وجهة نظر

محاضرة لصلاح بو رعد في قاعة العماد نجيم عن العولمة وتبايناتها

العالم "المعلوم" مليء باللإنشاقات واللامساوة

ألقى الدكتور صلاح بو رعد في قاعة العماد نجيم في وزارة الدفاع الوطني, محاضرة بعنوان العولمة: المخاطر الناجمة عن تبايناتها والمدخلان الثقافي والإقليمي لمعالجتها.
مثّل قائد الجيش نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن نعيم فرح وحضر عدد كبير من ضباط الجيش.
قسّم الدكتور بو رعد محاضرته الى قسمين, فتناول في القسم الأول العولمة والتفاوت الإقتصادي, وعالج في القسم الثاني استخدام الإقتصاد المعرفي للمساهمة في تطوّر المجتمعات.
بداية عرض المحاضر لأصل العولمة وتطوّرها, فقدم لمحة تاريخية حول التبادل التجاري بين القارتين الأميركية والأوروبية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر مما أدى الى نشوء الإقتصاد الأطلسي, وهذا الأخير مهّد بدوره لانطلاق اقتصاد عالمي بعد نشوء الثورة الصناعية في أوروبا.
وعرض من ثم المحاضر للثورات الصناعية الثلاث التي شهدها العالم بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين.
الثورة الأولى تمثلت في اختراع محرّك البخار عام 1765. وتمثلت الثورة الثانية في اختراع القطار والتلغراف في النصف الأول من القرن التاسع عشر. أما الثورة الثالثة فهي ثورة المعرفة وإمكانية نشر المعلومات عبر الكرة الأرضية. وقد ارتبطت باختراع الكومبيوتر وتطوّر قطاع الإتصالات والمعلومات خلال القرن العشرين وصولاً الى اختراع الإنترنت.
وهذه الثورة الأخيرة كانت مقدمة للاقتصاد المعرفي العالمي وللعولمة, وقد أتاحات التواصل المباشر بين سكان العالم كافة.
النقطة الثالثة التي توقف عندها المحاضر ­ في سياق تحديد المسار الذي اتبعته العولمة في تطورها ­ تمثلت في النظر الى العولمة كمنهج تواصلي, وتظاهرة ذات أبعاد متعددة الأوجه.

في إطار حديثه عن جوانب العولمة ومواصفاتها, قال بو رعد إن من شأن العولمة:
­ التخفيف من قيود الأنظمة كنتيجة لفتح الأسواق وإلغاء نظم الحماية وحواجز التعرفات الجمركية التفضيلية, ومن جهة أخرى كنتيجة لتطبيق مبدأ عالمية التنافس.
­ توفير آليات التفاعل الإيجابي في ظل مجتمعات متنوّعة الثقافات.
­ تفكيك هيكليات قديمة قائمة واستحداث بدائل جديدة كنتيجة للتملكات الإندماجية على المستوى الدولي.
­ إزالة الحدود, فالعولمة تساهم في إزالة الحدود الإقتصادية والسياسية والأمنية والبيئية...
­ تكثيف التبادلات من خلال تكثيف التجارة العالمية وعمليات التبادل على مستوى الطاقات البشرية والمستوى الثقافي.
المحور الأخير في القسم الأول من المحاضرة كان تحت عنوان مواقع التفاوت في الاقتصاد العالمي. وفي هذا المحور عرض بو رعد لكيفية نشوء الانشقاقات بسبب العولمة. فالعالم المعولم كما قال, ليس متجانساً: بل هو مليء باللامساواة والإنشقاقات... فدول التجارة الحرة لشمال أميركا تؤلف مع الاتحاد الأوروبي 13% من مجموع سكان العالم. لكنها تمثل 44% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. أما الدول الصناعية في آسيا فتشكل مع دول التجارة الحرة لشمال أميركا والاتحاد الأوروبي نسبة 23% من مجموع سكان العالم, وتستأثر بـ60% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. في المقابل تجمع دول أوروبا 7% من مجموع سكان العالم لكنها تمثل أقل من 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وفي السياق ذاته ذكر المحاضر أن 20% من سكان الدول الأغنى في العالم يستهلكون نسبة 86% من مجموع الاستهلاك العالمي. وأضاف قائلاً: إن هذه الانشقاقات تنذر بثلاثة أخطار رئيسية تهدد استقرار النظام العالمي, وهي: ديون العالم الثالث, والإفراط في التسلّح, والإنفجار السكاني في الدول الفقيرة. ويترتب على ذلك نتائج رئيسية أبرزها تضاعف نسبة التفاوت الاقتصادي بين الدول الفقيرة والدول الغنية, وتعمق الفوارق داخل الدول الفقيرة بين طبقة الأغنياء وسائر الطبقات.

وأردف د. بو رعد قائلاً: إن عدم الاستقرار وهشاشة النمو الاقتصادي في البلدان الفقيرة يمهد الطريق لولادة بؤر التطرف. وهذه التهديدات جعلت العالم يستيقظ لمعالجة الإنشقاقات التي قسمت العالم الى قسمين متفاوتين لناحية الازدهار.
القسم الثاني من المحاضرة عالج مسألة استخدام الإقتصاد المعرفي للمساهمة في تطوّر المجتمعات. واعتبر المحاضر أن ذلك يتم من خلال دعم الجوانب الإيجابية للعولمة والحد من تأثيراتها السلبية عبر ما يلي:
­ جعل التطوّر التعليمي قاعدة للمعرفة: كلما طوّرت دولة ما من مناهجها التعليمية, فإن اقتصادها يتحسن.
­ اعتماد التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات كركيزة لانتشار المعرفة: هذه التقنيات عنصر أساسي للإفلات من براثن الفقر والقضاء عليه. وفي هذا السياق يندرج دور الإنترنت والتجارة الإلكترونية إضافة الى الهاتف الخلوي بارتباطه بالإنترنت.
وفي هذا المجال أشار المحاضر الى أن انتشار التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات هو غير متكافئ, فثمة شرخ كبير في هذا المجال بين الدول الغنية وتلك الفقيرة.
­ معالجة التباينات الناجمة عن العولمة: أن السبل الأساسية المتوافرة لمواجهة الأخطار التي تؤدي إليها الإنشقاقات والتباينات الناتجة عن العولمة هي: منظمة الأمم المتحدة, التحالفات بين الدول التي تجمعها روابط اللغة أو الجغرافيا, ما يقود الى توجهات مشتركة اجتماعية واقتصادية وثقافية..
وقد عدّد المحاضر التجمعات الإقليمية الرئيسية في العالم معتبراً أن الاتحاد الأوروبي هو المثل الأنجح بينها.

في المحور الأخير توقف بو رعد عند ما يمكن أن يحققه لبنان من فوائد من خلال اعتناق سياسة مستقبلية لتعميم المعرفة والاتجاه نحو الانفتاح الإقليمي, الذي يتيح له استغلال مؤهلاته وموقعه الجغرافي. وتناول في هذا الإطار على التوالي:
­ تفاعل الأنشطة: سوف تحدث الإبداعات التقنية ثورة في عالم الأعمال والتعليم والمجالات الترفيهية وتنشئ روابط متينة متفاعلة, مثلاً: بين المؤسسات التجارية والمؤسسات التربوية والجامعية... لكن من الضروري إصلاح القوانين واعتماد برامج تعليمية ملائمة لتعميم التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات.
­ التفاعل الثقافي: يؤدي اعتماد تقنيات الاتصالات الحديثة الى خلق نماذج جديدة من الثقافات وتبادل ثقافي وانفتاح على العالم الخارجي, وفي هذا المجال لطالما كان للبنان دور أساسي.
­ التفاعل الإقليمي: يمكن للبنان أن يكون نقطة انطلاق لخدمات مميزة بالجودة, ما يخلق تفاعلاً نشيطاً مع المحيط الإقليمي )في مجال الاتصالات( كما يرسخ دوره العالمي.
­ التعاون اللبناني السوري نواة لسوق اقتصادي عربي: لبنان وسوريا معاً يمتلكان مؤهلات هامة لخلق مساحة مشتركة للتنمية الاقتصادية, تكون نواة لسوق إقليمي مشترك في المستقبل, إذ يشكلان سوقاً لنحو 25 مليون مستهلك مقيم وأكثر من 20 مليون مواطن مغترب. والتعاون اللبناني السوري يمكن أن يبدأ ببرنامج يهدف الى تحسين المجالات المتاحة للوصول الى تقنيات الإتصالات والمعلومات الحديثة والتشجيع على استخدامها.