- En
- Fr
- عربي
قضايا اقليمية
في أواخر شهر شباط من العام الماضي قام جاب دي هوب شيفر، سكرتير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بأول زيارة رسمية من نوعها الى اسرائيل. وقد تم ترتيب تلك الزيارة من أجل تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، وذلك تطبيقاً للقرار الذي اتخذه الحلف في قمة اسطنبول المنعقدة بتاريخ 28-29 حزيران 2004، والذي دعا الى تعزيز التعاون الاستراتيجي بينه وبلدان متوسطية معيّنة منها تركيا واسرائيل.
أما المجالات المفتوحة لممارسة هذا التعاون فهي، مكافحة «الارهاب» والنشاطات المضادة لانتشار أسلحة الدمار الشامل (ايران وكوريا الشمالية)، وضمان أمن الحدود والتحضيرات اللازمة لمواجهة الكوارث والحالات الطارئة، والمشاركة في مناورات الحلف الدورية، والمشاورات بشأن الاصلاحات الدفاعية العسكرية، بما فيها العلاقات الواجب توافرها بين المستويين السياسي والعسكري والعمل على منع تهريب الاسلحة والمخدرات من خلال السوق السوداء العالمية.
والجدير بالذكر ان وزير الخارجية الاسرائيلي السابق سلفان شالوم ورئيس الأركان السابق الجنرال موشيه يعالون كانا من بين المدعوين الرسميين للمشاركة في جلسات الحلف، وذلك للمرة الأولى، كما وانه كانت تلك المرة الاولى التي تتلقى فيها القوات المسلحة الاسرائيلية الدعوة الرسمية للمشاركة في مناورات الحلف المتعددة الطرف. وعلى الأثر طلبت اسرائيل بواسطة سفيرها في الاتحاد الأوروبي عوديد عيران من قيادة الحلف رفع مستوى حوارها وتعاونها مع الأخير، على المستويين الثنائي والاقليمي. ومعلوم ان حلف الناتو كان قد أسس لمواجهة حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق. ولكن مع انهيار هذا الأخير وحصول أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 تغيرت مفاهيم حلف الاطلسي المتعلقة بالأخطار والتهديدات، وتحولت من مواجهة خطر الشيوعية المتلاشي تلقائياً، الى مواجهة خطر الاسلام الراديكالي والأصولي المتمثل في حركات على غرار القاعدة وفي دول على غرار ايران. وهكذا استعادت اسرائيل ما كادت أن تفقده من أهمية استراتيجية لتأمين مصالحها ومصالح دول الحلف المتقاطعة معاً.
ومثل هذا التعاون يفيد دول الحلف لجهة اطِّلاعه وتأثيره عن كثب على تطورات العملية السياسية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ويفتح المجال في الوقت نفسه امام اندماج اسرائيل عضوياً داخل الناتو مع مرور الوقت وتنامي الحاجة المشتركة الى ذلك في المستقبل.
وبالنسبة الى الاسرائيليين، ثمة أربعة مجالات بوسعهم الاستفادة منها في أعقاب هذا التعاون وهي: المجال الدبلوماسي، المجال الاستراتيجي الدفاعي، المجال العسكري التكنولوجي والمجال الاقتصادي.
على الصعيد الدبلوماسي سوف تتعزز مكانة اسرائيل السياسية، خصوصاً لجهة مراعاة ظروفها الخاصة المتعلقة باتفاقات التسوية مع الفلسطينيين أو سواهم من الأفرقاء العرب. وهذا ما تجلى في مسايرة شارون في خطة الفصل الآحادية الجانب وتهميش خطة الطريق الرباعية، على الرغم من عدم رضى دول الحلف على جميع ممارسات اسرائيل وأنشطتها في الأراضي المحتلة عام 1967، ولا حتى حول العديد من أوجه سياستها الدفاعية في مجال مكافحة ما تسميه «الارهاب». كما ان مكاسب اسرائيل في هذا المجال تصب في خدمة تحريرها من الاعتماد على الحليف الواحد وهو الولايات المتحدة، وزيادة قدرتها على المناورة في المفاوضات الجارية الآن أو التي ستجري في المستقبل.
وفي المنظور الاستراتيجي الدفاعي، نجد ان التعاون المشترك الاسرائيلي - الاطلسي سوف يؤدي الى زيادة قدرات اسرائيل الرادعة ازاء اعدائها المنتشرين في الشرق الأوسط وخصوصاً ايران وسوريا، حتى ولو لم ينص بروتوكول الحلف على مساعدة فورية وفعلية لها، وفي هذا السياق تأتي تصريحات كبار المسؤولين في دول عديدة من الحلف من أبرزها فرنسا، بشأن التزامها حماية أمن اسرائيل. والجدير بالذكر ان مثل هذا الالتزام لا يقتضي من اسرائيل بالمقابل التزام عدم القيام بمبادرات عسكرية عند الضرورة ضد أهداف حيوية في الشرق الأوسط، قد تطال منشآت ايران النووية أو قد تطال سوريا أو السلطة الفلسطينية أو المنظمات الجهادية مثل «حزب الله» في لبنان و«حماس» في فلسطين.
وبالنسبة الى البعد العسكري التكنولوجي، تتوقع اسرائيل تحصيل المزيد من المعارف والخبرات في ما يتعلق بالتكنولوجيا والأساليب العملانية العسكرية المتطورة المتوافرة لدى دول الحلف، والتي تساعدها بالتالي على التعامل بشكل أفضل مع التهديدات التي قد تواجهها في المستقبل، سواء خلال النشاطات الأمنية أو في حال التعرض لهجوم ما. وما من شك في ان دخول اسرائيل عملياً في المناورات المشتركة مع دول الحلف، سوف يعزز معارف الجيش الاسرائيلي وخبراته في الميادين البرية والبحرية والجوية، وكذلك في ميدان ما يسمى «مكافحة الارهاب».
وعلى الصعيد الاقتصادي، سوف تحصل اسرائيل على مكانة خاصة في مجال استيراد الاسلحة أو تصديرها، الامر الذي يفتح امامها فرصاً جديدة وهامة لصالح بيع أنواع محدودة من الأسلحة المستخدمة لقمع منظمات المقاومة، تمتاز بها اسرائيل لوحدها.
ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بنوع خاص، يشكل في المرحلة الراهنة عقبة كأداء بوجه انضمام اسرائيل الى الحلف. ويرى الخبراء الاسرائيليون انه في الوقت الذي يبرز في الأفق إمكان التوصل الى تسوية سياسية حقيقية في هذا المجال، ولو محدودة، فإنه قد تتوافر عندئذٍ الظروف المناسبة والمرغوب فيها من الطرفين لدخول اسرائيل كعضو رسمي وكامل الحقوق الواجبات. والملفت في هذا السياق انه يجري الحديث أيضاً، ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، عن امكان انضمام بعض الدول العربية الى الحلف جنباً الى جنب مع اسرائيل في المستقبل، في اطار عملية تطبيع ملفّقة واكراهية.
في مقابل هذه التطورات، ثمة مواقف اقتصادية قاسية من قبل خبراء اسرائيليين تدعو الى وقف هذا الانزلاق الزاحف نحو عضوية الحلف، وذلك لأن اسرائيل، في رأيهم، تمتلك الآن ترسانة عسكرية هائلة تقليدية وغير تقليدية، وتتمتع بعلاقات وطيدة خصوصاً مع الدولة الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة، وبالتالي فهي ليست بحاجة الى العضوية الدائمة في الحلف والتي ترتب عليها التزامات وقيوداً قد تكون ضارة اكثر مما هي نافعة. ويأخذ أصحاب هذا الرأي في عين الاعتبار تراجع التهديدات العربية الاستراتيجية بعد خراب العراق وانزواء مصر والأردن وتضعضع أوضاع سوريا. ومن هذه الالتزامات امكان تعرض اسرائيل لضغوطات للتخلي عن سلاحها النووي أو للمشاركة بتقديم مساعدات عسكرية الى أي بلد عضو آخر قد يتعرض للهجوم، بما في ذلك امكان طلب ارسال قوات عسكرية اسرائيلية الى أماكن بعيدة لخوض حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، الامر الذي يرفضه المجتمع الاسرائيلي رفضاً قاطعاً. باختصار يمكن القول ان اسرائيل هي حالة أطلسية متقدمة من دون أن تتحول الى عضو دائم في الحلف، لأنها في هذه الوضعية تحرز الكثير من المكاسب والفوائد من دون تحمّل أية خسائر.
- على الصعيد الدبلوماسي:
مكاسب اسرائيل من الحلف سوف تصب في خدمة تحريرها من الاعتماد على الحليف الواحد وزيادة قدرتها على المناورة.
- على الصعيد الاستراتيجي:
التعاون المشترك سوف يؤدي الى زيادة قدرات اسرائيل الرادعة ازاء أعدائها المنتشرين في الشرق الأوسط.
- على الصعيد العسكري:
المناورات المشتركة مع دول الحلف سوف تعزز معارف الجيش الاسرائيلي وخبراته في الميادين البرية والبحرية والجوية.
- على الصعيد الاقتصادي:
سوف تحصل اسرائيل على مكانة خاصة في مجال استيراد الأسلحة أو تصديرها الأمر الذي يفتح أمامها فرصاً جديدة.