- En
- Fr
- عربي
متاحف في بلادي
قصر تسبح فيه الدهشة
صدف ومرجان وأسماك... تختصر الحياة البحرية بأسرارها وجمالاتها
“روائع البحر” متحف من الثروات أذرف دموع الحوريات لأنه “سرق” من دنياها الأجمل والأروع. عندما تقف أمام أحواض زجاجية تحوي أصدافاً حملت من المحيطات الخمس, تشعر وكأنك تجول في غواصة وتجوب الأعماق... عالم صامت ومتحرك, أسماك تتمايل في أحواضٍ عديدة, وصدف يتلألأ خلف واجهات متناسقة, تلفت الكبار والصغار.
متحف “روائع البحر” كان الحلم الذي عاشت جانين يزبك لأجله منذ طفولتها وهي تحلم أن تعرض ذات يوم كل الأصداف التي جمعتها. وجاءت الفرصة وتحقّق الحلم وأصبح البيت التراثي الجميل متحفاً لكل ما تضمّه مياه البحار من كائنات ومخلوقات عجيبة وغريبة.
مجلة “الجيـش” زارت عالـم الأعماق وغاصـت بين “روائع البحر” التي تسـكن قصـراً رائعاً في جديدة المتن.
رحلة الدهشة... والروعة
رحلة الدهشة في متحف “روائع البحر” بدأت عام 1982, عندما نظّمت جانين يزبك معرضاً تجريبياً لمجموعتها المتواضعة من الصدف والأسماك استقطب عدداً كبيراً من الزوار. وقرّرت بعدها, وبمساعدة شقيقها أسعد, إنشاء معرض دائم لروائع البحر
وتحفه, في قصر جدها الذي يحمل بين جدرانه حكايا الماضي العتيق.
وفي 12 كانون الثاني 1993 تحوّل الحلم حقيقة, وافتتح المتحف برعاية وزير الزراعة يومها شوقي فاخوري. والقصر الذي إستضافه عمره 200 عام, ومساحته نحو 8000 متر مربع, كان يملكه أمراء آل أبي اللمع في القرن التاسع عشر, تحيط به حدائق عديدة ويضم سبع صالات كبرى, تتضمّن 20 حوضاً مائياً. وبفضل هذا المكان, لم تعد تحتاج إلى عدّة غطس لاكتشاف عالم تحت البحار, فيزبك جهدت طوال خمسة أعوام لاختيار أفضل الأنواع وأجملها من لبنان وخارجه.
للفرجة فقط...
الوصف حتى الآن عادي, ولكنه لا يعود كذلك ما ان تطأ عتبة هذا المتحف حيث تنتقل إلى عالم آخر يسوده السكون والدهشة. فالمتحف بأجنحته السبعة يتضمّن مجموعة مميّزة من روائع البحار وضّبت داخل خزائن خشبية وواجهات زجاجية سلّطت عليها الأضواء بطريقة علمية مدروسة من أجل الحفاظ عليها, إضافة إلى إرفاق كل جناح وكل خزانة بتقرير مفصّل عن الموجودات باللغتين الفرنسية والانكليزية. وبين مجموعة الأصداف والأسماك المتحجرة والأحواض الزجاجية تنتظم أجنحة المتحف على الشكل التالي:
- جناح الأصداف: ويضمّ أكثر من ألف نوع من الأصداف البحرية بنوعيها: ذات الطبقة الواحدة Univalve)) وذات الطبقتين Bivalve)) وبألوان متعددة. وقد زيّن هذا الجناح بجداريتين, تحوي كل منهما شجرة عائلة الأصداف.
أما مصدر هذه الأصداف كما تقول الآنسة جانين فهو مختلف أنحاء بحار العالم, بحر الفيليبين, البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط...
- جناح الأسماك: وفيه 15 حوضاً زجاجياً تغمرها المياه المالحة, تعرض فيه مجموعة كبيرة من أنواع أسماك الشاطئ اللبناني. فنجد مثلاً سمكاً من فئة القملة, وفي حوض آخر خنزير البحر, والحنش, الأخطبوط والقريدس, والحنكليس والكركند, وحصان البحر, واللّقس الرملي, والصبيدج, واللافت أن كل نوع من أنواع السمك تأمّن له جوه البحري الطبيعي.
- جناح الأسماك والحيوانات البحرية المصبّرة: وهي في غالبيتها من الشاطئ اللبناني, فنجد مثلاً فك حوت ومنشار سمكة المنشار...
- جناح الأسماك المتحجّرة: ويضمّ مجموعة كبيرة من الأسماك بأحجام مختلفة متحجّرة, إضافة إلى الإسفنج والتوتيا والسلاطعين ونجمة البحر.
- جناح المرجان: ويحوي مجموعة ضخمة من المرجان بأنواعه وأشكاله وأحجامه المختلفة, فترى مثلاً المرجان الأبيض والأزرق والخمري.
- جناح الصباغ الأرجواني وصفد اللؤلؤ: وقد عرضت في هذا الجناح مجموعة متنوعة من أصداف اللؤلؤ, وأصداف الموريكس Murex)) الذي استخرج منه الفينيقيون الصباغ الأرجواني. كما يضمّ نماذج عن وجهة استعمال الصباغ الأرجواني, الى اللؤلؤ وعقود ومسابح...
- صالة لعرض أفلام وثائقية عن عالم البحار: لا تزال تحافظ على طابعها القديم وطلائها العتيق وسقفها المرسوم باليد منذ القرن الماضي.
- غرفة خاصة بحيوانات بحرية تم تشريحها: كالإسفنج ونجمة البحر والتوتيا, إلى دلفين محنّط مستورد من أمستردام.
إضافة إلى هذه الأجنحة, وقبل أن يغادر الزائر المتحف, تستوقفه لوحة تدعو كل من زاره إلى المحافظة على بيئته, وقد رفعت بالقرب من قارب صيد قديم وشبكة للصيد.
الحلم صار حقيقة
على هامش الجولة, إلتقينا جانين يزبك المتخصّصة في علوم البحار فشرحت لنا كيف صار الحلم حقيقة, قالت: “على أثر إنهائي دراستي في علوم البحار, بدأت بجمع الأصداف من عدد من الشواطئ العالمية, ويضمّ المتحف اليوم أهمّ مجموعة أصداف موجودة في البحار. أما الأسماك وأنواع حيوانات البحر فقد اصطدتها بنفسي من على الشاطئ اللبناني”.
وتضيف قائلة: “إستغرق تنظيم هذا المتحف والإعداد له مدة سنتين, وقد جاء بمبادرة فردية وعاونتني فيه مجموعة من الأشخاص. وأردت من خلاله تعريف الطلاب على عالم البحار ووضعه بتصرفهم, ذلك لأن الكتب في غالب الأحيان لا تنقل الصورة الحيّة عن هذا العالم الغني, كما انني أردت منه ان نشجع على ضرورة الحفاظ على البيئة, لا سيما شاطئنا اللبناني الذي طاله التلوث وبدأ يفقد الكثير من كنوزه”.
مديرة المتحف السيدة أندريه الطرابلسي تحدثت عن مصدر الأسماك الموجودة في المعرض فقالت: “ هناك أسماك غير موجودة في البحر الأبيض المتوسط, وهناك بعض الأنواع التي نقوم بشرائها من الأسواق حرصاً منا على عرض أنواع مختلفة للزوار, مثل سمكة الـ Clownfish التي يحبها الكثيرون ولا سيما الأطفال, وهذا النوع يعيش في المحيط الهادئ. لكننا نحاول جاهدين أن يكون الشاطئ اللبناني مصدر معظم الأسماك, وبالفعل هناك 90% منها من لبنان. وهذا ما يثير عجب الزوار حيث يعتقد الكثيرون منهم أن بحرنا ملوّث ولا تعيش فيه أسماك, هذه فكرة خاطئة, ونقوم بإخبارهم إن مياهنا غنية بأنواع كثيرة ويجب الحفاظ عليها, من دون أن ننكر التلوّث الـذي تعاني منه مياهـنا, إذ نـرى أكياسـاً مـن النايلون, والقنانـي وغيرها... لكن الضرر الناجم عنها لا يُذكر أمام ما تلقيه فيها المصانع من مواد سامة”.
وعن الأموال التي تنفق لشراء مثل هذه الأنواع من الأسماك, قالت السيدة الطرابلسي: “نحاول قدر الإمكان ألا ندفع مبالغ كبيرة بالتأكيد, وما يكلّفنا كثيراً هو ما نستورده من المحيط الهادئ مثل المرجان, لأن المرجان غير موجود في البحر الأبيض المتوسط, وبالرغم من ذلك نرغب في أن يشاهده الناس عندما يكون حياً”.
وعن الخطـط المستقبلية, قالت: “طموحـنا كبير يحده حالياً ضعف إمكاناتنا, وهـناك الكثير من الأفكار التي تهدف إلى الإستـفادة من الأرض الواسـعة المحـيطة بالمتـحف. وقد بدأنا أولاً بالحديقـة حيث أنشأنـا فيها بركـة مياه خاصة للـبط, ووضعنا زوجاً من الطاووس بالإضافة الى الحمام. ونفكر ببناء أحواض كبيرة, لكن لا توجد الإمكانات المادية التي تسمح بتحقيق مشاريعنا كلها”.
أجمل من لوحة
إن الرسّامين والنحّاتين واختصاصيي الديكور وهواة جمع الأصداف البحرية لن يكونوا مرغمين على خوض البحار لاكتشاف ما فيها من روائع, فجانين يزبك جمعتها بعد بحثٍٍ إستمرّ 20 عاماً, ونسّقتها في ما يشبه لوحة قد تضاهي أجمل ما رسمه بيكاسو.
ومـنظمو المعـرض لـم يكتفـوا بثـروات ما تحـت البحار, بل عرضوا نماذج لحفريـات متحجّرة, استخرجت من بعض الأراضي اللبنانية مثل قريـتي حجـولا ونمّوره.
أخيراً, ان الهـدف الأساسي للمتحف هـو تثقيفي, إذ يطمح المنظّمون من خلاله الى تنمية الوعي لدى المواطـنين وخصوصاً الطلاب منهم. والشعار الـذي يطالـعه الزائـرون خـتاماً لجولتـهـم هـو:
“إذا أعجبك ما شاهـدت, حافـظ على نظافة بحرك”.
الصدف: أنـواع وإستعمالات
استخدم الأقدمـون, وخصوصاً الشعـب الفينيـقي الصدف لأغراض متـعددة, فالمـوريـكس MUREX) ) استعـمل لاستخراج الأرجـوان, علمـاً أنـهم كانوا يحـتاجون إلى ألـف قطـعة كي يصبغـوا قطعـة بحجـم “كرافــات”. كمـا استعـملت بعـض الأصداف كعمـلات, وبعضها الآخـر كانـت له إستعـمالات على إتصال بالعـبادة والطـقـوس الديـنـية.
صدفـة الـTROQUE)) ابـتكروا منـها أزراراً, كما استلهمـوا من صدف
الـSOLARIUM)) شكـل الـدرج. والبورسلين PORCELAINE)) هو أصلاً صدفـة لمعانها شديد, لأن الحيوان يغطيها وينظفها باستمرار. وصدفة
TRITONS-CONIQUES)) صُنع بواسطتها البوق. وهناك صدفة الـMOULES) ) وهـي من أشهر الصدف في البحر الأبيـض المتوسـط, تترك على الرمـل نوعـاً من الخـيوط الذهبية تُستعمل لنسـج الثياب. لكن بعض الصدف مرعب وخصوصاً عائلة (BENITIER GEANT) ويتبيّن من إسمها أنها عملاقـة, ويمكـنها أن تلتـهم يدي الصـياد.
الزيارات
تجدر الإشارة إلى أن المتحف يفتح أبوابه أمام الزوار يومي السبت والأحد من الساعة الثالثة عصراً الى الساعة السابعة مساءً. أمّا في أيام الأسبوع الأخرى فيفتح أبوابه من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الواحدة والنصف ظهراً.
تصوير: المجند محمد رمضان