متاحف في بلادي

متحف جان بعقليني
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الفنان هزم الحرب متلاعباً بأدواتها
حديد الدمار والرعـب لوحات فرح وجمال

على الأرجح لا يستطيع الفنان أن يهزم الحرب, لكنه قادر على تحقيق إنتصار رمزي عليها حين يتلاعب بأدواتها مغيراً وظيفتها وشكلها ومعناها.
هذا بالضبط ما فعله الفنان جان بعقليني الذي دأب منذ العام 1976 على مواجهة الحرب بإعادة تشكيل أدواتها, محولا ًالشظايا والقنابل وسواها من مواد حربية الى قطع فنية.
بداية العمل كانت صعبة لكنه ما لبث أن تغلب على الصعوبات مستعيناً بالمقص والمطرقة. المقص بالنسبة له كالريشة للرسام, أما المطرقة فتتولى إعادة تشكيل النحاس ليتحول الى عمل فني نابض بالحياة.
"الجيش" زارت متحف جان بعقليني في الجمهور حيث أدوات الحرب تتحدث بلغة الفن والجمال والسلام.


الطبيعة... والإبداع

يحـب الطبيعة وجمالاتها اللامحدودة. أيام كان يسكن في قريته ريـاق, كان يلفـته منظر الغصن اليابس المشلوح على الأرض, فيرى فيه جمالاً من نوع آخر ويرى في يباسه تحفة فنـية لا يقدر أن ينحتها إلا الفنانون المبدعون. هكـذا بدأت الحكايـة مع الفنان جان بعقليني لحين انتقاله الى العاصـمة بيروت, ومع بدايات الحرب أسس مشغلاً صغيراً لصناعة التحف الفنية.
إذا دخلنا الى ممتلكاته الخاصة, نجد أن مادتها من حمم ولهب, أما تعابيرها فمتنوعة من نارجيلة منمقة الى صرخة “نحن يا ماما بالإنتظار”.
الأعمال على جانب كبير من الإبتكار, والمهـارة والدقـة. وهي تجتـمع تحت عنوان واحد وضعـه الفنان وهو: مادة الموت والدمار في خدمة السلام والفن والجمال.
في كل قطعة من القطع المعروضة حكاية يرويها الفنان محولاً قبح الحـرب الى جمال. القذيفة معه تصبـح وردة والطـلقة عطر جديد؛ شظايــا الحديد باتت رمزاً للحنان وبقايـا الكبسولات أصبـحـت بعضـاً من رياحين.
واذا غصنا أكثر في ابتكارات البعقليني نجد أن المادة المهيأة للقتل والدمار, تحولت الى قاعدة تنطلق منها الحياة بريئة أنيقة ينبض لها القلب حناناً. فما ركز عليه هذا النحات كان ذلك التناقض الواضح بين الموت والحياة, الأول قاعدة والثانية إنطلاقة.

 

باقات فنية متنوعة

خمسة أحجام شكلت مصادر وحيه: “المضاد” و”الدوشكا” و”الفال” و”الكلاشينكوف” و”الأم سكستين”؛ هذه الأسماء التي تعني لنا الذعر غدت في متحف جان بعقليني باقات من الطبيعة وطيوراً وأشكالاً تحرك الأرض وتفلحها.
الخرطوشة فتحها حتى قعرها واستخرج منها لمسات فنية. تدرب مع صديق ألماني على حفر الخشب, ومن الخبرة التي حصل عليها راح يفجّر موهبته أشكالاً فنية في كل الإتجاهات.
التجربة الأولى كانت زهرة, ومن ثم راحت مخيلته تبتكر أشكالاً لم يكن يتصورها.
خرطوشة جان بعقليني خرجت عن لغتها الحربية الاصلية, وابتعدت عن هدفها لتدعو الى السلم.
المنجل والرفش والعصافيـر والفراشات وأشجــار النخيل, تبرز الحس الجمـالي عند جان بعقلينــي وقدرته على تطويع المعدن.
النارجيلة مثلاً زخرفها بمعدن الموت الذي قطعه فسيفساء وشراريب دقيقة كالتطريز الناعم, ومن خرطوشة واحدة صنع سيفاً, ومن أخرى سفينة ذات أشرعة..

 

لكل شكل رمز

أطلـق جان بعقليـني على أعماله أسماء تعبيرية فنية نذكـر منهــا: أم الرجـاء, أرزة وردنكوت, دبكـة لبنانية, نحن بالإنتظار يا ماما, صراع البقاء, عودة واستغراب, عازفة الكمان, مغنية الأوبرا, على عودي, حياة الفنان, شعار, في الحضانة إطمئنان, السفر الطويل, رسالة غـرام, تضحيـة حقيقية, أعـوام وتاريـخ, التعاضد المنقذ, جموح الإنعتاق, رقصة السيف والترس, تكريـم الجمــال, عروسان, عيـاء وتعـب, المرأة تفكــر, جندي روماني, الهارب من القصف, وحين لا ينفـع الندم, رقصـة الحـزن, الضمير المهنـي, شعلـة وصور, ورجاء.
وفي زاويـة أخرى من المتحف, نجـد أعمالاً فنية أخرى للبعقليني مصنوعة من خشـب السنـديان والجـوز والمشمش والزيـتون, وهي تحمل عناوين من نوع: الدينـونة, تمثال الحب, السفينـة الفينيقـية...
وثمـة واجهة كبيرة مخصصة للغلايين المصنوعة بأشكـال وأحجام متنوعة والمصبـوبة في قوالـب فنيـة تدهـش العين.
جان بعقليني حوّل مادة القتل والدمار لوحات من الفـرح تدعو الى الحب والسلام, وهو مستعد لتقديم قطعة هبة الى من يتولى إقامة معرض دائم لها.


تصوير: المجند مارك ناصيف