متاحف في بلادي

متحف المجسمات الضوئية الثلاثية الأبعاد
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الخيال يشبه الواقع واللمس يكشف خدعة البصر

يضم متحف المجسمات الضوئية في مبنى التلفريك - جونيه - مئة صورة تنتمي الى تقنية «الهولوغرام» (Hologram) وهي تكنولوجيا تستعمل اللايزر للحصول على صور ثلاثية الأبعاد تظهر في الفضاء.
للوهلة الأولى، وبالعين المجرّدة، يصعب على الداخل الى صالة المتحف الطويلة والمظلمة، ادراك ماهية اللوحات أو المعلقات الصغيرة البلاستيكية المجتمعة، بلا لون ولا صورة... لكن مع الاقتراب من كل لوحة يبدأ الضوء برسم صور تتحرك مع حركة الانسان، وبالإمكان رؤيتها من أبعادها المختلفة...
ما هي المجسمات الضوئية؟ وكيف يُستفاد من هذه التقنية؟ تحقيق يلقي الضوء.

 

تقنيات ثلاثية الأبعاد

صاحب المتحف فادي نوفل يتولى الشرح قائلاً: «المجسمات الضوئية هي منحوتات ضوئية ذات أبعاد ثلاثة، تمتاز عن تقنيات الصور الثلاثية الأبعاد، إذ بالإمكان مشاهدتها من جميع زواياها، ولذلك أصبحت أقرب الى المنحوتة منها الى الصورة». ويضيف: «يمكن دمج عدة مجسمات في إطار واحد، تحرَّك يميناً وشمالاً، ويمكن الوصول الى الحركة (4 أبعاد) من خلال دمج العديد من المجسمات (مثلاً في إحدى اللوحات 36 مجسماً، ما يؤدي الى تحرك القطار). ويمكن ايضاً صنع مجسمات بالألوان. ولكن أكثر ما يثير الدهشة هو بروز المنحوتة في الهواء (كما في إحدى اللوحات التي نرى فيها المجهر وما في داخله).
ويشير الأستاذ نوفل الى أن تقنية الهولوغرام «تعتمد على ضوء اللايزر الذي توضع أمامه عدسة لتكثيف الضوء حتى يخرق نوعاً من ورق الفيلم (Négatif) أو زجاج البلكسي (Plexi)، ليضيء الشكل المراد تصويره، فينعكس الضوء (على الفيلم أو الزجاج) متوافقاً مع الشكل بمختلف أبعاده. وهنا لن يكون الحديث عن صورة بل عن ذبذبات ضوئية يتم تظهيرها في غرفة سوداء كما في تقنية التصوير العادية».

 

اللمس يكشف خداع البصر

يشعر الواقف أمام لوحة من هذه اللوحات، أنه أمام مجسم أو إنسان يمكن لمسه وتحسس خشونته أو نعومته... وهو شعور تولده لعبة الضوء لكن حاسة اللمس تكشف الخدعة. فغالباً ما يحمل هذا الشعور الناظر الى مدّ يده وتحسس الصورة التي أمامه، فلا تقع يداه إلا على زجاج أو ورق فيلم أملس. وتكون اللعبة بذلك أشبه بالخروج من الواقع الى الخيال ثم العودة إليه.


راقصا الباليه يتحركان مع الزوار

في صالة المتحف صورتان لمجهرَيْن، يمكن من خلال الأول اكتشاف معالم حشرة بكل تفاصيلها، ليظهر الثاني صورة رجل وامرأة يقبلان بعضهما. ومنهما يمكن الانتقال الى صورة راقصي باليه يتحركان ما ان يتحرك الناظر اليهما. في الواقع تلك اللوحة تجسيد لست وثلاثين صورة مطبوعة على التوالي على ورق الفيلم، صورة الى جانب أخرى، لإعطاء الحركة لها.
التصوير عبر هذه التقنية أمر مكلف جداً، على ما يقول نوفل. وغالباً ما يستعمل لوناً واحداً لليزر، من هنا نرى ان معظم الصور تميل الى الأحمر أو الأخضر بحسب اللون المستعمل في التصوير.
غير ان الزائر يمكن أن يقع في هذا المعرض على صور مصورة بأكثر من لون مثل صورة المهرج المتحركة أو الفيل الذي يتمايل بخرطومه أو الثلج المتساقط على مشهد منزل، أو حتى دراكولا الذي يهمّ بقتل الناظر اليه...
وإذا كانت تلك الصور لا تعبّر سوى عن مشاهد جمالية متحركة، فإن لهذه التقنية أهمية كبرى في نقل صور تاريخية وأرشفتها بشكل ينقلها بأكثر ما يمكن من الواقعية الى الناظر إليها. وفي المتحف مثلان على هذه الصور: المثل الأول خوذة الملك آرثر، التي صورت بأدق تفاصيلها، وصورة جثة اLindow Mossب التي يعود عمرها الى 2300 سنة، والتي أخذت بهدف دراستها من قبل العلماء والباحثين.
يشرح الأستاذ نوفل ان معظم تلك اللوحات تنتمي الى نوع هولوغرام الانعكاس (Hologram de réflexion) اي أنها تظهر بفعل تسليط الضوء عليها من الأمام، في حين ان هناك نوعاً آخر من هذه الصور (Hologram de transmission)، يظهر بفعل تسليط الضوء من خلفه.

 

... وفتاة تقبل الناظرين اليها

من النوع الثاني، نجد في المتحف صورة فتاة ترسل قبلة الى الناظر اليها، وصورة متحركة لرجل يبحث عن الذهب، ولعلها الصورة الأكثر واقعية من بين جميع الصور، لا سيما أنها أكبر اللوحات. ولكن في كلا الحالتين، لا يمكن الاستمتاع بتلك اللوحات بعين واحدة، أو بفعل ضوء الشمس، أو تكثيف الاضاءة من جهات مختلفة، فما يلزم هو ضوء واحد مركز على الصورة.
من جهة ثانية، يحتوي المتحف على نماذج تقنيات مختلفة تظهر الصور بأبعادها الثلاثة، مثلاً ثمة ما يشبه كتاباً يتم تصفحه بواسطة العينين عبر صفحة بلاستيكية، فترى كل عين صفحة مختلفة منه، وكأنها ثلاثية الأبعاد. إلى ذلك نرى المنظار الذي يحوّل صورة ذات بعدين الى صورة ثلاثية الأبعاد وهو اختراع يعود الى العام 1852.
في معرض المتحف صورة واحدة ذات بعدين وهي صورة مخترع الهولوغرام العالم البريطاني الهنغاري الأصل دنيس غابور (Dennis Gabor)، والذي يعود اختراعه الى العام 1947 حين كان يعمل على تطوير وضوح المجهر الالكتروني. وقد نال غابور في العام 1971 جائزة نوبل للفيزياء لاختراعه هذه التقنية، التي سوف تنتشر في الكثير من المجالات.

 

المجسمات الضوئية واستعمالاتها

استعمال تقنية الهولوغرام لا يقتصر فقط على الصور الثلاثية الأبعاد، فهي تجسد ذاك الشريط المعدني الذي يتلون باختلاف حركته على ورقة الخمسين ألف ليرة لبنانية أو المئة ألف، كما نجده على أغلفة بعض الكتب والمجلات. وقد كانت أولى المجلات التي أصدرت غلافاً بهذه التقنية مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» التي يحوي المتحف على صورة منها.
صعوبة صناعة المجسمات أدت الى استعمالها لمكافحة التزوير، فاستخدمت هذه التقنية في بطاقات الاعتماد، وبطاقات الهاتف، وفي السوبر ماركت لتسجيل الأسعار على الآلة الحاسبة. اي ان هذه التقنية تستخدم لقراءة مجموعة معطيات مسجلة على الشريط المعدني (نيكل). وقد انتشر استعمال المجسمات الضوئية في المتاحف لنسخ بعض القطع النادرة ونشرها. وتستعمل ايضاً من قبل العلماء للمحافظة عبر الزمن، بالأبعاد الثلاثة، على اكتشافات سريعة التلف (في المتحف جثة عمرها آلاف السنين وجدت في بريطانيا). ومستقبلاً، سوف تستبدل الصور الشمسية في جوازات السفر بمجسمات ضوئية، لأنها تعطي الأبعاد الثلاثة ويستحيل تزويرها.
اخيراً يضم المتحف ايضاً صالة سينما تتسع لنحو 50 شخصاً يتم فيها عرض فيلم ثلاثي الأبعاد عن المتحف مع شرح.
في الواقع، يصعب وصف تقنية الهولوغرام لكن تأملها أمر ممتع، وقد يبدأ العالم بالاستمتاع بها فعلياً خلال السنوات القادمة حين تبدأ شاشات التلفزة الثلاثية الأبعاد باجتياح الأسواق، بحسب ما يتوقع بعض الباحثين.