كثيراً في إعادة ظهور هذه الأمراض، والتي، إن لم تتحرك الدولة عاجلاً لمكافحتها، ستقضي على هذه الثروة الوطنية بشكل نهائي.

 

الخصائص البيولوجية لشجرة الزيتون
إنها دائمة الإخضرار، تتكاثر بسهولة وتعيش أوراقها حتى أربع سنوات، هي إبنة الحوض المتوسط فيه وجدت خير أرضية لتنبت. وهي سريعة النمو (حوالى 50 سم سنوياً، وتثمر للمرة الأولى بعد خمس سنوات من زرعها ويستمر عطاؤها بعد 15 عاماً ويبلغ الذروة عندما تبلغ الشجرة عمر الأربعين سنة ويستمر سنين طويلة حتى 200 عام. أما جذورها فتغوص عميقاً في التربة وقد تصل الى سبعة أمتار وتتسع دائرياً ليبلغ قطرها حوالى خمسة أمتار وهذا ما يؤمن لها الصلابة والعمر الطويل.

 

خصائص زيت الزيتون اللبناني وميزاته
تحوي حبة الزيتون 40 - 50٪ ماء و15 - 40٪ من الزيت و25 - 40٪ من المادة الصلبية التي تحوي بدورها 70٪ من السكر و20٪ من السليلوز و5٪ من الأملاح المعدنية، غير أن نسبة الزيت في معظم أصناف الزيتون اللبناني تراوح بين 20 - 21٪. هذا ويمكن تصنيف زيت الزيتون اللبناني على أساس عدة معايير:

 

• نسبة الحموضة: هناك ثلاث فئات، الأولى تضم أقل من 1.5٪ والثانية ما بين 1.5 و3٪ والثالثة ما بين 3 و4.5٪ والزيت الجيد هو الذي يحوي نسبة أحماض قليلة.

 

• تقنية العصر: يوجد في لبنان معاصر تقليدية ونصف أوتوماتيكية وأوتوماتيكية، غير أن 80٪ من هذه المعاصر (550 معصرة زيتون) ما زالت تعتمد على التقنيات التقليدية، وبالتالي على أحجارها لطحن ثمار الزيتون. أما أنواع الزيوت التي تنتجها المعاصر في لبنان فهي زيت الزيتون البكر الممتاز، وزيت الزيتون البكر، وزيت الزيتون العادي، وزيت الزيتون المكرّر.
أثبتت الأبحاث العلمية أن تسخين زيت الزيتون حتى 200 درجة مئوية ولمدة ثلاث ساعات لم يفقده خواصه وتأثيراته البيولوجية، وقد تبيّن أن الفضل في ذلك يعود الى احتوائه على كميات عالية من حمض الأوليك والمواد المضادة للأكسدة، لذلك فهو ملائم للقلي على عكس الزيوت والدهون الأخرى التي تسبّب الأمراض السرطانية عندما تتعرّض للتسخين المتكرّر.

 

يحارب أمراض القلب والشرايين والسكري والسرطان...
يصنع زيت الزيتون من الزيتون الأخضر بعد عصره وتصفيته ويتكوّن هذا الزيت من 14٪ من الحوامض الدهنية المشبعة و77٪ من الحوامض الدهنية الأحادية غير المشبعة و9٪ من الحوامض الدهنية المتعددة المشبعة. إن الزيوت التي تحوي نسبة مرتفعة من الحوامض الدهنية الأحادية غير المشبعة تقلّل الكمية الإجمالية للكولسترول كما تقلّل الكولسترول الضار المعروف بما يسمى الدهون ذات الكثافة المنخفضة (LDL) وترفع في الوقت نفسه الكولسترول المفيد المعروف بما يسمى الدهون ذات الكثافة العالية (HDL).
إن الأشخاص الذين يتناولون زيت الزيتون باستمرار أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب وتصلّب الشرايين والسكري وسرطان الأمعاء الغليظة والربو. وتشير الدراسات التي أجريت على عدد كبير من المرضى المصابين بالسكري بأن الوجبات الغذائية السليمة التي تحوي كمية قليلة من زيت الزيتون لها تأثير أفضل على كمية السكر في الدم من الوجبات الغذائية السليمة التي تحوي كمية أقل من الدهون الأخرى. هذا ودلت دراسة أخرى على أن سكان كريت يعمّرون أكثر من اليابانيين الذين لا يستهلكون كمية كافية من الدهون من أصل نباتي. كما تشير نتائج هذه الدراسة الى أن أبناء كريت يتعرّضون لعدد أقل من نوبات الدماغ والذبحة القلبية وسرطان المعدة مقارنة مع اليابانيين. وتخلص الى أن الفضل الأكبر لذلك يعود الى اعتماد أبناء كريت بنسبة عالية على زيت الزيتون في تأمين عنصر الدهون الأحادية غير المشبعة في نظامهم الغذائي اليومي.
يحتوي زيت الزيتون المعصور بارداً، على حوالى أربعين من المواد المضادة للأكسدة (العصر الحراري يقضي على المكونات الغذائية الحسّاسة على الحرارة). هذه المضادات تؤثر بشكل إيجابي من خلال خفض تأكسد الكولسترول الضار (LDL) الذي يزيد تصلّب الشرايين. كذلك يمنع زيت الزيتون تخثّر الدم وتكوّن كتل دموية خطيرة، كما يساهم في إزالة خطر ضغط الدم المرتفع.
من ناحية أخرى، فالاستعمال المستمر لزيت الزيتون يساعد الى حد كبير على خفض فرص الإصابة بالربو والتهاب المفاصل، ومرد ذلك أن جسم الإنسان يستخدم الدهون غير المشبعة من زيت الزيتون لإنتاج مواد تمنع هذا الالتهاب أو تخفّف من حدّته.
كذلك دلّت التحاليل على أن زيت الزيتون يحتوي على بعض المواد التي تحمي خلايا الأمعاء الغليظة من الأمراض السرطانية. ففي الوقت الذي يرتبط وجود معظم الدهون الأخرى بازدياد الخطر من سرطان الأمعاء، نرى أن وجود زيت الزيتون يلعب دوراً عكسياً أي أنه يقلل من هذا الخطر.
وزيت الزيتون هو في الأغلب ذو الفضل الأكبر في أن نساء بلدان حوض البحر المتوسط نادراً ما يصبن بسرطان الثدي، لأن حامض الأوليك (الحامض الدهني الأحادي غير المشبع الرئيس في مكونات زيت الزيتون) يؤثر كما دلت الأبحاث والتجارب، على تحييد العوامل التي تسبب نمواً كبيراً وسريعاً لسرطان الثدي.
إن الأشخاص الذين يعانون مستوى عالٍ للكولسترول في دمهم بإمكانهم، في حال ابتعادهم عن الدهون المشبعة في تغذيتهم اليومية واستبدالها بزيت الزيتون، خفض الكولسترول بمعدل 13.4٪ وخفض مستوى الكولسترول الضار (LDL) بنسبة 18٪.

 

لتخفيف الوزن وتأخير الشيخوخة
يؤكد بعض الأبحاث أن استخدام زيت الزيتون في التغذية اليومية يساعد على تخفيف الوزن لأن الدهون الأحادية غير المشبعة تفكك الدهون الأخرى في الخلايا الدهنية، إضافة الى ذلك فإن مادة الفينول (Phenol) في زيت الزيتون هي أيضاً مضادة للأكسدة وهي تحمي الجسم من إصابات كثيرة.
يحوي زيت الزيتون فيتامين د (D) لذا فهو يفيد ويعالج مرض تقوّس الساقين ويزيد من قوة الذكاء والقدرة على التفكير لأنه يحوي مادة فعالة في النسيج السنجابي للدماغ، كما أن احتواءه على هذا الڤيتامين يؤثر على زيادة الخصوبة وتقوية النسل.
أخيراً، إن زيت الزيتون يساعد على إنقاص ظهور أعراض الشيخوخة والخَرف بفضل إحتوائه على أحماض دهنية متوازنة، هذه الأحماض هي المسؤولة عن حماية المادة الوراثية (DNA) من تأثير المواد السرطانية.