متاحف في بلادي

متحف جورج خيرالله في المتين
إعداد: جان دارك أبي ياغي

نافذة على عالم الفنان الغني بالأحاسيس والانفعالات

الفنان والمهندس جورج خيرالله الذي زخرف وحفر ورسم وتخرّج من أكاديمية الفنون الجميلة في البندقية, حمل ريشته وإزميله, ونمنم و حركش في تفاصيل الجسد وأشيائه الصامتة ممارساً التكرار الجميل والسرد التشكيلي الحميم, ليروي في لوحاته مشاهد بعيدة عن المألوف والرتابة, قريبة من الأشياء والعناصر والكائنات المشكلة والمطارح الأثيرة التي تفردت في أعماله وانفردت بنفسها في مدّ وجزر مرئيين.
جورج خيرالله, ابن بلدة المتين, حفّار ورسام, فنان مرهف قبل أي شيء, يروي ذاته في متحف أراده محبّوه له, لا لخدمته فحسب, بل لخدمة محبي الفن الأصيل في لبنان.
مجلة الجيش زارت متحف الفنان جورج خيرالله في المتين, حيث أعماله الشاعرية أشبه بالأغنية والترنيمة والنهدة.

لا يمكن للإنسان أن يكون منفصلاً عن أرضه التي هي الأم والملهمة لأي مهنة يتعاطاها, فهو بحاجة لأهله ومجتمعه وأرضه ولغته...
هذا ما قاله الرسم جورج خيرالله, وهو ما حمله على العودة الى أرضه بعد أن أنهى دراسته الأكاديمية في إيطاليا. وفي لبنان, أصرّ على أن يكون محترفه في بلدته المتين حيث راح يرسم ويعلّم.
يحتوي المتحف على نحو مئة قطعة من أعمال الفنان جورج خيرالله, إضافة الى مجموعة من الكتب الفنية والدراسات العلمية التي وضعها.
تميز الفنان خيرالله بأعمال الـغرافور التي تحتل موقعاً بارزاً في مسيرته الفنية وبالتالي في متحفه. فبواسطة هذا الفن عبّر عن موهبته وثقافته ورؤيته للحياة, متكئاً الى مخيلة محلّقة ومهارة في استعمال التقنيات.
في موازاة أعماله في فن الحفر (الغرافور), نشاهد أخرى في مجال الأكواريل. لوحات مشبعة بالأحاسيس والانفعالات, لكنها بالنسبة للفنان أشبه بدراسات, تسبق كل منها مشروعاً فنياً ينجز في مجال الحفر, أوتمهد له.
تأثر خيرالله في صياغته الفنية والجمالية لأعماله بمناخات الجمال التي عاشها في مدينة البندقية, وتلك التي تزخر بها الطبيعة اللبنانية. أما مواضيعها فتستعيد تنوعها من ألوان الحياة بما فيها من فرح وألم وحب...
أهمية المتحف لا تكمن فقط في ما يقدمه من إضاءة على أعمال الفنان وحياته, وإنما هي تعود أيضاً الى كونه منطلقاً لنشاطات ثقافية متنوعة, تنظمها جمعية أصدقاء جورج خيرالله.
رئيس الجمعية يقول أنها نشأت تخليداً لذكرى الفنان الراحل, ويروي ظروف تأسيسها قائلاً:
بعد أن عاد الفنان جورج خيرالله من غربته, تجمّع حوله مجموعة من الأصدقاء, ورحنا نتفاعل معه عبر حوارات ومعارض وأحاديث وتعليقات وغيرها... وما لبث أن مرض فجأة وتوفي في العام 1995 (عن عمر 45 سنة), تاركاً الكثير من الأعمال التي كان يحب أن ينجزها في بلدته وفي لبنان. وعلى هذا الأساس, اجتمعنا كأصدقاء للفنان الراحل, واتفقنا على إكمال هذه الرسالة, وارتأينا أن العمل الأفضل والأبقى هو إنشاء جمعية تعنى بأعماله, وبتحويل محترفه في المتين الى متحف دائم لهذه الأعمال يكون منطلقاً لنشاطات ثقافية متنوّعة.
وبعد أن تولت عائلة الفنان تحويل بيته الى متحف أقامت الجمعية فيه معارض رسم لفناني المتين التشكيليين, ولفنانين لبنانيين آخرين (قيصر الجميّل, عمر الأنسي, مصطفى فروخ, حبيب سرور, داوود القرم, مارون طنب...) ومعارض نحت (أنطوان برباري, زافين, نعيم ضومط...), إضافة الى المشاركة في نشاطات بيروت كعاصمة ثقافية عبر معرض المتين تاريخ فكر وفن الذي أقيم في قصر الأونيسكو.

الى ذلك نظمت الجمعية نشاطات ثقافية تضمنت محاضرات لمفكرين وعلماء آثار وفنانين (د. إبراهيم كوكباني, الأستاذ حليم جرداق, د. غالب غانم, د. نديم نعيمه).
ولم تغب عن لائحة النشاطات الأمسيات التي شارك فيها موسيقيون عالميون من لبنان والخارج, أمثال: وسام بستاني, نايجل كلايتون, نسيم معلوف, د. صبرا, باروك انسامبل, كواتيور باروك من ستراسبورغ, شربل روحانا, وتاتيانا بريماك خوري.
تضم جمعية أصدقاء الفنان جورج خيرالله سبعة أعضاء ينتخبون كل ثلاث سنوات, وقد ساهمت هذه الجمعية في تنشيط الحركة الثقافية والفنية في المتين بمختلف أوجهها, وهي بذلك تتابع رسالة بدأها الفنان الذي رحل باكراً قبل أن يحقق أحلاماً راودته.

تصوير: المجند سمير مزهر
جورج صليبا خيرالله

­ - من مواليد العام 1950 المتين.
­ - تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في مدرسة الحكمة ­ بيروت.
­ - عام 1968, سافر الى إيطاليا.
­ - عام 1973, حاز على دبلوم الهندسة المعمارية من أكاديمية الفنون الجميلة في البندقية.
­ - عــام 1976, حــاز على دبلـوم الرســم بإشــراف البـروفسـور تيـتو.
­ - عام 1977, حاز على دبلوم النحت بإشراف البروفسور باتستوني والبروفسور غوادنينو.
  كما حاز عـلى شـهادات في ترمـيم اللوحـات الفـنية وتاريـخ الفـن وتاريـخ الموسيـقى وعـلم    التشـريح الفني.
­- بين الأعوام 1976 و1995, أقام معارض خاصة في كل من إيطاليا وبيروت, كما شارك في معارض جماعية في إيطاليا والسويد ويوغوسلافيا.
­ له أعمال فنية عديدة موزعة بين بلدان أوروبا وأميركا.
­- توفي في 8 أيلول عام 1995.

من أقواله:
لا يمكن للإنسان أن يكون منفصلاً عن أرضه التي هي الأم والملهمة لأي مهنة يتعاطاها.
إن الإنسان بحاجة لأهله ومجتمعه وأرضه ولغته.