تصنيفات وجوائز

مثال للجودة والتميّز
إعداد: المعاون أول جيهان جبور

تشكّل المطابخ العسكرية عنصرًا أساسيًا في تلبية الاحتياجات الغذائية للعسكريين، ما يجعل التزام معايير سلامة الغذاء والنظافة فيها أمرًا لا يقبل التهاون. وفي إطار سعي قيادة الجيش لتطوير أداء هذه المطابخ، تم اعتماد نظام تقييم سنوي يشمل معايير دقيقة وشفافة، ما يضمن رفع مستوى الأداء وتحقيق التكافؤ بين مختلف المطابخ. نتيجة تقييم العام 2024، احتل مطبخ قاعدة بيروت الجوية مركز الصدارة، بفضل التزامه معايير الجودة والتميّز، وتطبيقه لأفضل القواعد في التخزين، التحضير، والتوزيع، ما يعكس حرص المؤسسة العسكرية على توفير خدمات غذائية آمنة.

في هذا السياق، يؤكد مدير القوامة العميد الإداري جورج الخوري، أنّ المؤسسة تعمل باستمرار على تحسين أداء المطابخ العسكرية، لما لذلك من أثر مباشر على معنويات العسكريين، سواء في أوقات السلم أو الحرب. ويوضح أنه من أبرز هذه التحسينات وضع معايير جديدة للتقييم السنوي. ففي السابق كان التصنيف يعتمد على مرحلتين: الأولى على صعيد المناطق وتُختصر بثلاث نقاط: النظافة، جودة الطعام ورأي قائد المنطقة. أمّا الثانية فعلى صعيد مديرية القوامة، وتتعلّق بنتائج التفتيشات التي تنفّذها المديرية من قبل الضباط التابعين لها، لا سيما ضباط أقسام التغذية، بالإضافة إلى نتائج المقارنات بين المطابخ العسكرية التي تقوم بها المناطق. كما تقيّم مديرية القوامة النتائج لتصنيف المطبخ الذي يحتل المرتبة الأولى على صعيد المنطقة وعلى صعيد الجيش.

ولفت العميد الإداري الخوري، أنّ اعتماد المعايير الجديدة للتقييم، أسهم في زيادة دقّة التصنيف، إذ ما زال يشمل مرحلتين، إلّا أنّه تم تحديد معامل محدّد (Coeficient) لكل معيار، ما جعل عملية التصنيف أكثر منطقيةً وشفافية وموضوعية بعيدًا عن أي استنسابية. وأضاف أنّ أنموذج التفتيش شهد بدوره تطورًا ملحوظًا. فبعد أن كان يتألف من ثلاث صفحات فقط، أصبح الآن يضمّ 13 صفحة تتناول عدة نقاط SOP – Standard Operating Procedures تتعلّق بأدق تفاصيل عمل المطابخ. ويهدف هذا الأنموذج إلى تحديد مدى التزام المطابخ تعليمات القيادة، ومدى قدرتها على تلبية احتياجات العسكريين الذين يشكلون المستفيدين الأساسيين.

 

معايير تُماشي التطوّر

على صعيد المعايير الجديدة المتعلقة بالمرحلة الأولى على مستوى المنطقة، حدّد العميد الإداري الخوري المعامل المعتمد لكل معيار على النحو الآتي:

- عدد العسكريين المتغذّين فعليًا من المطبخ 20%.

- عدد الملاحظات المتعلقة بالنظافة في تقارير التفتيش 15%.

- عدد حوادث التغذية الناجمة عن إهمال وظيفي من دون أعراض صحية 10%، أو الناجمة عن إهمال وظيفي ينتج عنه أعراض صحية كالإسهال، التقيؤ أو التسمم 20%.

- مدى استساغة الطعام وجودته 20%.

- رأي قائد المنطقة 15%.

أمّا المرحلة الثانية من التقييم، التي تتم على صعيد مديرية القوامة، فتتضمّن المعايير والمعاملات الآتية:

- عدد المرات التي صُنّف فيها المطبخ في المرتبة الأولى ضمن المنطقة 30%.

- عدد المطابخ في كل منطقة (تأخذ المطابخ ضمن المنطقة العلامة نفسها) 10%.

- عدد الملاحظات التي تسجّلها مديرية القوامة خلال التفتيشات 35%.

- رأي مدير القوامة المبني على سرعة معالجة الملاحظات والتقيد بالتعليمات، لا سيما تلك المتعلقة بسلامة الغذاء والمياه، وأداء العاملين والسلامة العامة للمطبخ 25%.

 

سعي لإيجاد تكافؤ

في سؤالٍ عن أهلية المطابخ العسكرية في الجيش، وعمّا إذا كانت جميعها تمتلك المقومات الأساسية التي تخوّلها المنافسة، أجاب العميد الخوري بأنّ هناك اختلافًا في التجهيزات، فبعض المطابخ ما زال يعتمد تجهيزات قديمة، فيما زُوّد البعض الآخر بتجهيزات حديثة. وأكد أنّ العبرة ليست في المعدات وحدها، بل في كفاءة قائد القطعة والضابط المسؤول عن المطبخ ومدى حرصهما على أداء المهمات بكفاءة. وأضاف أنّ الجهود مستمرة لتحقيق توازن في تجهيزات جميع المطابخ العسكرية تطبيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص. فعلى مدى العامين الماضيين، تم تكثيف الجهود لتأمين آليات مبرَّدة، ومكيفات هواء للمخازن للحفاظ على المواد الغذائية ومنع فسادها بسبب الحرارة المرتفعة أو انتشار السوس. كما تم توفير برادات للخضار المجمّدة (هبة ألمانية)، وقد نجحنا في تحقيق ذلك على مستوى المطابخ العسكرية كافة من دون استثناء، على الرغم من أنّ الأمور المادية كانت تعيقنا في بعض الأحيان.

 

مستفيدون بالآلاف

تأسس مطبخ قاعدة بيروت الجوية في العام 1967. ومنذ إنشائه، أدى دورًا أساسيًا في تلبية احتياجات العسكريين الغذائية، وشهد على مدى العقود، تطورات كبيرة في أساليب عمله ومعايير تشغيله، ما أهّله ليكون في طليعة المطابخ العسكرية.

توضح الملازم الطيار ريتا العنداري، المسؤولة عن هذا المطبخ أنّ ما يميّزه هو المستوى العالي للنظافة إلى جانب حسن سير عمليات الطهي ومختلف الأمور التابعة له من التخزين والتبريد إلى تقديم الطعام. وتشير إلى أنّ فريق العمل يتألف من 13 عنصرًا فقط، بينهم 4 طهاة و9 عسكريين مساعدين يتولّون إدارة المطبخ وصيانة معداته. ورغم العدد المحدود، يبذل الفريق جهودًا حثيثة لتأمين الوجبات الغذائية لنحو 3250 عسكريًا، وفق المواصفات والمعايير الغذائية المطلوبة، فيما يراوح العدد اليومي للعسكريين المستفيدين ما بين 1840 و1960.

وتلفت إلى أنّ خدمات المطبخ لا تقتصر على تغذية عسكريي القاعدة فقط، بل تمتد إلى أكثر من قطعة.

 

كشف دوري

من جهةٍ أخرى، تشير الملازم الطيار العنداري إلى أنّ قيادة الجيش تعتمد نظامًا دقيقًا للرقابة على المطابخ، ومن بينها مطبخ قاعدة بيروت الجوية، إذ تُرسل ضباطًا مفتشين لمتابعة أداء العسكريين، والإشراف على توزيع الحصص الغذائية. كما يتولّى الضباط المشرفون مراقبة الأواني والمعدات، ويشرفون على رشّ أقسام المطبخ بالمبيدات بانتظام لضمان النظافة والسلامة.

إلى ذلك، يُجري أطباء متخصصون فحوصات دورية لفريق العمل في الطبابة العسكرية أو طبابة المنطقة، فيما يكشف متعهّدو التغذية على أقسام المطبخ بشكل مستمرّ، ويتولّى طبيب بيطري الكشف على اللحوم والأسماك والدواجن والبيض، بينما تتولى اختصاصية في علم التغذية الكشف على المطبخ والمخزن. كما تخضع المياه المستخدمة في الطهي لتحاليل مكثّفة كل ثلاثة أشهر تشمل فحصًا كيميائيًا وآخر جرثوميًا تُرسل نتائجهما إلى مركز البحوث العلمية الزراعية، بهدف تجنّب أي تلوث قد يؤدي إلى حوادث تغذية.

في هذا السياق، شدّدت الملازم الطيّار العنداري على أهمية التعقيم وفق التعليمات المعتمدة، مؤكدةً أنّ المخزن يخضع للتعقيم شهريًا عند تسلّم الحبوب، ويُمنع الدخول إليه لمدة 48 ساعة بعد التعقيم. كما تخضع عمليات تسلّم المواد الغذائية وإخراجها، بما فيها الحبوب واللحوم والفاكهة والخضار، لإجراءات دقيقة تتطلب إشراف الضابط المختص ومحاسب التغذية، مع تسجيلها في سجلات رسمية.

جدير ذكره، أنّ مديرية القوامة تضع لائحة طعام موحّدة نصف شهرية توزّع على مختلف مطابخ الجيش تشمل الوجبات الساخنة والناشفة كالمعلبات، بالإضافة إلى السلطات والفاكهة.

 

النظافة الشخصية أوّلاً

في إطارٍ مماثل، شددت الملازم الطيار العنداري على أهمية تطبيق معايير صارمة للنظافة من قِـبل فريق عمل المطبخ قبل تحضير الطعام وفي أثنائه. وأكدت التزام هذه الإجراءات لضمان سلامة الغذاء وجودته في جميع مراحل التحضير، التقطيع، الطهي، والتوزيع.

 

مكافآت تحفيزية
نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة، يتم السعي في الوقت الحاضر إلى رفع قيمة المكافآت المالية الممنوحة للمسؤولين والعاملين في المطابخ التي تحصد المراكز الأولى سنويًّا على صعيد الجيش وعلى صعيد المناطق، لتصبح أكثر تماشيًا مع الواقع الاقتصادي، ولكي تسهم في تحفيز طاقم العمل. إلّا أنّ العامل الأهم يبقى العامل المعنوي بحيث تُوجّه لهؤلاء تهاني خطية )قائد الجيش – قائد المنطقة( تدوَّن في إضباراتهم وتُعمّم على العسكريين كافة.
إلى ذلك، تؤدي الملاحظات الموجهة إلى القطع المستفيدة دورًا في تحفيز الأداء، سواء من حيث ضمان سلامة الغذاء أو رفع جودة الأطباق المقدمة، ما ينعكس إيجابًا على معنويات العسكريّين وصحّتهم.