متاحف من بلادي

متحف الأسماك المتحجرة في جبيل
إعداد: جان دارك أبي ياغي

ثنائية الحجر والماء تروي مراحل من تطوّر الحياة

 

في جبيل حتى الحجر يتكلم... والأحجار التي قصدنا سماع حديثها هذه المرة, هي تلك المتحجرات البحرية التي تختزن في أشكالها وتفاصيلها, صوراً لما كانت عليه الحياة منذ ملايين السنين.
متحف الأسماك المتحجرة في جبيل يشكل متحفاً للتاريخ الطبيعي, وهو أيضاً شهادة على وعي اللبناني لأهمية تراثه الطبيعي في موازاة التراث بأبعاده كافة.
والى ما يمـثله هذا المتـحف من قيمة تاريخـية وعلـمية ووطـنية, فهو أيضـاً ذو قيـمة جمالـية.
مجلة “الجيش” زارت هذا الصرح الحضاري وسلّطت الضوء على موجوداته.

 

إحياء التراث

ولدت فكرة إنشاء متحف للمتحجرات في مدينة جبيل من الرغبة في إبراز تنوّع التراث الطبيعي اللبناني وضرورة التعريف عنه, لما له من أهمية في الكشف عن تطوّر حياة الكائنات, وخصوصاً الأسماك.
ومساهمة منها في إحياء هذا الجزء من تراثنا, تضافرت جهود المديرية العامة للآثار ومنظمة الأونيسكو ونادي روتاري ­ بيبلوس ­ لإنشاء متحف المتحجرات الذي افتتح بتاريخ 4 نيسان 1997.
وكأن في فرادة هذه المدينة امتيازاً أراده الله لها, ليس فقط في بشرها, بل أيضاً في حجرها.

فما تحتويه صخور حاقـل وجـرود جبيل وساحل علما من أنواع أسماك نادرة,
 وأصناف تتفرد بها هذه الصخور لا مثيل لها في العالم, هو خير دليل على هذا الاميتاز. ومن هنا كان الحلم الذي راود المديرية العامة للآثار وكل من تعاقب على رئاسة نادي روتاري ­جبيل ­ من العام 1992.
بدأ الحلم مع الرئيس كمال كلاّب وتحقق مع الرئيس فيليب متى, نتيجة مساع حثيثة قام بها لدى المسؤولين يومئذ, ثم كانت موافقة مجلس الوزراء على قبول هبات الروتاريين وأصدقائهم لصالح متحف الأسماك المتحجرة. وهكذا بات المتحف يضم مجموعة من النفائس.

 

تفسيرات وأساطير

عندما ندخل متحف الأسماك المتحجرة في جبيل تواجهنا لوحة تشرح محتوياته. واللوحة التي تعطي تفسيرات حول وجود الأسماك المتحجرة لا تُسقط ما تقوله الأساطير والمرويات الشعبية في هذا الصدد. وهكذا نجد تفسيرات عدة لظاهرة الكائنات المحفوظة في قلب الحجر: “عصارة أشعة الشمس”, “بقايا التنين الذي قتله القديس ميخائيل”, “صدفة ولدتها عوامل طبيعية”... الى أن نصل الى النظرية التي تقول أن هذه الكائنات كانت تعيش في بحر غمرت مياهه الأرض بكاملها.
المتخصصة أنياس روسو قامت بتحديد المراجع العلمية لهذه المتحجرات, ووضعت الشرح اللازم لكل قطعة بطريقة تسمح للزوار الإطلاع علمياً على ماهية المعروضات. وشكلت لجنة من كافة الأطراف مهمتها الإهتمام بالمتحف وتنميته وصونه, وجمع كل ما يستخرج من الثروات الحيوانية والنباتية المتحجرة وعرضها فيه.

 

من الأسماك الى الديناصورات

يتألف متحف المتحجرات من 25 جناحاً موزعة في قاعتين. أول ما يطلع عليه الزائر, عرض لتطورات مرّت منذ العصر الجيولوجي الثاني, فيتناول تغيير المناخ وتكوّن القارات والجبال, كما يتطرق الى مواقع المتحجرات في لبنان.
وجاء في الشرح الذي يقدمه العرض: إنه منذ نحو 100 مليون سنة كان بحر التتيس يغمر المنطقة المعروفة حالياً بلبنان, وتراكمت الأسماك المتحجرة أو في طور التحجر في قاع البحر حيث غطّتها الرواسب. ومن نحو 40 مليون سنة انخفض مستوى مياه البحر وظهرت الأرض المعروفة حالياً بلبنان.
بعد بضعة ملايين من السنين أدى ارتفاع الصفيحة البحرية الى تكوّن جبل لبنان, وأدى تعري الأرض بعوامل الهواء والبرد والأمطار الى ظهور المتحجرات.
تتوزع في أجنحة المتحف الباقية المتحجرات من نباتات وأسماك غضروفية وأخرى نصف عظمية, الى كلاب البحر والحيوانات اللافقارية...
أما الديناصورات فستسكن في القاعة الثانية من المتحف التي لا تستضيف حالياً إلا رأس ديناصور تم تركيبه.
إن تصنيـف الأسمـاك وفقاً لطبيعة هياكلها العظمية وحراشفها, يقود الباحثين الى تحديد الكثير من المعطيات حولها. فبعض الحراشف تدل الى أسماك عاشت في العصر الجيولوجي الأول, وبعضها الآخر يعود الى أنواع أكثر تطوراً.
وفي النهاية فإن تراث الحياة البحرية يشكل حلقة مهمة في منظومة الحياة الرائعة, بما فيها من تطور ومن تجليات لحكمة الخالق.

تصوير: المجند إدي ضو