قانون دولي إنساني

متطلبات قانون النزاعات المسلّحة
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

التي تحكم سير العمليات العدائية

المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

تعرّفنا فى الحلقات السابقة إلى الخلفية التي نشأت عليها مبادئ قانون النزاعات المسلحة وكيفية تطورها، بالإضافة إلى تعريفات متعلقة بهذا القانون. الآن حان الوقت لدخول ميدان المعركة، فلنتعرف معًا إلى متطلبات قانون النزاعات المسلحة التي تحكم إدراة العمليات العدائية Conduct of Hostilities أو سيرها. سنتناول في هذا المقال المبادئ الرئيسية التي تؤثر على إدارة العمليات، والأفراد، والأعيان المحمية بصفة خاصة، وأخيرًا أساليب الأعمال الحربية المحظورة في كل العمليات العدائية.

 

المبادئ الرئيسة التي تؤثر في إدارة العمليات العسكرية
إن جميع مبادئ قانون النزاعات المسلحة التي تمّ عرضها من قبل، هي ذات أهمية في أثناء إدارة العمليات العدائية، لكن مبدأي التمييز والتناسب يتميزان بأهمية قصوى، ويعدّ تطبيقهما خلال التخطيط لأية عملية عسكرية وخلال إدارتها، واجبًا قانونيًا وفق معاهدات وإتفاقيات قانون النزاعات المسلحة.
 

• مبدأ التمييز:
ينبغي دائمًا التمييز بوضوح بين المقاتلين وغير المقاتلين. يسمح بمهاجمة المقاتلين ما لم يكونوا قد توقفوا عن القتال. أما المدنيون فهم محميون من الاستهداف والهجمات، لكنهم يفقدون هذه الحماية في أثناء مشاركتهم بشكل مباشر في الأعمال العدائية. وبالطبع تشمل هذه الحماية كل المدنيين بما فيهم أولئك التابعين للعدو.
وعلى نحو مماثل، ينبغي أيضًا التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية. فالأهداف العسكرية فقط يمكن مهاجمتها، بينما الأعيان المدنية لا ينبغي أن تصبح هدفًا للهجوم ما لم تتحول إلى أهداف عسكرية. كما أن أعمال العنف أو التهديد به والتي يكون الغرض الرئيسي منها نشر الذعر بين السكان المدنيين، هي محظورة.
نتيجة لمبدأ التمييز، فإن الهجمات العشوائية محظورة، وهي:
• الهجمات غير الموجهة ضد أهداف عسكرية محددة.
• الهجمات التي تستخدم أساليب أو وسائل قتال لا يمكن توجيهها باتجاه أهداف عسكرية محددة.
• الهجمات التي تستخدم أساليب أو وسائل قتال لا يمكن الحدّ من آثارها وفق متطلبات قانون النزاعات المسلحة.
من الأمثلة على الهجمات العشوائية، القصف المدفعي أو إطلاق الصواريخ في الاتجاه العام للهدف من دون تحديد نقاط إستهداف محددة، أو قصف المناطق المأهولة بالسكان من دون اختيار الأهداف العسكرية المنفردة والمحددة بوضوح، والمتواجدة في تلك المنطقة.
 

• مبدأ التناسب:
ينبغي عند الهجوم على الأهداف العسكرية تجنيب المدنيين والأعيان المدنية الأضرار العرضية أو الجانبية، إلى أقصى حد ممكن. لا ينبغي أن تكون الأضرار العرضية مفرطة بالنسبة إلى المكاسب العسكرية المباشرة والملموسة المتوقعة من العملية، وما دون ذلك يعد استخدامًا مفرطًا للقوة وانتهاكًا لقانون النزاعات المسلحة، وقد يعتبر جريمة حرب.
يعني هذا أنه عند القيام بالتخطيط للعمليات أو عند تنفيذها، من غير المسموح القيام بهجمات غير متناسبة. يجب أن تؤخذ في الاعتبار الآثار المحتملة على المدنيين وممتلكاتهم. وإذا اتضح أن الضرر الذي قد يلحق بهم من جراء الهجوم على هدف عسكري بسلاح معين، قد يكون غير متناسب قياسًا بالميزة العسكرية المتوقعة، فيجب أمّا استخدام سلاح مختلف أو تغيير وقت الهجوم أو اتجاهه وذلك للحدّ إلى أقصى ما يمكن من الخسائر الجانبية في الأرواح والممتلكات المدنية، أما دون ذلك فيجب تعليق الهجوم وإعادة دراسة الموقف.
من الواضح أن التزام القانون يتطلب استخبارات جيدة وتخطيطًا وقواعد واضحة للاشتباك، وهذه العوامل الثلاثة هي في النهاية نتاج التدريب الجيد والأداء المهني المحترف لأي قوات عسكرية. كذلك فمن الحكمة الواضحة ألا تضيعوا أرواحكم ووقتكم والذخيرة الموضوعة بتصرفك، في هجمات عشوائية أو غير متناسبة لا طائل من ورائها، إلا أنّها تزيد من معاناة من لا يشاركون في العمليات العدائية من دون ذنب إقترفوه.
 

• الهجوم والهدف العسكري:
نحتاج إلى النظر عن قرب قليلًا إلى ما يعنيه القانون في الواقع بالنسبة لبعض الكلمات الرئيسية المستخدمة في التعريفات سابقة الذكر، فما هو المقصود بالضبط بـ«الهجوم» وما هو «الهدف العسكري» في قانون النزاعات المسلحة؟
«الهجوم» يعرّف في القانون بوجه عام على أنه أي أعمال عنف ضد العدو، سواء كانت في أثناء العمليات الهجومية أو الدفاعية. قد يبدو هذا بالنسبة للعسكريين مثيرًا للارتباك أو مبالغة في التبسيط. إلا أنه من الناحية المنطقية، حتى عندما نكون في موقف دفاعي، أي يتم الهجوم علينا، نحن بالتأكيد مطالبون بالقيام بعمل عنيف لصد العدو. لذلك فإن هذا اللفظ يغطي مجموعة من المواقف، ما بين حالة جندي منفرد يطلق النار، إلى قصف مدفعي أو هجوم رئيسي، كما يشمل الهجمات المضادة وعمليات الإغارة والدوريات المقاتلة وكل أنواع العمليات الدفاعية.
أما الأهداف العسكرية فتعرف على أنها تلك الأعيان التي بطبيعتها أو موقعها أو الغاية منها أو استخدامها، تسهم مساهمة فعالة في المجهود العسكري للعدو، والتي يحقق تدميرها الكلي أو الجزئي، أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها، في ظل الظروف السائدة حينئذ، ميزة عسكرية أكيدة.
بصيغة أخرى، hنطلاقًا من مطلب الميزة العسكرية المؤكدة، لا يعتبر قانونيًا شنّ هجوم يعطي فقط ميزات محتملة أو غير محددة. فينبغي أن تتوافر لمن يقومون بإصدار الأمر بالهجوم أو بتنفيذه، المعلومات الاستخباراتية الكافية حتى يتم أخذ هذا المطلب في الاعتبار. أمّا في حالات الشك فتعتبر الاعيان مدنية وبالتالي محمية، إلى حين ثبوت العكس. في الحقيقة، يمكن استهداف الأعيان التي يستغلها العدو استغلالًا عسكريًا، حين يكون من الواضح أن ذلك يمثل ميزة عسكرية أكيدة، وإنما بالطبع مع احترام مبدأ التناسب.
لا ينبغي أن يساء فهم القانون على أنه يعني أن المدنيين يتمتعون بحماية مطلقة من الهجمات في جميع الحالات. إنهم بلا شك يتمتعون بالحماية من الهجوم المباشر، بيد أن الأهداف العسكرية لا تتوقف عن كونها أهدافًا عسكرية لمجرد وجود المدنيين فيها، فهم يتقاسمون الخطر بوجودهم هناك. على سبيل المثال، المدنيون العاملون في مصانع حربية للعدو يتعرضون لخطر وجودهم هناك، ويمثلون جزءًا كبيرًا من هدف عسكري مشروع. على الرغم من هذا، ينبغي عمل كل التدابير الممكنة واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة، والإنذار إذا أمكن، للحدّ من الأضرار الجانبية في صفوف هؤلاء المدنيين إلى أقصى ما يمكن.
بيد أن الجسور ومحطات توليد الكهرباء المدنية قد تفقد حمايتها وتتحول إلى أهدافٍ عسكرية إذا ما توافرت معايير التعريف سابق الذكر، ويمكن في تلك الحالة مهاجمتها. عند القيام بالهجوم، يكون القائد مطالبًا بأخذ آثاره على المدنيين المتواجدين في المنطقة في الاعتبار. لكن ماذا عن التأثير التراكمي على المدنيين في أماكن أخرى؟ قد لا يسبب الهجوم على محطة لتوليد الكهرباء أية إصابات للمدنيين في المنطقة المحيطة، ولكن ماذا لو أن مستشفيات على بعد 30 ميلًا تعتمد على الكهرباء التي تولدها تلك المحطة؟ على القائد المسؤول ومعاونيه أن يأخذوا بعين الاعتبار كل تلك الآثار المحتملة في أثناء التخطيط للهجوم.
تذكّروا أن الغرض من القانون ليس منع كل الأعمال العسكرية، فما من دولة في العالم توافق على معاهدة تقرّ بذلك. لكن كل الدول تتفق عمليًا على فكرة أنه من مصلحتها ومصلحة قواتها المسلحة وضع بعض القيود على استخدام العنف. يخضع الجنود في أثناء القتال أو عمليات الأمن الداخلي إلى ضغوط رهيبة. فالخوف والاجهاد والاحباط والغضب والجوع والتوتر والحاجة إلى إخراج المشاعر الداخلية، هي أحاسيس طبيعية قد تؤدي إلى أفكار انتقامية أو ثأرية. ينبغي علينا قبول ذلك كجزء من واقع المعركة، فلا يمكننا إخفاء تلك الحالة النفسية، ولا يمكن لقانون أن يجعلها تختفي تمامًا، لأننا في نهاية المطاف بشر. ولكن ما يمكننا بالتأكيد عمله، هو السيطرة عليها وضبطها قدر الإمكان، وذلك بنشر القانون وتعليمه وإدماجه فى العقيدة العسكرية، ومتابعة تطبيقاته الحديثة التي تتماشى مع تطور أساليب القتال ووسائله وتغيرها، والتدريب على المناسب منها.

 

من يتمتّع بحماية خاصة في القانون خلال الأعمال العدائية؟
• أفراد الخدمات الطبية ورجال الدين والمنشآت والمواد التابعة لهم:

يتمتع أفراد الخدمات الطبية ورجال الدين، العسكريون والمدنيون، بوضع الحماية، ولا ينبغي مهاجمتهم. إذ يتوجب على هؤلاء الأفراد إبراز الشارة المميزة للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. ويمكن أن يحمل أفراد الخدمات الطبية الأسلحة الخفيفة للدفاع عن أنفسهم وعمّن يقومون برعايتهم. إذا تمّ الإمساك بأفراد الخدمات الطبية أو رجال الدين الملحقين بالقوات المسلحة، وكان هناك حاجة إلى الاحتفاظ بهم، فإنهم لا يعتبرون أسرى حرب، ولكنهم يتلقون معاملة أسرى الحرب كحدٍّ أدنى.
يمنح القانون الحماية الكاملة والمفصّلة لكل المستشفيات والوحدات الطبية ووسائل النقل الطبي والمواد الطبية المدنية والعسكرية. كذلك تحظى المراكز الدينية والأعيان التي تستخدم في الشعائر الدينية، بالحماية. فينبغي احترامها في جميع الأوقات ولا ينبغي مهاجمتها أبدًا. وعادة ما يتم وسم المنشأة الطبية ووسائل النقل الطبي (العسكرية والمدنية) بشارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، وإن كان هذا لا يحدث أحيانًا لأسباب تكتيكية. ينبغي دائمًا وسم المستشفيات والمعدات المدنية بالشارة المميزة. وتفقد المنشآت أو المعدات الطبية أو الدينية الحماية إذا تمّ استخدامها لأغراض عسكرية، ولكن فقط بعد توجيه إنذار يتيح للمخالفين قدرًا مناسبًا من الوقت للاستجابة. لا ينبغي تحت أي ظروف استخدام الحماية الطبية أو الدينية في محاولة لحماية أية أهداف عسكرية من الهجوم.
حتى وإن لم يستخدموا الشارة المعينة، فإن أفراد ومنشآت ومعدات... الوحدات الطبية المدنية والعسكرية، يتمتعون بالحماية إذا أدركتم أن تلك هي الوظائف التي يقومون بأدائها.

 

النساء:
- المدنيات: لا بد من معاملة النساء باحترام خاص. أي اعتداء على السلامة البدنية أو النفسية للنساء، خصوصًا الاغتصاب أو الإكراه على البغاء، أو أي شكل من أشكال الاعتداء غير اللائق هو محظور. في حال الاحتجاز، ينبغي إبقاء العائلات معًا. بخلاف هذا، يتمّ الفصل بين النساء والرجال. إذا تمّ احتجاز امرأة حامل أو أم برفقتها طفل صغير بشبهة ارتكاب مخالفة، فينبغي إعطاء قضيتها الأولوية. في حالة مخالفة تتصل بالنزاع المسلح، يمكن إصدار حكم الإعدام على المرأة الحامل أو الأم التي برفقتها طفل صغير، ولكن لا ينبغي تنفيذ هذا الحكم.
- المقاتلات: تتمتع النساء بوضع «المقاتل» الكامل في الكثير من القوات المسلحة في أنحاء العالم، على الخطوط الأمامية، إضافة إلى وظائف الأركان والوظائف اللوجيستية. ينبغي احترام النساء كمقاتلات وحمايتهن بموجب القواعد نفسها التي تنطبق على رفاقهن في السلاح من الذكور. إذا تم أسرهن، يجب معاملتهن باحترام وعدم تعريضهن لأي شكل من أشكال العنف، بما فيها العنف الجنسي أو سوء المعاملة. وإذا تم نقلهن إلى معسكر لأسرى الحرب، فمن المستحسن احتجازهن في أماكن منفصلة عن الرجال.
وفي المقابل يحظر الاغتصاب والاعتداء غير اللائق، وهما في غالبية الأحوال نوع من أنواع التعذيب الذي تشمله نصوص القانون. يعدّ الاغتصاب، والذي يماثل التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية، انتهاكًا شديدًا للقانون ويمكن إقامة الإدعاء ضده في محاكم أي دولة. تنتشر مثل تلك المعاملة السيئة في حالات النزاعات. وبالفعل، يبدو بأن الاغتصاب المنظم قد أصبح أداة لبعض السياسات العسكرية في النزاعات التي وقعت مؤخرًا. مثل ذلك السلوك يحطّ من قدر مهنة القتال، وكذلك هو الحال بالنسبة للتعذيب، الذي ينبغي أن يضعه الجنود كلهم موضع الاحتقار. إذا تم ارتكاب ذلك فهو مؤشر واضح على الانحلال التام للانضباط وفقدان القادة للسيطرة على أولئك التابعين لهم.
 

• الأطفال:
- المدنيون: نعني عمومًا بالأطفال الأشخاص الذين هم دون سن 18 عامًا. في قانون النزاعات المسلحة تنطبق نصوص مختلفة على من هم دون سن 15 عامًا ومن هم بين سن 15 و18 عامًا. فالأطفال دون سن 15 عامًا يجب حمايتهم ضد أي شكل من أشكــال الاعتــداء غيــر اللائــق، كمــا ينبغي بذل كل جهد لتزويدهم بالعناية والمساعدة الخاصة التي يحتاجونها.
- المقاتلون: من الأوجه المأساوية للنزاعات المسلحة الحديثة، المشاركة النشطة للأطفال من كل الجنسيات في الأعمال العدائية. يبدو أن لهذا صلة بالنفعية أو بالنقص في عدد الجنود. هؤلاء الجنود الأطفال يقاتلون بقدر قليل من التدريب أو حتى في غيابه، وكثيرًا ما يتم دفعهم للإدمان على الكحول والمخدرات. بالطبع يمكن أن يمثل الأطفال عدوًا خارقًا وقويًا لابد لكم من مواجهته، ولكن مع الاعتبارات الواجبة وبعض التعاطف مع مأساتهم.
يحظر القانون المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية للأطفال دون سن 15 عامًا، والذين لا يجوز تجنيدهم في القوات المسلّحة. إذا تم تجنيد الأطفال في القوات المسلحة أو أسهموا بشكل مباشر في الأعمال العدائية، فينبغي إذا ما تمّ الإمساك بهم ضمان المعاملة وظروف الأسر. لاشك أنه لا ينبغي بأي حالة أن تكون معايير المعاملة التي يتلقونها أقل من تلك الممنوحة لأسرى الحرب. ولا بد على وجه الخصوص من احتجاز مثل أولئك الجنود الأطفال بمعزل عن البالغين، إلا إذا كانوا يشكلون وحدة عائلية.
 

• المساعدات الإنسانية:
وعليه، لا بد أن تسمح أطراف النزاع بالمرور الحرّ لكل شحنات المساعدات الإنسانية الضرورية لبقاء السكان المدنيين، حتى وإن كانت موجهة إلى السكان التابعين للخصم. كأمثلة عن تلك المساعدات، المواد الطبية والمواد الخاصة بالمستشفيات، والأطعمة الضرورية، والملابس ولوازم الفراش ومواد الملاجئ، والأنواع الخاصة من الطعام والدواء اللازمة للأطفال والنساء الحوامل وحالات الأمومة.
يمكن للقوات المسلحة للطرفين إجراء الترتيبات الفنية الخاصة بالنقل عبر إقليم كل منهم، مثل الطرق التي ينبغي أن تسلكها تلك القوافل والتوقيتات الزمنية المفصلة. ويمكن تفتيش القوافل ولكن يجب السماح لها بالمرور بأسرع ما يمكن. مرة أخرى، لا بد من أن يضمن الجانبان سلامة تلك القوافل في الأقاليم التابعة لهما كما يجب عدم اتخاذ أفراد الإغاثة والإمدادات أهدافًا للهجمات.
 

• الأعيان الثقافية:
الأعيان الثقافية مثل المعالم التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة والمكتبات، الخ، لا ينبغي استخدامها للأغراض العسكرية، وهي محمية من الأعمال العدائية، أي أن التزام حمايتها يقع على عاتق طرفي النزاع. كما تعرفون، يمكن استخدام علامة حامية للمساعدة على التعرف إلى بناية لها حماية عامة كما ذكرنا في المقال السابق. إذا تمّ استخدام مثل تلك الأملاك لأغراض عسكرية، فهي تفقد حمايتها ضد الهجمات، ولكن يتحتم على الرغم من ذلك، الإبقاء على الأضرار عند أدنى حد. أن إسقاط الحصانة عن الأعيان الثقافية ذات الحماية العامة، ينبغي أن يتمّ فقط بأمر من مستوى قائد كتيبة.
 

• الأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية قوى خطرة:
من المحظور مهاجمة السدود والمحطات النووية لتوليد الكهرباء، فمهاجمة مثل تلك المنشآت يمكن أن تؤدي إلى إطلاق قوى خطرة. الاستثناء الوحيد للهجوم عليها هو استخدامها في الدعم المباشر للعمليات العسكرية، على أن يكون الهجوم عليها، هو السبيل الوحيد لإيقاف ذلك. بيد أنه في جميع الحالات يظل من حق السكان المدنيين كل الحماية الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي، أي أنه ينبغي في حال مهاجمة مثل هذه المنشآت اتخاذ كل الإجراءات الوقائية الممكنة لإعطاء التحذيرات اللازمة وتقليل الخسائر في الأرواح، والحدّ من الأضرار الجانبية. كذلك ينبغي على أطراف النزاع تجنب إقامة أهداف عسكرية على مقربة من مثل تلك الأشغال أو المنشآت. ومع ذلك، يسمح لهم بتوفير الحماية القريبة أو الدفاعية لها، مثل المدفعية المضادة للطائرات والحراس لمواجهة المخربين، الخ.

 

أساليب قتال محظورة في كل العمليات العدائية

• التجويع، وتدمير الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة:
من المحظور السعي إلى تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، أي مفهوم الحصار القديم. كما أنه من المحظور توجيه الهجمات إلى الأعيان الحيوية الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة النفع. مثلًا: المواد الغذائية والمناطق الزراعية اللازمة لانتاج الطعام والمحاصيل والماشية ومحطات مياه الشرب وإمدادات أعمال الري. هذا الحظر لا ينطبق على الأعيان التي يتمّ استخدامها من قبل القوات المسلحة فقط، أو لتقديم الدعم المباشر للعمل العسكري. حتى في هذه الحالة، إذا كانت تلك الهجمات سوف تؤثر تأثيرًا ضارًا على السكان المدنيين، أي تتركهم من دون طعام أو ماء كافٍ أو تسبب لهم الجوع أو تدفعهم إلى النزوح، فهي محظورة.
 

• الدروع البشرية:
لا يجوز استخدام المدنيين لحماية الأهداف العسكرية أو حماية العمليات الحربية أو دعمها أو إعاقتها. ولا ينبغي وضع أهداف عسكرية في المناطق المدنية بغرض الحماية، أو توجيه تحركات المدنيين لحماية الأهداف أو العمليات العسكرية. بعبارة أخرى، ينطبق حظر استخدام المدنيين كدروع بشرية على طرفي النزاع في الهجوم والدفاع.
إنّ حقيقة كون الخصم يستخدم الدروع البشرية، في مخالفة للقانون، لا يعفيكم من المسؤولية القانونية كمهاجمين، وعليكم اتخاذ الإجراءات الوقائية والحرص الدائم على تجنب السكان المدنيين والأعيان المدنية، وعلى وجه الخصوص، ضمان ألاّ تتجاوز أضرار ذلك الهجوم الميزات العسكرية الأكيدة والمباشرة المتوقعة، أي التقيد بمبدأ التناسب.
 

• السلب والنهب:
يعني هذا ببساطة السرقة أو الغنيمة أو كل ما يؤخذ بالقوة. بينما كان السلب والنهب في الأزمنة السابقة يعدّ مكافأة شرعية لمجهودات القتال، فإنه الآن محظور عالميًا. إنه العلامة المسجلة للجنود غير المنضبطين والقادة السيئين الذين يستغلون الفوضى التي تسود المعارك، ويستخدمون سلطتهم على المقاتلين العزل أو المدنيين من أجل تحقيق مكاسب شخصية. تعدّ السرقة جريمة بموجب القانون الوطني، وتظل جريمة في أثناء العمليات. دعونا هنا نميّز بوضوح بين أخذ أعيان غير عسكرية، مثل الحلي والساعات والأشياء المنزلية، الخ، والذي هو محظور، وأخذ معدات عسكرية، مثل الأجهزة اللاسلكية والمركبات والأسلحة، الخ. هذه المعدات تعرف بأنها «غنائم حرب» ويمكن بالطبع جمعها بشكل مناسب وتسجيلها واستخدامها من جانبكم. عندما تكون المعدات المفيدة عسكريًا (مثل الأجهزة اللاسلكية والمركبات) مملوكة للمدنيين، فإنه يمكن أخذها، ولكن ينبغي ردّها أو تقديم التعويض عنها عند انتهاء الأعمال العدائية.
 

• الغدر:
يشير لفظ الغدر بالأساس إلى انتهاك النوايا الحسنة أو إلى الخيانة صراحة. وهو يشمل محاولات متعمدة لجعل الخصم يظن أنه لا يمكنه الهجوم عليكم لأنكم تحت إحدى حالات الحماية المنصوص عنها في القانون، ثم تستغلون ذلك لتحقيق ميزة عسكرية. يمنع ارتكاب عمل عدائي تحت غطاء حماية قانونية بنية خيانة ثقة الخصم، ومن المحظور قتل أو إصابة أو أسر العدو باللجوء إلى الغدر. إن تم فعل ذلك، فذلك يدمر الإيمان بقواعد النزاع المسلح، ويظهر افتقارًا إلى أدنى حد من الاحترام الذي ينبغي أن يتوافر حتى بين الأعداء، ويضر بكرامة من يحملون السلاح.
 

• الاستخدام غير الصحيح للزي الخاص بالعدو والأزياء الأخرى:
من الأمور الوثيقة الصلة بالغدر، حظر استخدام الأعلام والأزياء العسكرية والشارات والعلامات المميزة الخاصة بالخصم في أثناء الهجمات، لإخفاء أو ترجيح أو حماية أو إعاقة العمليات العسكرية، أي استخدام الزي الخاص بالعدو للمساعدة على الانتشار عبر خطوطه. يعود هذا إلى كون الخصم سوف يعتقد أنكم لستم هدفًا شرعيًا للهجوم. وللسبب نفسه، لا ينبغي استخدام الأزياء العسكرية وخلافها من الأشياء الخاصة بالدول المحايدة أو تلك التي لا تشارك في النزاع.
يمكن لأسرى الحرب، بصفة استثنائية، استخدام الأزياء الخاصة بالعدو لمساعدتهم على الهروب، كما يمكن أيضًا استخدام الأزياء الخاصة بالعدو لأغراض التدريب.
«الإبقاء على الحياة»:
يحظر الأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة، كأن يقول قائد لجنوده: «سنستولي على هذا الهدف المعادي ولا أريد أي ناجين». يحظر إصدار مثل هذا الأمر وتحظر إدارة العمليات بناء على هذا الاسلوب.
 

• التعذيب:
التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمسيئة للكرامة أو العقاب، هي أعمال محظورة تمامًا في القانون. كما أن الاغتصاب والاعتداء الجنسي هما من أشكال التعذيب.
تعذيب الجنود أو المدنيين الذين يتم الإمساك بهم مثلًا للحصول على معلومات أو لمعاقبتهم أو لتحقيرهم، هو جريمة حرب في كل النزاعات المسلحة، الدولية وغير الدولية. وهو محظور عالميًا، ويأتي ذكر هذا الحظر بما لا يدع مجالًا للشك في قانون حقوق الإنسان. إن أي دولة، وكل الدول، مطالبة بتقديم المخالفين إلى العدالة، لذلك فإن الحظر ينطبق على كل مستويات النزاعات: الدولية وغير الدولية ومهمات الأمم المتحدة وحالات العنف والاضطرابات الداخلية كلها(العمليات الأمنية الداخلية).
لا يمكن أبدًا استخدام دافع الضرورة العسكرية لتبرير التعذيب. فعلى سبيل المثال، لا يمكن القول أبدًا إننا كنا بحاجة لتعذيب أحدهم لأننا كنا نعرف أن لديه معلومات حيوية قد تنقذ أرواح آخرين (يشار أحيانا إلى ذلك باسم «سيناريو القنبلة الموقوتة»). في أثناء القتال ليس التعذيب غير قانوني فقط، ولكنه يخدم أغراضًا عسكرية قليلة. لذلك فمن الحكمة أكثر إرسال المشتبه به إلى الخطوط الخلفية حيث يمكن للمستجوبين المدربين استخدام مهاراتهم في نطاق القانون للحصول على المعلومات منه.

 

الرهائن:
أخذ الرهائن محظور. يشير لفظ «رهائن» إلى الأشخاص الذين يتم استخدامهم كأدوات للمساومة بغرض إجبار الخصم على التصرف أو الامتناع عن التصرف بطريقة معينة، مثل إجباره على إطلاق سراح سجناء أو إلغاء عملية عسكرية. على مستويات من العنف أقل حدة، يتمّ أحيانًا أخذ الرهائن من أجل الحصول على فدية، أي أموال مقابل إطلاق سراحهم. يمثل أخذ الرهائن خرقًا شديدًا للقانون. يمتد هذا الحظر ليشمل كل النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية.
سنكمل الحديث فى المقال المقبل حول تطبيق قواعد سير الاعمال العدائية في إدارة عمليات الهجوم والدفاع والحصار والمناورة.